الليثيوم في أفريقيا.. بوابة الصين للسيطرة على سوق بطاريات السيارات الكهربائية
تركز الصين بشكل متزايد على الليثيوم في أفريقيا، خاصة أن مناجم القارة السمراء موطن معادن رئيسة، تشمل الكوبالت والنحاس والمنغنيز، التي تُستخدم في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية.
ويُمهد ذلك الطريق أمام أفريقيا لكي تستفيد بشكل كبير من الحركة العالمية نحو إزالة الكربون، من خلال توفير عائدات ضخمة وخلق فرص عمل، فضلًا عن نقل التكنولوجيا.
ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية، اكتسبت الشركات الصينية السيطرة على حصة كبيرة من قطاع التعدين في البلاد، بما في ذلك موارد الكوبالت والليثيوم الرئيسة.
كما استحوذت 3 شركات طاقة صينية على حصص في مناجم الليثيوم في زيمبابوي خلال الأشهر الـ4 الماضية؛ لتعزيز قبضتها على الليثيوم الأفريقي، حسبما نقلت مجلة “أفريكان بيزنس”.
أهمية الليثيوم المتزايدة
تنجذب الصين -أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم- بشكل متزايد نحو أفريقيا لتنويع إمدادات الليثيوم، أحد أكثر المعادن المطلوبة المستخدمة في تصنيع السيارات الكهربائية؛ إذ أصبح الليثيوم مادة خام حيوية مطلوبة في الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر.
وتُستخدم بطاريات الليثيوم أيون بشكل شائع في تصنيع السيارات الكهربائية، والأجهزة الكهربائية، والألواح الشمسية لتخزين الطاقة الشمسية الزائدة.
وتُقدر شركة الأبحاث الدولية فيتش سوليوشنز أن هناك نحو 9 مشروعات لليثيوم يجري تطويرها حاليًا في أفريقيا -في زيمبابوي وناميبيا ومالي وغانا وجمهورية الكونغو الديمقراطية-، لكنها لا تزال صغيرة مقارنةً بتلك التي يجري تطويرها في الأميركتين وأستراليا وأوروبا.
صفقات الصين الأخيرة
تمتلك زيمبابوي أكبر احتياطي من الليثيوم في أفريقيا، وخامس أكبر احتياطي عالميًا، لكن المورد ظل غير مستغل إلى حد كبير بسبب نقص الاستثمار.
وقد افتتحت شركة تشنغشين ليثيوم الصينية سلسلة من عمليات الاستحواذ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مع حصولها على حصة بنسبة 51% في منجم سابي ستار لليثيوم التابع لشركة ماكس مايند إنفستمنت في شرق زيمبابوي بتكلفة 77 مليار دولار أميركي.
وتبعتها شركة تشجيانغ هوايو كوبالت في ديسمبر/كانون الأول بشراء حصة 87% في مشروع منجم أركاديا لليثيوم في زيمبابوي، مقابل 528 مليون دولار، من شركة بروسبكت ريسورسز الأسترالية.
وفي 8 فبراير/شباط، أعلنت شركة سينوماين ريسورسز تخصيص 180 مليون دولار للاستحواذ على 100% من شركتين تمتلكان معًا 74% من مشروع بيكيتا مينيرالز.
استثمارات الصين في أفريقيا
أوضحت محللة التعدين في فيتش سوليوشنز، صابرين شودري، أن أسعار الليثيوم المرتفعة والاحتياطيات الكبيرة وتوقعات الطلب القوية من قطاع البطاريات في العقد المقبل، جميعها عوامل تعزز النظرة المتفائلة تجاه الاستثمار الصيني في أفريقيا للمعادن الإستراتيجية، بما في ذلك الليثيوم والكوبالت.
وقالت شودري: “بينما تُعد الصين أكبر مركز في العالم لتكرير معادن البطاريات، تستورد البلاد في الغالب الخامات من أفريقيا وأميركا اللاتينية وأستراليا”.
وتابعت: “بشكل عام، استثمرت شركات التعدين الصينية بكثافة في أفريقيا على مر السنين، بوصفها جزءًا من هدف السلطات لإنشاء إمدادات مستقرة من الخامات، وجزءًا من مبادرة الحزام والطريق الخاصة بها، وهي سياسة إستراتيجية جيوسياسية واقتصادية متعددة العقود بهدف زيادة نفوذ الصين في الأسواق الرئيسة حول العالم”.
وشددت شودري على أنه مثلما أن الاستثمار في قطاع الليثيوم في أفريقيا مفيد للصين؛ فإن الدول الأفريقية ستستفيد من الاستثمار الصيني من خلال خلق فرص العمل والضرائب ونقل التكنولوجيا والتمويل الكبير، والتي تساعد جميعها في تطوير صناعة التعدين في أفريقيا.
استفادة أفريقيا من الصين
من جانبه، أكد الزميل الباحث في معهد دراسات التنمية في المملكة المتحدة، وي شين، أن الصفقات توفر فرصًا ثمينة للدول الأفريقية للمشاركة في سلسلة القيمة الحاسمة لصناعات بطاريات الليثيوم، ليس فقط لصناعة السيارات الكهربائية، ولكن لمشروعات الطاقة المتجددة الأخرى التي تحتاج أيضًا إلى مرافق تخزين الطاقة.
وقال شين: “يُمكن أن تسهل هذه الصفقات نقل التكنولوجيا إلى الدول الأفريقية، وتعزز قدرتها الأولية على العمليات الصناعية في السنوات المقبلة”.
وأضاف: “من الناحية المالية، يُمكن أن تكون صادرات الموارد هذه حاسمة بشكل خاص لتخفيف ضغط خدمة الديون على المدى القصير؛ إذ كان سعر الليثيوم مرتفعًا وما زال من المتوقع أن يستمر في الارتفاع بشكلٍ حاد في السنوات المقبلة”.
وأوضح أن “هذه الصفقات تمثل فوائد محتملة، ويستغرق الأمر وقتًا لمعرفة ما إذا كان يُمكن تحقيق هذه الفوائد وتوزيعها، وهو ما يمثل دائمًا تحديًا كبيرًا للحكومة المضيفة عند العثور على كنوز جديدة.
وأكد أن الحكومات الأفريقية بحاجة إلى اتخاذ قرارات مستقلة عند معالجة هذه الاعتبارات المتعلقة بالفرص والتحديات، “دون الوقوع في شرك الصراعات والسرديات الجيوسياسية”.
توطين سلسلة القيمة في أفريقيا
في الوقت الحالي، يمثل التباين بين مساهمة أفريقيا في المواد الخام في بعض الصناعات الأكثر ربحًا في العالم مقارنةً بمزايا سلسلة القيمة، أمرًا مقلقًا.
إذ إن جمهورية الكونغو الديمقراطية -على سبيل المثال- تُوَرِّد 70% من الكوبالت العالمي المستخدم في صناعة السيارات الكهربائية، ولكنها تستحوذ فقط على 3% فقط من سلسلة قيمة تعدين البطارية الكهربائية.
ومن ثم؛ فإن توطين سلسلة قيمة بطاريات الليثيوم أيون يوفر لأفريقيا فرصة لترسيخ مكانتها بوصفها قوة عالمية لتصنيع السيارات الكهربائية.
وقد أعربت جمهورية الكونغو الديمقراطية بالفعل عن نيتها لإنتاج بطاريات للسيارات الكهربائية محليًا وتطوير سلسلة قيمة خضراء نظرًا لاحتياطيات البلاد الغنية من معادن الطاقة الجديدة.
إلا أن شودري أوضحت أنها لا تتوقع أن تطور أفريقيا سلسلة قيمة يمكن أن تجعلها قوة عالمية لتصنيع السيارات الكهربائية في أي وقت قريب، على الرغم من إمكانات وفرص النمو القوي لليثيوم والمعادن الأخرى في السنوات المقبلة.