قررت مجموعة توتال إرين الفرنسية استثمار 10 مليار دولار، أي ما يقارب 100 مليار سنتيم، بجهة كلميم واد نون، في مشروع ضخم لإنتاج الطاقة النظيفة.
ويهدف مشروع الشركة المتخصصة في الطاقات المتجددة، إلى إنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء بقدرة 10 جيجاوات، باستعمال الطاقة الشمسية والريحية.
وفي سياق مشاريع إنتاج البترول الأخضر، أو الهيدروجين في تعبير أكثر دقة، أكد تقرير للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أن “المغرب في طريقه لأن يصبح رائدًا عالميًا في تصدير الهيدروجين الأخضر، إلى جانب ناميبيا وتشيلي”.
وصنفت المنظمة الحكومية الدولية “IRENA”، المغرب إلى جانب تشيلي وأستراليا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، باعتبارهم دولا يمكن أن تصبح مصدرة قوية للهيدروجين النظيف بحلول عام 2050.
وعنونت الوكالة تقريرها، بـ”الجغرافيا السياسية لتحول الطاقة: الهيدروجين”، حيث توقعت أن “يكتسب المغرب مكانة جغرافية استراتيجية مهمة على الخريطة العالمية لمصدري الهيدروجين النظيف”.
ولم يكن تقرير الوكالة الدولية، المشيد بوضع المغرب في خريطة غنتاج الهيدروجين، الأول من نوعه، حيث سبقته شركة “ماكنزي” الاستشارية الأمريكية، التي صنفت شتنبر الماضي، المغرب رائدا في إنتاج الهيدروجين الأخضر، مخصصة له مساحة خاصة في تقريرها “Africa’s Green Manufacturing Crossroads“.
هذا ويعد المغرب حسب التقرير الأمريكي “بلدا مؤهلا للاستحواذ على ما قد يصل إلى 4 في المائة من الطلب العالمي من هذه المادة الطاقية، وذلك بفضل خارطة طريق نموذجية في مجال الطاقة المتجددة”.
الهيدروجين والأمونيا
تدشن شركة توتال إرين الفرنسية للكهرباء مشروعًا عملاقًا لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء في منطقة كلميم واد نون بالمغرب، بإجمالي استثمارات يبلغ نحو 10.7 مليار دولار.
ويساعد المشروع المغرب على إزالة الكربون في قطاعات رئيسة كالتعدين والنقل البحري، إضافة إلى توفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وهي وظائف ثابتة ذات ميزة تنافسية.
كما يمهّد المشروع طريق المغرب نحو الريادة العالمية للنظام البيئي للهيدروجين الأخضر، وتزويد أوروبا بإمدادات الطاقة النظيفة.
تصدير أشعة الشمس من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى العالم
لدى دول منطقة الشرق الأوسط القدرة على التحوُّل بسهولةٍ من كونها تأتي في صدارة دول العالم المُصدِّرة للنفط إلى أداء دورٍ مهم في مجال تصدير الطاقة المُستمدة من أشعة الشمس، وفقًا للنماذج الإحصائية التي أعدها باحثون في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة1.
هذه الرؤية الجريئة من شأنها أن تعمل على خفض معدلات اعتماد المنطقة على النفط والغاز، إضافةً إلى توفير بديلٍ نظيفٍ ومُستدام، يشمل هذا التحليل أيضًا منطقة شمال إفريقيا، ويكشف عن إمكانية إحداث تحوُّلٍ اقتصادي في دول المنطقة عبر تمكين العالم من الاستفادة من أشعة الشمس الوفيرة فيها.
يقول الباحث محمد زُبير، من جامعة المجمعة بالرياض في المملكة العربية السعودية: “إنني على قناعةٍ بأن هذا هو المستقبل… إذ سيكون العالم بأكمله متصلًا ومترابطًا عن طريق شبكات الطاقة مثلما هو متصلٌ ومترابطٌ اليوم بفضل شبكة الإنترنت، وبذلك يمكننا أن نجني أعظم فائدة ممكنة من الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة”.
عرض زُبير وزميله أحمد بلال أوان بجامعة عجمان في دولة الإمارات العربية المتحدة كيف يمكن لأشعة الشمس التي تغمر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كل يوم أن توفر حصةً كبيرةً من احتياجات العالم من الطاقة الكهربائية بحلول عام 2050، والتي تُقدَّر بـ40 ألف تيراواط ساعة.
ويدرس النموذج الذي ابتكراه إمكانية إنشاء شبكة نقل كهربائية عالية الفولتية، من شأنها استغلال الطاقة الشمسية المُنتَجة في كلٍّ من المملكة العربية السعودية وعمان والإمارات العربية المتحدة والكويت والعراق وإيران وتركيا ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمملكة المغربية، ويستكشف الباحثان العديد من خيارات مسارات نقل الطاقة، التي تُعد جميعها مجديةً، ولكنهما يقترحان -استنادًا إلى اعتباراتٍ لوجستية- أن الطاقة القادمة من شمال إفريقيا يجب أن يُنقَل معظمها إلى أوروبا، في حين يجب تصدير معظم الطاقة القادمة من بقية الدول إلى جنوب آسيا، كما يمكن التنسيق لعملية تبادل كبيرة بين الدولة المُنتجة للطاقة في هذه الشبكة، وهذا التبادل من شأنه أن يُخفِّف من أوجه التفاوت في الإمدادات نتيجة ظروفٍ محلية تشمل العواصف التُّرابية، والغطاء السحابي، واختلاف ساعات سطوع الشمس.
ويقرُّ الباحثان بأن القضايا السياسية القائمة بين الدول المقترحة يمكن أن تعرقل عملية تصدير الطاقة وتزيدها تعقيدًا، غير أنهما يُشيران في الوقت ذاته إلى أن الاعتماد المتبادل الذي يُفضي إليه هذا المسعى قد يساعد في تحسين الاستقرار السياسي في المنطقة.
ويقول الزُّبير إن المملكة العربية السعودية أعلنت بالفعل مرارًا وتكرارًا عن خططها وطموحاتها الرامية إلى تصدير الكهرباء التي تُنتجها من الطاقة الشمسية، لكن تحليل الباحثين يطرح خطةً أكثر جرأةً لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأسرها.
ويقرُّ فرانتس تريب -من معهد الديناميكا الحرارية الهندسية بمركز الطيران والفضاء الألماني- بإمكانية الاستفادة من هذه الخطة في إنشاء مناطق اقتصادية مجدية في الصحراء، ولكنه يحذر من أن النُّهُج السابقة لاقت بعض المقاومة، وهي مشكلةٌ عكف هو وزملاؤه على دراستها في الماضي، وارتأى آخرون أن المقاومة المُشار إليها ربما كان سببها مصدر المبادرات، كمبادرة «ديزيرتك» (DESERTEC)2، إذ كانت أوروبيةً وليست محلية.
مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في دورته السادسة والعشرين في جلاسجو بالمملكة المتحدة، الذي أكَّد الحاجة إلى إيجاد بدائل لأنواع الوقود الأحفوري، يبدو أن مجالات السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا ستتواءم معًا عما قريبٍ لتحقيق الرؤية الرامية إلى تحويل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى مُصدِّرٍ عملاقٍ للكهرباء، ثمة بعض المشروعات الفردية التي يجري تنفيذها في المنطقة، والتي تُثبت بالفعل جدوى هذه الرؤية؛ فالمملكة المغربية حاليًّا مُصدِّرٌ صافٍ للكهرباء إلى أوروبا من خلال وصلات كابلاتٍ مباشرة إلى إسبانيا3.
وقد أعلنت مؤخرًا شركة «إكس لينكس» Xlinks، التي يقع مقرها في المملكة المتحدة، عن مشروع للطاقة يربط بين المملكة المغربية والمملكة المتحدة4، سوف يجمع هذا المشروع بين نظامٍ يشتمل على طاقة الشمس وطاقة الرياح في جهة كلميم واد نون بالمملكة المغربية جنبًا إلى جنبٍ مع بطارياتٍ لتخزين الطاقة، ومن المتوقع أن يُمدَّ المملكة المتحدة بـ2.6 جيجاواط من الطاقة لمدة 20 ساعة أو أكثر يوميًّا، بما يعادل نحو 8% من احتياجاتها من الكهرباء.
من جانبه، صرَّح ديفيد لويس، الرئيس التنفيذي لشركة «إكس لينكس»، قائلًا: “مشروع «إكس لينكس» يُعدُّ الأول من نوعه في إطار التعاون بين المملكة المغربية والمملكة المتحدة، وباستخدام تكنولوجيا أثبتت جدارتها، سوف يمدُّ المشروع أكثر من سبعة ملايين منزل بريطاني بالطاقة النظيفة في العَقد الحالي”، ومن المقرر أن يبدأ في عام 2024 العمل على صنع الكابل عالي الفولتية، الذي سيخدم هذا المشروع بطول 15,200 كيلومتر.
سوف تأتي صادرات الكهرباء الشمسية الأخرى من شمال إفريقيا إلى أوروبا عن طريق مشروع «تونور» في تونس5، الذي يربط محطة طاقة شمسية بقدرة 2250 ميجاواط في الصحراء الكبرى بقاعدة توزيع في وسط إيطاليا، ومنها ستُنقَل الطاقة إلى الدول الأوروبية الأخرى.
وتؤكِّد «مبادرة السعودية الخضراء» -التي تُعدُّ امتدادًا لرؤية المملكة العربية السعودية 2030- حاجة المملكة إلى التحوُّل من اعتمادها على صادرات النفط إلى إعطائها الأولوية للطاقة المُستمدة من الشمس، وقد سبق لزُبير وزملائه أن أجروا تحليلًا متعمقًا لإمكانية تصدير الطاقة الشمسية من المملكة6، ويرى الفريق البحثي أن تركيا وباكستان والهند تُمثِّل الأسواق التصديرية الأكثر جدوى مقارنةً بغيرها، لا سيما فيما يتعلق بالكهرباء التي تُنتجها المملكة.
في أحدث تقاريرها لاستشراف مستقبل الطاقة الشمسية (2021)، ألقت جمعية الشرق الأوسط لصناعات الطاقة الشمسية (MESIA) الضوءَ على النجاحات المتنامية التي تُحقِّقها مشروعات الطاقة الشمسية في 11 دولة (الجزائر والبحرين ومصر والأردن والعراق والكويت والمملكة المغربية وعُمان والمملكة العربية السعودية وتونس والإمارات العربية المتحدة).
وقد أكَّدت مارتين مملوك -الأمين العام للجمعية- أنه “من المتوقع أن تصير عملية دمج [الطاقة الشمسية] في الشبكة أيسر في إدارتها خلال السنوات المقبلة”، وسلَّط التقرير الضوء على الدور المتنامي الذي من المرجح أن يُؤديه استخدام الطاقة الشمسية في توليد الهيدروجين والأمونيا، وهذه طرائق أخرى من المحتمل تصدير الطاقة الشمسية من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عبرها في المستقبل، فضلًا عن نقل الكهرباء المباشر عبر شبكات الكابلات الدولية.
ويؤكِّد زُبير في النهاية الإمكانيات الاقتصادية التي تحملها هذه التطورات لمنطقة الشرق الأوسط؛ إذ يقول: “إن استهداف منطقة الشرق الأوسط بطاقتها الشمسية جزءًا ولو يسيرًا من استهلاك الاتحاد الأوروبي للطاقة من الممكن أن يُوفِّر آلاف الوظائف، وأن يصبح مصدرًا ثابتًا للدخل”.
المصادر : مواقع الكترونية عربية