من المتوقع أن تشهد أسعار المعادن الأرضية النادرة قفزات سعرية كبيرة خلال المدة المقبلة، مع تراجع الإنتاج الصيني نتيجة انخفاض الإمدادات القادمة من ميانمار، مع إغلاق الحدود بين البلدين بسبب تفشي فيروس كورونا في بكين.
وتراجعت القدرة الإنتاجية لشركات المعادن الأرضية النادرة في مقاطعة جيانغشي بشرق الصين -إحدى أكبر قواعد تصنيع المعادن النادرة في البلاد- بنسبة 25% على الأقل مقارنة بالعام الماضي.
ويرجع انخفاض الإنتاج إلى إغلاق البوابات الحدودية الرئيسة أمام المعادن الأرضية النادرة من ميانمار إلى الصين مرة أخرى في بداية العام الجاري، الأمر الذي أثّر بشدة على إمدادات المواد الخام.
وتمثّل ميانمار نصف إمدادات الصين من المعادن الأرضية النادرة، التي تُعد بكين أكبر مصدر لها على الصعيد العالمي.
قفزة مرتقبة في الأسعار
رغم حدوث انخفاضات طفيفة في أسعار المعادن الأرضية النادرة خلال الأيام الأخيرة، يؤكد خبراء الصناعة أن المخاطر كبيرة جدًا، إذ يمكن أن تشهد الصناعات العالمية -بدءًا من الإلكترونيات مرورًا بالمركبات ووصولًا إلى الأسلحة، التي تعتمد أساسًا على العناصر الأرضية النادرة- عجزًا في الإمدادات يؤدي إلى تضخم الأسعار العالمية على المدى الطويل.
وتُستخدم المعادن الأرضية النادرة في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، وبطاريات التخزين والمعدات العسكرية.
وتراجع مؤشر أسعار المعادن الأرضية النادرة في الصين إلى 387.63، أمس الجمعة (25 مارس/آذار)، من أعلى مستوى له عند 430.96 الذي وصل إليه في أواخر فبراير/شباط الماضي، بحسب بيانات جمعية صناعة المعادن الأرضية النادرة في الصين.
وحذّر خبراء الصناعة من قفزة محتملة في الأسعار في المستقبل القريب، بسبب استمرار إغلاق المواني الحدودية الرئيسة، بما في ذلك واحدة في بلدة ديانتان في يوننان، التي تُعد قناة رئيسة لشحنات المعادن الأرضية النادرة.
وقال مدير شركة المعادن الأرضية المملوكة للدولة -التي تتخذ من غانتشو مقرًا لها- لصحيفة غلوبال تايمز: “لم نتلقَ أي إخطار بشأن إعادة افتتاح المواني بين ميانمار والصين”.
وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، استأنفت ميانمار تصدير المعادن الأرضية النادرة إلى الصين بعد إعادة فتح بوابتين حدوديتين بين الصين وميانمار .
ووفقًا لشركة المعادن الأرضية النادرة، شُحنت عدة آلاف من المعادن النادرة إلى الصين في هذه المدة، لكن مع بداية العام الجاري، أُغلقت تلك المواني الحدودية مرة أخرى، ونتيجة لذلك عُلّقت شحنات المعادن الأرضية النادرة من جديد.
نقص إمدادات المواد الخام
أُعيد افتتاح ميناء مينغلونغ في ولاية شيشوانغبانا داي، ذاتية الحكم في مقاطعة يوننان بجنوب غرب الصين، يوم الأربعاء (23 مارس/آذار)، بعد إغلاقه لمدة 240 يومًا لأسباب تتعلق بجائحة كورونا، وينقل الميناء الذي يحد ميانمار 900 ألف طن من البضائع سنويًا.
وقالت مصادر في الصناعة: “إن الميناء يشحن فقط كمية محدودة للغاية من المعادن الأرضية النادرة من ميانمار إلى الصين”.
وأضافت الشركة: “بسبب نقص إمدادات المواد الخام من ميانمار، فإن المُعالجات المحلية في غوانزو تنتج فقط 75% من إجمالي طاقتها الإنتاجية، والبعض ينتج أقل من ذلك”.
وارتفعت أسعار سبائك عنصري البراسيوديميوم والنيوديميوم -التي تُستخدم في صناعة السيارات الكهربائية بنسبة 32% خلال العام الجاري- إلى 1.28 مليون يوان صيني (200 ألف دولار أميركي).
وتؤدي الزيادة في أسعار المعادن الأرضية النادرة إلى ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية، وتوربينات مزارع الرياح، اللذين يعدان عنصرين مهمين في خطة التحول العالمي للحياد الكربوني.
آلية لتسعير المعادن الأرضية النادرة
قال المحلل المستقل لصناعة المعادن الأرضية النادرة، وو تشينهوي: “إن جميع المعادن النادرة تقريبًا تأتي من ميانمار، وهي مورد رئيس للإمدادات في السلسلة العالمية، وتُسلّم المعادن إلى الصين لمعالجتها، ونظرًا إلى أن ميانمار تُمثّل 50% من إمدادات المعادن في الصين، فإن هذا يعني أن السوق العالمية قد تشهد -أيضًا- خسارة مؤقتة بنسبة 50% من إمدادات المواد الخام”.
وأضاف: “سيفاقم ذلك من عدم التوازن بين العرض والطلب، تمتلك بعض الدول احتياطيات إستراتيجية للمعادن الأرضية النادرة تتراوح بين 3 و6 أشهر، ما يكفي لتلبية الاحتياجات على المدى القصير فقط”.
وتوقع تشينهوي أن تشهد أسعار المعادن الأرضية قفزة في الأسعار خلال المدة المقبلة.
وفي مطلع مارس/آذار، استدعت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية، أكبر شركات المعادن الأرضية النادرة في البلاد، بما في ذلك المجموعة الصينية للمعادن الأرضية النادرة التي تأسست حديثًا، وطالبتهم بوضع آلية محددة للتسعير وإعادة أسعار المعادن إلى مستويات معقولة.
أصبحت المعادن النادرة في السنوات الأخيرة سلاحًا اقتصاديًا قويًا، فرضت من خلالها الصين هيمنتها على الأسواق العالمية، وبدأت الدول الغربية تتسابق للبحث عن مصادر بديلة لتلبية احتياجاتها.
فوفقًا لمركز “جيوسينس أستراليا”، تمتلك أستراليا ثالث أكبر احتياطيات العالم من المعادن النادرة عند 3.19 مليون طن، وهذا لا يعدّ شيئًا مقارنةً بالصين، التي تمتلك نصف المعادن النادرة في العالم عند 55.2 مليون طن.
ولذلك، تتطلع الحكومة الأسترالية لتعزيز مكانتها في سوق المعادن الأرضية النادرة بتطوير مشروعات جديدة، لاسيما مع تضاؤل إنتاج الفحم وزيادة اهتمام الجهات المعنية وسلاسل التوريد بإزالة الكربون.
المشروعات الأسترالية
في الوقت الذي تخطط فيه الصين لزيادة سيطرتها على سوق المعادن النادرة، تتجه أستراليا لتنمية مشروعات هذا النوع من المعادن.
وتضم المشروعات: مشروع “نولان” التابع لشركة “أرافورا رسورسس” في الإقليم الشمالي، ومنجم “ماونت ويلد” في غرب أستراليا التابع لشركة “ليناس رير إيرثز” -الذي يعدّ المنتج الوحيد للمعادن النادرة المنفصلة خارج الصين، وفقًا لمنصة إسّو الإلكترونية.
بالإضافة إلى مشروع “براونز رينج” في غرب أستراليا التابع لشركة “نورثرن مينرالز”، ومشروع “إنيابا” بغرب أستراليا التابع لشركة “إيلوكا”.
ويقول المدير الإداري لشركة أرافورا رسورسس، غافين لوكير، إن خطة الصين التصنيعية في 2025 تهدف إلى تحويل القوة العظمى الآسيوية من مُنتِج رخيص إلى مُصنّع باهظ الثمن، ويشمل ذلك إرساء مكانتها في سوق السيارات الكهربائية من خلال تصنيع المكونات والإنتاج، ويتطلب ذلك إمدادات ثابتة بالمعادن النادرة.
لذا من الطبيعي أن تشعر شركات صناعة السيارات في اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي بالتهديد، على حدّ قوله.
ويوضح لوكير أن هذه الشركات تبحث عن إمدادات بديلة للمعادن النادرة خارج الصين، إذ تأمل شركة أرافورا الاستفادة من تنامي الطلب من خلال بدء الإنتاج في مشروع “نولان” في أواخر عام 2024.
الاكتفاء الذاتي
يمكن لأغلب المناجم في دول مثل الصين وماليزيا فصل المعادن الأرضية النادرة، لكن يأمل لوكير أن يُظهر مشروع “نولان” مدى قدرة أستراليا على تحقيق الاكتفاء الذاتي بصفته منتجًا لها.
ويقول لوكير: “لم تعد أستراليا ترغب في القيام بعمليات التنقيب والشحن لهذه المعادن المهمة، ويمكنها تغيير ذلك بالبدء بعمليات المعالجة النهائية”.
وتابع: “وفقًا للمحللين، سيتضاعف الطلب على السيارات الكهربائية من 8-10 أضعاف إلى 40 ضعفًا على مدار الـ20 عامًا المقبلة، وسيتطلب ذلك من 6 إلى 15 ضعفًا من المعادن النادرة”.
وأوضح أن الصين أصبحت من أكبر المستوردين للمواد الخام لتلبية احتياجاتها من الطلب، وقد يدفعها ذلك إلى التفرّد بهذه الموارد لنفسها دون تصديرها.
وترى مجموعة وود ماكنزي للأبحاث واستشارات الطاقة، أن إجمالي إنتاج المعادن الأرضية النادرة في عام 2021 سيصل إلى قرابة 230 ألف طن.
ووفقًا لمدير أبحاث المواد الخام للبطاريات في مؤسسة وود ماكنزي، ديفيد مريمان، فإن الطلب على المعادن النادرة في سوق السيارات الكهربائية مال أكثر إلى استخدام المغناطيس بدلًا من السيراميك.
وقال: “بين عام 2005 ومنتصف عام 2010، حدث تغيّر جوهري في صناعة المعادن النادرة، بانتقالها من استخدام السيراميك المهيمن آنذاك إلى عناصر صغيرة عالية القيمة”.
فصناعة المغناطيس تمثّل 38% من استهلاك التربة النادرة، ويعدّ أساس صناعة توربينات الرياح والسيارات الكهربائية.
منجم ماونت ويلد
إضافة إلى الطاقة التكريرية في أستراليا، اقترحت شركة ليناس، ومقرّها بيرث، تأسيس منشأة لمعالجة المعادن الأرضية النادرة لتعزيز منجم ماونت ويلد، ونال المقترح موافقة هيئة حماية البيئة في غرب أستراليا.
فمنذ عام 2012، بدأت الشركة إرسال المعادن النادرة من المنجم إلى مصنع المعالجة الخاص بها في ماليزيا، لكن توفير منشأة معالجة محلية سيدعم الشركة.
كما وقّعت اتفاقيات مع الولايات المتحدة لتطوير منشأة للمعادن النادرة الثقيلة ومصنع آخر للمعادن النادرة الخفيفة، ويفتح ذلك المجال لمعالجة المعادن النادرة خارج الصين.
المعادن النادرة
ويتماشى ذلك مع رؤية تطور الشركة لعام 2025، والتي تركّز على توفير المعالجة الأولية بالقرب من مواقع التعدين والمعالجة النهائية بالقرب من عملائها.
كما تهتم الشركة بزيادة إمدادات المعادن النادرة من منجم “ماونت ويلد” خلال السنوات القادمة، بالإضافة إلى تنفيذ حملات استكشافية جديدة في السنة المالية 2021-2022.
وعن ذلك قالت ليناس، إنها ستستكمل عمليات الحفر الاستكشافية بعمق كيلو متر في صخور كربوناتايت أسفل منجم ماونت ويلد، بالإضافة إلى إجراء أعمال تحليلية تفصيلية، وتتوقع الإنتهاء من تقريرها أوائل العام المقبل.
السيطرة على المستقبل
يشتهر منجم “ماونت ويلد” بكونه واحدًا من أغنى رواسب المعادن النادرة المعروفة، لذا سيساعد شركة “ليناس” في زيادة نطاق معرفتها عن كتلة المعدن الخام والاستفادة من ذلك في التخطيط لتوسعاتها المستقبلية.
وستؤدي الزيادة في الطلب على المعادن النادرة لتعزيز مكانة الشركة بوصفها المنتج الوحيد خارج الصين، ومن المتوقع أن يزداد تأثيرها بعد تعاونها مع الحكومات الأسترالية واليابانية والأميركية لزيادة توفير الإمدادات من المعادن النادرة.
مقال – هل تكون المعادن النادرة سببًا في حروب هذا القرن؟
فخلال يونيو/حزيران الماضي، حققت الشركة رقمًا قياسيًا في إيرادات المبيعات بلغ 185.9 مليون دولار، بفضل زيادة الطلب على أكسيد النيوديميوم-براسيوديميوم (إن دي بي آر).
وبحسب ليناس، تعدّ المعادن الحيوية والمعادن النادرة ضرورة لسلاسل التوريد الخاصة بصناعة المركبات الهجينة والكهربائية وتوربينات الرياح.
ومع تسارع طلب السوق بتعافي الاقتصاد واختيار تقنيات منخفضة الكربون، ستنال المعادن النادرة شعبية كبيرة خلال العقد المقبل، وسط الاتجاه العالمي إلى التنقل المستدام والأتمتة الصناعية والإلكترونية والطاقة المتجددة.
وسيتطلب ارتفاع الطلب على المعادن الأرضية النادرة بدء تشغيل المزيد من المناجم، ومع تقدّم الشركات المدرجة في بورصة الأوراق المالية الأسترالية، مثل أرافورا، فإن أستراليا تتبوّأ مكانة مميزة تمكّنها من توفير إمدادات ثابتة من المعادن بعيدًا عن الصين.
المصادر : مواقع عربية