“تحفة معمارية” استغرق بناءه 6 سنوات.. مسجد برمنغهام المركزي.. ثاني مسجد بني في المملكة المتحدة والأكبر في أوربا

برمنغهام، الواقعة في قلب إنجلترا والنابضة بالحياة هي ثاني أكبر مدينة في المملكة المتحدة، وقد عرفت في العصر الفيكتوري باسم “ورشة العالم” المليئة بالتاريخ والفنون والثقافة ومهد الثورة الصناعية.

وتعتبر الجالية المسلمة في برمنغهام واحدة من أكثر الجاليات تنوعا بعد لندن، إذ تضم أصولا مختلفة من أفريقيا وجنوب أوروبا وشرقها وغرب آسيا ودول آسيوية أخرى.

ويعد مسجد برمنغهام المركزي ثاني مسجد بني في المملكة المتحدة، وذلك عام 1969. ولكونه أحد المباني الدينية الأكثر شهرة في مدينة برمنغهام، يزوره عدد كبير من الناس كل عام، وسبق أن زاره الملاكم محمد علي.

التبرعات النقدية أنقذت المسجد

في البداية تم جمع الأموال لوضع أساسات المسجد، وعندما نفدت الأموال، كان هناك احتمال أن يبيع مجلس المدينة الأرض إلى مشتر آخر إذا لم يكتمل بناء المسجد في غضون عامين، مما جعل أمناء المساجد يطلبون من المجتمعات المحلية -من المسلمين وغيرهم- التبرع لبناء المسجد.

وبعد فترة وجيزة، تم جمع أموال كافية لدفع تكاليف بناء وإكمال المسجد، وبدأت أعمال البناء عام 1969 واستغرقت 6 سنوات لتكتمل. ثم افتتح المسجد رسميًا عام 1975 باعتباره أكبر مسجد في أوروبا الغربية، وأضيفت القبة الذهبية إليه في الثمانينيات.

وعلى عكس عدد من المساجد الأخرى، لا توجد رعاية حكومية أجنبية أو دعم من أصحاب النفوذ الأثرياء للمسجد المركزي، لكونه قائما على تبرعات المصلين.

دفتر الزوار

ومنذ بناء المسجد، أصبح نقطة محورية لمجتمع برمنغهام المسلم. ولتشجيع أفراد المجتمع على ترك رسائلهم وتعليقاتهم عند زيارة المسجد، تم تخصيص “دفتر الزوار”، فمنذ عام 1984 يكتب فيه الزائرون من طلاب المدارس والجامعات وأعضاء المؤسسات الأخرى الراغبين في معرفة المزيد عن المسجد والعقيدة الإسلامية.

وهو مكان عبادة غير طائفي، يتبع القرآن والسنة، ويعتبر مقرا لمناصرة المسلمين والقضايا الإسلامية، لذا تركز معظم وسائل الإعلام على مشاركة المسجد في قضايا حقوق الإنسان الوطنية والدولية، والقضايا السياسية، بالإضافة إلى رعايته وتنسيقه بعض الفعاليات بين مختلف الأديان. فعلى مرّ السنوات، استخدم المسلمون وغيرهم هذا المسجد لتنظيم اجتماعات ومحاضرات بشأن قضايا المجتمع وللأغراض التعليمية أيضا.

وأنتجت “بي بي سي” (BBC) فيلمين وثائقيين عن مسجد برمنغهام المركزي، وكان له دور رائد في وسائل الإعلام المتنوعة، من الصحف والتلفزيون والإذاعة، في الأمور المتعلقة بالحرب على أفغانستان والعراق، إلى جانب قضايا اجتماعية وسياسية ودينية أخرى.

جولة داخل المسجد المركزي

يتكون المسجد من 3 طوابق، وفي الطابق الأول قاعة رئيسية كبيرة للصلاة تستوعب حوالي 3 آلاف مصلي، بالإضافة إلى أماكن خاصة للسيدات في الطابق الثالث تتسع لنحو 1500 سيدة.

كما يوجد معرض مخصص لغير المسلمين، وهو مفتوح طوال العام للزيارات المدرسية وما إلى ذلك، وتوجد غرفة عرض متعددة الوسائط ومتجر للهدايا التذكارية في الطابق نفسه.

وينقسم الطابق الأرضي إلى أجزاء مختلفة، فهناك مكتبة إسلامية واسعة وفصول تعليمية وقاعة مدرسية كبيرة تستخدم للصلاة ولتنظيم أنشطة أخرى.

وفي المناسبات الخاصة مثل الأعياد، عندما يكون عدد المصلين كبيرا، يتم استخدام كل من قاعة الصلاة الرئيسية والقاعة المدرسية للصلاة، لتوفير مساحات لـ8 آلاف شخص تقريبا.

وتقام صلاة العيد فيه على 5 دفعات، ويحضرها ما بين 15 ألف مصلٍّ إلى 20 ألفا، أما عن صلاة الجمعة، فيجتمع في المسجد المركزي ما يقارب 4 آلاف مصلٍّ، من جميع أنحاء العالم الإسلامي.

كما يعدّ المسجد أيضا عضوا بارزا في حركة “تعدد الأديان” في برمنغهام، واشتهر بمبادرات مكافحة التطرف في المجتمع ومشاركته الواسعة في الأعمال الخيرية، بما في ذلك إدارة بنك الطعام ومطبخ حساء شتوي للمشردين.

ومنذ تشييد المسجد، أصبح نقطة محورية للمجتمع المسلم، ولا يزال العديد من المؤسسين الأصليين للجنة المسجد يشكلون إدارة المسجد أو هم أمناؤه، ومع مرور الوقت، تم إجراء العديد من التغييرات حول كيفية إدارة المسجد باستخدام التعاليم الإسلامية كأساس للمساواة وتمثيل جميع أفراد المجتمع.

وعلى موقع المسجد الرسمي “سنترال موسك”، هناك العديد من الخدمات المتنوعة التي يقدمها صندوق برمنغهام المركزي بالمسجد للجمهور، وذلك بتوفير مكتب للزواج والتسجيلات، وعيادات للإرشاد الأسري، وتنظيم زيارات تعليمية دينية، بالإضافة إلى المدرسة المسائية للأطفال. كما أنه يقدّم خدمات المدافن والجنازات، ودروسا مجتمعية للكبار، إلى جانب بعض الخدمات المكتبية، وتسهيلات حجز في المناسبات الخاصة، بالإضافة إلى بنك الطعام.

كيف أصبح الإسلام قوة اجتماعية متنامية بثاني أكبر مدن بريطانيا؟

نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا عن تزايد تأثير المسجد المركزي في مدينة بيرمنغهام، الذي قالت إن أثره يمتد من قاعة الدراسة إلى غرفة النوم، مشيرة إلى أن الإسلام يتحول لقوة اجتماعية في ثاني أكبر مدن بريطانيا.

ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أنه “بعد ساعات من المذبحة التي تعرض لها المسلمون في نيوزيلندا الشهر الماضي، فإن ممثلين عن خمس ديانات وقفوا أمام مسجد بيرمنغهام المركزي، وأعربوا عن تضامنهم، حيث تدفق المصلون بعد الانتهاء من صلاة الظهر، وقال الحاخام اليهودي الأرثوذكسي يوسي جاكوب: (يا ربنا احمنا واحفظنا في الحياة والأمن)”.

وتقول المجلة إنه “بعد هذا الموقف عاد هذا المركز الصاخب للعمل من جديد، ففي أكبر مسجد من 200 أخرى في بيرمنغهام وحولها لا يأتي المسلمون هنا للصلاة فقط، بل لشراء الكتب والحصول على النصيحة والتعليمات في الزواج والطلاق والصلاة على موتاهم أيضا”.

ويلفت التقرير إلى أنه كونهم حراسا للدين، الذي يتبعه ربع سكان بيرمنغهام، بينهم أطفل المدينة، فإن قادة المسجد يؤدون دورا متزايدا في الحياة المدنية، ويؤكدون مع بقية القادة المسلمين أن باستطاعتهم جعل المدينة مستقرة ومزدهرة، لكنهم يؤكدون في المقام ذاته أن على الآخرين قبولهم كما هم، أي كونهم نتاجا للثقافة المسلمة المحافظة.

وتعلق المجلة قائلة إن “بيرمنغهام ليست المدينة التي لا يستطيع غير المسلمين دخولها، كما زعم معلق معروف في (فوكس نيوز) في عام 2015، لكن لديها سمعة بأنها حاضنة للجهاديين؛ لأن عددا من الجهاديين قضوا وقتا فيها، وكما يرى قادة المسجد المركزي فإن السلام المجتمعي هش؛ ولأسباب لها علاقة بالتقشف والتوتر الثقافي المجتمعي”.

ويورد التقرير نقلا عن نصار محمود، وهو أحد الأمناء في المسجد، قوله: “نخشى أن يؤدي التخفيض في ميزانية الشرطة إلى خروج الجريمة عن السيطرة وتحميلنا نحن المسلمون المسؤولية”.

وتعلق المجلة قائلة إن “التوتر ذا البعد الطائفي يعد مشكلة، ففي الاول من آذار/ مارس تعرضت خمسة مساجد لهجمات بمطرقة قوية، ويقول حراس المجتمع المسلم في المدينة إنهم يستطيعون معالجة الجريمة والتطرف، وكما يقول رئيس المسجد محمد أفضل، إنه والمسؤولين معه قادوا الجهود لتثبيط عزيمة الشباب عن السفر إلى سوريا، وقاد المسجد حملة مع بقية الأديان ضد جرائم السكاكين في المدينة”.

وينوه التقرير إلى أن المسجد يؤدي دورا مهما وحيويا في ملامح الحياة الأخرى للمدينة، ففي كل عام يأتي المئات إلى مجلس الشريعة في المسجد لحل خلافاتهم العائلية، ومعظمهم نساء راغبات في إنهاء زواجهن.

وتذكر المجلة أن نقاد مجالس الشريعة يرون أنها ازدهرت لأن الكثير من الشباب يميلون لتسجيل نكاحهم في مجلس الشريعة دون أن يسجلوه في المحكمة المدنية، ما يجعل النساء عرضة للتشرد والفقر في حال انتهى الزواج.

وتنقل المجلة عن المرأة البريطانية الوحيدة في مجلس الشريعة في المسجد المركزي في برمنغهام عمرة بوني، ردها قائلة إن المرأة الثرية قد يكون وضعها أفضل في ظل القانون الإسلامي أفضل من القانون البريطاني، وتضيف أن الكثير من الشباب يستخدمون عقد النكاح لتشريع زواج قد لا يستمر، أو ما يسمى “نكاح المواعدة”.

ويورد التقرير نقلا عن المحامية المسلمة عينا خان، التي تقود حملة لتسجيل عقود النكاح كلها في المحاكم المدنية، قولها إنها غير مقتنعة بذلك، مشيرة إلى أن “نكاح المواعدة” ممارسة تخدم الذات، “لا يمكن خداع الله”.

وتفيد المجلة بأن آخر الميادين التي تشهد معركة ثقافية هي الفصول الدراسية، فقد احتج الآباء على الدروس في المدارس الابتدائية التي تدرس التسامح والزواج المثلي، مستدركة بأنه رغم تأكيد وزير التعليم هذا الأسبوع أن “لا فيتو للعائلة على محتوى المقرر الدراسي”، إلا أن مستقبل تدريسه غير مؤكد.

وينقل التقرير عن التربوي طاهر علام، الذي منع عام 2015 من النظام التعليمي في بيرمنغهام بعد التحقيق في مدارس إسلامية، قوله: “يجب أن يتم التعليم مع المجتمع لا إلى المجتمع”، وأضاف أن الإسلام لا يوافق على العلاقة بين المثليين، ودافع علام عن جهوده لتدريس الإسلام في المدارس الحكومية، وقال إنها أدت إلى تحسين المعايير التعليمية.

وتبين المجلة أن تعليم الزواج المثلي كشف عن حروب الثقافة في بيرمنغهام، فأعضاء المجلس المحلي العماليون، الذين يسيطرون على السياسة، يتراوحون ما بين الأعضاء المتعاطفين مع العائلات المحتجة، وتلك العلمانية ذات الميول اليسارية التي تدعم المدارس، أما المعارضة المحافظة فهي تبدو وكأنها تقدمية، فيما يخشى المحافظون المحليون من أن يؤدي التطوير التجاري إلى تدمير “قرية المثليين” في مركز المدينة.

وبحسب التقرير، فإن “بيرمنغهام هي خليط غير منظم من أحياء ممتدة، وفي بعص الأحياء عززت الخلافات الإثنية والثقافية الانفصام بين السكان، وكما يعترف قادة المسلمين في المسجد فإن الحلقة المفرغة التي تجعل المسلمين في مناطق الاتحاد معا في المناطق التي يعدون فيها غالبية؛ لأنهم يخشون هجوما من مكان آخر، وعندما تتحول هذه المناطق بغالبية مسلمة يتركها الآخرون”.

وتذكر المجلة أن منسق حوار الأديان أندرو سميث، يرى أن المستقبل واعد، حيث تجرى محاولات لجمع المجتمعات معا.

وتختم “إيكونوميست” تقريرها بالإشارة إلى أن المسجد المركزي يعد نقطة مهمة في هذا مع الكنيسة الأنغليكانية والكاثوليكية، لافتة إلى أن هذا لا يعني أن قرى المدينة وأحياءها لا تبتعد عن بعضها من الناحية الجغرافية والثقافية.

المصدر: مواقع إلكترونية

Exit mobile version