لماذا تتمتع الطائرات الحديثة بجناحين صغيرين عند طرفي جناحيها الكبيرين.. إليك الإجابة من كبار المختصين

ما الذي لفت انتباهك آخر مرة نظرت فيها من نافذة طائرتك؟ ربما الجناح الصغير، الملحق بطرف الجناح الآن، الذي تضع شركات الطيران عليه شعارها وعلامتها التجارية، حتى يتسللان ضمن مشهدية صور السفر الخاصة بك التي ستلتقطها من فوق الغيوم.

لكن، لا يُستخدم الجناحين الصغيرين لأغراض تسويقية فقط، بل يساهمان أيضًا بتوفير الوقود. إذ يمكن أن تستهلك طائرة مجهزة بهما وقودًا أقل بنسبة وسطية تصل إلى 5٪، فيما طائرة ركاب نموذجية من طراز “بوينغ 737” يمكن أن توفر 100 ألف غالون من الوقود سنويًا، بحسب وكالة “ناسا”. ويوازي توفير الوقود الجماعي لشركات الطيران مليارات الدولارات.

ويتم ذلك عن طريق تقليل الدوامات الطبيعية التي تتشكل عند أطراف الجناح، التي قد تكون قوية جدًا بحيث تتسبّب بقلب الطائرات الأصغر في الجو عند عبورها بمحاذاة طائرات كبيرة جدًا. وكان هذا الأثر واضحًا لدرجة أنّ علماء الديناميكية الهوائية كانوا يفكرون به حتى قبل أن يكمل الأخوان رايت رحلتهما الأولى. ورغم ذلك، فإن تبنّي الأجنحة الصغيرة على نطاق واسع حديث العهد.

تصميم أفضل

وعندما يتدفق الهواء حول جناحي الطائرة، فإنه يولد ضغطًا مرتفعًا على السطح السفلي وضغطًا منخفضًا على السطح العلوي، ما يؤدي إلى الارتفاع. لكن ما أن يصل الهواء المتدفق في الأسفل إلى طرفي الجناحين، فإنه يميل إلى الالتفاف لأعلى حيث يقابل هواء الضغط المنخفض، وينتج عن ذلك إعصارًا صغيرًا، الأمر الذي يعادل فقدان الطاقة.

وقال آل باورز، كبير العلماء السابق في مركز نيل أرمسترونغ لأبحاث الطيران التابع لـ”ناسا” إن “الطاقة المتبقية في الهواء تأتي من الطائرة”، موضحًا أنّه “إذا كانت هناك طريقة لالتقاط المزيد من تلك الطاقة وإبقائها على متن الطائرة، فسيؤدي ذلك إلى تقليل إهدار الطاقة”.

وفي عام 1897، حصل عالم الديناميكية الهوائية البريطاني فريدريك دبليو لانكستر على براءة اختراع “الألواح الطرفية للجناح”، وهي أسطح عمودية توضع في نهاية الأجنحة لإيقاف تدفق الهواء من الأسفل والالتقاء في الجزء العلوي، ما يقلّل السحب. وأوضح باورز: “تعمل الصفائح الطرفية مثل الأجنحة الصغيرة، لكن تحسين الارتفاع ضعيف نوعًا ما، لأن الألواح المسطحة بحد ذاتها لا تتمتع بديناميكية هوائية جيدة جدًا”.

وطوّر ريتشارد ويتكومب، وهو مهندس في “ناسا” هذه الفكرة لتطبيقها على الطائرات الحديثة في السبعينيات، مستوحيًا امتداد الجناح الرأسي من الطريقة التي تلف بها الطيور أجنحتها عند الطرف للتحليق عاليًا.

وقال باورز إنّ “ويتكومب طوّر فكرة الألواح حتى تتمتّع بديناميكية هوائية أكثر، وتأخذ شكل أجنحة”. وتابع أنّه “أدرك أنّ ضبط الزاوية عليها بشكل صحيح سيؤدي إلى تقليل السحب بشكل كبير”.

وكان ويتكومب اختبر الفكرة داخل نفق للرياح ووجد أنّ الجناحين الصغيرين قد يقلّلان من مقاومة السحب بنحو 5٪. في الوقت نفسه. وكانت أبحاث حول الأجنحة تجري على نحو مستقل عن وكالة “ناسا”، إذ كانت الشركة المصنعة لطائرات رجال الأعمال “LearJet” أول من قام بتركيب جاحين صغيرين على متن طائرة فعلية في عام 1977.

وبعد عامين، حلّقت “ناسا” لأول مرة بطائرة اختبار من طراز “Air Force KC-135” التي لا تختلف كثيرًا عن طائرة “بوينغ 707″، مجهزة بجناحين صغيرين يبلغ ارتفاعها تسعة أقدام. وبعد أكثر من 47 رحلة تجريبية، أكدت وكالة “ناسا” نتائج نفق الرياح التي توصل إليها ويتكومب.

دمج الجناحين الصغيرين

ورغم النتائج المشجعة، إلا أنّ الأجنحة الصغيرة لم تجذب اهتمام شركات الطيران فورًا، لأنها تضع وزنًا إضافيًا على الطائرة عدا كلفة تركيبها المرتفعة.

غير أنّ الأمور تغيرت عندما صمّمت شركة تُدعى أفييشن بارتنرز (Aviation Partners) الجناح “الممزوج”. وتأسست عام 1991، واستعانت بخبرة عالم الديناميكية الهوائية السابق في “بوينغ” لويس غراتزر، الذي حصل عام 1994، على براءة اختراع لنوع جديد من تصميم الجناح ينحني بسلاسة من طرف الجناح، ما يوفر زيادة كبيرة بالكفاءة مقارنة مع النسخ السابقة ذات الزوايا المروسة.

وكانت طائرة “Gulfstream II” أول طائرة تستخدم الجناح المدمج. وهي طائرة رجال أعمال تتمتع بمحركين وسعة قصوى تصل إلى 19 راكبًا. وبعد فترة وجيزة، توسعت شركة “Aviation Partners” إلى طائرات أكبر، وبدأت العمل مع شركة “بوينغ” التي أظهرت اهتمامًا بالأجنحة الصغيرة من خلال وضعها على طائرتها “747” لأول مرة عام 1988.

وقال مايك ستويل، الرئيس التنفيذي لشركة “Aviation Partners Boeing”، وهي مشروع مشترك بين الشركتين، إنّ “بداية الشركة مع بوينغ أفضت إلى طائرة Boeing Business Jet التي هي طائرة 737 أساسًا”. وصُنّعت عام 1999، وصُممت الأجنحة الصغيرة التي في وسع “بوينغ” تثبيتها مباشرة في المصنع على طائرات جديدة، وعُدلت طائرات بوينغ الحالية بأجنحة مدمجة تتراوح كلفتها التحديثية بين 737 و750 ألف دولار.

وأشار ستويل إلى أنّ بعض جاذبية الأجنحة الصغيرة المدمجة تعتمد على مظهرها الأملس، وليس فقط توفير الوقود.


أجنحة القرش

وخلافًا لشركة “بوينغ”، تأخرت شركة “Airbus” بتبنّي الأجنحة الصغيرة وظلت غير مقتنعة بفوائدها في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي عام 2011، طارت لأول مرة مع تصميم جناحيها الصغيرين الخاصين بها، واللذين وُصفا بـ”القرش”. وقال مومر: “تأخرت شركة إيرباص عن اللعبة، لكنها استطاعت اللحاق بالركب بسرعة”.

وبدأت عائلة “A320″، الطائرة الأكثر مبيعًا في العالم التي لديها أكثر من 16000 طلب، حاليًا، بطرح أجنحة أسماك القرش كخيار عام 2012، في حين تم تحديث طائرات “A320” الحالية منذ عام 2015. ووعدت شركة “إيرباص” بتخفيض استهلاك الوقود بنسبة 4٪ وتوفير 900 طن من ثاني أكسيد الكربون لكل طائرة سنويًا.

وفي عام 2013، مع طائرة “A350″، حسّنت “إيرباص” تصميم جناحيها الصغيرين، اللذين لم يعودا ملحقين بالجناح الكبير ويمكن فصلهما، بل أمسيا “التواءً سلسًا ثلاثي البعد لشكل الجناح الأساسي”.

وتم تطبيق التصميم الجديد أيضًا على “A320neo”، نسخة الطائرة الشهيرة الأحدث ذات المحركات الأفضل، المزودة بأجنحة أسماك القرش الصغيرة كمعيار.

وتوجد الأجنحة الآن على كل طائرة صغيرة ومتوسطة الحجم تقريبًا في العالم، رغم أنّ فعاليتها على الطائرات الأكبر حجمًا أقل وضوحًا.

المصدر: ccn

Exit mobile version