في الفراغ تبلغ سرعة الضوء 186 ألف ميل في الثانية (ما يوازي 300 ألف كيلومتر في الثانية). وإذا أبطأت سرعة الضوء فسوف يلاحظ البشر على الفور تأثيرات هذا التباطؤ. يمكن لأي لاعبٍ استكشاف هذا السيناريو الافتراضي باستخدام لعبة كمبيوتر أنشأها جيرد كورتيماير، مدير التطوير التعليمي والتكنولوجيا في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا بزيورخ، بالاشتراك مع زملائه داخل الجامعة المختصة بالعلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، في سويسرا.
في اللعبة يمكنك رؤية التأثيرات الغريبة التي قد تنتج عن تباطؤ سرعة الضوء إلى مستوى أقل بكثير مما هو عليه في الواقع، مثل تغيُّر الألوان ودرجة السطوع، وحتى تغير إدراكنا لأطوال الأشياء.
حتى في أسرع حركاتنا من المعلوم أن سرعة البشر أبطأ بمراحل عدة من سرعة الضوء. فأسرع حركة يمكن أن يقوم بها أي إنسان توازي 0.0037٪ من سرعة الضوء، وللوصول إلى هذه السرعة يجب أن تكون على متن مركبةٍ فضائية من نوع معين، كما يوضح عالم الأبحاث في مختبر الألعاب التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فيليب تان.
في مكان ما في الفضاء الخارجي، على بُعد مليارات السنين الضوئية من الأرض، ما زال الضوء الأصلي المرتبط بالانفجار العظيم للكون يضيء مكانا جديدا مع استمراره في التحرك إلى الخارج.
وبسبب الرحلات الهائلة التي يسافر فيها الضوء في الفضاء الخارجي بين المجرات وداخل مجرة درب التبانة، فإن الامتداد بين النجوم لا يقاس بالكيلومترات، بل بالسنين الضوئية، وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة وهي تساوي 9.5 تريليونات كيلومتر.
يقدر قُطر مجرة درب التبانة، على سبيل المثال، بحوالي 150 ألف سنة ضوئية، والمسافة إلى مجرة أندروميدا، أقرب مجرة إلى مجرتنا، حوالي 2.21 مليون سنة ضوئية، وهذا يعني أن الضوء الذي غادر مجرة أندروميدا منذ 2.21 مليون سنة قد وصل توا إلى الأرض.
وعلى الرغم من أن بعض النجوم التي نرصدها في السماء قد هلكت منذ فترة طويلة، فإن موجات الضوء التي تحمل صورها لا تزال تصل إلى عيوننا وترصدها التلسكوبات، وفي الواقع فإن الضوء الناجم عن موتها لم يعبر بعد المسافات الهائلة من الفضاء السحيق بسبب عدم كفاية الوقت. لذلك فإن علماء الفلك حينما يرصدون نجوم السماء، فإنهم في الواقع يرصدون مزيجا من الوقت الحقيقي والماضي القريب والتاريخ القديم.
ما مدى سرعة الضوء؟
ينتشر الضوء المنتقل في مادة أو وسط موحد، في خط مستقيم بسرعة ثابتة نسبيا، ما لم ينكسر أو ينعكس أو ينحرف أو يتشوش بطريقة أخرى.
وعندما نتحدث بشكل عام عن “سرعة الضوء”، فإن المقصود بها عادة هو سرعة الضوء في الفراغ. وهي قيمة محددة تساوي 299 مليونا و792 ألفا و458 مترا في الثانية. ويرمز لها في المعادلات كقيمة ثابتة يشار إليها بالرمز C.
ولكن هل تتغير سرعة الضوء في الهواء أو الماء؟ نعم، حيث يتم إبطاء الضوء في الوسائط الشفافة مثل الهواء والماء والزجاج. والنسبة التي يتباطأ بها تسمى معامل الانكسار للوسط وعادة ما تكون أكبر من واحد، وقد اكتشف ذلك جان فوكو في عام 1850.
يسافر الضوء في الفراغ بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية تقريبا، لكنه يتباطأ إلى 225 ألف كيلومتر في الثانية في الماء، و200 ألف كيلومتر في الثانية في الزجاج. أما في الماس، فيتم تقليل سرعة الضوء إلى 125 ألف كيلومتر في الثانية، أي أقل بحوالي 60% من سرعته القصوى في الفراغ.
سرعة الضوء وسرعة الإنسان
ووفقا لتقرير على الموقع العلمي “لايف ساينس” (live science) فإن البشر بطيئون بشدة مقارنة بسرعة الضوء حتى في سرعاتهم القصوى التي استطاعوا الوصول إليها.
يقول فيليب تان (Philip Tan)، عالم الأبحاث في “إم آي تي جيم لاب” (MIT Game Lab)، لموقع لايف ساينس “أسرع ما يسافر به أي إنسان هو 0.0037% من سرعة الضوء، ويجب أن تكون في مركبة فضائية من نوع ما للوصول إلى هذه السرعات”.
ولكن ماذا لو أصبح الإنسان يسافر بسرعة الضوء؟ يقول جيرد كورتيماير (Gerd Kortemeyer)، أستاذ الفيزياء المشارك في جامعة ولاية ميشيغان (Michigan State University) إن أشياء غير عادية ستحدث إذا تمكن البشر من السفر بسرعة قريبة من سرعة الضوء.
ووفقا لنظرية النسبية الخاصة لألبرت آينشتاين، التي تشرح كيف تؤثر السرعة على الكتلة والزمان والمكان، فإن الوقت سيتباطأ، وستصبح أطوال الأجسام أقصر عندما نتجاوزها وسيصبح تأثير دوبلر للضوء مرئيا، أي رؤية الأشياء باللون الأزرق حينما تكون متوجها إليها ومن ثم تراها باللون الأحمر حينما تبتعد عنها وتصبح خلفك. إضافة إلى بعض التغييرات الأخرى.
وتأثير دوبلر هو سلسلة من التغيرات الظاهرية التي تطرأ على الترددات أو الأطوال الموجية الخاصة بالأمواج عند رصدها بواسطة مراقب متحرك بالنسبة للمصدر الموجي، وتعود سبب تسميته إلى الفيزيائي النمساوي دوبلر عام 1842م.
ووفقا لكورتيماير، فإن هذه التغييرات نفسها ستحدث سواء تباطأ الضوء أو إذا تمت زيادة سرعة البشر، حيث ستكون الحركة في كلتا الحالتين مساوية أو قريبة من سرعة الضوء.
سيناريو افتراضي
وبينما كان كورتيماير يعمل كأستاذ زائر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ابتكر هو وتان وزملاؤه في (MIT Game Lab) لعبة فيديو لتوضيح ما سيكون عليه العالم إذا كانت سرعة الضوء بطيئة بدرجة كافية، بحيث تكون النسبية الخاصة ملحوظة في الحياة اليومية. وقد تم تطوير اللعبة وإصدارها عام 2012، بشكل مجاني كأداة تعليمية لشرح النسبية الخاصة بطريقة سهلة الفهم.
في اللعبة، التي تسمى “سرعة أبطأ للضوء” (A Slower Speed of Light)، يتحكم اللاعب في شخصية داخل اللعبة تقوم بجمع الأجرام السماوية الشبيهة بكرة الشاطئ. وفي كل مرة تجمع فيها الشخصية واحدة من الأجرام السماوية الـ100، تتباطأ سرعة الضوء تدريجيا حتى تصل إلى سرعة المشي. وتبدأ تأثيرات النسبية الخاصة في الظهور بشكل أكبر. والتي تضمنت تغيرات في الألوان، والوقت والمسافة ودرجة السطوع.
تغيير الألوان
عندما تقترب سرعة الحركة البشرية من سرعة الضوء، سيكون هناك ما يكفي من انزياح دوبلر النسبي لتغيير الألوان من حولك أي تحول الأحمر والأزرق للضوء المرئي وتحول الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء إلى الطيف المرئي.
وبالتالي إذا كنت تقود سيارتك عبر حقل أصفر من الحبوب، فستراه باللون الأزرق أمامك، ولكن الحقل سيتحول إلى اللون الأحمر الغامق أثناء ابتعادك عنه ليصبح خلفك. يقول كورتيماير: “باختصار الشيء القادم إليك يبدو أكثر زرقة، والشيء الذي يبتعد عنك يبدو أكثر احمرارا”.
تباطؤ الوقت يعد أحد أشهر تأثيرات النسبية الخاصة بالنسبة للإنسان الذي يتحرك مقتربا من سرعة الضوء. وفي هذا السيناريو، فإن الشخص الذي يتحرك بسرعة تقترب من سرعة الضوء يتقدم في العمر بشكل أبطأ، ويسمى هذا التأثير بالتمدد الزمني.
إلا أنه من الناحية الفنية فإن تمدد الوقت لا يمكن ملاحظته أو الشعور به نظرا لعدم وجود شيء يمكن مقارنته به. وفي لعبة “سرعة أبطأ للضوء” لا يلاحظ اللاعب أن الوقت يتباطأ، ولكن في النهاية، يرى شاشة تخبره أن الوقت الذي مر عليه أقل من الوقت المنقضي في الساعة الثابتة في العالم الخارجي.
تقلص الطول
تأثير آخر للنسبية الخاصة هو أن أطوال الأجسام التي تتحرك بالقرب من سرعة الضوء تقصر، وهذا ما يسمى بتقلص الطول. يقول كورتيماير إن التأثير معقد وإن الأجسام التي تقترب من سرعة الضوء قد تتعرض لتقلص في الطول وقد تكون أقصر، لكنها قد تظهر أطول لفترة بالنسبة لعيون مراقب ثابت، وذلك بسبب تأثير آخر للنسبية الخاصة يسمى “تأثير وقت التشغيل”.
على سبيل المثال، لنفترض أن دراجة تتجه نحوك. فإن الضوء القادم نحوك من مقدمة الدراجة يقطع مسافة أقصر للانتقال إلى عينيك من الضوء القادم إليك من الجزء الخلفي من الدراجة، وهذا بشكل عام يجعل الدراجة تبدو أطول.
وفي بعض الأحيان، يمكن لهذا التأثير نفسه أن يجعل الأشياء تبدو مشوهة. وبمعنى آخر، إذا كانت سرعة الضوء أبطأ بكثير، فقد تبدو الأجسام التي تتحرك بالقرب من هذه السرعة أطول وملتوية أو أحدهما للمراقبين الثابتين.
عندما تمشي تحت المطر، قد تلاحظ أنك تصبح أكثر بللا من الأمام أكثر منك في الخلف. كما أنك عندما تمشي في المطر، تواجه المزيد من قطرات المطر أكثر مما كنت واقفا ساكنا، يقول كورتيماير إن شيئا مشابها سيحدث إذا كنت تتحرك بسرعة تقترب من سرعة الضوء.
ذلك لأن الضوء عبارة عن مجموعة من الجسيمات، تسمى الفوتونات، وعندما تتجه نحو شيء ما يبدو أكثر سطوعا مما هو عليه حينما تقف ساكنا. وهذا يسمى تأثير الكشاف أي زيادة السطوع في اتجاه السفر.
المصادر : مواقع الكترونية عربية