مع تزايد التوترات الجيوسياسية، زادت مخاوف قطاع النقل من تأثّر سلاسل إمدادات صناعة بطاريات السيارات الكهربائية جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يضع العديد من التحديات أمام خطط العديد من الدول لخفض الانبعاثات.
أسهمت التوترات السياسية الأخيرة التي يشهدها العالم بحدوث تقلبات شديدة في أسعار المعادن اللازمة لصناعة بطاريات السيارة الكهربائية، بل ومكونات المركبات الكهربائية نفسها، إذ تتعلق المخاوف المرتبطة بدور روسيا بصفتها موردًا رئيسًا للنيكل، وهو ما أضاف تحديات جديدة إلى التحديات طويلة الأمد بين شركات صناعة السيارات، بشأن تأمين ما يكفي من المواد.
معادن البطاريات
استحوذ النيكل على جزء كبير من التوتر بين معادن بطاريات السيارات الكهربائية في الأسابيع الأخيرة، إذ وصلت إلى 250%، الأمر الذي ضاعف من مخاوف شركات صناعة السيارات الكهربائية.
على الرغم من ارتفاع أسعار النيكل ووصوله لمستويات قياسية، فإن هذا المعدن ليس المعدن المخصص للبطاريات الذي يقلق الصين، إذ يثير نقص الليثيوم قلق الصين، أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، أكثر من غيره من المعادن.
ترجع حيوية معدن الليثيوم بالنسبة لجميع بطاريات السيارات الكهررائية القابلة لإعادة الشحن تقريبًا مع خطط التوسع في نشر السيارات الكهربائية، إذ ارتفعت أسعار كربونات الليثيوم بنسبة 490% في العام الماضي، وفقًا لمؤشرات الأسعار العالمية.
النيكل رهين روسيا
إذا قطع بوتين إمداد المعادن، فإن اقتصاد السيارات الكهربائية سيتعثر، إذ تزوّد روسيا الأسواق العالمية بنحو 20% من النيكل عالي الجودة في العالم، ويُستخدَم أساسًا في الفولاذ المقاوم للصدأ، ولكنه أيضًا عنصر حاسم في البطاريات، بما في ذلك تلك المستخدمة في السيارات الكهربائية.
تحتاج بطاريات السيارات الكهربائية الأكثر تقدمًا، التي تخزّن المزيد من الكهرباء، إلى مزيد من النيكل، وكان هناك نقص في النيكل عالي الجودة على مستوى العالم خلال العامين الماضيين، وسيزداد سوءًا مع زيادة إنتاج السيارات الكهربائية لتلبية التفويضات الحكومية.
قال الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا، إيلون ماسك، بتغريدة، في فبراير/شباط 2021: “النيكل مصدر قلقنا الأكبر لتوسيع إنتاج خلايا أيونات الليثيوم”، وقدّرت مذكرة بحثية لبنك أمريكا العام الماضي نقصًا في النيكل من الدرجة الأولى، يبلغ 41 ألف طن متري.
أسعار النيكل
في العامين اللذين سبقا غزو بوتين لأوكرانيا، تضاعفت أسعار النيكل من الدرجة الأولى، وأدى عدم اليقين بشأن العقوبات والمخاوف من قيام روسيا بمنع الصادرات إلى ارتفاع الأسعار بشكل أكبر، وتسبّب فيما يُعرف بضغوط قصيرة.
بعض التجّار، بما في ذلك الشركات المنتجة للنيكل، راهنوا على أن أسعار النيكل ستنخفض، وكان عليهم تغطية مراكزهم عندما ترتفع الأسعار، وأدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار.
وقّع بوتين مرسومًا في 8 مارس/آذار يحظر تصدير مواد أولية وسلع غير محددة، وعلّقت بورصة لندن للمعادن التداول، لأول مرة منذ عام 1985، بعد أن زاد سعر العقد لمدة ثلاثة أشهر عن الضعف.
تحركات صينية
في مارس/آذار، استدعت حكومة بكين العديد من اللاعبين في السوق؛ لإيجاد طرق للحدّ من الزيادة الهائلة في الليثيوم، والتي وصلت إلى نسبة 472% منذ يونيو/حزيران الماضي.
وتابعت الحكومة الصينية باهتمام الزيادات المطّردة في سعر الليثيوم، وهو المعدن الذي يعدّ حيويًا لجميع البطاريات القابلة لإعادة الشحن تقريبًا، وهو أمر حاسم للسيارات الخالية من الانبعاثات.
قفزت كربونات الليثيوم في الصين بنحو 472% من أدنى مستوى لها في يونيو/حزيران الماضي، إلى مستوى قياسي في 15 من شهر مارس/آذار الماضي.
في ندوة مارس/آذار، والتي ضمت مجموعات صناعية ومورّدي المواد الخام ومصنّعي البطاريات، طالبت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية “بعودة منطقية” إلى أسعار الليثيوم الأكثر شيوعًا.
وركّزت المحادثات على اختناقات العرض، وآليات التسعير، وما وصفه المسؤولون بالتنمية الصحية لقطاعي السيارات والبطاريات ذات الطاقة الجديدة في البلاد.
السيطرة على الأسعار
جدير بالذكر أن هذا النوع من التدخلات في أسعار السلع كان شائعًا بالنسبة للفحم والصلب، أمّا بالنسبة لقطاع السيارات الكهربائية فهو أمر جديد يعكس قلق الصين من تأثير ارتفاع أسعار الليثيوم.
وفقًا لوكالة بلومبرغ، فإن صناعة السيارات الكهربائية في الصين تواجه رياحًا معاكسة قوية جدًا بسبب ارتفاع التكلفة، من المتوقع أن يقفز الطلب على الليثيوم 5 أضعاف بحلول نهاية العقد، وهناك حاجة إلى 14 مليار دولار من الاستثمارات لتمويل مصادر الليثيوم وقدرات التكرير بحلول 2025، و5 مليارات دولار أخرى بحلول 2030.
وتدعو السلطات الصينية إلى تطوير أسرع لقطاع الليثيوم المحلي الذي يهيمن على الإنتاج العالمي، مما يسلّط الضوء على آفاق النمو في مقاطعات شينغهاي وسيشوان وجيانغشي.
وفي الولايات المتحدة، أضاف الرئيس جو بايدن مؤخرًا معادن البطاريات، بما في ذلك الليثيوم، إلى قائمة العناصر التي يغطيها قانون الإنتاج الدفاعي، مما يعني أنه يمكن للشركات الوصول إلى التمويل؛ لتعزيز الإنتاج أو دراسة التطورات الجديدة المحتملة.
اقرأ أيضاً: الليثيوم في أفريقيا.. بوابة الصين للسيطرة على سوق بطاريات السيارات الكهربائية
تركز الصين بشكل متزايد على الليثيوم في أفريقيا، خاصة أن مناجم القارة السمراء موطن معادن رئيسة، تشمل الكوبالت والنحاس والمنغنيز، التي تُستخدم في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية.
ويُمهد ذلك الطريق أمام أفريقيا لكي تستفيد بشكل كبير من الحركة العالمية نحو إزالة الكربون، من خلال توفير عائدات ضخمة وخلق فرص عمل، فضلًا عن نقل التكنولوجيا.
ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية، اكتسبت الشركات الصينية السيطرة على حصة كبيرة من قطاع التعدين في البلاد، بما في ذلك موارد الكوبالت والليثيوم الرئيسة.
كما استحوذت 3 شركات طاقة صينية على حصص في مناجم الليثيوم في زيمبابوي خلال الأشهر الـ4 الماضية؛ لتعزيز قبضتها على الليثيوم الأفريقي، حسبما نقلت مجلة “أفريكان بيزنس”.
أهمية الليثيوم المتزايدة
تنجذب الصين -أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم- بشكل متزايد نحو أفريقيا لتنويع إمدادات الليثيوم، أحد أكثر المعادن المطلوبة المستخدمة في تصنيع السيارات الكهربائية؛ إذ أصبح الليثيوم مادة خام حيوية مطلوبة في الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر.
وتُستخدم بطاريات الليثيوم أيون بشكل شائع في تصنيع السيارات الكهربائية، والأجهزة الكهربائية، والألواح الشمسية لتخزين الطاقة الشمسية الزائدة.
وتُقدر شركة الأبحاث الدولية فيتش سوليوشنز أن هناك نحو 9 مشروعات لليثيوم يجري تطويرها حاليًا في أفريقيا -في زيمبابوي وناميبيا ومالي وغانا وجمهورية الكونغو الديمقراطية-، لكنها لا تزال صغيرة مقارنةً بتلك التي يجري تطويرها في الأميركتين وأستراليا وأوروبا.
صفقات الصين الأخيرة
تمتلك زيمبابوي أكبر احتياطي من الليثيوم في أفريقيا، وخامس أكبر احتياطي عالميًا، لكن المورد ظل غير مستغل إلى حد كبير بسبب نقص الاستثمار.
وقد افتتحت شركة تشنغشين ليثيوم الصينية سلسلة من عمليات الاستحواذ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مع حصولها على حصة بنسبة 51% في منجم سابي ستار لليثيوم التابع لشركة ماكس مايند إنفستمنت في شرق زيمبابوي بتكلفة 77 مليار دولار أميركي.
وتبعتها شركة تشجيانغ هوايو كوبالت في ديسمبر/كانون الأول بشراء حصة 87% في مشروع منجم أركاديا لليثيوم في زيمبابوي، مقابل 528 مليون دولار، من شركة بروسبكت ريسورسز الأسترالية.
وفي 8 فبراير/شباط، أعلنت شركة سينوماين ريسورسز تخصيص 180 مليون دولار للاستحواذ على 100% من شركتين تمتلكان معًا 74% من مشروع بيكيتا مينيرالز.
استثمارات الصين في أفريقيا
أوضحت محللة التعدين في فيتش سوليوشنز، صابرين شودري، أن أسعار الليثيوم المرتفعة والاحتياطيات الكبيرة وتوقعات الطلب القوية من قطاع البطاريات في العقد المقبل، جميعها عوامل تعزز النظرة المتفائلة تجاه الاستثمار الصيني في أفريقيا للمعادن الإستراتيجية، بما في ذلك الليثيوم والكوبالت.
وقالت شودري: “بينما تُعد الصين أكبر مركز في العالم لتكرير معادن البطاريات، تستورد البلاد في الغالب الخامات من أفريقيا وأميركا اللاتينية وأستراليا”.
وتابعت: “بشكل عام، استثمرت شركات التعدين الصينية بكثافة في أفريقيا على مر السنين، بوصفها جزءًا من هدف السلطات لإنشاء إمدادات مستقرة من الخامات، وجزءًا من مبادرة الحزام والطريق الخاصة بها، وهي سياسة إستراتيجية جيوسياسية واقتصادية متعددة العقود بهدف زيادة نفوذ الصين في الأسواق الرئيسة حول العالم”.
وشددت شودري على أنه مثلما أن الاستثمار في قطاع الليثيوم في أفريقيا مفيد للصين؛ فإن الدول الأفريقية ستستفيد من الاستثمار الصيني من خلال خلق فرص العمل والضرائب ونقل التكنولوجيا والتمويل الكبير، والتي تساعد جميعها في تطوير صناعة التعدين في أفريقيا.
استفادة أفريقيا من الصين
من جانبه، أكد الزميل الباحث في معهد دراسات التنمية في المملكة المتحدة، وي شين، أن الصفقات توفر فرصًا ثمينة للدول الأفريقية للمشاركة في سلسلة القيمة الحاسمة لصناعات بطاريات الليثيوم، ليس فقط لصناعة السيارات الكهربائية، ولكن لمشروعات الطاقة المتجددة الأخرى التي تحتاج أيضًا إلى مرافق تخزين الطاقة.
وقال شين: “يُمكن أن تسهل هذه الصفقات نقل التكنولوجيا إلى الدول الأفريقية، وتعزز قدرتها الأولية على العمليات الصناعية في السنوات المقبلة”.
وأضاف: “من الناحية المالية، يُمكن أن تكون صادرات الموارد هذه حاسمة بشكل خاص لتخفيف ضغط خدمة الديون على المدى القصير؛ إذ كان سعر الليثيوم مرتفعًا وما زال من المتوقع أن يستمر في الارتفاع بشكلٍ حاد في السنوات المقبلة”.
وأوضح أن “هذه الصفقات تمثل فوائد محتملة، ويستغرق الأمر وقتًا لمعرفة ما إذا كان يُمكن تحقيق هذه الفوائد وتوزيعها، وهو ما يمثل دائمًا تحديًا كبيرًا للحكومة المضيفة عند العثور على كنوز جديدة.
وأكد أن الحكومات الأفريقية بحاجة إلى اتخاذ قرارات مستقلة عند معالجة هذه الاعتبارات المتعلقة بالفرص والتحديات، “دون الوقوع في شرك الصراعات والسرديات الجيوسياسية”.
توطين سلسلة القيمة في أفريقيا
في الوقت الحالي، يمثل التباين بين مساهمة أفريقيا في المواد الخام في بعض الصناعات الأكثر ربحًا في العالم مقارنةً بمزايا سلسلة القيمة، أمرًا مقلقًا.
إذ إن جمهورية الكونغو الديمقراطية -على سبيل المثال- تُوَرِّد 70% من الكوبالت العالمي المستخدم في صناعة السيارات الكهربائية، ولكنها تستحوذ فقط على 3% فقط من سلسلة قيمة تعدين البطارية الكهربائية.
ومن ثم؛ فإن توطين سلسلة قيمة بطاريات الليثيوم أيون يوفر لأفريقيا فرصة لترسيخ مكانتها بوصفها قوة عالمية لتصنيع السيارات الكهربائية.
وقد أعربت جمهورية الكونغو الديمقراطية بالفعل عن نيتها لإنتاج بطاريات للسيارات الكهربائية محليًا وتطوير سلسلة قيمة خضراء نظرًا لاحتياطيات البلاد الغنية من معادن الطاقة الجديدة.
إلا أن شودري أوضحت أنها لا تتوقع أن تطور أفريقيا سلسلة قيمة يمكن أن تجعلها قوة عالمية لتصنيع السيارات الكهربائية في أي وقت قريب، على الرغم من إمكانات وفرص النمو القوي لليثيوم والمعادن الأخرى في السنوات المقبلة.
المصادر: الطاقة – مواقع إلكترونية