بعد أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً على اندلاع أزمة “الماسة الزرقاء” بين السعودية وتايلاند توصل البلدين إلى اتفاق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
فبينما كان البستاني التايلانديكريانغكراي تيشامونغ يعمل في قصر الأمير فيصل بن فهد بوابا في عام 1989، وقعت عيناه على كمية هائلة من المجوهرات التي كانت بحوزة الأمير. فخطط لسرقة بعضها ظناً منه أن الأمير لن يلحظ ذلك.
بعد اكتساب البستاني ثقة عمال القصر، اقترب من حارس القصر الفلبيني أثناء إدخال الرقم السري لجهاز الإنذار وحفظه, فبدأ بسرقة المجوهرات على دفعات، بينما كان الأمير وأسرته في إجازة خارج الرياض. وعند عودتهم، اكتشفوا اختفاء المجوهرات، وعلموا أن البستاني هو من قام بذلك.
مما أدى الى توتر العلاقات بين البلدين بسرعة نظراً لمكانة الأمير فيصل، إذ كان والده الملك فهد يتولى عرش المملكة وقتها. وأصبحت القضية أشبه بمثلث برمودا، تبتلع كل من يقترب منها.
وبوجود خطة متقنة وذكية استطاع البستاني التسلل إلى غرف النوم أثناء غياب أصحابها، ليسرق المجوهرات على دفعات وصلت مجموع ما سرقه إلى 90 كيلو غراماً من القلادات والخواتم والأساور المصنوعة من الأحجار الكريمة والذهب والزمرد، وساعات مرصعة بالياقوت والألماس, ومن بين المجوهرات الثمينة التي سرقها، كانت هناك ماسة زرقاء باهظة الثمن ونادرة تتجاوز قيمتها 20 مليون دولار.
أرسل البستاني المسروقات على دفعات إلى بلده قبل أن يأخذ الدفعة الأخيرة معه ويفر بها من السعودية.
لم يمضِ وقت طويل حتى علم الأمير وعائلته بفقدان بعض مجوهراتهم. فتواصلوا مع السلطات التايلندية التي وعدت بحل القضية بأقصى سرعة وإعادة المجوهرات إلى الأمير.
وبعد التحريات ألقت السلطات التايلندية القبض على البستاني واسترجعت منه المجوهرات وأعيدت للأمير وزُجَّ باللص في السجن لمدة خمس سنوات.
لكن بعد استرجاعها اكتشف الأمير أن 20 في المئة فقط من المجوهرات التي أعيدت إليه كانت حقيقية، أما الباقي فكانت مزيفة.
استمرت د بالتحقيق في القضية على مدار عامين للحفاظ على علاقات حسنة مع السعودية، واُتهم مسؤول بارز باختلاس بعض المجوهرات، وتم استردادها منه وأعيدت للأمير عام 1991، إلا أن الكمية كانت صغيرة، ولم تكن الماسة الزرقاء من بين المجوهرات المستردة.
فأصبحت القضية أكثر تعقيداً، بعد أن تم تهديد وخطف زوجة وابن تاجر المجوهرات الذي اشترى المجوهرات المسروقة من البستاني، وعُثر عليهما لاحقاً مقتولين داخل سيارتهم.
وبسبب السرية التامة لم يتم معرفة القتلة فسُجلت جميع عمليات القتل التي كانت ذات صلة بقضية مجوهرات الأمير فيصل، ضد مجهول، بمن فيهم قتل رجل أعمال سعودي كان يجري تحقيقا خاصاً في القضية، وأربع دبلوماسيين سعوديين، ورجّح خبراء أن يكون وراء عمليات القتل مسؤولون كبار في السلطة.
الحادثة التي الى أثارت سخط السعودية، فاتخذت إجراءات دبلوماسية ضد تايلاند منها خفض مستوى بعثتها الدبلوماسية إلى أقل مستوى، وفقد مئات الآلاف من العمال التايلانديين وظائفهم في السعودية، وعادوا إلى بلدهم وأوقفت السعودية لفترة منح تأشيرات دخول للتايلانديين إلى المملكة.
وفي الوقت الذي كان السعوديون مازالوا يبحثون عن مجوهراتهم المفقودة، ظهرت زوجات كبار المسؤولين التايلانديين في مناسبات رسمية وهن يرتدين بعض المجوهرات الجديدة التي كانت تشبه كثيراً مجوهرات الأمير فيصل.
ولمقتضيات التستر والابتعاد عن كشف الحقائق كانت العاصمة التايلاندية أشبه بمصيدة موت لكل من ساهم في البحث عن الحقيقة، إذ قتل في ظروف غامضة كل من حاول الوصول إلى الحقيقة والكشف عن المستفيدين الحقيقيين من المجوهرات المسروقة.
و صرح محمد سعيد خوجة (دبلوماسي سعودي بارز كان يعيش في تايلاند) لصحيفة نيويورك تايمز في عام 1994: “الشرطة هنا أكبر من الحكومة نفسها، أشعر أنني كمسلم يجب أن أحارب الشياطين هنا”.
وقال السعوديون إن ضباطاً تايلانديين كباراً لهم علاقة بالسرقة وعمليات القتل المتلاحقة للمحققين. وتضاربت الآراء حول المشتبه بهم في عمليات القتل، فقد أشارت برقية أمريكية عام 2010، إلى أن حزب الله اللبناني وراء عمليات القتل في تايلاند، إلا أن التحقيقات لم تحسم الأمر وبقي اللصوص والقتلة مجهولين.
وفي عام 2015، اتهمت السعودية خمسة من كبار الضباط التايلانديين بالتورط في عملية السرقة، ولكن لم تتم إدانتهم بسبب عدم كفاية الأدلة.
وأدرج اسم رئيس الشرطة التايلاندية ساونغ تيراسوات، في قائمة المتهمين، وقيل أنه غَيّر مجرى التحقيق وعرقله من خلال الضغط على تاجر مجوهرات اعترف في وقت سابق بأن “الكثير من ضباط الشرطة الذين يرتدون الزي الرسمي هم في الواقع لصوص”.
وقيل أن زوجة تيراسوات ظهرت في إحدى المناسبات مرتدية عقداً من الماس، بدا مألوفا جداً للأمير السعودي، إلا أن تيراسوات نفى أن يكون ذلك العقد هو نفسه العقد المفقود.
وقال تيراسوات إن اللصوص الحقيقيين عبثوا بالصورة بهدف التضليل. وتسببت القضية في خسارة تايلاند لما يقارب 10 مليارات دولار سنوياً على مدار 20 عاماً بسبب منع المملكة للعمالة التايلاندية وتراجع السياحة السعودية في تايلاند، ورغم كل ذلك مازال مصير الماسة الزرقاء مجهولاً حتى الآن.
تم الأُفرج عن السارق بعد قضاء حوالي ثلاث سنوات في السجن من أصل خمسة عقب صدور عفو عنه لحسن سلوكه في السجن.
وقال وقتها نادماً: “أنا واثق من أن جميع مصائبي سببها لعنة مجوهرات الأمير فيصل التي سرقتها، لذلك قررت أن أصبح راهباً بوذياً بقية حياتي علّني أكفِّرُ عن ذنبي”.
وبعد إطلاق سراحه، بات يحمل اسماً جديداً معناه “صاحب العلم بالماس”.
المصدر: BBC NEWS