سمع خبر موت أبيه فقال “اليوم خمر وغداً أمر”.. ماذا تعرف عن صاحب المقولة التي صارت مثلاً وأطلق عليه لقب “الملك الضليل”؟

قائل هذا المثل هو الشاعر الجاهلي أمرؤ القيس، كان أمرؤ القيس من قبيلة يمنيه اسمها قبيلة كندة، وكان أباه هو الملك حُجرًا، قد طرده أباه وأقسم بألا يقيم معه

ذهب أمرؤ القيس وهام بوجهه في أحياء العرب هو ورفاقه، فكان إذ صادفه صيد ذبحه وأكله هو ومن معه، وعند الانتهاء من الصيد وأكله كان يشرب الخمر مع رفاقه حتى أتاه خبر مقتل أبيه

وكان والد امرؤ القيس قد أوصى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، أن يعطى الملك من بعده لمن يأخذ خبر موته دون أن يجزع، ولما سمع أبناؤه خبر قتل أبيهم ،جزعوا جميعًا إلا أمرؤ القيس، فقد كان في مجلس مع رفاقه يلعب النرد ويشرب الخمر

وعندما قيل له خبر وفاة أبيه لم يهتم لما قيل وأكمل لعبه وطلب من رفيقه أن يرمي النرد، فلما لعب قال له ما كنت لأفسد عليك لعبك، ثم نظر إلى الناعي، وقال: ضيعني صغيرًا وحملني دمه كبيرًا، لا صحو اليوم ولا سُكر غدًا، اليوم خمر وغدًا أمر

وأخذ أمرؤ القيس يشرب الخمر كثيرًا حتى فاق وأخذ على نفسه عهدًا ألا يأكل ولا يشرب خمرًا ولا يقرب من النساء حتى يثأر لأبيه

لُقب امرؤ القيس بالملك الضليل لأنه ظل كل حياته يسعى لاستعادة مملكة والده المفقودة والانتقام لموته، وهو الامر الذي لم ينجح في تحقيقه

عبقريته وشعره

يعد امرؤ القيس من الشعراء الجاهليّين العرب الأفذاذ، الذين ذاع صيتهم وانتشر، وهو من شعراء المعلّقات المشهورة، وقد لُقّب بالعديد من الألقاب التي منها ذو القروح، وحندج، والملك الضليل

ومعلّقته المعروفة قفا نبكِ من أجمل القصائد العربيّة، ويعتبر بذلك رأس الشعراء العرب، وقد وقف على دراسة حياته وشعره الكثير من النقّاد واللغويّين العرب، وحلّلوا قصائده تحليلاً تفصيليّاً أظهروا ما تُخفيه من معانٍ وجمال

ولد امرؤ القيس في منطقة بطن عاقل في نجد، نشأ حياته في الترف واللهو، شأنه في ذلك شأن أولاد الملوك، وقد كان يفحشُ في غزله، وفي سرد قصصه الغراميّة

وسلك في شعره مسلكاً قد خالف فيه تقاليد البيئة، ويُعتبر من الشعراء الذين دخلوا بشعرهم إلى مخادع النساء، وكثيراً ما كان يتسكّع مع صعاليك العرب معاقراً للخمر

وبذلك فقد التزم نمطَ حياة لم يرضَ عنها والده، فقام بطرده وإرجاعه إلى أعمامه وبني قومه في حضرموت مُتأمّلاً في تغييره، ولكنه استمرّ في مجونه، واستدام بمرافقة الصعاليك.

ولم يعشْ امرؤ القيس طويلاً، ولكن كثرة ترحاله وتجاربه التي مرَّ بها فاقت أضعاف السنين التي عاشَها، فقد أمضى بدايةَ حياته في الشرب واللهو، ولكن سرعان ما تحوّلت إلى حياة مسؤوليّة أثبت فيها أنه فارسٌ مغوار حين أخذ على نفسه عهداً بالثأر لموت والده، الذي كان سبباً في صقل ملَكَته، وإذكاء وهجها

ومن تلك المرحلة في حياته كَثُر تنقله وترحاله حتّى وصل به المطاف إلى أنقرة، حيثُ حلَّ بجسده التعب وأنهكه المرض حين أصابه الجدريّ الذي كان سبباً في وفاته، وكان ذلك كما يُرجحُه المؤرخون في سنة خمسمائة وأربعين ميلاديّة، ويقع قبره في العاصمة التركيّة أنقرة على تلة هيديرليك

وكان شعر امرئ القيس عفويًا في التعبير عن خطرات قلبه ومعاناته، ينساقُ بأنسام البوادي، وقسوة الفيافي، وكغيره من الشعراء الجاهليين فقد اتسم شعره أيضاً بصدق التعبير، وبساطة الأخيلة والتشبيهات بالرغم من الألفاظ التي نراها غريبة وغير مفهومة

فقد جاءت تلك التشبيهات من البيئة المحيطة به والواقع الذي يعيشه، إلى جانب بساطة ووضوح قصائده بالرغم من تعدّد الموضوعات فيها من فخرٍ، ورثاء، وغزلٍ، كما هو معروف من تقاليد فنيّة عند الشعراء، أمّا لغتُه فتتميّز بالرقة في الغزل والنسيب، وبالفخامة والجزالة في الفخر والمدح

ولد امرئ القيس في قبيلة كندة، وهو يماني الأصل ، ولد عام 496-544م بنجد، في منطقة بطن ذي عاقل كان والده ملك أسد وغطفان، واختلف في نسب أمه فقد ذكر الرواة أن أمه، هي فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير، أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة التغلبيين

قال امرئ القيس الشعر مبكراً وهو غلام، وجعل يتغزل في النساء، ويلهو، ويعاشر صعاليك العرب، كعادة أبناء الملوك، فانتهي ذلك إلى علم والده، فأبعده إلى حضرموت موطن عشيرته، وهو في العشرين من عمره، ولكنه استمر يتنقل مع أصحابه في أحياء العرب، يشرب ويطرب، ويغزو ، ويلهو

وغلب على شعر امرئ القيس حبه للنساء، والتغزل بهن، وقد ورد في شعره الكثير من أسماء النساء ذكر ابن قتيبة منهن ثلاثًا هن : فاطمة بنت العبيد العامرية، وأم الحارث الكلبية وعنيزة صاحبة يوم دارة جلجل، وهناك نساء أخريات وردت أسماؤهن في شعره، وفي أخباره المروية، كأمّ جندب، وزوجته هند الكندية، وابنة القيصر

كيف تأثر

عاش الشاعر حياته بين قطبي اللهو والحرب ، فقد كان لاهيًا عابثًا ، حتى ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه ، فبلغه ذلك وهو جالس للشراب

فقال: رحم الله أبي، ضيعني صغيرًا وحملني دمه كبيرًا، لا صحو اليوم ولا سكر غدًا، اليوم خمر وغدًا أمر، حيث طاف شبه الجزيرة طولها وعرضها باحثًا عن أنصار، لدعمه في سعيه للثأر لأبيه واسترداد ملكه، أو هاربًا من أعدائه

موهبته

كان امرئ القيس نجمًا ساطعًا في سماء الشعر العربي في كل عصوره ومراحله، ولا يمكن أن ينكر منكر دوره في شكل القصيدة العربية في العصر الجاهلي، حيث انطلق من ملكة شاعرية متفردة، وأساليب شعرية غير مسبوقة

أصبحت أشعاره مع الأيام والعصور، سننًا وطرائق لا سبيل إلى تجاوزها أو حتى تغييرها وتطويرها، من ذلك استيقاف صحبه، والبكاء في الديار، ورقة النسيب، وقرب المأخذ ، وتشبّيه النساء بالظباء وتشبّيه الخيل بالعقبان والعصيّ وقيّد الأوابد

الرحلة إلى الأناضول

لجأ امرؤ القيس إلى الروم أعداء الفرس التقليديين بعد نصيحة الغساسنة، وقصد القسطنطينية للقاء الإمبراطور جستينيان الأول، مع أحد رجال أبيه الشاعر الكبير عمرو بن قميئة، والتقى بالقيصر الذي رحب به؛ لكن قيل أنه انقلب عليه بعد وشاية

يقال أن امرأ القيس تعب جسده، وأنهكت قوته بعد الحروب والرحلة الطويلة في ديار العرب وبلاد الروم، وأصيب بالمرض بعد رحلته إلى القسطنطينية

وينقل المؤرخ ابن الأثير الجزري (توفي 630 للهجرة، 1233) في كتابه “الكامل في التاريخ” رواية مفصلة لمقتل أو وفاة امرئ القيس، ويقول:

سيّر قيصر مع امرئ القيس جيشا كثيفا فيهم جماعة من أبناء الملوك. فلما سار امرؤ القيس، قال الطماح (رجل أرسله بني أسد للوشاية بامرئ القيس) لقيصر إن امرأ القيس غوي عاهر

وقد ذكر أنه كان يراسل ابنتك ويواصلها، وقال فيها أشعارا أشهرها في العرب، فبعث إليه قيصر بحلة وشي منسوجة بالذهب، مسمومة

وكتب إليه إني أرسلت إليك بحلتي التي كنت ألبسها تكرمة لك، فالبسها واكتب إلي بخبرك من منزل منزل. فلبسها امرؤ القيس وسر بذلك، فأسرع فيه السم وسقط جلده، فلذلك سمي ذو القروح، فقال امرؤ القيس في ذلك

Exit mobile version