يعتبر النيكل عنصراً أساسياً في حياتنا اليومية ويمكن العثور عليه في الكثير من الأشياء حولنا، مثل البطاريات التي تستخدم لتشغيل أجهزة التحكم عن بُعد، وكذلك الفولاذ المقاوم للصدأ المستخدم في صنع أحواض المطابخ.
خصائص معدن النّيكل. معدن النّيكل من المعادن البيضاء فضيّة المظهر ،ويعطي ظلاً ذهبيّاً، كما أنّه يعتبر من المواد المغناطيسية عندما يكون بدرجة حرارة الغرفة.
ويعود استخدام معدن النّيكل إلى 3500 قبل الميلاد، ولكن تمّ اكتشاف النّيكل الخام في أوروبا في القرن السّابع عشر، حيث تمّ فصله لأول مرة على يد العالم السّويدي أكسل فريدريك كرونستيدت ، و كان يعتقد أنّه خام النّحاس، ومن أهمّ استخداماته اللّيدراتيس.
ويتضمن اللّيمونيت والجار نيرات والبنتلاندايت، ومن أكثر الدّول المنتجة لمعدن النّيكل هي كندا ونيو كاليدونيا في روسيا، كما أنّه من أكثر المعادن وفرةً على الأرض ،حيث يعتبر الثّاني والعشرين من حيث توافره في القشرة الأرضيّة ، ويوجد العديد من المعادن تحتوي هذا العنصر، ومن أهمّ هذه المعادن معادن الأكاسيد والكبريتيد.
كما أنّ تركيزه تحت قشرة الأرض أكبر بمئة مرةٍ من تركيزه داخلها ، ويعتقد أنّه ثاني العناصر وفرةً في نواة الأرض الدّاخلية بعد الحديد.
النيكل معدنٌ صلب أبيض فضيّ حيث جعلت منه قوّته، وليونته، ومقاومته للحرارة والتآكل عنصرًا مفيدًا للغاية من أجل تطوير طائفة واسعة من المواد مثل الأسلاك الكهربائيّة، والعملات النقديّة، والمعدّات العسكريّة.
يتوضّع هذا العنصر المفيد بشكل كبير المركز 28 من الجدول الدوريّ بين عنصريّ الكوبالت والنحاس. كما أنّه مُوصل مقبول للكهرباء والحرارة، وواحد من العناصر الأربعة – الكوبالت، والحديد، والنيكل، والغادولينيوم – والتّي تُعتبَر ذات الأنفاذيّة المغناطيسيّة العالية (تتمغنط بسهولة) في درجة حرارة الغرفة.
كما يُعتَبَر عنصرًا انتقاليًا، أيّ أنّه يمتلك إلكترونات تكافؤيّة في مدارين اثنين بدلًا من واحد (الطبقات المحيطة بالنواة في الذرّة) الأمر الذي يمكّنه من تشكيل حالات أكسدةٍ مختلفة.
الاكتشاف
إنّ اكتشاف النيكل الخام في أوروبا في القرن السابع عشر هو حكايةٌ لتعريفٍ خاطئ وخرافة. خلال القرن السابع عشر، كان عمّال المناجم الألمان يبحثون عن النحاس في (جبال الخام – Ore Mountains) وصادفوا خلال بحثهم خام النيكل غير المعروف مُسبقًا – والذي يُعرف اليوم بزرنيخيد النيكل أو النيكوليت – وهو عبارة عن صخرة بلونٍ أحمر بنّي باهت من النيكل والزرنيخ. وحاول العمّال عندها أن يستخرجوا النحاس، حيث اعتقدوا أنّهم قد اكتشفوا مصدرًا آخر له، ولكنّ بالطبع فشلت عمليّة الاستخراج هذه. عندها ونتيجة ل”خداعهم” وجّه العمّال المحبطون اللّوم على (النيكل – Nickel) – وهو اسمٌ لشيطانٍ مؤذٍ في الميثولوجيا الألمانيّة – وبدأوا بإطلاق عليه اسم كوبفير نيكل والتّي تُترجم ل”شيطان النحاس”.
وبعد قرن، تقريبًا عام 1751 حاول عالم الكيمياء القديمة السويدي (بارون أكسل فريدريك كرونستيدت – Baron Axel Fredrik Cronstedt) تسخين (كوبفير نيكل – kupfernickel) – خليط من النحاس والنيكل -بالفحم ووجد أنّ خصائصه المختلفة كشفت وبوضوح أنّه ليس نحاس. وكان (كرونتسد – Cronstedt) أوّل من استخرج النيكل وعزله كعنصرٍ جديد وأسقط عنه تسمية “كوبفير (نحاسيّ)” وسمّى العنصر الجديد بالنيكل.
أين يوجد في الأرض؟
هو خامس العناصر وفرةً على الأرض. ولكنّ تركيزه تحت قشرة الأرض أكبر مئة مرة من تركيزه داخلها وفقًا لموقع “Chemicool”. في الحقيقة يُعتقد أنّه ثاني العناصر وفرةً في نواة الأرض الداخليّة بحيث يكون الحديد هو العنصر الأول بفارق كبير.
يتواجد عادةً في موقعين رئيسيَين وهما: الصخور الرمليّة الحمراء – المُتشكّلة نتيجة التعرية المُكثّفة لسطح الصخور الغنية بالنيكل -، والموقع الثاني هو رواسب الكبريتات المنصهرة. كما يمكن أن يتواجد في العقد والقشور المنغنيزيّة في قاع البحر العميق، لكنّ في الوقت الحالي لا يُستَخرَج من هذا المصدر وفقاً لموقع “Geology.com”. بالإضافة إلى ذلك، تُشكّل ليمونيت أكسيد الحديد المائيّ، والغارنيريت، والبنتلانديت (كبريت النيكل) المصادر المعدنيّة الرئيسيّة للنيكل.
اعتُبِرَت النرويج عام 1848 كأول موقعٍ لإذابة النيكل بنطاقٍ واسع. حيث قاموا باستخدامهم نوعًا من خام النيكل والمعروف باسم (يريت مغناطيسي – pyrrhotite). وفي 1883 اُكتُشِفَت مخازن ضخمة من النيكل في (حوض سودبيري – Sudbury Basin) في كندا حيث يتمّ استخراج 30% من نيكل العالم اليوم. ويُعتقد أنّ هذا المخزون الكبير من النيكل يعود للتأثير النيزكيّ القديم. كما اُكتُشِفَ المزيد من النيكل في روسيا وجنوب أفريقيا في أوائل القرن الماضي، الأمر الذّي فتح المجال لتربّع المزيد من النيكل مكانًا قويًا في الصّناعة.
عنصرٌ خارق
القليل من المواد تُصنَع من النيكل الصافي. عِوَضًا عن ذلك هو يميل لِلعب دور الداعم والمحافظ على الاستقرار في صناعة المواد، حيث يُدمج عادةً مع المعادن الأخرى لإنتاج موادٍ أقوى وأكثر بريقًا ومتانةً. كما يُستخدَم النيكل بشكل كبير كطلاءٍ خارجيّ واقٍ للمعادن الأضعف (الألين).
النيكل هو المعدن المفضّل لصنع السبائك الفائقة – وهي مجموعة المعادن المعروفة بقوّتها الكبيرة، ومقاومتها للحرارة والتآكل والتأكسد – بسبب قدرته على الصمود في درجات الحرارة العالية جدًا.
وفي الحقيقة فإنّ 65 بالمئة تقريبًا من النيكل يُستخدم لصنع الفولاذ المُقاوم للصدأ، و20 بالمئة أخرى تُستخَدم لصنع الفولاذ والسبائك غير الحديديّة والتّي تشمل الأدوات العسكريّة عالية التخصّص، والطائرات، والاستخدامات الصناعيّة. وحوالي 9 بالمئة يُستخدم في التصفيح (أو الطلاء المعدنيّ) و6 بالمئة يُستخدم لأنواعٍ أخرى من التطبيقات كالعملات المعدنيّة، والبطاريات، والمواد الكهربائيّة.
الأموال تتكلّم
يُعتبَر النيكل معدنًا ممتازًا من أجل صناعة العملة المعدنيّة وذلك يعود لقوّته ومقاومته للتآكل. وكانت
أوّل عملة احتوت على معدن النيكل هي قطعة النسر المحلّق بقيمة واحد سنت، والتّي تضمنت 12 بالمئة نيكل و88 بالمئة نحاس. كما أنّ هذه العلمة اعتُبِرَت أوّل عملةٍ تقوم على اسم “النيكل” وقد تمّ تداولها لسنتين فقط بين عاميّ 1857-1858.
بعد سنوات قليلة، عام 1866، طُرِحَ النيكل بقيمة خمسة سنتات وذلك بعد نهاية الحرب الأهليّة فقط. كانت معظم العملات قبل الحرب لا تزال تُصنع من الذهب والفضة الأمر الذّي يعطيها قيمة حقيقيّة. وبمجرد أن بدأت إشاعات الحرب بالانتشار شَرَع الناس بادّخار عملاتهم القيّمة، ممّا أدّى لانخفاض الاقتصاد. وبهدف التعويض عن النقص في العملات بدأ الناس بتداول طوابعَ وعملاتٍ ورقيّة، والتّي أُصدِرَت من قِبَل البنوك والمتاجر. حتّى أنّ جنود الاتحاد كانوا يتلَقّوْن رواتبهم بالعملات الورقيّة من قِبَل الحكومة.
في غضون ذلك اشترى الصناعيّ جوزيف وارتون العديد من مناجم النيكل في سنوات الحرب الأولى. حيث كان النيكل أكثر المعادن المطلوبة خلال الحرب لأنّه استُخدِمَ للمساعدة في صناعة المعدّات العسكريّة. ولكنّ بمجرد انتهاء الحرب كان هناك فائض من النيكل وتسائل جوزيف وارتون ماذا سيصنع بكلّ هذا النيكل. فقام بحثّ المشرّعين على صنع المزيد من عملات النيكل، حيث سيقلّ احتمال تخزين الناس لهذا المعدن الأقل قيمةً.
استقبل المشرّعون اقتراحه هذا بآذانٍ صاغية، لذلك وفي عام 1866 قامت الحكومة الأمريكيّة بسكب 15 مليون قطعة نقديّة من فئة الخمسة سنتات مصنوعةً من 75 بالمئة من النحاس و25 بالمئة من النيكل. وقد غمر النيكل الاقتصاد وأصبح العملة الأبرز في سنوات ما بعد الحرب.
في الولايات المتحدة، لا تزال الخمس والعشر سنتات، والربع والنصف دولار تُصنع من خليط النحاس والنيكل. تحتوي الخمس سنتات – وبشكل ملائم للغاية – على أكبر نسبةٍ من النيكل بحوالي 25 بالمئة بينما تحتوي العملات الأخرى على نسبة 8.33 من النيكل.
من كان يعلم؟
تتألف العديد من النيازك من خليط معدنيّ من النيكل والحديد. وقد اعتبر الناس في مصر القديمة النيازك الغنيّة بالنيكل جليلةً للغاية (هامّة للغاية) وصنعوا منها أشكالًا ليتزيّنوا بها. كما اكتُشِفَ خرز على شكل أنابيب مصنوعةٍ من مواد نيزكيّة (حوالي 30 بالمئة من وزنها النيكل) في حفرة قبرٍ في مقبرة جرزة الواقعة على الضفّةِ الغربيّةِ لنهر النيل. ويُعتقد أنّها دُفِنَت حوالي 3300 قبل الميلاد.
يُستخدم النيكل مُحفّزًا لهدرجة (إضافة الهيدروجين) المكوّنات غير المُشبعة في العديد من أنواع الزيوت، حيث يقوم بتحويل المواد من سائلة إلى صلبة. كما يمكن استخدام مُحفّز النيكل لإنتاج السمن والدهن وأنواع مُعيّنة من الصابون.
النيتينول هو خليط من النيكل والذّي “يتذكّر شكله السابق” وفقًا لموقع “Chemicool”. فعند قيامك بتسخين سلكٍ من خليط الينكل – تيتانيوم هذا في درجة حرارة 500 درجة مئويّة (932 فهرنهايت) يمكنك ثني السلك بأيّ شكلٍ تريده. ثمّ أعطه فرصةً ليبرد وقم بثنيه لشكلٍ آخر، ثمّ قم بإعادة تسخين السلك، عندها ستشاهد الشكل الأول يظهر من جديد.
أنتج انفجار النجم المتفجّر الأعظم أو “سوبر نوفا 2007bi” كميّةً من النيكل أكبر بثلاثِ مرّاتٍ من شمسنا، ممّا دفع الغازات المتوسّعة للتوهّج بسطوعٍ كبيرٍ لشهور. .
االنيكل واحد من أكثر الأسباب الشائعة للحساسيّة المُتّصلة بالجلد، وتُعتبَر المجوهرات التّي تحتوي على النيكل مثل الذهب الأبيض من ضمن الأشياء الشائعة المُسبّبة للتهيّج.
أنتجت سويسرا في عام 1881 أوّل عملة معدنيّة من النيكل الصافي تقريبًا، كما قدّمت كندا – وهي أكبر مُصدّرٍ عالميّ للنيكل في العالم – بين عاميّ 1922-1981عملةً معدنيّةً بنسبة 99.9 بالمئة من النيكل، حيث تساوي هذه القطعة 5 سنتات.
إضافة النيكل إلى الزجاج يعطيه لونًا أخضرًا، يمكن مدّ كيلوغرام واحد من النيكل لثلاثمئة كيلومترٍ من الأسلاك الكهربائيّة، وفقًا لمختبر (جيفرسون -Jefferson).
المغنطة
يُعتَبَر هذا العنصر واحدًا من المعادن الأربعة الوحيدة ذات الأنفاذيّة المغناطيسيّة العالية، أيّ أنّها تنجذب للمغناطيسات وأنّها مُمغنظةٌ بذاتها. أمّا المعادن الثلاث الأخرى هي: الحديد، والكوبالت، والغادولينيوم. مغناطيسات ألنيكو – مزيج من الألمنيوم (Al)، النيكل (Ni) والكوبالت (Co) – هي مغناطيسات دائمة قوية جدًا، تحافظ على مغناطيسيّتها حتّى عند تسخينها وتوهّجها باللون الأحمر، وفقًا لموقع “Chemicool”.
(السبيكة عالية الأنفاذيّة المغناطيسيّة – Mu-metal) هي مزيج مغناطيسيّ طريّ يتألف تقريبًا بنسبة 80 بالمئة من النيكل و20 بالمئة من الحديد (إضافةً إلى قليل من الموليبدينوم). تمتلك (السبيكة عالية الأنفاذيّة المغناطيسيّة – Mu-metal) نفاذيّةً عاليةً جدًا، ممّا يمكّنها من حماية المعدّات الإلكترونيّة الحساسة من الحقول المغناطيسيّة الثابتة أو منخفضة الترددّ، فإذا قمت بوضع سبيكةٍ عاليةِ الأنفاذيّة المغناطيسيّة بين مغناطيسٍ ومعدن فإنّ التجاذب المعتاد الحاصل سوف يختفي بالفعل.
السميّة
يُعتَبَر النيكل عنصرًا أساسيًّا من أجل حياةٍ صحيّةٍ للنباتات حيث توجد كميّات ضئيلة منه في أغلب الخضروات والفواكه والمكسّرات، وبكميات أكبر بقليل في الشوكولا والخمر، وفقًا (لمعهد النيكل – Nickel Institue).
ولكنّ كمعظم المعادن الأخرى فللنيكل جانبٌ مظلم عندما يدخل الجسم البشريّ بكمّياتٍ كبيرة. وعندما تتجمّعِ كميات كبيرة من النيكل (والمعروف بأنّه مُسرطن) في التربة والهواء وفي إمداداتنا من الغذاء والماء سينجمُ عن ذلك مخاطرَ للسمّية.
كما أنّ الأشخاص العاملين في وظائف مثل صقل النيكل، والتصفيح الكهربائيّ بالنيكل، واللّحام، يتعرّضون لأخطر المشاكل الصحّية. حيث يتواجد العمّال الّذين يستنشقون كمّياتٍ ضئيلةٍ من غبار النيكل في خطرٍ متزايدٍ لسرطان الرئة والتليّف والأمراض الأخرى.
في عام 2012 أُجريَ فحص لاختبار وطائف الكبد لخمسة وعشرين عاملًا في مجال الطلي المعدنيّ بالنيكل في مصر. وأظهرت النتائج وبأغلبية ساحقة أنّ وظائف الكبد كانت ضعيفة عند العمّال بالنيكل، مقارنةً بمجموعة المراقبة. كما كشفت دراسة أخرى أيضًا في المملكة العربية السعودية عن الآثار السّامة لتعرّض الرئتين والمجاري الهوائيّة للنيكل، ولكنّ الباحثين اكتشفوا أيضًا حقيقة مُثيرة بخصوص تناول الكركمين الغذائيّ – وهو المركّب النشط لبهارات الكركم – حيث وُجد أنّ تناوله ارتبط بانخفاضٍ ملحوظٍ في السمّية والإجهاد التأكسديّ.
يُستخدم النيكل في عدد غير متناهٍ من التطبيقات من محطات المعالجة، إلى النفط والغاز وتوليد الطاقة، وفي أشكال النقل جميعًا، بما في ذلك السيارات والقطارات وصناعة الطيران، كما يوجد النيكل في الإلكترونيات، مثل الهواتف وأجهزة الحاسوب المحمولة والكاميرات الرقمية.
إلّا أن أكثر المجالات المتنامية لاستخدامه اليوم هي بطاريات الليثيوم أيون وأنظمة تخزين الطاقة المستخدمة لمصادر الطاقة المتجددة.
وتعدّ كبريتات النيكل من المكونات الرئيسة بالبطاريات المستخدمة في المركبات الكهربائية، وعلى سبيل المثال، تحتاج بطارية 60 كيلوواط/ساعة من النوع NMC811 إلى 5 كيلو غرامات من الكوبالت و5 كيلو غرامات من المنغنيز، و6 كيلو غرامات من الليثيوم، و39 كيلو غرامًا من النيكل.
ومن أهم مزايا النيكل في صناعة السيارات الكهربائية أنه عندما تحتوي البطارية على المزيد منه فإنه يمكن للسيارة القيادة لمدة أطول.
ما سر النباتات النادرة التي تنتج معدن النيكل في إندونيسيا؟
منذ ستين عاما، قررت أيين تجوا، المتخصصة في بيولوجيا التربة والمحاضرة في جامعة تادولاكو في سولاويسي الوسطى في إندونيسيا، أن تستكشف بلدة سورواكو في قلب جزيرة سولاويسي، التي كانت سابقا تحتضن تنوعا نباتيا غنيا وفريدا.
لكن هذه البلدة الصغيرة أصبحت مركزا لأنشطة التعدين في جزيرة سولاويسي التي تعد واحدة من أكبر مناطق تعدين النيكل في العالم، إذ تستخرج شركة واحدة في هذه المنطقة خمسة في المئة من إجمالي الإمدادات العالمية من خام النيكل.
وفي عام 2004، لاحظت تجوا أن معظم الغطاء النباتي الكثيف في البلدة قد أزيل وظهرت مكانه تربة قاحلة، وطرق ترابية بسبب انخراط البلدة في أنشطة التعدين. ولم يتبق سوى بعض الشجيرات والأشجار الفتية التي تحملت هذه الظروف البيئية واستطاعت أن تنمو وتتأقلم مع نسب التركيز العالية من النيكل.
وافترضت تجوا أن هذه النباتات الفريدة قد تمتلك قدرة فائقة على امتصاص كميات كبيرة من النيكل من التربة وتخزينها في أنسجتها بشكل مدهش. ورأت أن هذه النباتات قد يستفاد منها كثيرا، لا في تنظيف التربة من المعادن فحسب، بل أيضا قد يستخلص المعدن منها بحيث تصبح مصدرا بديلا للنيكل لا يؤذي النظم البيئية.
وتتميز هذه النباتات النادرة التي عكفت تجوا على دراستها، بقدرتها الفائقة على تركيز 1,000 ميكروغرام من النيكل على الأقل لكل غرام من الأوراق المجففة.
ومن المعروف أن معظم النباتات تمتص كميات ضئيلة من المعادن الثقيلة لتنشيط بعض الإنزيمات المهمة، وتحتاج النباتات للنيكل لتنشيط إنزيم مسؤول عن عملية الإزهار. لكن إذا زادت نسبة النيكل في التربة بنسبة طفيفة قد تتسبب في تسميم معظم النباتات وقتلها.
غير أن هذه النباتات ذات القدرة الفائقة على مراكمة النيكل قد تكيفت مع الوقت واكتسبت قدرة على تحمل هذه النسب العالية من المعدن عن طريق تخزينه في جدران خلاياها أو الفجوة العصارية داخل الخلية. وتختزن هذه النباتات النيكل بشكل عام في سيقانها أو أوراقها أو جذورها أو عصارتها.
ثمة اختبار سريع وفوري للكشف عن النيكل في النباتات يتضمن استخدام ورقة بيضاء تتحول إلى اللون الوردي عند التعرض للنيكل
وقد سُجل حتى الآن نحو 450 نوعا من النباتات المحبة للنيكل حول العالم، معظمها ينمو في بلدان أقل تنوعا نباتيا وتتضمن تربتها نسبا أقل من النيكل مقارنة بإندونيسيا، مثل كوبا وجنوب أوروبا وكاليدونيا الجديدة وماليزيا.
والعجيب أنه لم يكتشف إلا القليل من هذه النباتات في إندونيسيا، رغم أنها من أكثر المناطق ثراء بالتنوع الحيوي وتمتلك أكبر احتياطي من خام النيكل في العالم. وتعزو تجوا ذلك إلى قلة الاهتمام بالبحث عن هذه النباتات.
البحث الطويل
وبمجرد أن حصلت تجوا على ترخيص من الشركة صاحبة امتياز التعدين عن النيكل في بلدة سورواكو، توجهت إلى المنطقة، ومولت أبحاثها بنفسها. لكن محاولاتها للعثور على هذه النباتات في السنوات الأربع الأولى باءت بالفشل.
وتبدو هذه النباتات معتادة عند رؤيتها بالعين المجردة، لكن أنتوني فان دير إينت، أخصائي الفسيولوجيا البيئية بجامعة كوينزلاند، اقترح اختبارا سهلا وفوريا لتمييز النباتات التي تمتلك قدرة فائقة على مراكمة النيكل عن غيرها، باستخدام ورقة مستديرة بيضاء. ويقول إن الورقة تتحول على الفور إلى اللون الوردي بمجرد وضعها على أوراق هذه النباتات التي تحتوي على النيكل.
وأجريت اختبارات أخرى لتحليل نسبة تركيز النيكل في هذه النباتات. إذ جففت عينة من هذه النباتات التي تحتوي على النيكل في المعمل وفُحصت باستخدام الأشعة السينية. وتطلق حزمة الأشعة السينية كمية معينة من الطاقة عند تفاعلها مع ذرات النيكل.
واجتذبت أبحاث تجوا عن هذه النباتات اهتمام ساتريا بيجاكسانا، أستاذ الخواص المغناطيسية للصخور من معهد باندونغ للتكنولوجيا، والذي تساءل إن كانت خبرته في الخواص المغناطيسية للمواد قد تسهم في تسريع العثور على هذه النباتات.
وخلصت دراسات إلى أن النباتات التي تتمتع بقدرة فائقة على مراكمة النيكل، تمتص الحديد أيضا مع النيكل. واكتشفت تجوا نوعا من النباتات التي تنمو في جزيرة سالويسي وهالماهيرا، يحتوي على نسب كبيرة من الحديد والنيكل.
ويقول بيجاكسانا إن استخدام المغناطيس يسرع عملية البحث لأنه لا يكشف إلا عن النباتات التي تحتوي على تركيزات عالية من النيكل.