“الحرب الخاطفة” اندلعت في العام 1896.. ما لا تعرفه عن أقصر حرب في التاريخ والتي لم تدم سوى 38 دقيقة
أثبت هذه الحرب القصيرة جدا قوة القوات البريطانية وتفوقها على القوات الزنجيبارية، كما أثبتت أن البريطانيين كانت لهم الكلمة الأخيرة والسلطة الكاملة على شؤون دولة (زنجيبار) في عرض مثلت فيه بطشها، وهو الأمر الذي دفع بالبعض إلى تفضيل عدم تسميتها حربا في الأساس، لأن (زنجيبار) لم تكن تملك أدنى فرصة في مجابهة القوات البريطانية المتطورة جدا بالمعايير السائدة آنذاك.
الخلفية التاريخية:
في سنة 1896، كان لجميع الدول الأوروبية تقريبا مستعمرات في أفريقيا من أجل استغلال الموارد الطبيعية التي تزخر بها القارة، فسيطرت بذلك كل من فرنسا وبريطانيا العظمى وألمانيا على الساحة السياسية في القارة، وكانت بعض الأمم الأفريقية بين الحين والآخر تثور ضد القوات الاستعمارية المسيطرة عليها، ولم يكن حتى بعد الحرب العالمية الثانية حيث بدأت بعض من هذه الأمم تستقل عن مستعمريها الأوروبيين تباعا.
كانت الحرب التي نشبت بين (زنجيبار) وبريطانيا واحدة من الأمثلة على هذه الصراعات بين المستعمِر والمستعمَر. توفي السلطان (حمد بن ثويني) الموالي لبريطانيا في الخامس والعشرين من شهر أغسطس سنة 1896، وذلك بعد تسلمه مقاليد السلطة لمدة ثلاثة سنوات فقط، ولم يمض وقت طويل أن استحوذ قريبه (خالد بن برغاش) على العرش، وهو الأمر الذي أفسح المجال أمام الكثير من الشائعات التي تفيد أن السلطان لم يمت بصورة طبيعية بل قُتل مسموما من طرف قريبه هذا من أجل التخلص منه واستلام سدة الحكم.
وكان سبب هذا كله هو موالاته للمستعمر البريطاني الذي كان (خالد) يرغب في التخلص منه بأية طريقة من أجل استغلال تجارة العبيد التي كانت لا تزال رائجة هناك واحتكارها والسيطرة عليها، حيث أن من بين المشاريع التي سعت بريطانيا لتحقيقها في المنطقة هو التخلص من العبودية وتجريمها ومنه القضاء على تجارة العبيد نهائيا، وهي السياسة التي تعارضت بشكل كبير مع نوايا ورؤى (خالد) المستقبلية.
كانت الحكومة البريطانية ترغب في أن يتولى (حامود بن محمد) الحكم خلفا للسلطان المتوفي بدلا من (خالد)، فقامت على إثر ذلك بمنح (خالد) مهلة حتى الساعة التاسعة صباحا بالتوقيت المحلي في يوم الـ27 أغسطس سنة 1896 ليقوم خلالها بإخلاء القصر الملكي، ويتخلى عن العرش لصالح الوريث الموالي لبريطانيا.
اعتقد (خالد) أن البريطانيين كانوا يماطلون، فقام بجعل جنوده يحيطون بالقصر الملكي مجهزين بقوات المدفعية الثقيلة للدفاع عنه، وعلى إثر ذلك أحاطت خمسة سفن حربية تابعة للبحرية الملكية –وهي من أفضل ما أنتجت البحرية الملكية آنذاك– بالميناء القريب من القصر، ثم تم إنزال قوات البحرية الملكية وتوزيعها في المنطقة وجعلها على أهبة الاستعداد في انتظار الأوامر من الأدميرال (هاري راوسون)، الضابط المسؤول عن العملية.
الحرب الإنجليزية-الزنجيبارية:
بعد الساعة التاسعة صباحا بالضبط، وبعد انتهاء المهلة البريطانية لخالد بأن يخلي القصر الملكي، بدأ قصف السفن الحربية البريطانية يدوي في السماء موجها ضرباته نحو القصر الملكي. لم يكن ذلك الهيكل الخشبي يملك أدنى فرصة ضد عظمة البحرية الملكية البريطانية.
لم يكن (خالد) يملك سوى سفينة واحدة، وهي الـ(غلاسكو) الذي لم يتعدى كونه مجرد يخت فاخر أهدي إليه من طرف الملكة (فيكتوريا)، ولم يكن مصنوعا حتى للقتال، خاصة للقتال ضد أقوى أسطول بحري في العالم آنذاك وهو البحرية الملكية البريطانية.
دمرت السفن الحربية الملكية البريطانية الخمسة بقيادة المدمرة الـ(آيتش آم آس ساينت جورج) تحت إمرة الأدميرال (راوسون) يخت الـ(غلاسكو) في غضون لحظات، وقامت بعدها بإنقاذ طاقمه.
وبعد انقضاء 38 دقيقة فقط من بدأ المعركة، فر جنود (خالد) وأخلوا الساحة، جاعلين من هذه الحرب أقصر حرب في التاريخ.
توجه (خالد) وحاشيته من المقربين إلى السفارة الألمانية طالبين اللجوء، وخلال الحرب العالمية الأولى نجحت القوات البريطانية أخيرا في أسره واعتقاله، فوعدها رسميا بأن يعيش في المنفى ويتنازل عن مطالبته بأحقيته في العرش الملكي.
بالنسبة لأعداد الضحايا الذين خلفتهم هذه الحرب القصيرة: خسرت القوات الزنجيبارية الموالية للقوات البريطانية رجلا واحدا من أصل ألف رجل، بينما خسرت قوات (خالد) 500 رجل من أصل 3000، وعلى الرغم من كون قوات (خالد) تفوقت على القوات البريطانية في العدد بنسبة 1 لـ3، غير أن هذه الأخيرة كانت مجهزة بأحدث التجهيزات مما جعلها أكثر تفوقا وأكثر خطورة مما اعتقده (خالد).
مباشرة بعد سيطرة القوات البريطانية على الوضع، جعلت من ولي العهد الموالي لها سلطانا على (زنجيبار)، وقامت بعد ذلك بسنة بجعل تجارة العبيد جريمة يعاقب عليها القانون.
استمر الاحتلال البريطاني لـ(زنجيبار) لمدة 67 سنة أخرى بعد هذه الحرب، وصمد حتى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.
انتهت في نهاية المطاف الوصاية البريطانية على (زنجيبار) في سنة 1963، وفي السنة الموالية لاستقلالها، اندمجت دولة (زنجيبار) مع جمهورية (تانغانيكا)، ثم أعيد تسمية الدولة الناتجة عن اندماجهما بـ(تانزانيا).
المصدر: موقع ati