لا ينبت في الصحراء إلا القوي من النبات الذي يستطيع أن يصمد في وجه عوامل التعرية مثبتا جدارته بالبقاء، تتفيأ ظلال أشجاره عن اليمين وعن الشمال صانعا أماكن للراحة وسط أجواء تنتشر فيها أشعة الشمس الحارقة، يُخبر عن أيام السابقين وذكرياتهم.
تحت شجرة تسمى “السَّمُرة” بالحديبية، بايع النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه وهو في الطريق إلى مكة في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، وما زالت تلك الشجرة مقترنة بتلك الحادثة التي مرّت عليها الأزمان المختلفة وتقلبّت عليها القرون المتعددة.
يسرد هذا الفيلم الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية بعنوان “السّمرة.. شاهد الأرض والعزة” حكاية شجرة السمرة الصحراوية التي تنتشر في بلاد المغرب العربي وشبه الجزيرة العربية وشرق القارة الهندية حتى الجنوب الأفريقي، متحدثا عن خصائصها وسماتها، واهتمام الشعراء بذكر محاسنها.
وهي شجرة تنبت في دولة قطر وتقف في وجه الرياح الشمالية العاتية، تحمي التربة من الانجراف وتكافح التصحر وتلطف أجواء البر المحيط بها.
مائة عام من العطاء.. شجرة برية مثمرة
تطوف كاميرا الفيلم حول تلك الشجرة البرية التي تعود إلى الفصيلة البقولية التي يطلق عليها علميا اسم (Acacia Tortilis)، تجلس في ظلالها أم راشد تصف جذورها بالثابتة في الأرض منذ قديم الزمان.
تنمو تلك الشجرة وتزدهر في المناطق التي تكثر فيها السيول والوديان، وربما تعيش لمئة عام أو أكثر، ويمتد طولها بين متر إلى خمسة أمتار، ويشبه شكلها شكل المظلة التي مساحتها من 3 – 5 أمتار.
الفنان “علي الشريف” يرسم لوحة لشجرتي سمر وسط الصحراء
أوراقها صغيرة مركبة وريشية، وهي ذات أشواك قصيرة معقوفة ومتوسطة الطول ومستقيمة، ويقل الشوك المستقيم كلما تقدم في العمر وابتعدت فروعها الرئيسية عن الأرض وخطر الرعي.
حباها الله تعالى بزهور بيضاء كروية الشكل تسمى “البرم” وهي غنية بالرحيق وتعتبر مصدرا مهما للعسل البري، ثمرها ناعم الملمس بني اللون، أما جذعها وفروعها الجديدة فهي ذات لون بني محمر ويختفي اللون الأحمر مع تقدم العمر.
الغصون الوارفة.. ظلال في الفن والشعر
لأهمية هذه الشجرة وجمالها في البيئة القطرية يقف الفنان “علي الشريف” وسط الصحراء لرسم لوحة يظهر فيها رسم لشجرتي سمر كأن إحداهما تطلب من الأخرى المجيء إليها. يقول الفنان: أرسم حالة من الحزن، فقد افترقت الشجرتان عن بعضهما.
أما المنشد محمد بن ناصر التميمي الذي يغني كلمات للشيخة العنود بنت عبد الله آل ثاني فهو يتغنى بظلال هذه الشجرة وأفيائها وحسنها وزهراتها في قصيدة مطلعها:
وشوف السّحاب وباريقاته..
أم راشد امرأة من أهل البر لطالما عاشت في ظلال شجرة السمرة الوارفة واحتطبت من حطبها
جمال ألهم الشعراء الشعر في تلك الشجرة المُلهمة للأدب والفن، وهنا يظهر غناء المنشد محمد بن ناصر المناعي لكلمات وضحى العرب، ومنها:
صديقة البيئة.. من أشجار البر القطري
تُعد شجرة السّمُرة من أشجار البر القطري، وتنتشر في المنطقة الوسطى والغربية والجنوبية من دولة قطر، وتوجد مناطق عديدة في الدولة تحمل اسمها مثل أبو سمرة أو السّمرية ومنها ما يحمل اسم بعض فصائلها مثل أم غويلينية وبوغولانه.
وتنتشر تلك الشجرة في المدينة، فهي صديقة للبيئة ولا تحتاج للمياه الكثيرة، وقد صنعت بانتشارها منظرا جميلا وخلابا يسر الناظرين.
تمدد في العمران وتقلص في السمر.. الطريق إلى الانقراض
على الرغم من الجمال الذي تصنعه شجرة السمر في البيئة القطرية فإن ذلك لم يمنع من مواجهتها لخطر الانقراض لأسباب تتعلق بمهاجمة الحشرات والأورام البكتيرية لها، وكذلك مهاجمة الخنفس الذي يستطيع القضاء على 50% من البذور التي ينتجها النبات وتدمير 50% من أوراقه أيضا.
ومن الأسباب المؤدية إلى انقراضها ضعف التوعية بأهميتها وعدم إيجاد برامج لاستدامتها في المحيط الحضري والبري، كما أن التمدد العمراني والازدياد الكبير في أعداد الإبل وتأثير الرعي الجائر يلعب دورا هاما في انقراضها.
شجرة الأشواك والزهور الربيعية التي يقصدها النحل البري
أما “أم راشد” فتبقى مدافعة عن بقاء هذه الشجرة قائلة: لا أحد يُحطّب السمرة إلا إذا كانت يابسة أو لا ينتفع منها.
وعندما جاء علي الشريف إلى ذات المكان الذي رسم فيه لوحته الفنيّة بعد عدة سنوات رأى أن الأرض أصبحت جدباء قاحلة وأن كثيرا من النباتات انقرض وصار في عالم النسيان.
شجرة استظل بأفيائها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، رسمت للصحراء ملامح جميلة، تعطي أكلها كل حين بإذن ربها، هي عنوان إلهام للشعراء وفنّهم، ستبقى عزيزة في أرض الصحراء شاهدة على الحياة واختلاف الأزمنة.
المصادر : مواقع الكترونية عربية – الجزيرة الوثائقية