إسمها الجديد هو “إمارة أيلانديا” ولها عَلَمها ونشيدها الوطني الخاص.. ما قصة أحدث دولة في العالم اشتراها أصحابها بأموال التبرعات؟

نشرت شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأمريكية تقريرًا لريتشارد كوليت، كاتب وصحافي مستقل، عن جزيرة تقع قبالة سواحل مدينة بليز البريطانية اشتراها مجموعة من المستثمرين في محاولة منهم لتحويلها إلى دولة مجهرية أو دولة مصغَّرة.

وفي بداية مقاله، ينقل الكاتب تساؤل مارشال ماير: «مَنْ منَّا لا يريد شراء جزيرة؟» وماير هو أحد مؤسسي مشروع «Let’s Buy an Island»، وهو مشروع طموح بدأ في عام 2018 بتمويل جماعي لشراء جزيرة، وقد طرح ماير سؤاله وسط هدير محرك القارب الذي كان يخترق المياه الساكنة في البحر الكاريبي من أجل الوصول إلى الجزيرة، وكانت مدينة بليز تختفي بسرعة من خلف القارب، بينما تلوح في الأفق مجموعة من الجزر المغطاة بأشجار المنجروف.

أيلانديا.. دولة صغرى لم يعترف بها المجتمع الدولي

أفاد الكاتب أنه بحلول ديسمبر (كانون الأول) 2019، أصبحت تطلعات مجموعة المستثمرين المشاركين في المشروع حقيقة واقعة، حيث استطاعت المجموعة جَمْع ما يزيد على 250 ألف دولار لشراء «كوفي كاي»، وهي جزيرة غير مأهولة بمساحة 1.2 فدادين وتقع قبالة سواحل مدينة بليز البريطانية.

ولم يكن المستثمرون يشترون أسهمًا في ملكية خاصة على أرض مدينة بليز فحسب، بل كانوا يستثمرون أيضًا في مشروع غير عادي لتأسيس دولة، أعيد تسمية «كوفي كاي» لتكون «إمارة أيلانديا»، وهي الآن لها عَلَمها ونشيدها الوطني وحكومتها، وهي أيضًا أحدث «دولة مصغَّرة» في العالم، وأصحت كيانًا يدَّعي الاستقلال، ولكن لم يعترف به المجتمع الدولي حتى الآن.

والآن، ومع بواكير عام 2022، يقود ماير الجولة الافتتاحية إلى «كوفي كاي»، حيث وصلت مجموعة متنوعة من المستثمرين والسياح المهتمين بالمشروع إلى أول جزيرة مموَّلة جماعيًّا في العالم. يقول ماير، بعد رحلة بالقارب استغرقت 15 دقيقة من مدينة بليز: «شعور رائع بأنك تقطع الطريق إلى جزيرة استثمرت فيها وامتلكتها»، وكان ماير حريصًا على اصطحاب مجموعة الزائرين المكوَّنة من 13 فردًا في أول جولة مشي على الإطلاق على أرض الجزيرة.

وجزيرة «كوفي كاي» طويلة ورفيعة وذات شكلٍ غامض مثل حبَّة البُن، بحسب التقرر. وعلى أحد جانبي الجزيرة، تطل أرض خالية من الأشجار على شاطئ صغير يؤدي إلى خليج ضحل، وتُستخدَم موقعًا للتخييم ليلًا. وعلى الجانب الآخر، توجد أشجار منخفضة وتحيط أشجار المنجروف بهذا الجزء من الجزيرة.

وكان ماير ومعه مستثمرون آخرون قد خيَّموا في «كوفي كاي» في رحلات استكشافية من قبل، ولكن هذه كانت أول جولة ليلية يمكن لأي شخص – مستثمر أو غير مستثمر – الانضمام إليها، وكان ذلك جزءًا من خطط المشروع الأوسع للترويج للسياحة على أرض الجزيرة.

دولة ديمقراطية

وفيما يخص ماير، كان هذا تتويجًا لسنوات من التمويل الجماعي وجهود البحث عن الجزر، وظهرت الفكرة الأولية للتمويل الجماعي لشراء جزيرة منذ ما يقرب من 15 عامًا، عندما اشترى جاريث جونسون، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للمشروع، موقعًا على الإنترنت باسم «allowbuyanisland.com» إذ رأى أنه من الممتع شراء جزيرة وتأسيس دولة مصغَّرة.

وشارك جونسون أيضًا في تأسيس شركة «ينج بايونير تورز»، وهي شركة متخصصة في نقل المسافرين إلى وجهات سفر غير مألوفة مثل كوريا الشمالية وسوريا، ودول أخرى غير معترف بها مثل ترانسنيستريا وأبخازيا وناغورنو كاراباخ. يقول ماير، الذي التقى بجونسون أثناء رحلة تديرها شركة «ينج بايونير تورز»: «عندما طرح جاريث الفكرة عليَّ أول مرة، اعتقدتُ أن هذا الأمر لن يصبح حقيقة واقعة أبدًا، لكنه بدأ في شرح الفكرة وتكلفتها، وأدركنا أنه يمكن شراء جزيرة، وخاصة إذا جمعنا الأموال معًا».

وحدَّد الأعضاء المؤسسون أن كل سهم في الجزيرة سيتكلَّف 3250 دولارًا. وباعوا حتى الآن ما يقرب من 100 سهم والعدد في ازدياد، ومع أنه يمكن للمستثمرين شراء عدة أسهم، فإنه يحق لكل شخص صوت واحد فقط في عملية صنع القرار الديمقراطي. وبعد بحث مكثف، صوَّت المستثمرون لشراء «كوفي كاي»، وذلك لأنها جزيرة استوائية نموذجية يسهل الوصول إليها ويمكنهم تحمل تكاليف شرائها مباشرةً، واشترى المستثمرون الجزيرة مقابل 180 ألف دولار بالإضافة إلى الضرائب، وتم البيع في ديسمبر 2019 – قبل أن توقِف جائحة كوفيد-19 أي خطط أخرى.

الهروب والتجربة

يلفت الكاتب إلى أن التمويل الجماعي الناجح لشراء جزيرة قد يكون الأول من نوعه في العالم، ولكن هناك سابقة قوية وفَّرت إلهامًا لإمارة أيلانديا، إن الدول المجهرية أو الدول المصغَّرة تمنح ألقابًا فخمة لمواطنيها وتضع دساتير غير عادية وقوانين ملتوية، وتُعد إمارة سيلاند أحد الأمثلة الشهيرة على الدول المجهرية، والتي أُعلِنت دولة مستقلة من قِبل مالكيها الجدد في عام 1967، وقدمت إلهامًا مباشرًا لإمارة أيلانديا.

ومن وجهة نظر جونسون، يُعد تحويل «كوفي كاي» إلى دولة مجهرية شكلًا من أشكال الهروب من الواقع والتجربة. يقول: «مَنْ منَّا لم يحلم بوطنٍ من صُنعه؟ لا سيما في عالم ما بعد ترامب والبريكست وكوفيد. وإذا كان بإمكان مجموعة من الناس العاديين تحقيق النجاح في ذلك، فربما يمثل ذلك قوة من أجل الخير»

وعلى غرار دول مجهرية عديدة سابقة، بدأت إمارة أيلانديا في تصميم جميع الأمور التقليدية للدولة القومية، فهناك نشيد وطني وعَلَم للجزيرة، وحكومة منتخبة من بين المستثمرين، ويصبح المستثمرون وزوار «كوفي كاي» مواطنين تلقائيًّا في إمارة أيلانديا، وستكون هناك أيضًا جوازات سفر جديدة لإمارة أيلانديا، ويمكن لأي شخص دعم هذه الدولة المجهرية الجديدة من خلال شراء «الجنسية» أو بعض الألقاب مثل «لورد» أو «سيدة أيلانديا» مقابل مبلغ زهيد دون استثمار. وفي حين أن أصحاب الجزيرة قد يضعون قواعدهم وقوانينهم الخاصة عليها، لا تزال «كوفي كاي» خاضعة لقوانين مدينة بليز البريطانية.

مخاطر الاستثمار

ينوِّه الكاتب إلى أن رايس كان المستثمر الثاني في المشروع بعد ماير، وعندما أُجرِيت انتخابات رئاسية لدولة إمارة أيلانديا، كان الفارق صوتًا واحدًا فقط بينه وبين الفائز بالرئاسة. يقول رايس إن المشروع لن يضعه في زمرة الأثرياء، لكن تكلفة السهم لن تؤدِّي أيضًا إلى إفلاسه. والأمر من وجهة نظر رايس يتعلق في المقام الأول بالمتعة وتحقيق حلم امتلاك (أو المشاركة في امتلاك) جزيرة.

ويمكن للمستثمرين مثل رايس زيارة الجزيرة بسعر التكلفة، وسيحصلون أيضًا على نسبة مئوية من أي أرباح قد تحققها الجزيرة في المستقبل، ولا يزال مشروع «Let’s Buy an Island» يحتاج إلى تطوير، مع فرض حد أقصى على عدد المستثمرين والذي يبلغ 150. ولا أحد متأكد من طبيعة المرحلة التالية من التطوير، ولهذا فإن مستقبل «كوفي كاي» قيد النقاش.

ونظرًا لأن مجموعة المستثمرين من فئة المسافرين الأكثر اعتيادًا على استكشاف الوجهات السوفيتية السابقة أكثر من الجزر الاستوائية، تتراوح الأفكار من رفع تمثال لينين إلى إنشاء حديقة منحوتة تحت الماء للدكتاتوريين في العالم، بما في ذلك تمثال نصفي غارق في الماء لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، بحسب التقرير.

وتتضمن أفكار ماير للجزيرة تجديد الشعاب المرجانية المحيطة، مع تطوير موقع تخييم أو تجهيز أماكن إقامة أساسية من حاويات الشحن، فهو يريد أن تصبح الجزيرة «مكانًا للالتقاء» مع مطعم صغير أو بار وقوارب الكاياك والغطس؛ وذلك للمستثمرين والسياح والسكان المحليين من مدينة بليز.

وعلى الرغم من ذلك، سيكون لدى المستثمرين المحتملين أسئلة حول المخاوف من الأعاصير وارتفاع مستويات سطح البحر؛ الأمر الذي يمكن أن يؤثر في الجزيرة، تقول فيلفيت داليساندرو، التي انضمت إلى الرحلة بسبب اهتمامها بمفهوم التمويل الجماعي للجزيرة، إن: «الدولة المجهرية حداثة حقيقية، ولكن مع تغير المناخ، ستكون المعركة مستمرة للحفاظ على الجزيرة، إن ضربة واحدة من أي إعصار، يمكن أن يدمِّرها».

مشروع من أجل الخير

يقول أوسكار دي روميرو، وكيل العقارات في بليز الذي أسس شركة «كوفي كاي» لمشروع «Let’s Buy an Island»، إن المجموعة بحاجة إلى «تحقيق التوازن بين البيئة والنمو الاقتصادي»، ويوضح روميرو أنهم سيحتاجون إلى تصاريح بيئية وتصاريح من الحكومة لأي تطوير.

ويضيف روميرو أنه إذا كان من الممكن تطوير الجزيرة تطويرًا مستدامًا، وإشراك سكان بليز المحليين في ذلك إن أمكن، والمساعدة في تجديد البيئة، فربما يصبح المشروع قوة من أجل الخير، وعلى المدى القصير، ساعدت «كوفي كاي» وإمارة أيلانديا بالفعل في تكوين مجتمع من محبِّي السفر في العالم، وهناك مستثمرون من 25 دولة مختلفة.

يقول ماير: «لقد اقتنع الناس حقًّا بالمفهوم، وحققنا قفزة مذهلة، وهدفنا الأولي هو شراء جزيرة وقد حققناه، وليس لدينا أي خطط حتى الآن لما هو قادم»، بحسب ما يختم التقرير.

Exit mobile version