أعلن المغرب عن “مرحلة جديدة” في العلاقات مع أسبانيا، وذلك بعد تعهد مدريد بدعم موقف الرباط من مسألة السيادة على الصحراء الغربية.
وخلال اجتمع في الرباط، جدد الملك المغربي، محمد السادس، ورئيس الوزراء الأسباني، بيدرو سانشيز، “استعدادهما لبدء مرحلة جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة والتشاور الدائم والتعاون الصريح والمخلص”، بحسب بيان صدر عن القصر الملكي يوم الخميس.
وأوضح البيان أن سانشيز أعاد التأكيد على الموقف الذي أعرب عنه الشهر الماضي، واصفا مقترح المغرب بشأن حكم ذاتي في الصحراء الغربية بأنه “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية” لحل القضية.
وقال سانشيز إن الطرفين اتفقا على “خارطة طريق واضحة تسمح بإدارة الأمور محل الاهتمام بطريقة منسقة، بروح طبيعية وحسن جوار، دون مجال لأفعال أحادية الجانب”.
وأضاف أن البلدين سيعملان على استعادة حركة المرور الطبيعية على الحدود بين المغرب وسبتة بالإضافة إلى جيب مليلية الإسباني القريب.
وكانت مدريد قد أعلنت في 18 مارس/ آذار دعم خطة المغرب بشأن الصحراء الغربية، وهو ما يتمثل في حكم ذاتي محدود تحت السيادة المغربية.
وقد واجه هذا التحول في الموقف من قضية الصحراء الغربية انتقادات شديدة في أسبانيا حيث صوتت أغلبية واسعة من المشرعين، بما في ذلك من المعارضة اليسارية واليمينية على قرار ضد تغيير السياسة الخارجية.
وقالت وزيرة العمل الأسبانية، يولاندا دياز، المنتمية لحزب يونيداس بوديموس، بعد التصويت “ما هو غير مفهوم هو هذا التحول من الحزب الاشتراكي”.
وتعد أسبانيا الشريك التجاري الرئيسي للمغرب، وقد عمل البلدان معا في قضايا تشمل الهجرة ومكافحة الإرهاب والطاقة.
لكن الخطوة الدبلوماسية أدت إلى توتر العلاقات بين مدريد والجزائر، التي تزود أسبانيا بالغاز.
وكانت العلاقة قد تحولت بين أسبانيا والمغرب إلى مرحلة فتور العام الماضي بعد أن استقبلت أسبانيا زعيم البوليساريو، إبراهيم غالي، لتلقي العلاج الطبي من كوفيد، دون إخطار الرباط رسميا.
ودفع ذلك السلطات المغربية، خلال بقائه في المستشفى، إلى تخفف ضوابطها الحدودية مع سبتة، الجيب الأسباني شمال المغرب، ما أدى إلى تدفق ما لا يقل عن 8000 مهاجر، في حادث يُنظر إليه على أنه يهدف إلى معاقبة مدريد.
ويرى المغرب، الذي يتهم غالي بارتكاب جرائم حرب، أن الصحراء الغربية جزء لا يتجزأ من المملكة ومسألة حساسة للغاية تتعلق بالأمن والسيادة الوطنية.
وخاض المغرب مواجهات مريرة مع البوليساريو بعد انسحاب القوات الاستعمارية الاسبانية عام 1975.
وجاء الدعم الأسباني لخطة الحكم الذاتي بعد مواقف مماثلة من قبل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وإسرائيل ودول أخرى في أفريقيا والعالم العربي.
فتح الحدود
بعد سنتين من إغلاقها بسبب الأزمة السياسية بين البلدين وتداعيات جائحة “كورونا”، قرر المغرب وإسبانيا، رسميا إعادة فتح الحدود البرية والبحرية بين البلدين، وإطلاق الاستعدادات لعملية “مرحبا 2022”. جاء ذلك في البيان المشترك الذي تم اعتماده في ختام المباحثات المعمقة بين الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، الذي يقوم بزيارة رسمية للمغرب بدعوة من الملك.
وأشار البيان المشترك إلى أن المغرب وإسبانيا قررا الاتفاق على تفعيل أنشطة ملموسة في إطار خارطة طريق تتضمن 16 نقطة، تدشن لمرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين الجارين. وأفاد البيان المشترك بين البلدين بأن زيارة رئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب تشكل لحظة مهمة لتعزيز خارطة الطريق المذكورة، وتحديد الأولويات للاجتماع المقبل، الرفيع المستوى، المقرر عقده قبل نهاية السنة الجارية.
وتتضمن خارطة الطريق الاستئناف الكامل للحركة العادية للأفراد والبضائع بشكل منظم، بما فيها الترتيبات المناسبة للمراقبة الجمركية وللأشخاص على المستوى البري والبحري.
وتم الاتفاق، ضمن خارطة الطريق، على إعادة الربط البحري للمسافرين بين البلدين، حالا وبشكل متدرج إلى حين فتح مجموع الرحلات، كما سيتم إطلاق الاستعدادات لعملية مرحبا.
وبحسب البيان الذي أوردته وكالة الأنباء الرسمية “لاماب”، فإن الأمر يتعلق أيضا بتفعيل مجموعة العمل الخاصة بتحديد المجال البحري على الواجهة الأطلسية، بهدف تحقيق تقدم ملموس، وإطلاق مباحثات حول تدبير المجالات الجوية.
وشدد البيان المشترك على أن إسبانيا تعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، وبالجهود الجادة وذات المصداقية للمغرب في إطار الأمم المتحدة لإيجاد حل متوافق بشأنه. وفي هذا الإطار، يضيف المصدر ذاته، تعتبر إسبانيا المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع.
وتنص خارطة الطريق على معالجة المواضيع ذات الاهتمام المشترك بروح من الثقة والتشاور، بعيدا عن الأعمال الأحادية أو الأمر الواقع. وسيتم إعادة إطلاق وتعزيز التعاون في مجال الهجرة، حيث أعلن البدان أن الفريق الدائم المغربي الإسباني حول الهجرة سيجتمع قريبا.
كما سيتم القيام بالتنسيق في إطار رئاسة كل منهما لمسلسل الرباط للفترة 2022-2023، بشكل يسلط الضوء على التعاون المثالي في هذا المجال، لصالح مقاربة شاملة ومتوازنة لظاهرة الهجرة.
واتفق البلدان على إعادة تفعيل التعاون القطاعي في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك، من بينها: الاقتصادي والتجاري والطاقي والصناعي والثقافي. كما سيكون تسهيل المبادلات الاقتصادية والمواصلات بين البلدين موضوع اجتماع سيُعقد قريبا. ووفق ما جاء البيان المشترك، فإن مجال التربية والتكوين المهني والتعليم العالي سيشكل أولوية خلال هذه المرحلة الجديدة.
ولهذا الغرض، سيتم إحداث فريق عمل متخصص. وأشارت خارطة الطريق إلى أنه سيتم تعزيز التعاون الثقافي، حيث سيتم إحداث فريق عمل قطاعي في مجال الثقافة والرياضة.
كما سيتم إعطاء دفعة جديدة لمجلس إدارة مؤسسة الثقافات الثلاث. وبموجب الاتفاق، سيتم رفع تقارير أنشطة الاجتماعات وفرق العمل المحُدثة أو المُفعّلة للاجتماع رفيع المستوى.
وسيبدء البلدان في التواصل حول تحيين معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون لسنة 1991، على أساس المبادئ والمحددات والأولويات التي ستوجه العلاقات الثنائية في السنوات المقبلة.
وفي النقطة الأخيرة، قال البيان المشترك إن الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانتشيس، سيقومان بتعيين لجنة مكلفة بالسهر على تنفيذ هذا البيان، في أجل 3 أشهر.