مصادر تاريخية تؤكد أن أول مسجد بني في الصين كان على يد الصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قبل 1300 عام.. والبعض يشكك
ظهرت المساجد لأول مرة في الصين خلال عهد أسرة تانغ (618-907)، عند دخول الإسلام إلى البلاد مع دخول التجار العرب عبر طريق الحرير، حيث بدأوا في إقامة مستوطنات عربية في بعض المدن الساحلية التي يمرون بها أثناء تجارتهم، فبنوا المساجد والمدارس المتعلقة بشؤون الدين والحياة.
وأول مسجد بُني في الصين حينذاك، كان مسجد “هوايشينغ” الذي يعود تاريخه إلى 1300 عام، ويوجد المسجد بمقاطعة قوانغتشو جنوبي الصين، ويطلق عليه اسم مسجد “المنارة”.
وبحسب الكتابات العربية المنقوشة على اللوح الرخامي في المسجد، بني المسجد على يد أبي وقاص، الذي يقول البعض إنه الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- خال النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الرأي لم يستدل عليه تاريخيا، حيث إن قبر الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص موجود في البقيع ومعروف حتى الآن، بينما لم تذكر المصادر العربية قط أن الصحابي سعد بن أبي وقاص قد وطئت قدماه الصين.
والراجح أنه نسبة إلى أحد المسلمين الذين كانوا يدعون إلى الإسلام أو أحد التجار المسلمين، أو أحد رجال قتبية بن مسلم الذي فتح الصين وكان يدعى “أبي وقاص”، حيث توفي “أبي وقاص” في عام جنجوان، وهو العام الثالث في أسرة تانغ، ودفن في ضريح قريب من المسجد، يزوره المسلمون في الأعياد والمناسبات سائلين الله أن يتغمده برحمته، حيث كان سببا في دخول الإسلام إلى المدينة وربما الصين، وهذا يؤكد أنه ليس الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص.
وأفادت أنباء أن الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) كان قد بعث مندوبا عام 650 م إلى الصين لدعوة الإمبراطور جاو زونغ من أسرة تانغ للانضمام إلى الإسلام، ورفض الإمبراطور الدعوة، إلا أنه احترم التعاليم الإسلامية، واعتبرها متوافقة مع فلسفة حياته الكونفوشيوسية، حتى أنه منح الإذن للمبعوث الإسلامي لبناء مسجد في المدينة.
وبفضل ازدياد الاتصالات المطردة بين الصين وبلاد العرب ازداد عدد الوافدين العرب إلي الصين الذين اختلطوا مع الأتراك العرقيين والصينيين وشكلوا مجموعة هوى العرقية، التي تمثل مسلمي الصين في الوقت الحالي.
وخضع المسجد لعدد من الإصلاحات على مدار تاريخه، لا سيما في عام 1350، عندما أعيد بناؤها بالكامل بأمر من جيتجانغ (1341-1368)، آخر إمبراطور من أسرة يوان.
وأعيد بناؤه مرة أخرى عام 1695 تحت أوامر الإمبراطور كانج زي، بعد أن كان دمر بالكامل، في الآونة الأخيرة، وعام 1935 تم إعادة بناء قاعة الصلاة، حيث حّولت أرضية القاعات من أرضية ترابية إلى خرسانية.
ويصل عدد المساجد الموجودة في الصين حاليا إلى أكثر من 35 ألف مسجد، بنيت على مدار أكثر من 1300 سنة من دخول الإسلام إلى الصين.
وتعد المساجد من أهم الآثار التاريخية في الصين، منها المبنية على الطابع الإسلامي، وأخرى تجمع بين الفن المعماري الصيني التقليدي والفن الزخرفي الإسلامي.
وأطلق الصينيون في بادئ الأمر على المسجد اسم “لي تانغ” أي (قاعة الاجتماع)، من ثم “لي باي تانغ” (قاعة الصلاة)، وفي منتصف القرن الـ13 أخذ المسلمون الصينيون في تسمية المسجد بـ”تشينغ تشن سي” أي (متعبد الصفاء والحق)، حيث تشير كلمة “الصفاء” إلى أن الله تعالى صافٍ لا تشوبه شائبة، بينما تشير كلمة “الحق” إلى أن الله هو الحق الذي لا يزول وما يدعونه من دون الله هو الباطل، و(المعبد) فهي كلمة مستعارة من البوذيين الصينيين.
7 معلومات عن “هواي شينغ” أقدم مساجد الصين
في مساجد الصين يمتزج الطابع العربي بالتراث الصيني، إذ يمكن رؤية الخط العربي مقترناً بالرسوم الصينية على جدران المساجد.
يظن البعض أن أغلب المساجد حول العالم تحمل طابعاً عربياً، وتصميمات إسلامية مزينة بالخط العربي العريق، سواء كانت هذه المساجد في أوروبا أو في أي مكان خارج الدول العربية والإسلامية، إلا أن الحال ليس دوما كذلك.
ففي مساجد الصين، امتزج الشكل العربي بالتراث الصيني، إذ يمكن رؤية الخط العربي مقترناً بالرسوم الصينية على جدران المساجد، في أشكال لم يسبق رؤيتها من قبل.
مسجد هوايشينج في الصين هو واحد من أقدم المساجد في العالم، ومن أهم النماذج الفريدة لاختلاط الثقافة العربية والصينية، ولذلك تثير رؤيته دوماً دهشة المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.
مَثّل مسجد هوايشينج قديماً فائدة عظيمة للمسلمين والبحارة في معاملاتهم التجارية، أما حالياً فيمثل موقعه على حدود مدينة جوانزو بالقرب من مدينة هونج كونج، قيمة كبرى، إذ يعد نقطة جذب للمسلمين من مختلف الثقافات، للصلاة فيه في أوقات الراحة من أعمالهم.
واعتاد السكان المحليون على مشهد ازدحام المسجد والشوارع المحيطة بمئات المسلمين في أيام الجمعة، ومن ثم القيام بحلقات ذكر بعدها، الأمر الذي أثار فضول غير المسلمين أيضاً لزيارة المسجد.
موقع “مسلم فيليج” الأمريكي، استعرض أبرز المعلومات عن مسجد هوايشينج على النحو التالي.
1- دخل الإسلام الصين في القرن الـ7، إذ يقال إن الصحابي سعد بن أبي وقاص كان أول مسلم يطأ أرض الصين، وقرر أن يبني مسجداً على حدود مدينة جوانزو الصينية، فيما عٌرف بعد ذلك بمسجد هوايشينج.
2- بٌني المسجد لإحياء ذكرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هنا جاء اسمه، إذ تعني كلمة هوايشينج: (تذكر الحكيم).
3- يُعرف المسجد أيضاً باسم مسجد برج النور، بفضل مئذنته التي يبلغ عمرها 1300 عام، والتي تم استخدامها كمنارة للقوارب على نهر تشوجيانج، وأذان الصلاة، وإذاعة أحوال الطقس في بعض الأحيان.
4- حسب بعض الأقاويل، أعيد بناء المسجد مرتين؛ الأولى في عهد أسرة يوان عام 1350، والثانية في عهد أسرة تشينج عام 1965، بعد تعرضه للدمار جراء حريق، إلا أن المئذنة ظلت صامدة على نفس الحال منذ بنائه أول مرة.
5- يمتاز الأسلوب المعماري لمسجد هوايشينج بشكل فريد، إذ يٌكمل المعمار الصيني من عهد أسرة تانج شكل المئذنة العربي الأصيل، وقد منح امتزاج الثقافتين المسجد شكلاً فريداً ساهم في جعله وجهة للسياح حول العالم.
6- يوجد على باب المسجد نقش صيني يقول: “الدين هنا يحظى بتقدير واحترام جَم، قادم من المنطقة الغربية”، حيث تشير المنطقة الغربية إلى المملكة العربية السعودية، محل ميلاد النبي محمد، صلى الله عليه وسلم.
7- يتكون المسجد من 6 عناصر مهمة: برج النور، وقاعة الصلاة، ومنطقة الوضوء، وممرات المسجد، ومخزن الكتب الإسلامية، وجناح اللوحات الحجرية، الذي يتضمن مخطوطات بالخط العربي، ويحتوي سقف المسجد على نقوش باللغة العربية، من بينها آيات قرآنية، وأخرى باللغة الصينية.
في كتب التاريخ
يطلق على المسجد أحياناً اسم المنارة، وذلك لأنه يتميز بمنارة عملاقة لا يعرف تحديداً تاريخ بنائها، ولم تذكر كتب التاريخ توقيت بنائها هل هو عهد أسرة تانغ أو في عهد التجديدات التي لحقت بالمسجد في فترة لاحقة.
وتحدثت بعض الكتب الصينية عن المسجد، منها كتاب ذكر أنه كان هناك منارة في المسجد ارتفاعها عشرات الأمتار، وكل ما نقش عليها كان باللغة العربية.
وقد تعرضت المنارة وقاعة الصلاة إلى السقوط بفعل عوامل الزمن، ولهذا قرر المسلمون إعادة تفكيكها وبنائها من جديد في ثلاثينيات القرن الماضي، وتخوفوا في البداية نظراً لضخامة المشروع وتكلفته الباهظة، إلا أنهم اتفقوا على جمع التبرعات وترميم المنارة وإعادة بناء قاعة الصلاة مهما كلفهم الأمر.
وبنيت قاعة الصلاة الجديدة في عام 1935 وكانت جاهزة لاستقبال أول صلاة من المسلمين، وكانت واسعة المساحة، مزودة بإضاءة جيدة، ولا تختلف عن رونق القصور الصينية آنذاك في شيء، ومنذ هذا اليوم يحرص المسلمون وأحفادهم على ترميم المسجد باستمرار، حتى يليق بكونه أول وأقدم مسجد في الأراضي الصينية، وفتح المسجد أمام الزائرين باعتباره مكاناً تاريخياً سياحياً بعد أن تم إدراجه على قائمة الآثار المحمية في مدينة قوانغتشو
نورس الشمس
تتزين المنارة من الداخل بسلمين لا يشتبكان مع بعضهما البعض، ويتكون كل واحد منهما من 154 درجة، ومع كل مجموعة من الدرجات يتسرب نور الشمس إلى المنارة ومصدره مجموعة من النوافذ التي رتبها المعماري بدقة، فبعد كل عدد من الدرجات المحددة هناك نافذة بزاوية معينة.
وتختلف المنارة عن مثيلاتها في الصين، فبنيت على الطراز الإسلامي، ولهذا أطلق عليها الأدباء والشعراء اسم المنارة الأجنبية في كتابتهم، ونقشت عليها نقوش عربية، وما زالت تقف على ساحل المدينة تشهد على أن المسلمين كانوا هناك.