صنع عبد الله بن أحمد الغرير ثروة طائلة منذ بدايات الازدهار الاقتصادي في دبي إلى أن أصبح مليارديراً عصامياً. ومن خلال تبرعه بـ1.1 مليار دولار من ثروته أقام واحدة من أضخم المؤسسات التعليمية في العالم.
في سابقة من نوعها، وافق عبد الله بن أحمد الغرير (88 عاماً) عميد إحدى العائلات التجارية الشهيرة بدبي، على التحدث إلى فوربس الشرق الأوسط، حول رحلته من بائع سمك إلى أغنى رجل في الإمارات بثروة قدرها 5.9 مليار دولار.
إن إرثه الراسخ ملحوظ في كل ناحية من دبي- مسقط رأسه؛ فقد ساعد في تأسيس بنك المشرق، أقدم مصرف خاص في الإمارات. كما يعد مركز الغرير من أوائل المجمعات التجارية في الشرق الأوسط. وكان لشركته العاملة في الإنشاءات مشاركة في بناء برج خليفة- أطول مبنى في العالم. بينما ينوي الآن، إحداث أثر أكثر ديمومة في بلاده ومحيطها العربي الكبير.
انصرف اهتمام الغرير لمؤسسته التعليمية، التي تعد من كبرى المؤسسات في هذا المجال. ففي عام 2015، تعهد بمنح ثلث أصول شركته القابضة، بما يعادل 1.1 مليار دولار خلال 10 سنوات، لتوفير منح دراسية وبرامج تعليمية لطلاب الجامعات في الإمارات والدول العربية. يقول: «أرى أن التعليم أداة التمكين الحقيقية للشباب العربي، وأساس تنميتهم اجتماعياً واقتصادياً».
في حين تجابه مؤسسته أحد أعظم التحديات في العالم العربي، وهو توفير تعليم متميز. حيث تقدر الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن نحو 22 مليون طفل لا يرتادون المدارس أو على وشك الخروج منها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بسبب الصراعات بشكل عام. كما أن إتاحة تعليم عالٍ يمثل تحدياً ثانياً، فضلاً عن ارتفاع معدل البطالة بين الشباب.
وبقيادة ميساء جلبوط، قدمت مؤسسة الغرير حتى اليوم 787 منحة دراسية لطلاب فقراء من 22 دولة عربية، %17 من المستفيدين يعيشون في مناطق صراع أو لاجئين. وقد استحق 7 طلاب شهاداتهم واستكملوا متطلبات الدراسة، مما يمثل أولى عائدات استثمار الغرير التعليمي.
كذلك خصصت إحدى المنح للأردني ليث مبسلط (23 عاماً) الذي يسعى لنيل شهادة الماجستير في الهندسة الكهربائية من جامعة مكغيل في كندا. وهو يطمح للعمل في قطاع النقل أو الطاقة، ويتدرب حالياً في (Airbus). يقول إنه كان مضطراً من دون مساعدة مالية، إلى تأجيل دراسته لأعوام عدة على الأرجح.
فيما تأمل جلبوط، التي شغلت في السابق منصب الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الملكة رانيا للتعليم والتنمية، بمساعدة 15 ألف طالب بحلول عام 2025. وتوضح سالي جيفري، التي تدير قسم الاستشارات التعليمية للشرق الأوسط في (PricewaterhouseCoopers) بقولها: «ميزة البرنامج في أنه يرسل الطلبة غالباً إلى جامعات إقليمية، مشجعاً إياهم على التنقل ضمن هذا النطاق. كما يدعم المؤسسات المحلية، التي تكافح معظمها من أجل تحقيق النمو وتنويع موارده، بالتزامن مع جذب الطلبة الأعلى كفاءة».
وتعد المؤسسة تتويجاً لعقود من أعمال الخير المخصصة للتعليم. ففي ستينات القرن الماضي، بنى الغرير مدرسة ابتدائية صغيرة في مسافي- شمال الإمارات. ولا تزال قائمة حتى يومنا هذا، بمبناها الأبيض البسيط، والمحاط بأشجار النخيل. تضيف جلبوط: «إن الأثر الذي لمسه مباشرة في هذه المدرسة الصغيرة بمسافي، ألهمه فكرة دعم طلاب المدارس في المنطقة بأسرها وليس في الإمارات فقط».
كان لقاؤها الأول بالغرير في هذه المدرسة، حيث تجولا في أرجائها معاً، وروى لها حكايات عن الطلبة. لكنها لم تفصح عن مقدار ما أنفقته المؤسسة على المنح الدراسية حتى اليوم، علماً أنه يقدر بملايين الدولارات.
لم يستكمل رجل الأعمال الملياردير دراسته بعد المرحلة الابتدائية، إلا أن بوادر الوعي وحب التعلم بدت عليه منذ الطفولة. وقد ولد ابناً رابعاً في عائلة من 9 أفراد. أما والده أحمد الغرير فامتلك قوارب للغوص وصيد اللؤلؤ- الذي نشطت تجارته مع الهند في القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20، معززة اقتصاد دبي.
مع ذلك، كانت الإمارة فقيرة حينذاك، وعاشت عائلة الغرير في بيت طيني بدبي، كما أمضت فصول الصيف الحارة والرطبة في الخيام، حيث كانوا يصفّون مياه الشرب باستخدام المناخل من الديدان التي تملؤها. ويتذكر الغرير أيضاً أن أمه، مريم سيف، كانت تحمل سلاحاً لغرض الحماية في ذلك الوقت.
كان سيف- أخوه الأكبر، أول من انضم لعمل العائلة. ويتذكر حين كان عمره 6 أعوام، وسيف في عمر المراهقة، وهو يبحر بعيداً ويقضي شهوراً في البحر أحياناً. وحين بلغ الغرير سن الرشد، كان اللؤلؤ الياباني المستزرع والأرخص ثمناً قد أضعف تجارة دبي.
حينها، اضطرت العائلة إلى تغيير مجال عملها، وطورت قواربها لتسع حمولات أثقل، فنقل آل الغرير التمر من العراق إلى أفريقيا والهند، وعادوا بالأقمشة والخشب لصنع القوارب. وقد نما حب التجارة عند الغرير في سن مبكرة، حين كان يشتري السمك بمقادير كبيرة من جميرا الشهيرة بالصيد، ويبيعه لطواقم السفن التجارية الهولندية الراسية في خور دبي. وسافر إلى عُمان لبيع سمك السردين إلى السفن التي تبحر عبر مضيق هرمز الحيوي.
حين بلغ 16 عاماً، جمع مبلغاً كبيراً من المال لشراء العقارات، واشترى أول قطعة أرض في دبي مقابل 500 روبية. فوبخه والده في البداية، لظنه أن ولده لا يعي ما يفعله، غير أنه أثنى عليه بعد أن رأى الأرض. مما ألهمه ذلك لشراء المزيد، لتساوي لاحقاً ملايين الدولارات. لاحقاً، تزوج في سن الـ18، وأنجب 29 ابناً.
وفي عام 1960، أسس أحمد الغرير شركة قابضة، عملت في مجال التصنيع والعقارات. وأدار عبدالله وسيف، إلى جانب إخوانهم ماجد ومروان وجمعة، أجزاء مختلفة منها. بينما أشرف عبدالله على ممتلكات المجموعة.
فيما أسس الإخوة في عام 1967 ما عرف آنذاك ببنك عُمان (تغير اسمه إلى بنك المشرق في عام 1993). لقد كان التوقيت مناسباً، وكانت دبي قد بدأت بتصدير النفط عام 1969 معلنة بدء مرحلة ازدهار اقتصادي. وفي عام 1971 انضمت إلى الإمارات المجاورة لتكوين دولة الإمارات. ومع توافر ثروة نفطية جديدة، أسست الدولة الناشئة بنيتها التحتية وقطاعها التجاري، بشراكة مع بنك الغرير، مما أسهم بتعزيز النمو الاقتصادي. وعن تلك الأيام، يتذكر الغرير، الذي كان رئيساً للبنك آنذاك، زيارة نيويورك في سبعينات القرن الماضي، حيث التقى بديفيد روكفيلر، الذي ترأس (Chase Manhattan Bank).
لاحقاً، أصبح بنك المشرق المصدر الأساس لثروة العائلة. ويملك الغرير، الذي لا يزال رئيس مجلس الإدارة، حصة نسبتها %31 وصلت قيمتها مؤخراً إلى 1.15 مليار دولار. بينما يشغل ابنه عبد العزيز منصب الرئيس التنفيذي.
كذلك بدعم أسرة آل مكتوم الحاكمة، تمكن آل الغرير أيضاً من تأسيس شركات أخرى استفادت من الازدهار. كما أسسوا شركة الإسمنت الوطنية المطروحة أسهمها للتداول العام في عام 1968، ثم في عام 1976 أنشؤوا شركة مطاحن الدقيق الوطنية- كل منهما تعد الأولى في البلاد. يقول عبد العزيز الغرير: « كانت شركاته التي أسسها آنذاك، سواء مطحنة الدقيق أو المطبعة أو مصنع الإسمنت، ضرورية وقادرة على الاستمرار».
وبحلول التسعينات، كان الغرير أكبر صاحب أراضٍ خاصة في دبي، لكنه اضطر لبيع بعض الأراضي في مواقع مميزة للحكومة من أجل استكمال متطلبات التطوير.
في ذلك الوقت، قرر عبد الله وسيف، وهو أيضاً مليادرير، تقسيم المجموعة لأسباب رفض التعليق عليها. فأخذ عبد الله الغرير شركتي الأغذية والإنشاءات، إلى جانب ممتلكات أخرى، منها مركز الغرير- وكلها ضمن شركة قابضة باسمه. بينما تسلم عبد العزيز (63 عاماً) أحد أبرز رجال الأعمال في الإمارات، والرئيس السابق للمجلس الوطني الاتحادي، منصب رئيس مجلس الإدارة. وفي حين يشرف أبناء آخرون على الأقسام الأخرى، يتولى منصب الرئيس التنفيذي للمجموعة شخص من خارج العائلة.
بالإدارة الحكيمة للمجموعة، قد يتزايد تمويل المؤسسة التعليمية، ويتعاظم إرث الغرير من إسهامه في تنمية المنطقة. يقول: «توفير التعليم المتميز يؤثر إيجاباً على الفرد، فضلاً عن عائلته ومجتمعه»
المصادر : مواقع الكترونية عربية – Forbes