رغم أن زراعة الأشجار أصبحت ضرورة حتمية لإزالة الكربون وهدفًا رئيسًا لاتفاق باريس التاريخي ومؤتمر المناخ الأخير كوب 26، فإنها يبدو لم تعد حلاً كافيًا للتصدي للأزمة، بحسب ما اكتشفته دراسة جديدة.
فقد نشرت مجلة “ناتشور كلايمت تشينج” ورقة بحثية خلصت إلى أن حماية النظم البيئية يجب أن تكون على رأس الإجراءات المناخية وليس زراعة الأشجار.
وأجرت الدراسة مجموعة من العلماء من منظمة “ذا ناتشور كونسرفانسي”، تحت عنوان “حماية الأراضي وإدارتها ثم استعادتها للتخفيف من حدة تغير المناخ”.
وتُعدّ المنظمة البيئية العالمية أكبر منظمة في العالم تعمل على حماية الأراضي والمياه، وتأسست عام 1951، ومقرها ولاية فرجينيا الأميركية.
وتضم المنظمة أكثر من مليون عضو على مستوى العالم وأسهمت في حماية أكثر من 119 مليار فدان من الأراضي وآلاف الأميال من الأنهار في جميع أنحاء العالم.
وسلّطت الدراسة الجديدة الضوء على ضرورة إجراء خفض حاد للانبعاثات، إلى جانب زيادة إزالة الكربون من الغلاف الجوي، لتجنّب الآثار الناجمة عن تغير المناخ.
وترى الدراسة أن الإجراء الأكثر أهمية يتمثل في تقليل انبعاثات الوقود الأحفوري، والاستفادة من حلول المناخ الطبيعي لتحقيق ذلك، بالإضافة إلى التقاط انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتقليلها من خلال حماية النظم البيئية المتوافرة وتحسين إدارة الأراضي الزراعية والمراعي واستعادة النظم البيئية الطبيعية.
في الوقت نفسه، أكدت الدراسة أن زراعة الأشجار ستساعد في تحقيق ذلك، لكن العالم بحاجة إلى حماية النظم البيئية المتوفرة بدلًا من تدميرها.
التسلسل الهرمي لحلول المناخ
يُعدّ التسلسل الهرمي للتنوع البيولوجي -الذي شُكل رسميًا في عام 2012- بمثابة مصدر إلهام للتسلسل الهرمي لحلول المناخ القائمة على الطبيعة.
وأشار مؤلفو الدراسة إلى أن التسلسل الهرمي للتنوع البيولوجي ركّز على الحد من الآثار السلبية لمشروعات التنمية الاقتصادية على التنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي، إلى جانب تعزيز الحفاظ على التنوع البيولوجي العالمي.
وأوضحت الدراسة 3 خطوات لهذا التسلسل وهي: تجنب الآثار السلبية على التنوع البيولوجي، وتقليل الآثار الحتمية، ومعالجة الآثار السلبية عن طريق استعادة الأماكن والأنواع المتضررة.
وفي الآونة الأخيرة، طوّرت مجموعة من المنظمات المعروفة باسم “سينس باسد تارجتز نتورك” تسلسلًا هرميًا، لمساعدة القطاع العام والخاص على تعزيز أهداف الاستدامة.
ويتماشى إطار عمل التسلسل الهرمي لحلول المناخ القائمة على الطبيعة مع التسلسل الهرمي للتنوع البيولوجي.
ويركّز التسلسل الهرمي لحلول المناخ على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أو زيادة عزل الكربون دون إحداث تأثير سلبي على التنوع البيولوجي ورفاه البشر.
ضرورة التسلسل الهرمي
اقترحت الدراسة استخدام التسلسل الهرمي لحلول تغير المناخ القائمة على الطبيعة، بوصفه إطار عمل لصناع القرار في القطاع العام والخاص، ويشير ذلك إلى النظر في حلول المناخ المتعلقة بالحماية وتحسين الإدارة ثم استعادة الأراضي.
وأوضحت أن العلماء والعاملين في مجال الحفاظ على الطبيعة عادة ما يعطون الأولوية لاستعادة الأراضي على حساب تحسين الإدارة أو الحماية.
وأعطت مثالًا على ذلك عندما أعلنت الحكومة الكندية الاستثمار في حلول المناخ بقيمة 3.8 مليار دولار كندي (3 مليارات دولار أميركي) على مدى السنوات الـ10 المقبلة، وخصصت 81% للاستعادة (أي زراعة ملياري شجرة)، ولكن خصصت نحو 3% فقط لتحسين إدارة الأراضي و16% للحماية.
وكشفت الدراسة أن ذلك يتعارض مع الأبحاث الحديثة التي تفيد بأن الحماية وتحسين الإدارة يقدمان خيارات أكثر فاعلية للتخفيف من آثار المناخ في كندا.
وأوضحت أن البلدان التي وضعت قطاع الأراضي في مساهمتها المحددة وطنيًا في اتفاقية باريس التاريخية غالبًا ما تشمل الحماية والتشجير واستعادة الغابات دون تحسين إدارة النظم البيئية.
وأما بالنسبة إلى القطاع الخاص فقد أظهر أنماطًا متشابهة، فهناك نحو 93 تعهدًا معلنًا من الشركات التي وفرت تفاصيل حول إجراءات حلول المناخ تُظهر قرابة 78% من الشركات تدعم استعادة الأراضي، في حين بلغت النسبة المهتمة بالحماية 41%، و43% فقط أشاروا إلى تحسين إدارة الأراضي.
وفي مقابل ذلك، وجدت الدراسة -أيضًا- أن أغلب انبعاثات قطاع الأراضي من سلاسل التوريد الخاصة بالشركة تأتي من تحويل الإراضي وإدارتها، وبالتالي فإن تقليل هذه الأنشطة أمر بالغ الأهمية لتقليل الآثار المناخية لسلاسل التوريد.
كما وعدت أكثر من 400 شركة برفع إزالة الغابات ضمن سلاسل التوريد الخاصة بها، لكنها لم تحرز تقدمًا كبيرًا، وبدلاً من ذلك زادت التزامات الشركات بزراعة الأشجار، وفقًا للدراسة.
معايير حلول المناخ
كشفت الدراسة عن 4 معايير مترابطة تؤثر في الترتيب العام للتسلسل الهرمي لحلول المناخ القائمة على الطبيعة، وهي: حجم إمكانات الخفض المحتملة، والفاعلية من ناحية التكلفة، والأفق الزمني، والمكاسب المشتركة.
وأشارت إلى بعض العوامل الإضافية الأخرى مثل: الجغرافيا والمعوقات التقنية وإتاحة النظم البيئية للحماية و/أو الإدارة، إلى جانب السياسات واللوائح التي إما تحفز وإما تثبط إقرار حلول المناخ.
وبالإضافة إلى ذلك، لاحظت الدراسة أن متطلبات المجتمعات المحلية سيكون لها تأثير في استمرارية أنشطة حلول المناخ القائمة على الطبيعة.
وأكدت الدراسة أن الحماية يجب أن تكون على رأس الأولوية، ومن شأن ذلك أن يخفف من حدة آثار تغير المناخ على المدى القريب.
وأشارت إلى أن الخلل في النظم البيئية عن طريق قطع الغابات وحرث الأعشاب لزراعة المحاصيل قد يؤدي إلى فقد الكربون بسرعة، واستعادته قد يستغرق عقودًا وقرونًا، وأعطت الأولوية لحماية مخازن الكربون غير القابلة للاسترداد.
وحذرت الدراسة من أن الفشل في حماية النظم البيئية المحلية يمكن أن يقوّض فاعلية حلول المناخ الأخرى.
ويحتل تحسين الإدارة المرتبة الثانية لما له من فوائد عديدة تتعلق بتحسين التربة وزيادة غلة المحاصيل، وفي النهاية ترى الدراسة أن الاستعادة ستحد من أزمة تغير المناخ، لكنها ليست فاعلة مثل الحماية وتحسين الإدارة.
المصدر: الطاقة