“بطاريات المستقبل” في ظل التنافس المحموم عالمياً.. كيف ستسحب أميركا “البساط” من تحت الصين في سوق بطاريات الليثيوم؟
تحظى تقنية بطاريات الليثيوم بأهمية متزايدة، بسبب دورها في تعزيز القدرة التنافسية للولايات المتحدة ودول أخرى في جميع أنحاء العالم، على رأسها الصين، في سياق الاستغناء عن الوقود الأحفوري والتحول إلى مصادر الطاقة النظيفة ومواجهة أزمة المناخ.
يأتي هذا مع هيمنة الصين -حاليًا- على سلسلة توريد بطاريات الليثيوم العالمية، وسيطرتها على ما يزيد على 70% من إجمالي قدرة تصنيع بطاريات أيونات الليثيوم العالمية.
وهكذا إذا قررت الصين خنق الإمدادات أو رفع الأسعار بصفة كبيرة، فإن ذلك سيضر بقطاعي النقل واللوجستيات في الولايات المتحدة، اللذين يعتمدان بسرعة على السيارات الكهربائية التي تعمل ببطاريات الليثيوم، حسبما نشره موقع شركة تصنيع بطاريات الليثيوم “وان تشارج” الأميركية.
وتسعى الولايات المتحدة إلى تضييق الفجوة في هيمنة الصين على صناعة بطاريات أيونات الليثيوم التي تبلغ تكلفتها 46 مليار دولار، بفضل سياسة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لدفع نمو السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى استثمارات شركة تصنيع السيارات الكهربائية “تيسلا”.
وقد انتقلت الولايات المتحدة، ثاني أكبر سوق للسيارات الكهربائية على مستوى العالم، إلى المركز الثاني في تصنيف سلسلة التوريد العالمية لبطاريات الليثيوم أيون الذي وضعته منصة “بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس” مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بحسب وكالة بلومبرغ.
تُجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة احتلت المرتبة السادسة لعام 2020 في التصنيف الافتتاحي العام الماضي.
اعتماد أميركا على المصادر الخارجية
أشار مقال بعنوان “كيف تخسر الولايات المتحدة صناعة الليثيوم لصالح الصين؟” للكاتب الصحفي روبرت رابير، نشرته مجلة “فوربس”، في 11 يناير/كانون الثاني الجاري، إلى أن الولايات المتحدة رسخت هيمنتها باعتبارها أهم منتج ومستهلك للنفط في العالم منذ الأيام الأولى لاستخراجه.
وقال روبرت رابير إنه بمرور الوقت تسبب النضوب في الولايات المتحدة والاكتشافات بالخارج في تلاشي هيمنة الولايات المتحدة على صناعة النفط على الرغم من أنها ظلت أكبر مستهلك للنفط في العالم، إلا أنها أصبحت تعتمد كثيرًا على النفط الأجنبي.
وأضاف أن اعتماد الولايات المتحدة على البلدان الأخرى لتوفير النفط منذ سنوات عديدة أصبح قضية أمن قومي برزت في عام 1973، عندما بدأ العديد من أعضاء منظمة البلدان المصدرة للفنط (أوبك) فرض حظر نفطي على الولايات المتحدة وبعض حلفائها.
ونتيجة للحظر، نشأ اختلال في التوازن بين العرض والطلب، إذ تضاعفت أسعار النفط 4 مرات في مدة زمنية قصيرة، ما أسهم في ركود عالمي كبير.
وقد أثّر اعتماد الولايات المتحدة المستمر على النفط الأجنبي على السياسة الخارجية الأميركية لعقود من الزمن، وأسهم في صراعات عسكرية متعددة في الشرق الأوسط، بحسب ما نشرته مجلة فوربس.
وسنحت للولايات المتحدة فرصة ثانية نادرة لاستعادة استقلالية الطاقة نتيجة طفرة النفط الصخري، لكن الدروس التي تعلمتها بشأن تطور صناعة النفط انطوت على آثار مباشرة مع انتقال العالم إلى مصادر جديدة للطاقة.
وبيّن كاتب المقال أن النفط كان هو المادة الخام التي مكّنت من نمو صناعة النقل العالمية خلال القرن الماضي، ولكن الليثيوم سيصبح السلعة الأساسية في القرن المقبل.
ويطمح صانعو السيارات في الولايات المتحدة إلى أن السيارات الكهربائية تمثّل من 40% إلى 50% من مبيعات السيارات الجديدة بحلول عام 2030، ما سيؤدي إلى زيادة هائلة في استهلاك الليثيوم.
الطلب على الليثيوم
ذكر الكاتب الصحفي في مجال الطاقة المتجددة لدى مجلة “فوربس”، روبرت رابير، أن التقديرات تشير إلى أن الولايات المتحدة وحدها ستحتاج إلى 500 ألف طن متري سنويًا من الليثيوم غير المكرر بحلول عام 2034 فقط لتشغيل السيارات الكهربائية.
وأضاف أن الولايات المتحدة تنتج جزءًا بسيطًا من الليثيوم اليوم.
ووفقًا لرئيس شركة “إي 3 متالز” الكندية، كريس دورنبوس، بلغ الإنتاج العالمي الحالي من الليثيوم في عام 2020 نحو 440 ألف طن متري من مكافئ كربونات الليثيوم، الذي يحتوي على نحو 18% من الليثيوم النقي، وهو ليس في صورة نقية بما يكفي لتصنيع بطاريات الليثيوم.
وقال كاتب المقال إنه مثلما تنازلت الولايات المتحدة عن أمنها النفطي للدول الأجنبية، فهي في طريقها لفعل الشيء نفسه مع الليثيوم.
الهيمنة الصينية
وفقًا للمراجعة الإحصائية لشركة بي بيل عام 2021، تمتلك الصين 7.9% من احتياطي الليثيوم في العالم، وتمتلك الولايات المتحدة 4.0%، وتوجد غالبية احتياطيات الليثيوم العالمية في أميركا الجنوبية وأستراليا.
ومع ذلك، أصبحت الصين ثالث أكبر منتج لليثيوم في العالم، إذ تفوقت على الولايات المتحدة في عام 2020 بأكثر من 15 ضعفًا.
وقال الكاتب الصحفي في مجال الطاقة المتجددة لدى مجلة “فوربس”، روبرت رابير، إن هذه الهيمنة لم تحدث بالصدفة، فقد أنفقت الصين أكثر من 60 مليار دولار لبناء صناعة الليثيوم طوال العقد الماضي.
وأضاف أن الاستثمارات الأميركية تأخرت كثيرًا، ما مكّن الصين من بناء سلسلة توريد قوية لليثيوم، مشيرًا إلى أن الأمر يتعدى ما هو أبعد من الوصول إلى إمدادات الليثيوم، فقد استثمرت الصين بكثافة في إنتاج بطاريات أيونات الليثيوم.
وأوضح أنه إذا كان الليثيوم مشابهًا للبترول، فإن إنتاج بطاريات الليثيوم أيون يكون مماثلًا لمصافي التكرير والمصانع الكيماوية التي تحول هذا البترول إلى منتجات نهائية.
وأشار إلى أن الصين تسيطر على الحصة الكبرى من سلسلة التوريد العالمية لبطاريات الليثيوم، وقد نمت حصتها في السوق بنسبة 12% أخرى في العامين الماضيين.
وأكد أن هناك تهديدًا حقيقيًا يتمثّل في أن الصين ستسيطر على الليثيوم، إلّا أن الولايات المتحدة بحد ذاتها كانت منتِجًا رئيسًا، وهذا ما لا ينطبق على الليثيوم.
المصادر: مواقع إلكترونية _ الطاقة