اقتصادعرب وعالمعلوم وتكنولوجيا

الطاقة المتجددة.. الجزائر ستكون الأولى في أفريقيا مكمن المقومات الطبيعية الهائلة التي تحولها إلى مصادر الطاقة النظيفة

تمضي مشروعات الطاقة المتجددة في الجزائر بخطوات متسارعة نحو تحقيق أهداف الدولة في التحول إلى الطاقة النظيفة وزيادة مساهتمتها في مزيج الكهرباء الوطني.

في هذا السياق، وصف الخبير الجزائري، مولود باكلي، مناقصة الطاقة الشمسية التي طُرحت أواخر عام 2021 بـ”الخطوة الحاسمة” و”السقف الجديد” بمشهد الطاقة المتجددة في الجزائر.

إذ أشاد باكلي -في مقابلة مع “ألجيري-إيكو” الناطقة باللغة الفرنسية- بطرح عطاءات طال انتظارها للحصول على 1 غيغاواط من الطاقة الكهروضوئية نهاية عام 2021، على موقع وزارة الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة.

وشدّد على أنها فرصة لتكون الجزائر رائدة أفريقيا في الطاقة المتجددة، مع الالتزام بتقليل انبعاثات الكربون، إلّا أنه لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يجب القيام به أكثر مما أُنجِز.

وتتوقع البلاد هدفًا يبلغ 20 غيغاواط بحلول عام 2035 بمعدل 1 غيغاواط سنويًا، بما في ذلك 15 غيغاواط من الطاقة الكهروضوئية.

تحديات الطاقة المتجددة في الجزائر

أكد باكلي أن هناك العديد من الأسئلة حول جوانب القابلية لتمويل الطاقة المتجددة في الجزائر، والنظام البيئي الذي لم يكن مثاليًا بعد في البلاد.

إذ أوضح أن حجم المشروع ليس هو التحدي أمام الطاقة المتجددة في الجزائر، ولكن حقيقة معالجة منطقة تتطلب إتقان المشروع الممول بكل تعقيداته وآلياته المحددة.

وقال: “لقد أكدنا مرارًا وتكرارًا أهمية إتقان الهندسة المالية وتنفيذ نظام بيئي ملائم، بينما ضاعت معظم مؤسساتنا في جميع القضايا التكنولوجية وموضوعات البحث والتطوير، التي تُعدّ مهمة بالتأكيد، ولكنها لا تمثّل أولوية لإطلاق مشروعات الطاقة الشمسية، فقد أهدرنا الوقت”.

وأضاف أن هناك ما لا يقلّ عن 5 شركات مستثمرة دولية من الدرجة الأولى تستعد لتقديم عروضها المستقبلية.

توصيات نجاح الطاقة المتجددة في الجزائر

أشار باكلي إلى أنه قدّم توصيات محددة لنجاح الطاقة المتجددة في الجزائر، بهذه الدعوة لتقديم العطاءات وجذب مستثمرين من المستوى الأول.

إذ يجب أن يفي عقد اتفاقية شراء الطاقة بالحدّ الأدنى من معايير القابلية المصرفية الدولية، فإذا كان عقد الشراء غير قابل للتمويل المصرفي، فلن يشارك مستثمرو المستوى الأول في المناقصة.

وتابع أنه نشر قائمة شاملة بشروط القابلية المصرفية، مثل إعادة توزيعات الأرباح إلى الوطن، والضمان السيادي، وفهرسة اتفاقية شراء الطاقة على عملة من نوع الدولار الأميركي، ومكان التحكيم، وأمن الاتفاقية الذي يحمي البائع و المشتري، وقاعدة الأخذ أو الدفع (إعادة شراء كل إنتاج الطاقة الخضراء).

تعزيز المحتوى المحلي

شدّد باكلي على أنه إذا كان هناك جانب واحد قامت فيه الجزائر بعمل مهم، فهو في قطاع المحتوى المحلي الخاص.

وقال: “في العديد من مراكز الفكر والندوات والاجتماعات، دافعنا دائمًا عن المحتوى المحلي المستهدف والذكي بما يتماشى مع المعايير الدولية، وإلغاء الضرائب على المدخلات”.

ومن الواضح أنه من الضروري اختيار الشرائح ذات القيمة المضافة العالية (بحدّ أدنى 10% من التكلفة الإجمالية)، وليست المعقدة جدًا، للتنفيذ دون حاجز الملكية الفكرية.

هذه هي الحال بالنسبة للوحدات الكهروضوئية (35% من التكلفة)، الهياكل المعدنية وأجهزة التتبع (10-11% من التكلفة)، الخطوط (10-12% من التكلفة)، بحسب باكلي.

الطاقة الشمسية في الجزائر

من المؤكد أن المحتوى المحلي سيكون له تأثير في تكلفة كل كيلوواط/ساعة من الطاقة الشمسية، ولكن يجب التعامل مع هذا الموضوع بطريقة شاملة ورؤية لخلق الثروة، حسب الخبير الجزائري باكلي.

إذ لا يمكن للجزائر إطلاق 15 غيغاواط دون إطلاق صناعة مستدامة جاهزة للتصدير إلى أفريقيا، ناهيك عن خلق فرص العمل الأساسية.

وقال الخبير: “لقد أجرينا الحسابات وفقًا للمعايير الدولية، يوميًا، ولمدة 25 عامًا، يمثّل كل 1 غيغاواط من الطاقة الشمسية غير المثبتة عجزًا للجزائر يزيد عن نصف مليون دولار”.

ويتمثل ذلك في زيادة عائدات التصدير، واستعادة ثاني أكسيد الكربون، وإلغاء الدعم على سعر الكهرباء، ونحو عشرات الآلاف من الوظائف المباشرة وغير المباشرة.

يعتمد السعر لكل كيلوواط/ساعة الذي سيقدّمه المستثمرون على العديد من المعايير، من بينها الجودة الاستثنائية لأشعة الشمس، ومبلغ النفقات الرأسمالية، ونسب ومعدل الديون، ومدة اتفاقية شراء الطاقة.

“واقع وأوهام”.. تقرير ألماني يهاجم الطاقة المتجددة في الجزائر

في الوقت الذي جرى فيه إعلان خطة طموحة للتوسع بمشروعات الطاقة المتجددة في الجزائر، تستهدف إضافة 15 ألف ميغاواط بحلول عام 2035، كشف تقرير ألماني عن أن المساعي الجزائرية الخضراء “مجرد أوهام، لا آثر لها على أرض الواقع”.

التقرير الذي أعدّته مؤسسة فريدرش إيبرت الألمانية، وحمل عنوان “واقع وأوهام التنمية المستدامة في الجزائر”، أشار إلى أن الجزائر كانت في بداية استقلالها في طليعة بلدان عدم الانحياز وتيارات العالم الثالث المنحازة إلى البيئة والتنمية المستدامة.

وانتقد التقرير الخطاب السياسي في الجزائر، والذي يطرحها على أنها نموذج واعد للتنمية المستدامة في أفريقيا وفي العالم العربي، مشيرًا إلى حاجة الخطاب الدبلوماسي والرسمي إلى معالجة، في ظل تدخّل الدولة في كل تفاصيل الصورة الحالية التي يمكن أو نرغب في رسمها حول التنمية الخضراء.

انتقال الطاقة

أوضح التقرير الألماني -الذي كتبه الباحث كريم تيجاني- أن الجزائر لم تنخرط بعد في عملية تحوّل الطاقة، ووفقًا لتقرير وزارة الطاقة الجزائرية لعام 2020، ما يزال مزيج الطاقة في الدولة مدعومًا إلى حدّ كبير بقطاع الإسكان، الذي لم يطبّق أيّ تدابير لكفاءة الطاقة.

يأتي في المقام الثاني، وفقًا للتقرير، قطاع النقل، إذ لا يزال يُشَغَّل 90% عن طريق البر، وأكثر من 70% من المركبات النشطة تعمل بالديزل، بالإضافة إلى ذلك، تقطع معظم الشاحنات في الجزائر مسافات طويلة، وتنقل حمولات غالبًا ضعف ما يسمح بها القانون والمواصفات الفنية لهذه المركبات.

لا يؤدي هذا الاتجاه سوى إلى تسريع تقادم الطرقات، وأيضًا تلك المخصصة للوزن الثقيل، ومن ثم يتسبّب بشكل غير مباشر في استهلاك غير منطقي وذي نتائج عكسية للطاقة والموارد الطبيعية.

ناهيك عن الاختناقات المرورية العديدة التي تبطئ بشكل كبير من حركة المرور في أكبر المدن الجزائرية، وتولد خسائر هائلة في الطاقة وتسهم بتقليل كفاءة الطاقة في الجزائر.

إنتاج الكهرباء

أكد التقرير الألماني أن ما لا يقلّ عن 99% من الكهرباء تُنتَج من الغاز وأقلّ من 2% فقط من مصادر الطاقة المتجددة في الجزائر.

وأوضح أن الوقود الأحفوري موجود في كل مكان بمزيج الطاقة في البلاد، على الرغم من أن إمكاناتها من الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية.

وتطرّق التقرير إلى اعتماد الجزائر برنامجًا وطنيًا لـ الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في عام 2011، والذي تجري ترقيته إلى أولوية وطنية في عام 2016، موضحًا أن المشروع لم يصاحبه تقدّم ملموس بما فيه الكفاية على أرض الواقع لجعله ذا مصداقية.

الطاقة المتجددة في الجزائر

قال التقرير، إن من بين 22 ألف ميغاواط تشكّل إجمالي قدرة الطاقة المتجددة في الجزائر التي كانت قد أُعلِنَت في البرنامج الوطني بحلول عام 2030، أُنتِج 8.1% فقط في الجنوب والهضاب العليا بوساطة نحو 20 محطة للطاقة الشمسية تمّ بناؤها بين عامي 2014 و2020.

ورغم انتقادات التقرير لخطّة الطاقة المتجددة في الجزائر، فإن وزير الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، بن عتو زيان، أكد أن بلاده وضعت برنامجًا وطنيًا لتطوير الطاقات المتجددة، يهدف للوصول بالقدرات المركبة إلى 15 ألف ميغاواط بحلول 2035، مما سيسهم في رفع حصة الطاقات المتجددة بمزيج الطاقة الوطني من 1% حاليًا إلى 30% بالنسبة للاستطاعة المركبة، و27% بالنسبة للطاقة المنتجة.

وأشار بن عتو إلى إطلاق وزارته مشروع “سولار 1000” مع الشركة الجزائرية لتطوير الطاقات المتجددة “شمس”، التي أنشئت مؤخرًا لتطوير مشروعات الطاقات المتجددة في الجزائر، والذي يُنهي حاليًا كراسة الشروط، لطرحه في مزايدة مع نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري وبداية شهر يناير/كانون الثاني 2022.

تتمتع الجزائر بإمكانات كبيرة في الطاقة لا تقتصر على احتياطياتها الضخمة من الطاقة الشمسية، كما يمكن للطاقة الحرارية الجوفية وتطوير طاقة الكتلة الحيوية أن يزوّد مزيج الطاقة الجزائري بطاقات متجددة لا يستهان بها.

ويمكن لبعض مناطق الجزائر أن تُظهر أداءً مثيرًا للاهتمام في مجال طاقة الرياح، ووفقًا لخبراء مركز تنمية الطاقات المتجددة، فإن الأطلس الذي تمّ عمله لتقدير الإمكانات الحقيقية لا يزال غير كافٍ لاختيار المواقع المؤهلة لإنشاء مزارع الرياح، بالرغم من أنه تم احتساب طاقة الرياح الركيزة الثانية لتنمية الطاقة المتجددة في الجزائر بعد الطاقة الشمسية.

الهيدروجين الأخضر

أشار التقرير الألماني إلى أن الجزائر يمكن أن تكون مصدّرًا متميزًا للهيدروجين الأخضر نحو أوروبا، التي تسجل تأخرًا كبيرًا بهذا
المجال في الوقت الحالي، إلّا أنه من غير المعروف بعد ما إذا كانت هذه التكنولوجيا ستكون في الواقع قادرة على الوفاء بالالتزامات البيئية التي أعلنها مروّجوها.

يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه الجزائر، مؤخرًا، عزمها تصدير الهيدروجين إلى أوروبا عبر أنابيب الغاز الطبيعي، التي تربطها بالقارّة العجوز، ووقّعت لتحقيق ذلك اتفاقية بين شركتي إيني وسنام.

ترشيد الاستهلاك

اتّهم التقرير الألماني الحكومة الجزائرية بالتقصير في تحمّل مسؤوليتها لترشيد الاستهلاك، خاصة استهلاك الطاقة، قائلًا: “رغم أن الحكومة تحمّل باستمرار المنازل مسؤولية الهدر في الطاقة، فإنها نادرًا ما تتخذ تدابير قسرية أو اقتصادية للمكافحة الفعّالة لسوء استخدام الموارد الطبيعية”.

كما اتّهم التقرير النظام الجزائري بأنه أكبر المتسببين في الهدر، وليس فقط البيوت الجزائرية، التي تستمر قدرتها الشرائية في التدهور مع تقلّص قيمة الدينار على نحو مطّرد، وأن الأزمة الاقتصادية تتفاقم، ليس فقط بسبب الآثار المدمرة للوباء، ولكن أيضًا بسبب افتقار البلاد إلى تنمية مستدامة حقيقية.

وأوضح أن ميزان الطاقة الأخير في الجزائر يُظهر أن ولاية الجزائر تحتكر وحدها كمية من الطاقة تساوي الاستهلاك الإجمالي للولايات الـ10 التي تسبقها في هذا الترتيب، علاوة على ذلك، فإن الفاتورة الوطنية للبلديات الجزائرية تتركّز حول 10 ولايات من شمال وجنوب الجزائر.

الشعارات الجزائرية

اتهم التقرير جميع التحركات والمشاركات الجزائرية الفعالة على المستوى الدولي في سجلّ التنمية المستدامة والبيئة، بأنها سجلّ زائف لخطاب خالٍ من أيّ واقع عملي، مشيرًا إلى أن التنمية الخضراء في الجزائر أقرب ما تكون إلى خطاب مصقول جيدًا أكثر من كونها عملًا مُنجزًا حقًا على أرض الواقع.

وتطرّق التقرير إلى تصنيف جامعتي ييل وكولومبيا، في تقريرهما السنوي الأخير بعنوان “مؤشر الأداء البيئي”، الجزائر في المرتبة 18 من بين 180 دولة من حيث معالجة النفايات خلال 2022، وهو ما رآه التقرير أنه تصنيف اعتُمد على البيانات الحكومية.

وقال كاتب التقرير كريم تيجاني، إنه إذا كنت تعيش في هذا البلد كل يوم، فمن المستحيل عمليًا إجراء مثل هذا التصنيف ما لم نكن على استعداد للّعب بالكلمات والأرقام والاعتماد على التنظير.

وأضاف: “إن جولة بسيطة في وسائل التواصل الاجتماعي ستكون كافية للتشكيك في شرعية وصحة ترتيب الجزائر هذا فيما يتعلق بإدارة النفايات”ـ مشيرًا إلى أن التقارير استندت إلى بيانات رسمية تقدّمها السلطات الجزائرية.

الوقود الأحفوري والتنمية

انتقد التقرير الألماني، ما وصفة بحالة الازدواجية في الجزائر، فعلى الرغم أنه منذ 2016، يجري الحديث عن التنمية المستدامة، إلّا أنه في الوقت نفسه يُعلَن استغلال الغاز الصخري بانتظام، وتطوير الزراعة الصناعية في الصحراء، والرغبة المعلنة في توسيع استغلال المعادن بشكل متزايد، لا سيما تعدين العناصر الترابية النادرة، فضلًا عن العديد من المشروعات الأخرى الحساسة للغاية من الناحية البيئية.

وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من استثمار الجزائر منذ بداية العقد الأول من القرن الـ21 في بناء البنية التحتية المخصصة لحماية البيئة، مثل السدود وشبكات توزيع المياه ومحطات معالجة المياه المستعملة وشبكات الصرف الصحي، فضلاً عن مراكز الدفن التقني للنفايات ومقالب النفايات، وبناء وتعزيز الموارد البشرية وتنظيم الأطر المؤسسية والقانونية المتعلقة بالبيئة وحماية الموارد الطبيعية، وتطوير السياسات البيئية، فإن كل التدابير لم تكن قادرة على التخفيف من الآثار السلبية للأنشطة البشرية على حالة البيئة ونوعيتها.

آثار تغيّر المناخ

أكد التقرير أن الجزائر ليست في مأمن من مخاطر الطبيعة والمناخ بسبب الآثار المجتمعة للإدارة العشوائية في كثير من الأحيان، وهو ما يظهر واضحًا في كل مرة يكون لهطول أمطار غزيرة بعض الشيء آثار وخيمة.

وأوضح أن الموارد من الأراضي هشّة ومحدودة، والتآكل والتصحر في تسارع مستمر، والمناطق الساحلية في تدهور دائم، والموارد المائية غير كافية من حيث الجودة والكم، وتلوّث صناعي وعمراني غير منضبط، وتدهور البيئة المعيشية للمواطنين.

وأشار التقرير إلى تأخُر الجزائر مواجهة التحديات البيئية من خلال خطة تنمية وطنية، إذ لم يتغير شيء نحو الأفضل على الرغم من اللجان والقرارات والتشريعات البيئية.

ولفت إلى أن الزراعة والصناعة والإسكان والسياحة والعديد من القطاعات الأخرى للاقتصاد الجزائري لعبت دورًا رئيسًّا في تدهور الغطاء النباتي وسلامة مستجمعات المياه والمياه الجوفية، وكذلك في تلوث وتبذير المياه وتعطيل النظم الطبيعية والتقليدية لتصريف أو توزيع هذا الموارد.

وأوضح أن كل هذه الاعتداءات أسهمت في التصحر الذي لم يعد يمتد من الجنوب إلى الشمال فحسب، بل يمتد أيضًا من السواحل إلى الهضاب العليا.

المصادر مواقع إلكترونية – الطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى