قديمًا في الماضي، لم تكن أسعار النفط بمثل هذه الأهمية، غير أن ثمة حدثًا بعينه فتحه عيون القوى الكبرى في العالم على هذه السلعة، وجعلها قضيةً جوهرية يتابعها الملايين يومياً وتؤثر على مصائر الناس وأرزاقهم وأحياناً أرواحهم.
كان هذا الحدث الذي قلب الموازين وفتح الأعين، هو حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، التي أدت إلى خلق ما يعرف في الغرب بأزمة النفط أو “صدمة النفط الأولى”.
في هذه الأزمة شعرت القوى العظمى بالعطب، وأدركت أنه في أيدي العرب أوراق قوة هائلة. وأثبتت الدول العربية – حينها على الأقل – أنها قادرة على التوحد حول قرار حاسم حين يتطلب الأمر.
ومن زاويةٍ أخرى يرى البعض أن ذلك قد أدى إلى تصاعد الدول النفطية مثل دول الخليج والعراق والجزائر وليبيا على حساب الدول غير النفطية مثل مصر وسوريا والمغرب.
حيتان النفط في العالم قبل عام 1973:
في فترة ما قبل حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 كان المتحكم الرئيس في عالم النفط ليس المنتجين، بل المستهلكين والشركات الغربية التي تستخرج النفط.
لا سيما أنه منذ اكتشاف النفط في العالم الثالث، كان سعي الغرب حثيثًا إلى وأد أي محاولة لكي تتحكم الدول المنتجة في مقدراتها، وكانت الثورة المضادة التي أطاحت برئيس وزراء إيران المنتخب “محمد مصدق” نموذجاً صارخًا يخبرنا أن الغرب مستعد لفعل أي شيء من أجل الهيمنة على نفط الشرق.
استنادًا إلى ذلك، كانت أسعار النفط مستقرة طيلة السنوات التي سبقت عام 1973 عند مستوى قريب من 3.6 دولار، لأن الشركات العالمية الكبرى ، وخاصة مجموعة من الشركات تعرف باسم الأخوات الـ7 (إكسون وموبيل وشيفرون وغلف وتكساكو وشل وبي بي)، ما كانت لتسمح إطلاقًا بتجاوز هذا السعر.
ثم أتت حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، لتخلق وضعاً لم يكن ليحلم به أي من البلدان المنتجة للنفط، ليس على مستوى الوطن العربي، بل على مستوى العالم.
حرب تشرين التي أبرزت ورقة النفط الرابحة:
بدأت القصة بزيارة سرية قام بها الرئيس المصري “محمد أنور السادات” للملك “فيصل” في الرياض شهر أغسطس/ آب 1973، أخبره خلالها بنواياه في خوض المعركة لتحرير سيناء وطلب منه وقف تصدير النفط إلى الدول الغربية التي تمد إسرائيل بالسلاح.
وفي أعقاب تلك الزيارة اجتمعت الدول المصدرة للنفط (أهمها: السعودية والإمارات والجزائر والعراق وليبيا) في 15 سبتمبر/ أيلول من نفس العام لبدء التفاوض في رفع أسعار النفط عالميا ووضع حد لدعم إسرائيل.
ومع تحضيرات الدول العربية التي اتفقت على عقاب إسرائيل ومن يدعمها باستخدام سلاح النفط، بدأت مصر وسوريا هجوما ثنائيًا على إسرائيل من أراضيها في السادس من أكتوبر، فيما عُرف بالحرب العربية الإسرائيلية الرابعة.
ومع تقدم القوات المسلحة المصرية وتغلغلها في اتجاه تحرير الأرض كانت “أوبك” تتم مفاوضاتها 10 أكتوبر/ تشرين الأول 1973 مع شركات النفط لرفع الأسعار وتعديل اتفاق طهران 1071.
وكانت أمريكا قد بدأت في إمداد اسرائيل بالأسلحة عبر النقل الجوي فيما عرف بعملية “العشب النيكيلي” في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، غير أن الدول العربية متمثلة في السعودية والإمارات العربية المتحدة والعراق والجزائر والكويت وقطر اتفقت على خفض إنتاج النفط ورفع الأسعار من جانب واحد بنسبة 17 ٪ إلى 3.65 دولار للبرميل في 16 أكتوبر/ تشرين الأول لعرقلة إمدادات الولايات المتحدة إلى إسرائيل.
وكانت الضربة القاصمة للولايات المتحدة وإسرائيل يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول، الذي اتفقت فيه الدول العربية مجتمعة على استخدام سلاح النفط لمعاقبة كل من يدعم إسرائيل وفي مقدمتها الولايات المتحدة الداعم الأول.
ومع مطالبات الرئيس الأمريكي “ريتشارد نيكسون” للكونجرس باعتماد 2.2 مليار دولار يوم 19 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، كدعم عاجل لإسرائيل كان النفط العربي قد تم حظره تماما إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وامتد الحظر بعد ذلك ليشمل هولندا في 28 أكتوبر/ تشرين الأول.
وظلت الدول العربية تحارب جنبا إلى جنب مع مصر وسوريا بسلاح النفط الفتاك لاقتصاديات الدول الموالية لإسرائيل، حتى حظرته على البرتغال وجنوب إفريقيا في 23 من نوفمبر/ تشرين الثاني 1973، بعد خفض الإنتاج بنسبة 25٪، وتهديدات بخفضه 5٪ إضافية، مما أجبر دولاً كبيرة على اتخاذ موقف الحياد تجاه الحرب كفرنسا وألمانيا.
وبعد ضمان انسحاب إسرائيل تماما من ساحة الحرب وانتصار العرب، أعلن وزراء نفط الدول العربية، نهاية الحظر المفروض على الولايات المتحدة التي تكبدت خسائر باهظة وشهدت ارتفاعات متعاقبة في أسعار البنزين، بينما فقدت بورصة نيويورك للأوراق المالية 97 مليار دولار في قيمة أسهمها في 6 أسابيع.
قوى العالم الكبرى توددت للعرب حين اتحدوا على قرارٍ واحد لمرة واحدة:
إن الاحتمال المرعب الذي خلقه الحظر بحدوث أزمة طويلة الأجل، أدى إلى ارتفاع الأسعار وخلق شرخاً قوياً داخل الناتو، وسعت كل من الدول الأوروبية واليابان إلى الابتعاد عن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فتوددت هذه الدول للعرب وسعت لإثبات الحياد على الأقل.
وبدأت إدارة الرئيس الأمريكي “نيكسون” مفاوضات موازية مع منتجي النفط العرب لإنهاء الحظر، ومع مصر وسوريا وإسرائيل لترتيب انسحاب إسرائيلي من سيناء ومرتفعات الجولان بعد توقف القتال، وكانت هذه السياسات سبباً رئيسياً في مفاوضات السلام المصرية الإسرائيلية برعاية أمريكية، والتي أدت لمعاهدة السلام بين الجانبين.
وبشكل مستقل، أدى الوضع الذي خلقه الحظر النفطي إلى قرار أعضاء أوبك استخدام نفوذهم للتحكم بآلية تحديد الأسعار العالمية للنفط، ورفع أسعاره، خاصة بعد أن تراجعت قيمة الدولار، بعدما تخلت واشنطن عن ربطه بالذهب.
جاء هذا الإجراء بعد عدة سنوات من الانخفاض الحاد في الدخل بعد فشل المفاوضات الأخيرة مع كبرى شركات النفط الغربية.
واستقرت الأسعار عند مستوى بين 12.5 دولار و14 دولاراً خلال الفترة ما بين 1974 و1978 وكان إنتاج أوبك حينها مستقراً عند 30 مليون برميل يومياً.
المصدر: مواقع إلكترونية