“بينها مصر والمغرب”.. إمكانات هائلة من طاقة الرياح تمتلكها بلدان عربية تمكنها من إحداث طفرة نوعية في توليد الكهرباء من المصادر الطاقة المتجددة (تقرير)
جاءت كل من مصر والجزائر وسلطنة عمان والمغرب، ضمن أسواق حددها مجلس طاقة الرياح العالمي، تمتلك إمكانات هائلة من طاقة الرياح، تساعدها في تحقيق طفرة بنسبة توليد الكهرباء من مصادر متجددة.
وحدد المجلس في تقرير حديث أبرزَ التحديات أمام تلك الدول التي ينبغي معالجتها ومواجهتها لتصبح أسواق جاذبة للاستثمارات الأجنبية في قطاع طاقة الرياح واستغلال الإمكانات الطبيعية التي تمتلكها.
وارتفع إجمالي سعة طاقة الرياح المركّبة عالميًا خلال العام الماضي إلى 837 غيغاواط، بزيادة قدرها 12.4% على أساس سنوي، ليكون ثاني أفضل عام أداءً على الإطلاق.
طاقة الرياح في المغرب
توقّع تقرير مجلس طاقة الرياح العالمي أن تسهم المغرب في إضافة سعة جديدة من طاقة الرياح في أفريقيا والشرق الأوسط خلال السنوات الـ5 المقبلة، بنحو 1.8 غيغاواط.
وبصفة عامة، من المتوقع إضافة 14 غيغاواط من السعة الجديدة بطاقة الرياح في أفريقيا والشرق الأوسط، خلال المدة الزمنية من عام 2022 حتى عام 2026، مدفوعة أساسًا من جنوب أفريقيا المساهم الأكبر بنحو 5.4 غيغاواط، ومصر بـ2.2 غيغاواط، والمغرب بـ1.8 غيغاواط، والسعودية بـ1.3 غيغاواط.
ومع ذلك، رجح التقرير تباطؤَ نمو طاقة الرياح في أفريقيا والشرق الأوسط خلال عامي 2022 و2023، وذلك بعد عام قياسي من التركيبات الجديدة لذلك القطاع في عام 2021.
طاقة الرياح في مصر
جاءت مصر في مقدمة الدول العربية التي يرى مجلس طاقة الرياح أنها تمتلك إمكانات رياح هائلة، تؤهلها لرفع طموحاتها في مجال الطاقة المتجددة، والتوافق مع مسارات حيادية الكربون.
وقال التقرير، إن مصر لها تاريخ طويل في تشجيع التحول إلى الطاقة المتجددة، ومنها الرياح، على الرغم أنها تعدّ دولة منتجة للوقود الأحفوري، خصوصًا الغاز، إذ تأتي ضمن أكبر مصدّري الغاز المسال.
وتعدّ مصر المصدّر الأسرع نموًا للغاز الطبيعي المسال بمنطقة الشرق الأوسط وشمال وأفريقيا، رغم أن احتياطياتها من الغاز مقارنةً بدول مثل إيران وقطر والسعودية تعدّ بسيطة.
وأرجع التقرير ذلك إلى موقعها الجغرافي على البحر الأبيض المتوسط، وقربها من أوروبا.
ورغم اعتماد مصر على الغاز الطبيعي والنفط في توليد الكهرباء، يرى التقرير أن هناك اهتمامًا وطنيًا متزايدًا بتنويع مزيج الطاقة والاستفادة من إمكانات الطاقة المتجددة المتوفرة في البلاد.
وتستهدف مصر وصول نسبة الطاقة المتجددة بقدرة توليد الكهرباء إلى 42% بحلول 2035، لتشمل 14% كهرباء مستمدة من طاقة الرياح، و21% من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، بالإضافة إلى الطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية المركزة.
ويشار إلى أن مصر نجحت برفع نسبة الطاقة المتجددة في قدرة توليد الكهرباء إلى 20% حاليًا.
ويؤكد تقرير مجلس طاقة الرياح أن مصر لديها إمكانات أكبر بكثير من المستهدفات التي وضعتها الحكومة لعام 2023، مستشهدًا بتقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، الذي أوضح أن مصر يمكنها توليد نحو 53% من الكهرباء عن طريق الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
وتمتلك مصر عدّة مواقع تتميز بإمكانات رياح ساحلية يمكن استغلالها لدعم طموحات الطاقة المتجددة، خصوصًا على طول خليج السويس الذي يتميز بسرعات رياح قوية.
وبحسب أطلس الرياح الوطني، تستطيع مناطق شرق وغرب النيل وحدها أن تستوعب أكثر من 31 غيغاواط من طاقة الرياح.
كما قدّر البنك الدولي إمكانات الرياح البحرية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بنحو 166 غيغاواط، منها 27 غيغاواط من الرياح البحرية ذات القاع الثابتة، و139 غيغاواط من إمكانات الرياح البحرية العائمة.
ووفقًا للتقرير، تضمنت المرحلة الأولى لنشر طاقة الرياح على نطاق تجاري في مصر مجموعةَ مشروعات بإجمالي قدرة 545 ميغاواط بالقرب من منطقة الزعفرانة، وممولة من قروض ميسرة قادمة من ألمانيا وإسبانيا واليابان والدنمارك.
وخلال المدة من 2001 وحتى 2010، سُلِّمَت تلك المشروعات ودخلت الخدمة من قبل هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة في مصر.
وسجلت قدرة الرياح المركبة في مصر خلال المدة الزمنية من 2010 وحتى 2021، نحو 1638 ميغاواط.
ويؤكد التقرير أن للقطاع الخاص دورًا فعالًا فيما يتعلق بنمو طاقة الرياح في مصر، وذلك من خلال مناقصات الطاقة المتجددة التي تطرحها بعقود البناء والامتلاك والتشغيل (BOO).
وتشهد مصر حاليًا تطورًا ملحوظًا في إدخال نظام منتجي الطاقة المستقلين (أو IPP) بمشروعات طاقة الرياح التي تطرحها على القطاع الخاص، والذي يعني قيام المستثمر ببناء محطة طاقة الرياح والتعاقد بشكل مباشر مع المستهلك لبيع الكهرباء التي تولّدها.
واستعرض التقرير بعض تلك المشروعات التي نفّذها القطاع الخاص في مصر، ومنها التحالف الدولي الذي ضمّ شركات “إنجي الفرنسية، وتويوتا تسوشو اليابانية، وأوراسكوم للإنشاءات المصرية، وقام بتطوير أول مزرعة رياح خاصة في البلاد بطاقة 262.5 ميغاواط.
كما قامت شركة ليكيلا باور، أواخر عام 2021، بتوقيع اتفاقية حق انتفاع مع هيئة الطاقة المتجددة بشأن مزرعة رياح غرب بكر بقدرة 250 ميغاواط.
ورأى تقرير مجلس طاقة الرياح العالمي أن نمو سوق الرياح في مصر سيعمل على إيجاد وظائف جديدة.
وتوقّع أنه إذا استمرت مصر في الوفاء بالتزاماتها التعاقدية، سيعمل ذلك على جذب مطورين ومستثمرين لدخول سوق طاقة الرياح في البلاد.
ويرى أن الحكومة المصرية ستحتاج إلى جذب رؤوس أموال من القطاع الخاص لتلبية مستهدفاتها نحو زيادة حصة الطاقة المتجددة من مزيج الطاقة لديها.
وقال، إن نجاح مشروعات توليد الكهرباء من طاقة الرياح في مصر، بالتعاون مع القطاع الخاص، سيمثّل عامل ثقة للمستثمرين في المستقبل بشأن مشروعات الرياح.
طاقة الرياح في الجزائر
جاءت الجزائر أيضًا من ضمن الأسواق التي يقول التقرير، إنها تتمتع بإمكانات في طاقة الرياح، ولكنه يرى أن اعتماد اقتصاد الجزائر على الوقود الأحفوري بشكل كبير، يعدّ تحديًا أمام انتشارها.
كما إن عدم وجود خرائط دقيقة لموارد الرياح، مع غياب سلسلة إمدادات محلية لها، تسبَّب في تكلفة باهظة للبلاد ببدايات التوجه نحو إنشاء محطات طاقة رياح، بالإضافة إلى محدودية الاستثمارات في هذا القطاع حتى الآن.
ولدى الجزائر طاقة رياح مركبة بقدرة تصل إلى 10 ميغاواط في مدينة أدرار، وهو مشروع تجريبي ممول من قبل شركة سونلغاز الحكومية.
وكانت البلاد قد وضعت خطة في عام 2016، تستهدف توليد نحو 22 غيغاواط من مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2030، من بينها 5 غيغاواط من طاقة الرياح، ولكنها لم تكن قابلة للتحقق، وهو ما دفع الحكومة الجزائرية إلى تعديل تلك المستهدفات عام 2021 إلى توليد 15 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول 2035.
ويؤكد تقرير مجلس طاقة الرياح أن توفير التمويل اللازم لوضع خرائط دقيقة للمناطق المناسبة لإقامة محطات طاقة رياح، مع العمل على إرساء الثقة في السوق من خلال سياسات واضحة وإطار تنظيمي، فضلًا عن الحوافز المالية والضريبية، سيعمل على تطوير سوق الرياح في الجزائر.
طاقة الرياح في سلطنة عمان
وصف مجلس طاقة الرياح سلطنةَ عمان بأنها تمتلك إمكانات تقنية ضخمة من الرياح البحرية، والتي تبلغ نحو 61 غيغاوط من محطات الرياح الثابتة، و118 ميغاواط من الرياح البحرية العائمة.
وكانت سلطنة عمان قد شغّلت أول مزرعة رياح في محافظة ظفار، بقدرة تصل إلى 50 ميغاواط، والتي موّلها صندوق أبو ظبي للتنمية، وكانت شركة مصدر هي المطور.
وتعتزم البلاد طرح مناقصة تنافسية لمشروع رياح بطاقة 100 ميغاواط في الجزء الجنوبي من عمان.
ويؤكد التقرير أن الدعم السياسي في البلاد يشجع على الوقود حيادي الكربون والهيدروجين الأخضر.
وتضمنت رؤية “عمان 2040” الوصولَ بمصادر الطاقة المتجددة إلى نسبة 39% من مزيج الطاقة في البلاد، والوصول إلى 20% بحلول عام 2030.
وجاءت أبرز التحديات التي تواجه سلطنة عمان متمثلةً في ارتفاع تكاليف رأس المال والافتقار إلى الجداول الزمنية، مع عدم توافر التقنيات المتقدمة في البلاد لقياس سرعة الرياح.
السوق العالمية لطاقة الرياح
رغم تراجع سعة طاقة الرياح المضافة، خلال العام الماضي، نتيجة اضطرابات سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار، فإنها حققت ثاني أفضل أداء لها على الإطلاق.
وبحسب تقرير مجلس الرياح العالمي، بلغت سعة طاقة الرياح المركبة المضافة خلال العام الماضي نحو 93.6 غيغاواط، بنسبة انخفاض 1.8% مقارنة بالسعة المضافة عام 2020، ولكن، بصفة عامة، ارتفع الإجمالي التراكمي للسعة عالميًا إلى 837 غيغاواط.
وجاء انخفاض إضافات طاقة الرياح، العام الماضي، نتيجةَ تراجع تركيبات سعة الرياح البرية إلى 72.5 غيغاواط، مقابل 88.4 غيغاواط في 2020.
وهو ما أرجعه التقرير إلى تباطؤ نمو الرياح البرية في أكبر سوقين لطاقة الرياح في العالم، وهما الصين والولايات المتحدة.
وسجّل الإجمالي التراكمي لسعة الرياح البرية في العالم نحو 780 غيغاواط، وفق تقرير مجلس طاقة الرياح العالمي.
وعلى صعيد الرياح البحرية، شهد العام الماضي إضافات قياسية وصلت إلى 21 غيغاواط، وهو ما يعادل 3 أمثال إضافات العام الماضي، ليسجل الإجمالي نحو 57.2 غيغاواط.
طاقة الرياح تدعم النمو الاقتصادي المستدام للبلدان النامية
أصدر مجلس طاقة الرياح العالمي (جي دبليو إي سي)، في 17 مارس/آذار الجاري، تقريرًا حديثًا بعنوان “اغتنام طاقة الرياح في الاقتصادات النامية لفرص التعافي الأخضر”، الذي أشار إلى أن طاقة الرياح تمثّل حجر الأساس للنمو الاقتصادي المستدام في المستقبل.
وأكد التقرير وجود مجموعة من الأدلة التي تؤكد أن طاقة الرياح يمكن أن تساعد الحكومات على تسريع التعافي الاقتصادي الأخضر، وفقًا لموقع مجلس طاقة الرياح العالمي.
وبيّن التقرير أن فوائد طاقة الرياح واسعة النطاق، وتمتد إلى أبعد من توليد الكهرباء النظيفة، إذ تشمل تحقيق وفورات في تكاليف الصحة العامة التي ستُنفَق في معالجة آثار توليد الكهرباء بالوقود الأحفوري، وإيجاد فرص عمل مستدامة.
ويُضاف إلى ذلك توفير استهلاك المياه التي يمكن استخدامها لتوليد الطاقة الحرارية، وضخ رأس مال كبير في سلسلة القيمة المحلية.
مزايا طاقة الرياح
يُعدّ قطاع طاقة الرياح جذابًا للاقتصادات الناشئة التي تحتاج إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري مع الحفاظ على النمو الاقتصادي وتلبية الطلب سريع النمو على الكهرباء وحماية أمن الطاقة.
وقد حققت طاقة الرياح انخفاضًا كبيرًا في التكلفة وتميزًا تقنيًا على مدار العقدين الماضيين، ما جعلها بديلاً مؤكدًا وجاهزًا للسوق للوقود الأحفوري.
ورغم أن التكاليف قد تكون مرتفعة في البداية في الاقتصادات الناشئة، إذ تضم صناعة طاقة الرياح الجديدة الموظفين قليلي الخبرة، وتتطلب تكاليف مرتفعة عند بدء التشغيل، فإن هذه التكاليف يمكن أن تنخفض بسرعة بفضل التزام الحكومة والسياسة المتبًعة وتعاون قوى السوق.
تقرير مجلس طاقة الرياح العالمي
يعكس هذا التقرير نتائج دراسة بشأن إمكانات طاقة الرياح في الاقتصادات الناشئة حول العالم على مدى السنوات الـ5 المقبلة، من 2022 إلى 2026، بهدف تسليط الضوء على الفرص الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الواسعة وغير المستغلة إلى حد كبير المرتبطة بطاقة الرياح.
واختارت الدراسة 5 اقتصادات ناشئة على وجه الخصوص بمثابة دراسات قُطْرية: البرازيل والهند وجنوب أفريقيا والمكسيك والفلبين.
وأوضحت الدراسة أن النشر السريع لمشروعات الرياح لن يدعم العمل المناخي فحسب، وإنما سيساعد البلدان النامية على تحقيق مجموعة من الفوائد من خلق فرص العمل إلى الحفاظ على نظافة الهواء.
علاوة على ذلك، حددت الدراسة 3 عوائق مشتركة تواجه نشر طاقة الرياح في الاقتصادات الناشئة وتقدم توصيات حول كيفية التغلب على هذه الحواجز.
دعم طاقة الرياح للاقتصادات النامية
أشار تقرير مجلس طاقة الرياح العالمي إلى أن اعتماد التعافي الأخضر بعد جائحة كوفيد سيمكّن البرازيل والهند والمكسيك والفلبين وجنوب أفريقيا من إضافة 20 غيغاواط من طاقة الرياح بين عامي 2022 و2026، حسبما نشر موقع “إنرجي مونيتور”.
وكشف التقرير، الذي شاركت في إعداده مؤسسة استشارات الطاقة المتجددة “بي في جي أسوشيتس” في بريطانيا، عن أنه يمكن لهذه البلدان النامية الـ5 أن توفر 2.23 مليون وظيفة مكافئة بدوام كامل على مدى دورة تشغيل مزارع الرياح البالغة 25 عامًا.
ويقدر التقرير أن مشروعات طاقة الرياح يمكن أن تزوّد ما يقرب من 25 مليون منزل سنويًا من عام 2026 فصاعدًا، ويتوقع أن توفر ما يعادل 714 مليون طن متري من انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون طوال دورة تشغيل المشروعات.
التحول من الفحم إلى الطاقة النظيفة
في جنوب أفريقيا، يمكن أن يضيف التحول من الفحم إلى الطاقة النظيفة -الذي بدأ بحزمة تمويل بقيمة 8.5 مليار دولار اتُّفق عليها في قمة المناخ كوب 26، 250 ألف وظيفة إضافية وأكثر من 10 مليارات دولار من القيمة الاقتصادية الإجمالية على مدى 25 عامًا.
وبالإضافة إلى الانخفاض الكبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، يمكن أن يوفر التحول من الفحم إلى الطاقة النظيفة أكثر من 50 مليون لتر من المياه سنويًا بدءًا من عام 2026.
ويمكن للبرازيل إيجاد 575 ألف وظيفة إضافية خلال دورات تشغيل المشروعات إذا اختارت التعافي الأخضر في سيناريو العمل المعتاد، ما سيؤدي إلى انخفاض بنسبة 40% في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال هذه المدة.
وتستطيع الهند توفير 229 مليون طن متري إضافي من مكافئ ثاني أكسيد الكربون على مدار 25 عامًا، مع إيجاد أكثر من مليون وظيفة خضراء.
ويمكن للمكسيك أن تضاعف تخفيضاتها المتوقعة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وأن تخلق نحو 250 ألف وظيفة جديدة وتضيف 3.5 مليار دولار من القيمة الإجمالية للاقتصاد.
وستشهد الفلبين أكثر من 1.1 مليار دولار من إجمالي القيمة المضافة للاقتصاد عند اكتمال أكثر من 1650 ميغاواط من منشآت طاقة الرياح بموجب سيناريو التعافي الأخضر.
وستدعم هذه المنشآت زيادة بنسبة 70% في الوظائف بالإضافة إلى توفير أكثر من 65 مليون طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
طاقة الرياح.. من نشوئها إلى تزايد الاعتماد عليها
سنة بعد سنة، ترسّخ الرياح مكانتها كمصدر للطاقة المتجدِّدة. ووصل الإقدام على استغلال طاقة الرياح إلى أغنى دول العالم بمصادر الطاقة التقليدية، كما هو الحال في المملكة التي شهدت خلال العام الجاري عدة خطوات بارزة على هذا الصعيد في إطار سعيها إلى تنويع مواردها وتعظم الفائدة من مصادرها الأخرى.
في هذا التقرير نبذة عامة عن طاقة الرياح وأفضل “مكامنها”، إن جاز التعبير، وما وصل إليه الاعتماد عليها في دول العالم.
نبذة تاريخية
منذ أن نصب البحارة الأوائل أشرعتهم على سواري قواربهم، بدأ استخدام الريح، طاقةً تشق عُباب البحر وتدفعهم في الأسفار. ومنذ نحو ألفي سنة، بدأ الإنسان يستخدم مطاحن تعمل بطاقة الريح، من أجل طحن الحبوب وضخ المياه. ولم يقتصر انتشار طواحين الهواء على أماكن محدودة، بل انتشرت في كل الحضارات القديمة، مجاورة للأنهار وفي الحقول، وحتى في الأماكن القاحلة في الغرب الأوسط الأمريكي والبطاح الأسترالية، لضخ المياه لقطعان المواشي.
ولكن، بدءاً من أواخر القرن التاسع عشر طرأ تحوّل كبير على استغلال طاقة الرياح، تمثّل في تحويلها من مجرّد طاقة حركية إلى طاقة كهربائية قابلة للتخزين والنقل لمسافات بعيدة وللاستخدام في كل مجال يعتمد على الكهرباء.
ففي يوليو 1887م، أقيمت في سكوتلندا أول طاحونة هواء لإنتاج الطاقة الكهربائية، شيّدها البروفيسور جيمس بليث من معهد أندرسون. وكان ارتفاع الطاحونة 10 أمتار، وشفرات مروحتها من قماش، وكانت تعمل في شحن بطاريات طوّرها الفرنسي كاميل ألفونس فور لإنارة كوخ دخل التاريخ على أنه أول بيت يُنار بكهرباء الرياح. وعرض بليث استخدام الفائض من الكهرباء في إنارة أحد شوارع المحلة، إلا أن السكان رفضوا عرضه، بسبب الخوف من هذا الاختراع الغريب!
أما على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، فقد أنشأ تشارلز براش سنة 1888 طاحونة هواء كهربائية أكبر، وقد استُخدمت في إنتاج الطاقة الكهربائية حتى العام 1900. ونُصِبَت على عمود ارتفاعه 18 متراً وبلغ قطر فراشها 17 متراً، أما قدرتها فبلغت 12 كيلواط، وشحنت بطاريات بالكهرباء وأنارت مصابيح.
ومع الوقت وتقدُّم التقنية في القرن العشرين، أخذت طاقة الرياح تُستخدم في إنارة المنازل والمصانع، من على مسافات أكبر، ثم تنوّعت المراوح حجماً ونوعاً فصار منها مراوح صغيرة لإنتاج الطاقة لأماكن معزولة، ومنها حقول رياح، تنتج الطاقة لشبكات الكهرباء الوطنية بقدرات تقارب جيغاواط أو أكثر.
حقول الرياح بين البر والبحر
هذه الحقول هي عبارة عن أرض واسعة تنتصب فيها مراوح عملاقة لإنتاج الكهرباء، وقد يصل عدد المراوح إلى المئات في الحقل الواحد، متصلة فيما بينها، ويبلغ إنتاجها مستوى عالياً من الكهرباء يغذي شبكة الكهرباء الوطنية أو المحلية. ويمكن استعمال الأرض في حقول الرياح، من أجل أغراض أخرى، كالزراعة مثلاً، فيما تواصل المراوح إنتاج الكهرباء. ويضم حقل غانسو للرياح في الصين، وهو اليوم أكبر حقل رياح في العالم، آلاف التوربينات (المراوح). ولكل مروحة في المعتاد ثلاث نصال كبيرة، تدور بقوة الريح، وتنتج بدورانها الطاقة في التوربينة المنصوبة في أعلى الساري.
ولا يقتصر إنشاء حقول الرياح على اليابسة فقط، بل يمكن إنشاؤها في البحار أيضاً. ففي البحار أو على مقربة من الشواطئ، قلما تتوقف حركة الريح، وهي فوق هذا، أقوى من الرياح التي تشهدها اليابسة في العموم. كذلك تتوافر المواقع لإنشاء حقول الرياح البحرية، أكثر مما تتوافر على البر. كما أنها لا تحتل حيزاً مفيداً للبشر في أراضيهم وحقولهم. وقد تطورت تقنية إنشاء حقول الرياح البحرية، حتى أصبحت مساوية تقريباً لتكلفة إنشاء الحقول على اليابسة، أما صيانتها فهي لا تزال أعلى تكلفة بكثير، من صيانة الحقول البرية.
وثمة أماكن أخرى مناسبة جداً لإنشاء حقول الرياح المنتجة للكهرباء، هي الجزر الصغيرة. فهذه الحقول لا تحتاج إلى التكلفة العالية لإقامة وصيانة الحقول البحرية، وهي مع ذلك تستفيد من ميزة هذه الحقول البحرية، لأنها تنتصب في وسط البحر، حيث الرياح أقوى وأكثر مواظبة على الهبوب. ولكنها تحتاج بالطبع إلى مد كيابل في قاع البحر لتوصيل الكهرباء المنتَجَة، إلى حيث تُستهلَك.
لماذا تنشأ الرياح عند شواطئ البحار والمحيطات؟
المسألة بسيطة لكنها تحتاج إلى بعض الشرح. فالمواد على أنواعها، الغازية والسائلة والصلبة، لها ما يسمّى في علم الفيزياء: الحرارة النوعية (specific heat). هذه الحرارة النوعية، هي كمية السُعرات الحرارية التي يحتاج إليها كل غرام من هذه المادة، لترتفع حرارته درجة مئوية واحدة. ومن خصائص المواد المتوافرة لنا على سطح الكرة الأرضية، أن الماء له أكبر حرارة نوعية بين كل المواد على الإطلاق، إذ إن غرام الماء يحتاج إلى سُعرة حرارية كاملة لترتفع حرارته درجة مئوية واحدة. أما باقي المواد، مثل الأكسجين أو الخشب أو المعادن أو الصخور أو تراب الشواطئ، فيحتاج الغرام منها إلى أقل من سُعرة حرارية لترتفع حرارته درجة مئوية. وهذا يعني أن تسخين الماء يستهلك أكبر قدر من السُعرات الحرارية لبلوغ درجة حرارة معيَّنة، فيما يمكن تسخين أي مادة أخرى بسُعرات أقل، لبلوغ درجة الحرارة نفسها. وهذا يعني أيضاً، أن مقداراً من الماء، يقابله مقدار مماثل من الصخر مثلاً، إذا كانت درجة حرارتهما واحدة، فإن كمية الحرارة المخزونة في الماء تكون أكبر من كمية الحرارة المخزونة في الصخر. ولذلك فالماء يبرد ببطء، لأن فيه سُعرات حرارية أكثر يخسرها مع الوقت، فيما الصخر يبرد بسرعة، لأنَّ فيه سُعرات حرارية أقل يخسرها.
وبتطبيق هذه الحقائق العلمية على الطبيعة، نرى أنه حين تُشرق الشمس على بلد ما، له شواطئ بحر أو محيط، تأخذ المياه والشطآن في خزن الحرارة الشمسية، أي تبـدأ حرارتها في الارتفاع. لكن الشاطئ، الرملي أو الصخري يسخن بسرعة، لحاجته إلى كمية أقل من السُعرات. أما مياه البحر، فتسخن ببطء، وتظل باردة نسبياً، حين يأخذ الشاطئ في خزن السخونة.
فما الذي يحدث للهواء الملامس للمياه أو الشاطئ؟
يستمد الهواء الحرارة من الشمس، لكنه يكتسب حرارة إضافية من ملامسته الماء الآخذ في السخونة، ومن ملامسته الشاطئ، الذي يسخن بسرعة أكبر. ولذا، فالهواء فوق اليابسة يسخن بسرعة أيضاً، فيما يكون الهواء المجاور له، فوق الماء، لا يزال بعد بارداً نسبياً. والمعروف أن الهواء الساخن أخف وزناً من الهواء البارد، لذا يصعد الهواء الساخـن في الجو، وينشأ من هذا فراغ نسبي فوق اليابسة. فيقتحم الهواء البارد هذا الفراغ، وتبدأ الرياح بذلك في النشوء.
هذا يحدث في الصباح، حين تشرق الشمس على البلاد. ولهذا تهب نسائم البحر في الصبــاح، منعشة باردة.
أما في المساء، فتحدث ظاهرة معكوسة لما يحدث في الصباح. فعند الظهر وبعده، تكون المياه، وكذلك شواطئ اليابسة، قد كسبت من أشعة الشمس سعرات حرارية رفعت درجة الحرارة. فعندما تغيب الشمس، تبرد اليابسة بسرعة نسبية، فيما تفقد مياه البحر حرارتها ببطء نسبي، لاختزان المياه سُعرات حرارية أكثر. وهذا يعني أن الهواء الملامس لليابسة يأخذ في الابتراد بسرعة، فيما يظل الهواء الملامس للماء ساخنــاً نسبيــاً. ولذا يرتفع الهواء فوق البحر إلى الجو، ويحل محله الهواء البارد من فوق اليابسـة، وهذا يفسر نسائم المساء عند شواطئ البحار.
لكن هذا يفسر أيضاً سبب اعتدال المناخ والحرارة عند الشطآن، فيما يلاحَظ أن درجات الحرارة تتباين بشدة بين الليل والنهار، في المناطق البعيدة عن شطآن البحار، لأن الأثر الملطِّف للنسائم الصباحية والمسائية مفقود.
إن ما تقدم في هذه الفقرة لا يعني أن مواقع حقول الرياح على الشطآن أو بالقرب منها هي حكماً ودائماً أفضل من اليابسة، إذ يمكن للتضاريس الجغرافية في بعض المواقع أن تكون منشّطة لحركة الرياح أكثر مما هو الحال على الشواطئ، ما يجعلها أماكن صالحة لإقامة مثل هذه الحقول.
تطور الإنتاج العالمي
يمكن القول إن ثمة سباقاً في العالم إلى استخدام طاقة الرياح. ففي يونيو 2014م، كانت طاقة الرياح تستأثر بنسبة %4 من إنتاج الكهرباء عالمياً وبمختلف الوسائل، وهذه النسبة تنمو بسرعة كبيرة.
ففي العالم اليوم نحو 200 ألف توربينة كهرباء، بلغ إنتاجها في آخر عام 2015م نحو 432 جيغاواط. وبلغ إنتاج الاتحاد الأوروبي وحده في سبتمبر 2012م أكثر من 100 جيغاواط. وفي الأرقام الأمريكية أن الطاقة المولَّدة بالرياح في الولايات المتحدة خلال السنوات العشر الماضية، ازدادت سنوياً بنسبة %30، وهي أكبر مصدر للطاقة المتجددة اليوم (أكبر من الطاقة الشمسية والتيارات البحرية، وغيرها). وحتى العام 2010م كانت الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى في العالم بإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح. لكن الصين، العاملة بسرعة في اعتماد الطاقة المتجدّدة تخطتها.
وقد احتلت إسبانيا منذ العام 2010م المرتبة الأولى بين الدول الأوروبية في إنتاج طاقة الرياح، بإنتاج 42,976 جيغاواط ساعة، أما ألمانيا فهي الأولى في أوروبا بالسعة المنشأة في هذا القطاع، وهي تبلغ 27,215 ميغاواط. وبهذا السباق، بلغت نسبة الطاقة الكهربائية الأوروبية المنتُجة بالرياح %11,4 من مجموع ما تنتجه أوروبا من طاقة كهربائية.
وفيما يلي ترتيب الدول العشر الأُولى في العالم، إنتاجاً لكهرباء طاقة الرياح، في أرقام العام 2014:
وثمة معيار آخر، قد يكون أهم من وجهة نظر مختلفة، في تعيين مكانة الدول في هذا المضمار، وهو النسبة التي ينتجها بلد ما من كهرباء بطاقة الرياح، بالمقارنة مع مجموع ما ينتجه من كهرباء بكل الوسائل الممكنة. ففيما بلغ إنتاج العالم عام 2015 من طاقة الرياح، بالمقارنة مع الإنتاج بجميع الوسائل %3,5، تخطت بعض الدول هذه النسبة، متقدمة على كثير من الدول الأخرى.
قدرتها التنافسية في مجال “النظافة”
تتنافس على لقب “الطاقة النظيفة” خمسة مصادر معروفة في مرحلة التطوير: الطاقة النووية، والطاقة الهيدروكهربائية، والطاقة الشمسية، والطاقة البيولوجية، وطاقة الرياح.
تمتاز طاقة الرياح على الطاقة النووية، في أنها لا تحتمل مخاطر هائلة، ولا حتى بسيطة، مثل المخاطر الناجمة عن احتمال انهيار المفاعلات النووية. كما أنها لا تحتاج إلى مواد خام، مثلما تحتاج الطاقة النووية إلى اليورانيوم المخصّب، الذي يوجب أولاً شراء معدن ثمين، ويحتاج إلى تقنية مكلَّفة وبالغة التطور لتخصيبه.
وتمتاز طاقة الرياح على الطاقة الهيدروكهربائية (سدود الأنهار) في أنها يمكن إنتاجها في الأماكن القاحلـة، ولا حاجــة بها إلى أنهار أو منشآت ضخمة لإنتاجها. وهي لا تؤثر بأي شكل في البيئة مثلما تؤثر السدود، التي قد يحتاج إنشاؤها إلى تهجير قرى، وغمر غابات تحت مياه بحيرة السد. كذلك لا تحتمل مخاطر كمخاطر انهيار السدود وإغراق القرى.
أما الطاقة الشمسية، فتمتاز عليها طاقة الرياح، في أنها لا تحتاج إلى أرض أو مسطحات ومساحات شاسعة لا يعود بالإمكان استخدامها في أغراض أخرى. فحقول طاقة الرياح يمكن أن تكون حقولاً زراعية في الوقت نفسه، أو حتى مواقع بحرية. وقد تكون تقنية طاقة الرياح أقل تكلفة من تقنية الطاقة الشمسية. ويمكن لها أن تعمل من دون أن تكون الشمس ساطعة، بل إنها تعمل بأفضل الحالات حين تغيب الشمس وتشتد الرياح والعواصف.
ولا شك في أن طاقة الرياح مفضّلة على الطاقة البيولوجية، التي تحتاج أولاً إلى زراعة كثيفة يذهب نتاجها إلى غرض إنتاج الطاقة، ويرفع ثمن الحبوب بدلاً من توفير الطعام مع ازدياد انتشار الجوع في مناطق عديدة من العالم. ولا يفوت في المقارنة أن إنتاج الطاقة البيولوجية يحتاج هو أصلاً إلى إحراق الوقود التقليدي في عملية إنتاجه.
فوائد طاقة الرياح
لطاقة الرياح فوائد عديدة، تفسّر سبب تحوّلها إلى واحد من أسرع القطاعات نمواً في مصادر الطاقة.
إنها مصدر مُجدٍ اقتصادياً، فهي أرخص طاقة في “موادها الخام”، وفي توليد الكهرباء، إذ تكلف بين سِنْتين وستة سنتات أمريكية لإنتاج الكيلوواط/ ساعة، وفقاً لمصدر الريح وتمويل مشروع التوليد، فالوقود لتوليد هذه الطاقة “مجاني”، إذ ليس للريح ثمن، وهي لا تخضع للعرض والطلب وما ينتج من تذبذب أسعار، كما يحدث مع مصادر الطاقة الأخرى.
توفر طاقة الرياح فرص العمل، ففي الولايات المتحدة، زاد عدد المشتغلين في القطاع عام 2016، على 100 ألف شخص. ويقول مكتب إحصاءات العمالة الأمريكي إن وظيفة تقني توربينات مراوح طاقة الرياح هي الوظيفة الأسرع نمواً في السنوات العشر الماضية. وجاء في تقرير “رؤيا الرياح” أن القطاع قادر من الآن حتى عام 2050، على توليد أكثر من 600 ألف وظيفة في الولايات المتحدة.
كذلك تشير الأبحاث الأمريكية إلى أن الرياح تدعم نمو الصناعة والقدرة الأمريكية على المنافسة. ويرى واضعو التقرير المذكور أن الناتج الاقتصادي الأمريكي يستفيد بنحو 20 مليار دولار كل سنة. ويمكن للأمريكيين بما لديهم من يد عاملة ماهرة، أن ينافسوا في مجال الطاقة النظيفة.
• طاقة الرياح طاقة نظيفة، فالريح لا تلوّث الهواء، والمراوح والتوربينات لتوليد طاقة الرياح لا تبث في الجو أي غازات تضر بالصحة أو تسبب الاحتباس الحراري والمطر الحمضي.
طاقة الرياح طاقة “محلية” حيثما ذهبت. ومخزون الريح في أي بلد، غزير وغير قابل للنفاد.
طاقة الرياح مستدامة، فهي في الأصل نوع من أنواع الطاقة الشمسية، لأن الرياح تتحرك من فعل أشعة الشمس، ودوران الأرض، وتنوُّع تضاريس المناطق. وطالما أن الشمس تشرق والأرض تدور، فستظل طاقة الرياح متوافرة للاستثمار.
لا حاجة لحقول طاقة الرياح إلى أرض خاصة، بل يمكن أن تقام في المزارع والحقول، وبذلك تستفيد المناطق الريفية اقتصادياً، في النواحي التي تهب فيها أفضل الرياح. وفيما تدور المراوح يستطيع المزارعون متابعة عملهم المعتاد، لأن المراوح لا تحتل إلا جزءاً يسيراً من الأرض. ويتقاضى أصحاب المزارع التي تقام فيها المراوح أجوراً تزيد عادةً على دخلهم من الزراعة.
فوائد.. ولكن!
مع هذه الفوائد لطاقة الرياح، تبقى ثمة تحدّيات تواجه تطوير توليد الكهرباء من طاقة الرياح.
فلا بدّ لطاقة الرياح من أن تتنافس مع مصادر توليد الكهرباء التقليدية، على أساس تكلفة التوليد. وبحسب قوة الرياح أو ضعفها في حقل ما، يمكن ألَّا تكون طاقة الرياح في هذا الموقع مجدية اقتصادياً. ومع أن تكلفة طاقة الرياح قد انخفضت في السنوات العشر الماضية انخفاضاً كبيراً، إلا أن تقنية القطاع لا تزال تتطلَّب تكاليف إنشاء أعلى، من تكاليف مصادر الطاقة التقليدية. وإلقاء نظرة خاطفة على الدول التي نمت فيها حقول الرياح تتشير إلى أنها كلها من الدول الغنية القادرة على تحمّل تكلفة هذه الحقول.
تقع المواقع المناسبة لتوليد الكهرباء بالرياح عادة في مناطق نائية، بعيدة عن المدن التي تحتاج إلى هذه الكهرباء. ولا بدّ إذاً من إنشاء شبكة لتوصيل التيار الكهربائي من حقل التوليد إلى المدينة. غير أن استخدام شبكات قائمة أصلاً، في نقل طاقة الرياح، قد يساعد في تخفيض تكاليف المنشآت الضرورية إلى حد كبير.
إن تطوير حقول طاقة الرياح، قد لا يكون أفضل وأجدى أبواب استخدام الأرض التي تقام فيها المراوح. فلا بدّ إذاً من أن يكون إنشاء حقل لتوليد الطاقة من الرياح، منافساً يتفوق على أبواب الاستخدام الأخرى للأرض. فقد يكون استخدام الأرض لأغراض أخرى أجدى اقتصادياً.
قد تسبب التوربينات بعض الضجيج وتحدث “تلويثاً بصرياً” للموقع. ومع أن الأثر البيئي الذي ينتج من حقول طاقة الرياح أقل كثيراً من الأثر الذي تحدثه وسائل إنتاج الطاقة الأخرى، إلَّا أن البعض يحذِّر من الصوت الذي تحدثه أنصال المروحة عند دورانها، وتشويه مشهد الحقول.
يمكن لأنصال المراوح أن تُلحق ضرراً بالحياة الفطرية في الموقع. فقد أدى دوران الأنصال في بعض المواقع إلى موت طيور، ما أثار حفيظة البيئيين والمدافعين عن الحياة الفطرية.. لكن معظم هذه المشكلات حُلَّت إلى حدٍّ بعيد، بواسطة التطوير التقني وحسن اختيار موقع المراوح وحقول طاقة الرياح.
تدشين أول توربين للرياح لتوليد طاقة نظيفة في المملكة
كان الطقس في يوم الثلاثاء 19 ربيع الآخر 1438 (17 يناير 2017) يوماً شديد البرودة في محافظة طريف الواقعة في شمال غرب المملكة، حيث تراوحت درجات الحرارة بين 2 و7 درجات، وكانت الرياح تعصف بشدة، بيد أنَّ حدثّاً خاصّاً ومهمّاً بث الدفء في المحيط الذي تواجد فيه المدعوون، ومعظمهم تكبَّد عناء السفر من جميع مناطق المملكة. هذا الحـدث الكبيــر كان تدشين أول توربين لتوليد الطاقة من الريــاح في المملكـة العربية السعودية.
المدير التنفيذي لأنظمة الطاقة بالوكالة في أرامكو السعودية، الأستاذ عبدالكريم الغامدي قال مفتتحاً حفل التدشين:”اليوم هو يوم مهم للمملكة العربية السعودية يتجسّد بتدشين أول مشروع لطاقة الرياح في المملكة وقد تم اختيار مدينة طريف لما تتمتع به من موارد وفيرة للطاقة المتجددة، ويمهّد هذا المشروع الذي تم تنفيذه بالشراكة مع شركة جنرال إلكتريك لمرحلة جديدة في خطة أرامكو السعودية الرامية لتحقيق الهدف الوطني لتوليد 9.5 جيجاواط من مصادر الطاقـة المتجـددة بحسب رؤيــة المملكة 2030″.
وقال إن تشغيل أول توربين للرياح يمثّل “نقطة الانطلاق في المملكة تقودها أرامكو السعودية بالتعاون مع شركائنا، حيث سيفي توربين توليد الطاقة في طريف بكامل احتياجات محطة توزيع المنتجات البترولية من الطاقة الكهربائية بطاقة تصل إلى 3 ميجاواط، بل وسيغذي شبكة الكهرباء الرئيسة بالفائض من هذا المشروع، ويوفر ما يساوي 19000 برميل من الديزل عالي التكلفة سنويًا . ويستطيع أيضًا إمداد ما يقرب من 250 منزلًا بالكهرباء. كما يُمكن تسخير كميات الرياح الهائلة للحصول على طاقة جديدة إضافية تدخل في مزيج الطاقة لتحسين كفاءة التوليد في المملكة وبتكلفة منافسة”.
ورأى الغامدي أن أرامكو السعودية “تدعم المشروع الوطني للطاقة المتجددة، وتدعم رؤية المملكة 2030، وما هذه إلا البداية، فقد أعلن معالي وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، رئيس مجلس إدارة أرامكو السعودية، المهندس خالد بن عبدالعزيز الفالح، مؤخرًا، عن مشاريع مستقبلية تبلغ قيمتها 50 بليون دولار كاستثمارات في عدة مراحل، فالمملكة مقبلة على مشاريع ضخمة سوف توفي باحتياجاتها وتزيد من كفاءة الطاقة، وسوف تقلل من الاعتماد على الطاقة التقليدية. وقد تم اختيار الموقع الجغرافي بسبب سرعة الرياح في هذه المنطقة إذ تبلغ سبعة أمتار في الثانية، بينما المتطلب عالميًا لسرعة الرياح لمثل هذه التوربينات لا تتجاوز ثلاثة إلى أربعة أمتار في الثانية”.
وكان هذا الموقع هو من أفضل المواقع التي قامت الشركة باختبارها عن طريق أبراج الاستشعار لإنتاج الطاقة من الرياح، التي تنتصب منذ عامين في مواقع مختلفة من المملكة.
كادر.. كيف تتولّد كهرباء من طاقة الرياح؟
الهواء أشبه بالسوائل منه بالأجسام الصلبة، من حيث ميوعته، وسهولة تحركه وكثرة هذا التحرك. وحين يتحرك الهواء، فإنه ينتج طاقة حركية، وعندما يتحرك الهواء بسرعة وقوة، تنشأ الرياح. والطاقة الحركية التي تولدها الريح كبيرة، ويمكن التقاطها، تماماً مثلما تلتقط السدود، بتوربيناتها الضخمة، الطاقة الحركية الناجمة من تدفق المياه. وفي حال المراوح التي تنتج طاقة كهربائية، يصطدم الهواء بأنصال المروحة ويدفعها إلى الدوران.
أما الباقي فيشبه تماماً تقريباً ما يحدث في السدود المولّدة للكهرباء، ذلك أن دوران أنصال المراوح، أكانت في مواجهة المياه أم الرياح، يدير محوراً يدير بدوره توربينات تولّد الكهرباء، بتحويل حركة الدوران إلى طاقة. وخلاصة القول هي أن توليد الكهرباء من حركة الرياح، ليس سوى نقل الطاقة الحركية، من حالة إلى حالة أخرى من الطاقة.
وأما حركة الرياح، فهي تبدأ انطلاقاً من الطاقة الشمسية التي تصل إلى الأرض عبر أشعة الشمس. وحين يسخن الهواء جراء هذه الأشعة، يخف وزنه النوعي، فيرتفع في الجو، وينشأ في مكانه فراغ نسبي، يملؤه الهواء البارد من الجوار، فتنشأ الريح. ولذا فالضغط المنخفض هو شرط أساسي لهبوب الرياح، فيما يسيطر سكون الرياح في حالة الضغط المرتفع.
المصادر: الطاقة – مواقع إلكترونية