في مطلع عام 1911 م بدأت الثلوج تتساقط بغزارة على سورية و حصلت الثلجة الكبرى التي استمر هطول الثلج فيها لمدة أربعين يوماً ( 20 كانون الثاني وحتى 1 آذار ) وفي حلب كان الناس يفتحون أبواب بيوتهم ليجدوها مسدودة بالثلج ، ووقع برد شديد بعدها و عم الجليد الى ما بعد شهر آذار غُمرت المدينة و ريفها بالصقيع ووصلت الحرارة إلى درجة 10 تحت الصفر وأحياناً إلى 20 تحت الصفر (و هي درجة الحرارة في سيبيريا شمال روسيا ) توقفت القطارات بين حلب و دمشق ثلاثين يوماً انقطع سير القوافل و قاسـ.ـى الفقراء الاهوال من قلة القوت و الوقود بعدما يبست الأشجار وندر وجود الفحم للتدفئة.
و ارتفعت الاسعار بشكل جنوني و توقفت الافران عن انتاج الخبز لعدم توفر الوقود نفقت الحيوانات وقدرت عدد الأغنام التالفة بنصف مليون في المناطق التي غمرها الجليد ،و هامت الوحوش و الضواري في ضواحي حلب توفي مئات من الناس من البرد الشديد والأمراض الصدرية و مات المسافرين الذين كانوا في الطريق بردا او افتراسا من الضواري و الوحوش ،و مات عرب البوادي القاطنين في خيم الشعر ألزمت الحكومة العثمانية أصحاب حمامات السوق أن يفتحوها ليلاً لمبيت الفقراء التماسا لدفء الحمامات العامة التي لا نار فيها تشققت من شدة البرد.
الأعمدة الحجرية في بعض المساجد التي يزيد عمرها على ستمائة سنة مما يدل انه لم يأت مثل هذا البرد منذ ستمائة سنة خلت و تفرقع أكثر الرخام المفروش في المنازل و المساجد ،و تحطمت الاواني الزجاجية التي يوجد فيها السوائل ، و جمد الحبر في المحابر سميت تلك الثلجة في كتب التاريخ ثلجة الاربعين “الثلجة
الكبيرة” سمعنا عنها الكثير، خاصة من أجدادنا ومن أولئك الذين عايشوها حتى ارتبطت بذاكرتهم، وأصبح يضرب بها المثل، وفي كثير من الأحيان عندما تسأل شخصاً كبيراً في السن عن حدث ما متى حصل يقول لك من أيام “الثلجة” فما قصة هذه الثلجة الثلجة الكبيرة حدثت في آذار عام 1911؛،وتميز هذا الموسم بشتائه القاسي وبرودته الشديدة على شرق أوروبا وتركيا
وبلاد الشام (خاصة شمالها) وحدثت فيه ” ثلجة الأربعين يوماً ” على بلاد الشام (الاردن وفلسطين وسوريا) مطلع عام 1911 م بدأت الثلوج تتساقط بغزارة وحصلت الثلجة الكبرى التي استمر الثلج فيها يتساقط لمدة أربعين يوماً دون ذوبان، فكان الناس يفتحون أبواب بيوتهم ليجدوها مسدودة بالثلج، ووقع برد شديد بعدها واستمر الجليد إلى ما بعد شهر آذار غُمرت المدن وريفها بالصقيع
ويقول أجدادنا “نفقت الحيوانات وقدرت عدد الأغنام التالفة بنصف مليون في المناطق التي غمرها الجليد، وهامت الو.حوش والضواري وتوفي مئات من الناس من البرد الشديد والأمراض الصدرية ومات المسافرون الذين كانوا في الطريق بردا او افتراسا من الضواري والوحوش كما و تعتبر الثلجة الكبرى من الكـ.ـوارث الطبيعية التي حدثت للمدينة في العصر الحديث، ويسميها أهل حمص
ثلجة الأربعين لأن الثلج استمر فيها أربعين يوماً حدثت بعد سنتين من الطوفة الكبيرة في كانون أول العام 1911 م.
في ذلك اليوم بدأ نزول الثلج فتلقاه الناس والأطفال في البداية كالعادة في كل عام باللعب والترحاب والغناء:كبر وانزل قد المغزل وكبر واشلح قد المشلح وكلما كانت قطع الثلج أكبر كانت فرحة الناس تكبر، لذلك كان الأطفال والكبار يطلبون أن تكبر قطع
الثلج حتى تصبح على قدر دولاب المغزل بل قدر المشلح وهو العباءة التي يلبسها الناس أيام البر وكانت لحظات جميلة ممتعة لدى الجميع، وخاصة الأطفال الذين خرجوا إلى الشوارع يلعبون تحت الثلج، وكان الكبار يمرون تحت الثلج وهم يستظلون بعبائاتهم و( مشالحهم )، والنساء يلتفحن بالملاءات السود وقد رقشها الثلج وفي المساء يأوي الناس جميعا إلى البيوت
فيشعلون النار بالمنقل الطيني، ويلتفون حوله يستدفئون بناره ويتسامرون طوال السهرة في الصباح يبكّر الرجال بهمة ونشاط لقش الثلج الذي تجمع على السطوح وجرفه عنها، فيصعد الرجال إلى السطح وهم يحملون الرفوش الخشبية ويجرفون الثلج ويلقون به إلى الشارع، فيخلّصوا السطوح من ضغط وزن الثلج عليه للوقاية من الدلف( الوكف ) لكن الثلج يستمر بالنزول ويتراكم
في أرض الدار، وهنا يبدأ القلق عند الناس ويزداد قلقهم وتوترهم مع استمرار ارتفاع الثلج شيئاً فشيئاً مع الأيام دون توقف حتى يبلغ مستوى النوافذ، فيبدأ الرجال بشق ممرات ضيقة في أرض الدار، والشوارع لتسهيل حركة المرور والتنقل بين الدور، ويفتح الرجال نوافذ بين الجدران الثلجية للتواصل مع جيرانهم ويتوقف الثلج يوماً ويصحو الجو وتسطع أشعة الشمس على البيوت
فتبث الحرارة والنشاط في أجسام الرجال، فينهض رجال المدينة جميعاً ويصعدون السطوح، ويقومون بعملية دحو السطوح برش الرماد ( الصفّة ) أو نقارة الحجر الناعم فوق السطوح بعد تنظيفها من الثلج، ثم يخبطون عليها بخشبة مسطحة، ويرصونها بالمعرجلانة حتى تتماسك التربة وتمنع دلف الماء من السقوف ومن جهة أخرى تستمر عملية فتح الممرات، وإزالة ما تراكم
عليها من الثلج حتى تتكوم الثلوج جبالاً في الشوارع وأرض الدور، فتحجب الرؤية وتعيق الحركة والتواصل بين الناس.
خلال تلك الظروف وفي تلك الأجواء الثلجية الباردة تقتصر النساء في صنع الطعام على ما يتوفر من مونتها ومخزونها الصيفي، فتطبخ المجدرة والبرغل بأنواعه، والشوربة بعدس والكشك والخضار المجففة، والكبة حيلة والمصفّرة وتخبز العجين على التنور أو على الصاج.
ويستمر نزول الثلج وتطول مدته، فيبدأ الدلف بالنزول من السقف إلى أرض الغرفة، ويستمر ويزيد حتى يعمّ الدلف الغرفة جميعها ولا يترك سوى زاوية بسيطة دون دلف، فيتجمع أهل البيت جميعهم في هذه ( قرنة ) زاوية صغيرة من الغرفة فوق بعضهم يستدفئون على جمر النار من الخشب أو الفحم في المنقل ( الكانون ) ورغم هذه الشدة والأجواء الصعبة لا يتوقف السمر،
والحديث حول الكانون برواية الحكايات من قبل الجد أو الجدّة أو تداول الأخبار المثيرة التي سمعوها عن الحوادث الغريبة، والخطيرة التي حدثت نتيجة أجواء الثلج الشتوية فيقولون: ” إن بيت فلان انهار عليهم سقف الغرفة بسبب تراكم الثلج عليه فلم يتحمل الثقل عليه فسقط على أهله ومات منهم فلان…. وأسعفوا منهم فلان ثم يدعون لهم بقلب صادق ( الله يكون بعونهم…).
وفلان كان يقش الثلج عن سطح بيته، فانزلق عنه ووقع على الأرض فانكسرت رجله ثم يرددون بحزن : ( يا حرام الله يساعد أهله… )وفلان يقولون اضطر أن يخرج من بيته في هذه الأجواء إلى الضيعة الفلانية وهو على حماره فلاقته الضبع فلم يتمكن من الإفلات منه فرمته عن حماره وأكلته هو وحماره …. ” الله يرحمه ويصبر أهله وتستمر الحكايات القديمة على هذا المنوال ما دامت
هذه الأجواء الصعبة قائمة والثلج مستمر في النزول والبرد يشتد وطئته على الجميع وكالعادة في هذه الأجواء تجوع الحيوانات المفترسة، وتبدأ بالاقتراب من ضواحي المدينة وأطرافها بحثاً عن القوت والفرائس، وتهاجم الضباع البيوت المتطرفة، فيتصدى لها أهلها ويدافعون عن أنفسهم بشراسة، ومن تستفرد به الضباع كان الله في عونه وفي هذه الأجواء أيضاً تقل الأقوات، ويصعب
الوصول إلى الأفران والطاحون، ويندر الدقيق وتغلو الأسعار، ويعاني الفقراء خاصة من الجوع، وينجو من يملك مؤونة كافية في بيته من الدقيق، والزيت والبرغل والدبس والزبيب والحطب ويقدم بعض الناس من أهل الخير، والكرم المعونة لجيرانهم لينقذوهم من الجوع حتى تنكشف هذه الغمة عن الجميع في نهاية يوم الأربعين تشرق الشمس من جديد، وتسطع بأشعتها القوية
على المدينة ويتنفس الناس الصعداء، ويتحركون لإزالة آثار النكبة لكن مشكلة أخرى تظهر فجأة تحت الليل، وهي ” الصبرة ” أوالصقيع وهي أهم المظاهر الخطيرة التي تحدث بعد توقف الثلج، فتؤدي إلى انزلاق الناس، والحوادث المؤسفة من الكسور والرضوض وتعيق حركة الأفراد. وتظهر القناديل البلّورية المتجمدة الصلبة وهي تتدلى من مزاريب الأسطح إلى صحن الدار والشوارع.
فيقوم الأولاد بكسرها واللعب بها في الطرقات وتذوب طبقات الثلج التي تجمدت وتصلبت، وتتشكل جداول المياه الصغيرة التي تنحدر وتتجمع في الطرقات فتشكل جداول صغيرة تذهب إلى المصارف والمنخفضات، ولا يأتي المساء حتى تختفي آثار الثلج من باحة الدور، وتبقى بعض آثارها في الطرقات وأرّخ هذه الثلجة الكبرى أديبة #حمصية تسمّى ( صدّيقة ) بنت سعد الدين شمسي
باشا في قصيدة باللهجة العامية، ذكرت أن الثلجة كانت عامة وليست خاصة بحمص عمت شمال سورية إلى وسط الإردن وقد ذكرها الصافي في جناح الذكرى تقول فيها: قد وقع من السنين سنة التاسع والعشرين أيامه أربعين قد قل فيها الطحين
قد شملت كل البلدان من حلب إلى معدان وفي ختامها تقول: أول يوم في ربيع شهر النبي الشفيع أتانا فصل الربيع ولاحت البشاير
المصدر: حرف ذهبي