الاتحاد الفلكي الدولي يطلق أسماء 10 معالم تاريخية عربية على النجوم المكتشفة حديثاً

ربما لا يعرف بعضنا أن الثقافة العربية متغلغلة في تاريخ علم الفلك، وربما لا يعرفون كذلك أن الأطالس الفلكية المعاصرة تحتوي على قدر كبير من الأسماء من التاريخ العربي، ومؤخرًا قرر الاتحاد الفلكي الدولي أن يطلق أسماء جديدة ذات صلة بثقافات شعوب العالم وحضاراتها على النجوم المكتشَفة حديثًا، فكان للعالم العربي نصيبٌ منها.

يقول عمر فكري -رئيس قسم القبة السماوية بمكتبة الإسكندرية المصرية وعضو الاتحاد الدولي للفلك- في تصريح لـ”للعلم” عبر تطبيق “واتساب”: “مَن أطلق الأسماء على النجوم الأولى كانوا بشرًا مثلنا، من ثقافات وفترات تاريخية ونطاقات جغرافية متباينة، وبالتالي جاءت تلك الأسماء تعبر عن تلك الثقافات”.

تقسَّم النجوم في السماء إلى مجموعات تسمى “الكوكبات”، كلٌّ منها يحتوي على عدد من النجوم، قديمًا سُميت تلك النجوم بناءً على أساطير اعتنقها الناس، فمثلًا قد يحدث حاليًّا في مساء معتدل الطقس أن ترفع رأسك للسماء وتشبّك بين النجوم لتصنع أول حرف من اسمك أو اسم شخص تحبه، كذلك فعل القدماء، فحينما تظهر مجموعة من النجوم وكأنها تتخذ معًا شكل سمكة أو حوت ويكون أحد النجوم عند فمها، يسمى نجم فم الحوت Fomalhaut، وهو بالفعل أحد النجوم التي لا يزال اسمها يُستخدم حتى الآن في الأطالس النجمية.


يضيف “فكري” في تصريحه لـ”للعلم”: “مع ظهور التلسكوبات كان من الممكن أن نرى أعدادًا هائلة من النجوم، وبالتالي لم يكن من الممكن أن تستمر التسميات بتلك الطريقة القديمة، فبدأ بعض الفلكيين في القرن السابع عشر باتباع طريقة أكثر عملية لتسمية النجوم، ومنهم يوهان باير، الذي عُرف بعمله على تحديد مواقع الأجرام واشتهر بكتابه “أطلس النجوم” الذي نُشر لأول مرة عام 1603، وكان أول مَن أضاف إلى الكوكبات السماوية القديمة (التي كان عددها آنذاك 48 كوكبة) كوكبات جديدة، وتلاه جون فلامستيد الذي عُرف بتصنيفه أكثر من 3000 نجم”، موضحًا أن “باير” اعتمد على نظام الحروف اليونانية، إذ يأخذ ألمع نجم في الكوكبة أول حرف في اليونانية، وهكذا تمتد الحروف مع اللمعان، أما “فلامستيد” فقد استخدم تسميةً تتعلق بالأرقام.

تلت ذلك محاولات عدة لتسمية النجوم، وحاليًّا مع وجود ملايين من النجوم المعروفة فإن التسميات أصبحت أكثر تعقيدًا، وقد تجد نجمًا باسم HR 7001 أو 2MASS J18365633+3847012، إلا أن الاتحاد الفلكي الدولي رأى قبل عدة أعوام أنه يمكن إعادة شغف الناس بالنجوم مرةً أخرى إذا أعدنا تسمية بعضها بالطريقة القديمة التي كانت ترتبط بثقافتهم.

“الاتحاد الفلكي الدولي هو الجهة الوحيدة في العالم المخوَّل لها إطلاق الأسماء على النجوم”، يقول فكري لـ”للعلم”، مضيفًا أن: “أعضاء الاتحاد هم فلكيون متخصصون من مختلِف دول العالم، يقومون بالأبحاث والتعليم حول ما يتعلق بعلم الفلك”.

تأسس الاتحاد في عام 1919 في الجمعية التأسيسية للمجلس الدولي للبحوث، التي عُقدت في بروكسل، بهدف تعريف الناس بعلم الفلك عن طريق اجتماع متخصصين من دول العالم المختلفة للعمل معًا، يضم الاتحاد الآن أكثر من 13500 عالِم فلك محترف من أكثر من 100 دولة.

في السنوات الأخيرة، اكتشف علماء الفلك آلاف الكواكب وأنظمتها التي تدور حول النجوم الأخرى، بعض تلك الكواكب صغير وصخري مثل الأرض، في حين أن بعضها الآخر عبارة عن عملاق غازي مثل المشتري، وقد يقف الكوكب بينهما في الحجم فيسمى “أرضًا كبيرة”.

في عام 2015، أطلق الاتحاد الفلكي الدولي مبادرة “سمِّ عوالم خارجية” NameExoWorlds، التي فتحت باب التصويت للجمهور حول العالم لترشيح أسماء لنجوم تدور حولها كواكب، بشرط أن تُرى تلك النجوم في بلدانهم، وأن يكون من السهل على الهواة رصدها من خلال التلسكوبات، بحيث يتحقق هدف الاتحاد في نشر الثقافة الفلكية بين الناس.

في 31 أكتوبر 2015، أسهَمَ حوالي 570 ألف شخص من 45 دولة في تسمية 31 كوكبًا خارجيًّا و14 نجمًا مضيفًا، وفي 17 ديسمبر 2019 استُكملت المبادرة في أثناء الاحتفال بمئوية الاتحاد الفلكي الدولي، وتم الإعلان عن أسماء أكثر من 110 مجموعات من الكواكب الخارجية والنجوم من خلال المضيفين المسجلين في حملات”سم عوالم خارجية” في مؤتمر صحفي في باريس بمشاركة أكثر من 780 ألف شخص في 110 دول.

الشارقة والبراجيل من الإمارات

خلال هذه المبادرة وجدت الدول العربية مكانًا مميزًا بين أسماء النجوم، إذ حصلت دولة الإمارات العربية المتحدة على اسم لأحد النجوم وكوكب يدور حوله، سُمي النجم الجديد بـ”الشارقة” Sharjah‏، نسبةً إلى عاصمة دولة الإمارات الثقافية، وهي المدينة المعروفة بتعدُّد المراكز التعليمية والمعاهد والمتاحف والمكتبات والمراكز التراثية فيها.


ويدور حول نجم الشارقة كوكبٌ واحدٌ سُمي “براجيل” Barajeel، وهي قطعة هندسية يُحتفى بها في التراث الإماراتي لكن لها تاريخًا أقدم في الكثير من دول الشرق الأوسط، فهي عبارة عن برج صغير استُخدم قديمًا لتعديل اتجاه الهواء وعملية تدويره في البيت، بحيث يعمل كمكيّف في أثناء الطقس الحار.

والنجم الشارقة هو قزم أحمر في كوكبة العقرب، يدور حوله كوكب البراجيل بكتلة تساوي ضعفي كتلة المشتري، مرة كل 111 يومًا فقط، إذ يقع على مسافة قريبة منه تساوي ثلث المسافة بين الأرض والشمس.


أوروك وبابل من العراق

أما دولة العراق فقد حصلت على اسم “الوركاء” أو “أوروك”Uruk‏ للنجم، نسبةً إلى المدينة التي تُعد إحدى أوائل المراكز الحضارية في العالم قبل حوالي 6 آلاف سنة من الآن، وفيها عاش جلجامش وكتب ملحمته الشهيرة، وتقع المدينة على طول القناة القديمة لنهر الفرات في العراق الحديث، أما الكوكب فقد سُمي “بابل” Babylonia‏، وكانت بابل مملكةً رئيسيةً في بلاد ما بين النهرين القديمة من القرن الثامن عشر إلى القرن السادس قبل الميلاد، حيث بُنيت عاصمتها التي سُميت باسمها على نهر الفرات.


والنجم أوروك هو قزم أصفر مائل إلى البياض، يوجد في كوكبة السهم، وكوكبه بابل في كتلة المشتري وحجمه تقريبًا، ويدور حول النجم مرةً كل حوالي 141 يومًا، حيث يقع من نجمه على مسافة تساوي تقريبًا نصف المسافة بين الأرض والشمس.

إبلا وأوغاريت من سوريا

حصلت سوريا على اسم “إبلا” Ebla‏ للنجم، وهي واحدة من أوائل الممالك في سوريا، وكانت بمنزلة منطقة بارزة في الألفية الثانية والثالثة قبل الميلاد، تشكل بقايا المدينة تلًّا يقع على بُعد حوالي 55 كم جنوبي غرب حلب، أما الكوكب فقد حصل على اسم “أوغاريت” Ugarit‏ ويمثل مملكةً قديمةً في سوريا كُشفت أنقاضها في تل أثري يُدعى رأس شمرا غربي سوريا، ابتُكرت فيها الأبجدية الأوغاريتية حوالي عام 1400 قبل الميلاد، كانت لغةً مكونةً من ثلاثين حرفًا وكانت منقوشةً على ألواح من الطين.


والنجم إبلا هو قزم بني يقع في كوكبة الحوت، يدور حوله أوغاريت، وهو كوكب عملاق غازي لكن كتلته تساوي خُمس كتلة كوكب المشتري، ويستغرق 225.7 يومًا لإكمال مدار واحد حول إبلا، ويبعد عن نجمه مسافةً تساوي ثلثي المسافة بين الأرض والشمس.

فينيقيا وبيروت من لبنان

لبنان، على الجانب الآخر، حصلت على اسم “فينيقيا” Phoenicia‏ للنجم، وكانت حضارة ثالاسوقراطية قديمة نشأت شرقي البحر المتوسط قبل 4500 سنة من الآن، اصطلاح فينيقيا يوناني الأصل ويشير إلى نوع من القماش المصبوغ صدّرته تلك المنطقة قديمًا، أما الكوكب فقد حصل على اسم بيروت Beirut، وهي واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم وكانت ميناء فينيقيا، بيروت الآن عاصمة لبنان وأكبر مدنها.

والنجم فينيقيا هو قزم بني في كوكبة العقاب، يدور حوله الكوكب “بيروت”، وهو عملاق غازي بنصف كتلة كوكب المشتري، يدور حول نجمه مرةً كل حوالي 24 يومًا فقط، وذلك لأنه قريب جدًّا منه، وعلى مسافة تساوي تقريبًا سُبع المسافة بين الأرض والشمس.

البتراء ووادي رم من الأردن

أما الأردن فقد حصلت على اسم “البتراء” Petra للنجم، وهي مدينة تاريخية وأثرية في جنوب الأردن وموقع للتراث العالمي لليونسكو، تشتهر المدينة بعمارتها المنحوتة بالصخور ونظام قنوات جر المياه القديمة، الكوكب في المقابل حصل على اسم” وادي رم” Wadirum‏، وهو أكبر وادٍ في الأردن، يقع على الهضبة العالية الواقعة على الحافة الغربية للصحراء العربية، تُعد منطقة سياحية مهمة تسمى أيضًا بوادي القمر بسبب تشابُه تضاريسها مع القمر، يقع الوادي كذلك ضمن قائمة التراث الطبيعي العالمي.


والنجم البتراء هو قزم بني يوجد في كوكبة العقاب، أما الكوكب “وادي رم” فيُعَد قريبًا جدًّا من هذا النجم، يقع فقط على مسافة 5 ملايين كيلومتر منه، ما يساوي واحدًا على ثلاثين من المسافة بين الأرض والشمس، لذلك فإن دورة هذا العملاق الغازي حول نجمه تأخذ فقط ثلاثة أيام!

موريا ويبوس من فلسطين

حصلت فلسطين على اسم “موريا” Moriah‏ للنجم، ويرجع الاسم إلى جبل موريا الذي بنى عليه اليبوسيون مدينة القدس، وعليه يوجد المسجد الأقصى، أما الكوكب فحصل على اسم “يبوس” Jebus‏، نسبةً إلى الاسم القديم للقدس، واليبوسيون هم الكنعانيون القدماء الذين عاشوا في تلك المنطقة قبل آلاف السنوات.

والنجم موريا هو قزم أصفر يوجد في كوكبة الدلفين، أما يبوس فهو عملاق غازي أكبر في الحجم من المشتري، لكن كتلته تساوي خُمس كتلة المشتري، يوجد على مسافة حوالي 3 ملايين كيلومتر فقط من نجمه، لذلك يدور حوله مرةً كل يوم وربع فقط!

الشاشية والخُمسة من تونس

حصلت تونس على اسم “الشاشية” Chechia‏ للنجم، وهي قبعة تقليدية من الصوف الأحمر ذات سطح مستوٍ يرتديها الرجال والنساء في تونس، وهي من التقاليد الغنية للبلاد، وتُعَدُّ بمنزلة غطاء الرأس الوطني هناك، أما الكوكب فقد حصل على اسم “الخُمسة” Khomsa‏، نسبةً إلى تميمة مشهورة في تونس، تُستخدم في المجوهرات والزينة، وتصور اليد اليمنى مفتوحة، تشبه “خمسة وخميسة” في مصر.


ونجم الشاشية نجم عملاق أصفر يوجد في كوكبة العقاب، أما كوكبه “الخُمسة” فهو عملاق غازي تبلغ كتلته ضعف كتلة المشتري، يدور حول النجم الخاص به في 340 يومًا تقريبًا، ويوجد منه على مسافة تساوي تقريبًا المسافة بين الأرض والشمس.

هقار وطاليسي من الجزائر

حصلت الجزائر على اسم “هقار” Hoggar للنجم، ويشير إلى سلسلة جبلية شهيرة تحتوي على تشكيلات بركانية ذات ماضٍ سحيق، تقع السلسلة في أقصى الجنوب الشرقي للجزائر، أما الكوكب فقد حصل على اسم “طاسيلي” Tassili‏، نسبةً إلى أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو في الصحراء الكبرى، وتشتهر بفن الكهوف القديم جدًّا، والتكوينات الجيولوجية ذات المناظر الخلابة في عصور ما قبل التاريخ.


والنجم هقار نجم عملاق أصفر يوجد في كوكبة الثور، وكوكبه طاسيلي هو كوكب عملاق غازي أكبر في الكتلة من المشتري بحوالي مرة ونصف، الكوكب يدور حول نجمه على مسافة أكبر قليلًا من المسافة بين الأرض والشمس، ويُتمُّ دورةً كل حوالي 380 يومًا.

تسليت وإسلي من المغرب

أما المغرب فقد حصلت على اسم “تسليت” Tislit‏ للنجم، نسبة إلى بحيرة تسليت في جبال الأطلس المغربية، وتعني العروس في اللغة الأمازيغية وهي مرتبطة بفتاة جميلة محطمة القلب جاء ذكرها ضمن أحداث أسطورة محلية قديمة، وحصل الكوكب على اسم “إسلي” Isli‏، نسبةً إلى بحيرة أخرى في جبال الأطلس المغربية، وتعني العريس في اللغة الأمازيغية، وهي مرتبطة بصبي وسيم مكسور القلب في أسطورة محلية قديمة.

والنجم تسليت هو قزم أصفر إلى أبيض يوجد في كوكبة الكوثل، أما “إسلي” فهو كوكب عملاق كتلته أكبر من ضعفي كتلة المشتري ويدور على مسافة حوالي 10 ملايين كيلومتر فقط من نجمه، لذلك فإنه يصنع دورةً كاملةً حول هذا النجم كل خمسة أيام ونصف فقط.


تطوان والكواكب الثلاثة

نجح المغرب في الحصول على اسم آخر في 2015 وهو تطوان أو Titawin نسبةً إلى مدينة مغربية قديمة للأحياء القديمة فيها تاريخٌ ضاربٌ في القِدم مع تنويعات ثقافية ثرية، وهي من مواقع التراث العالمي لليونسكو، هذا النجم له نظامٌ فيه عدة كواكب، أخذت ثلاثة منها أسماء علماء الفلك في القرنين العاشر والحادي عشر (من الأندلس) وهم ابن الصفار Saffar وابن السمح Samh ومسلمة المجريطي Majriti.

والنجم تطوان هو قزم أصفر مائل إلى اللون الأبيض، وكواكبه تتنوع في كتلتها والمسافة بينها وبين النجم، ابن الصفار مثلًا يبلغ في كتلته مرة ونصف قدر المشتري، أما كتلة ابن السمح والمجريطي فتبلغ 13 و10 مرات كتلة المشتري، على التوالي.


هذه بطبيعة الحال ليست فقط الأسماء العربية الوحيدة الموجودة في السماء، يقول فكري في تصريحه لـ”للعلم”: “للتراث الثقافي العربي حضورٌ كبيرٌ في كل الأطالس الفلكية المعاصرة”، مضيفًا أن العرب قديمًا عملوا على ترجمة كتب فلكية كانت شهيرةً جدًّا وقتها مثل المجسطي لبطليموس، وكذلك عدلوا في تلك الكتب وأضافوا عليها مما حصلوه من معارف كانت متقدمةً في هذا الوقت، وحينما بدأت حركات الترجمة إلى اللاتينية مرةً أخرى نُقلت تلك التعديلات إلى أوروبا، ونُقلت معها أسماء النجوم العربية.

لذلك ستجد أن الغالبية من أسماء النجوم المعاصرة (أكثر من 200 اسم)، والتي يُقرها الاتحاد الفلكي الدولي في قائمة محدثة بتاريخ يناير 2021، ذات اسم عربي، يرتبط بتراث البادية القديم في شبه الجزيرة العربية، أما هذه الأسماء العشرة الجديدة التي عرضناها، فربما كانت تذكيرًا بقدر الإنجاز الذي حققه العرب قديمًا في علوم الفلك.

المصدر: scientificamerican

Exit mobile version