لم يكن الدخول إلى موقع الجامع الكائن في حي المنصور (أحد أحياء بغداد الراقية) بالأمر الهين، فالمسجد الذي بدأ العمل فيه عام 1999 إبان حكم نظام الرئيس العراقي الراحل صدام الحسين وكان من المفترض أن يتم افتتاحه في 2010، توقف العمل فيه بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وحتى الآن تتنازع السيطرة عليه عدة جهات.
صُمم الجامع ليضاهي تاج محل في الهند، وكان من المقرر له أن يكون من أكبر المساجد في العالم، إذ تتسع بنايته الضخمة لـ15 ألف مصل، تعلوه قبة كبيرة يبلُغ ارتفاعها 84 مترا، تُحيط بها 8 قباب يبلغ ارتفاع كل منها 28 مترا، كل قبة منها تضم 14 قبة أخرى أصغر بارتفاع 14 مترا. ما زال مكان القبة المركزية مفتوحا بثغرة عملاقة كان من المفترض أن تُغطى بالخزف المُزين بالذهب.
وفي حديثه للجزيرة نت، تحدث المعماري العراقي ساهر القيسي عن جامع الرحمن، قائلا “كُلّفت بإعداد المخططات التصميمية والتنفيذية لمشروع الجامع من خلال العقد المُبرم بين رئاسة الديوان وجامعة بغداد، على أن تتم المباشرة بالعمل من مركز الإدريسي التابع لوزارة الإسكان والتعمير، وتم الاتفاق على أن تكون متابعة المشروع من قبل لجنة مؤلفة من اختصاصيين تابعين للمركز ذاته”.
بعد إنجاز المرحلة الأولى من المشروع -يضيف القيسي- تم تغيير المسؤول عن المتابعة من ليث النعيمي صاحب الفكرة التصميمية الفائزة، ليحل محله المعماري عفيف جواد، “ثم طُلب مني عمل تصميم جديد للجامع يُقدم مع المرحلة الثانية”.
وبعد تقديم جميع المخططات التصميمية التي تضم التفاصيل والقياسات والمواقع، إضافة إلى الواجهات ومعالجتها التفصيلية، إلى جانب الموقع العام الذي يضم أروقة خاصة وعامة والمنارة والمصلى الصيفي والمداخل ومباني الخدمات؛ بدأ العمل على تنفيذ المرحلة الثانية.
الفكرة التصميمية للجامع
وعن الفكرة التصميمية للجامع، يُكمل القيسي حديثه بالقول إن الفكرة هي تصميم جامع كبير رئيسي تُحيط به 8 جوامع صغيرة، وعلى أساس هذه الفكرة تم وضع التصميم قيد التنفيذ.
فكرة الجامع فلسفية افتراضية، ترتكز على إقامة صرح حي لهُ القدرة على توليد الطاقات الإيجابية المستدامة والتي تُمثل العقيدة الإسلامية، حيث تُجسد فكرة أن التوحيد هو النظام الأسمى للحياة وللبشر.
تم تصميم هذه الفكرة بأسلوب معماري يتمثل بكتلة ثمانية الشكل، تعلوها قبة كبيرة هي رمز للعمارة الإسلامية، ومن صُلبها تنبثق 8 جوامع صغيرة نسبيا، كما أن هذا التشكيل المعماري لجامع الرحمن يُمثل تجسيدا لسمات العمارة العربية الإسلامية والعراقية بشكل فني وتقني معاصر.
صراعات دينية واحزاب
منذ توقف العمل في جامع الرحمن عام 2003، والمبنى بكتلته الخرسانية الضخمة غير المكتملة محل صراع بين أطراف عديدة، ومنها الوقفان الشيعي والسني كلٌّ حول أحقيته في امتلاكه.
ثم يأتي حزب الفضيلة بزعامة رجل الدين محمد اليعقوبي الذي يتخذ من الجامع مقرا له منذ 17 عاما، ولم يستطع الحزب إكمال الجامع رغم محاولاته بسبب المبالغ الضخمة التي يتطلبها إنجازه.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، حكم القضاء بأحقية الوقف الشيعي بالبناء، كما ألزم الحكم حزب الفضيلة بدفع مبلغ قدره 200 مليون دولار تعويضا، لكن لم يتم تنفيذ الحكم.
سهير الصراف ترى أن الجوامع والأماكن الدينية يجب أن تكون تحت سيطرة جهة واحدة هي الأوقاف الدينية (الجزيرة نت)
تاج محل وجامع الرحمن
يُعتبر تاج محل الهند من أروع الأمثلة على تطور فن العمارة، لأنه يجمع في تناغم جميل ما بين الحضارة الهندية الإسلامية والفارسية، وكان قد شيد من الرخام الأبيض من قبل الإمبراطور المغولي المسلم شاه جهان لتخليد ذكرى زوجته، واستغرق العمل فيه 22 عاما.
وعن عائدية جامع الرحمن لجهة ما، ترى المستشارة في مجلس محافظة بغداد سهير الصراف، أن الجوامع والأماكن الدينية يجب أن تكون تحت سيطرة جهة واحدة هي الأوقاف الدينية، معربة عن أسفها للنزاع القائم حول الجامع بين الوقفين الشيعي والسني، إضافة إلى جهة أخرى تضع يدها على المبنى لممارسة الشعائر الدينية.
المصادر : مواقع الكترونية عربية – الجزيرة