منعطف مهم في مجال الصناعات الدفاعية ذاك الذي قطعه المغرب أمس الخميس، بعد أن وقع عبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني، اتفاقية مع شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية لإنشاء وحدات صناعية لصيانة وتطوير الطائرات العسكرية بما فيها مقاتلات “إف 16” المستخدمة من طرف القوات المسلحة الملكية.
ويشمل الاتفاق إنشاء وحدة للصناعات الدفاعية بالقرب من القاعدة الجوية لمدينة ابن سليمان، على مساحة 15 ألف متر مربع، ستُشرف عليها مؤسسة “سابينا آيروسبايس” البلجيكية، وسيكون المشروع عبارة عن محطة للصيانة والإصلاح والتحديث وسيحمل اسم MAINTENANCE AERO MAROC أو اختصارا MAM، ومن المرتقب أن يوفر 300 فرصة عمل.
وستُمكن هذه الخطوة المغرب لأول مرة من دخول مجال الصناعات الدفاعية الجوية والتوفر على كفاءات بشرية مغربية في هذا المجال، خاصة وأن المرحلة الأولى تشمل صيانة طائرات “إف 16″ و”سي 130” المستخدمة من طرف سلاح الجو المغربي، على أن يستضيف مستقبلا وبشكل تدريجي طائرات أمريكية الصنع من طرازات أخرى، كما سيفتح أبوابه أمام الطائرات العسكرية التابعة لدول أخرى في حالة ما احتاجت للإصلاح والتحديث.
ولا تتجلى أهمية هذه الخطوة على هذا المستوى فحسب، فهي أيضا ستُمكن الرباط من خفض تكاليف وتطوير الطائرات التي تجري بشكل دوري، والتي كانت تستضيفها عادة القواعد الجوية الأمريكية، وإلى جانب ذلك، فإن هذا الأمر يمثل قفزة نوعية في مجال الصناعات الجوية في المغرب التي تقتصر إلى غاية الآن على تصنيع أجزاء الطائرات المدنية.
ووفق دانيا ترينت، نائبة رئيس شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية فإنه بناء على هذا الاتفاق سيحصل المغرب على “أفضل المرافق الصناعية الممكنة وعلى المعدات والآليات الحديثة، بالإضافة إلى التداريب والخبرات التي يحتاجها لضمان استدامة تحديث قواته الجوية والزبناء الآخرين من مختلف دول العالم”.
وتُعد الولايات المتحدة الأمريكية المزود الأول للمغرب بالأسلحة، وتتعامل الرباط بشكل كبير مع شركة “لوكهيد مارتن” التي تعد عملاق الصناعات الدفاعية الجوية على المستوى الدولي، وخلال السنوات الثلاث الأخيرة جرت بين الطرفين عدة صفقات من بينها تلك المتعلقة بالحصول على العشرات من طائرات “إف 16” ومروحيات “أباتشي” القتالية، ويجري حاليا التفاوض بينهما من أجل أن يقتني المغرب طائرات “إف 35” الأكثر تطورا على الإطلاق.
اقرأ أيضاً: صحيفة إيطالية تُبرز دور قضية الصحراء المغربية في اتفاق الغاز بين الجزائر وإيطاليا
اعتبرت صحيفة “Il Sole 24 Ore” الإيطالية أن قضية الصحراء المغربية هي من بين المحركات الأساسية التي تدفع الجزائر إلى توقيع اتفاق الرفع من إمدادات الغاز الجزائري إلى إيطاليا، مشيرة إلى أن الجزائر “سعيدة” بهذا الاتفاق مع روما.
وأضافت الصحيفة الإيطالية، أن سبب رغبة الجزائر في هذا الاتفاق يرجع إلى سياق التوتر الذي اندلع مع حكومة بيدرو سانشيز الإسبانية، بعد تغيير مدريد موقفها من الصحراء وإعلان دعمها لمقترح الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية، وهو التغيير الذي أغضب الجزائر.
وربطت الصحيفة الإيطالية بين هذا الاتفاق الجزائري مع إيطاليا وتوقيته الذي يتزامن مع خطوات التقارب التي اتخذتها حكومة سانشيز مع المملكة المغربية، وهي الخطوات التي أنهت عقودا من الحياد الإسباني في قضية الصحراء، والتوجه نحو الاصطفاف إلى جانب الرباط لإنهاء هذا النزاع الذي عمر طويلا، وفي نفس الوقت إنهاء الأزمة الديبلوماسية مع الرباط.
وتتماشى قراءة هذه الصحيفة الإيطالية، مع قراءات تحليلية ترى وجود احتمالية كبيرة في كون أن هذا الاتفاق الذي أبرمته الجزائر لصالح رفع امدادات الغاز إلى إيطاليا لتقليص اعتماد الأخيرة الكبير على امدادات الغاز الروسي، قد يكون كخطوة استيباقية لمنع إيطاليا من اتخاذ لقرار دعم المقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء، وبالتالي تفادي تكرار السيناريو الإسباني الذي ترفضه الجزائر.
وبالنظر إلى المواقف الإيطالية بشأن قضية الصحراء المغربية في السنتين الأخيرتين، فيُلاحظ أنها تميل فيها إلى التأكيد على المجهودات المغربية لإنهاء هذا النزاع، وقد كان آخر موقف أعربت عنه إيطاليا في هذا الصدد، حدث في نونبر الماضي، حيث وصفت روما في بيان مشترك عقب محادثات بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره الإيطالي لويجي دي ماي، جهود المغرب لحل ملف الصحراء المغربية بـ”الجادة وذات المصداقية”.
ولا يبدو مستبعدا أن الجزائر تحاول تفادي توجه إيطاليا نحو دعم المغرب ومقترحه الذاتي، في ظل العقيدة السياسية الخارجية الجزائرية، التي تقحم فيها قضية الصحراء المغربية في مختلف القضايا والاتفاقيات، حيث تُعتبر الجزائر بمثابة “الناطق الرسمي” و”الممثل الديبلوماسي” لجبهة “البوليساريو” الانفصالية التي تُنازع المغرب على إقليم الصحراء.
كما لا يبدو خفيا على المتتبعين للتغيرات الجيوسياسية الأخيرة في المنطقة، أن الجزائر تسعى من خلال هذا الاتفاق إلى توجيه رسالة مشفرة إلى مدريد، بإعلان إيطاليا الشريك الطاقي الأول والأكبر للجزائر، وسحب البساط من إسبانيا، وفق ما أشارت إليه صحيفة “إلموندو” الإسبانية عقب توقيع الجزائر وإيطاليا الاتفاق الطاقي المذكور.
وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر كانت قد استدعت سفيرها من مدريد للتشاور في مارس الماضي مباشرة بعد إعلان إسبانيا دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء، ولازال السفير الجزائري لم يعد إلى منصبه بالعاصمة الإسبانية، الأمر الذي يشير إلى استمرار وجود خلاف ديبلوماسي بين الطرفين.
وبالمقابل، فإن العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد، عرفت تقدما ملموسا، عقب الزيارة التي تقدم بها بيدرو سانشيز إلى الرباط ولقاء الملك محمد السادس، حيث تقرر تجديد التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، واستئناف الروابط البحرية والبرية التي كانت متوقفة منذ أكثر من سنتين.
المصدر: مواقع إلكترونية