طيلة الـ6 أشهر الماضية، مثّل خط أنابيب الغاز النيجيري مشروع الحلم لكل من المغرب والجزائر، اللتين طالما دخلتا في منافسة من أجل الفوز بالصفقة، مع خطط أبوجا لزيادة صادراتها نحو أوروبا.
منذ إعلان الجزائر وقف تصدير الغاز إلى أوروبا عبر خط الأنابيب الذي يمرّ بالأراضي المغربية، تحولت أنظار كلا البلدين إلى نيجيريا، وجرى الحديث عن إعادة أحياء خط أنابيب الغاز النيجيري.
تمتلك كل من الجزائر والمغرب مشروعًا منفصلًا لمدّ أوروبا بالغاز النيجيري، إذ تخطط الأولى لزيادة صادراتها، وأن تكون حلقة وصل لتأمين الطلب الأوربي المتنامي على الغاز، خاصة مع خطط القارّة العجوز للتحول بعيدًا عن الغاز الروسي، مستفيدةً في ذلك من شبكة خطوط الغاز المرتبطة مع إيطاليا وإسبانيا، وفي مقدّمتها خط أنابيب ميدغاز.
في المقابل، تسعى الرباط إلى الاستفادة من البنية التحتية لخطّ أنابيب المغرب العربي وأوروبا، الذي كان يصدّر الغاز الجزائري إلى أوروبا، والذي أصبح مملوكًا لها بعد توقّف التصدير بداية من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لذا سعت إلى التواصل مع أبوجا لإعادة إحياء مشروع خط أنابيب الغاز النيجيري الذي يمرّ عبر 13 دولة بغرب أفريقيا.
الموقف النيجيري
خلال الأشهر الماضية، لم تحسم نيجيريا أيًّا من المغرب أوالجزائر، سيكون له الأولوية في تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز النيجيري، مؤكدة أنها لا تزال تُجري الدراسات.
أعلنت نيجيريا، أمس الأحد، تأجيل موعد الانتهاء من مشروع خط أنابيب نقل الغاز “إيه كيه كيه” -الذي تتنافس عليه الجزائر والمغرب- وبدء تشغيله، إلى الربع الأول من العام المقبل 2023، بدلًا من العام الجاري 2022.
تبلغ تكلفة مشروع خط أنابيب الغاز النيجيري، الذي سيربط بين “آجاوكوتا – كادونا” و”كانو”، 2.8 مليار دولار، ومن المقرر أن يربط نيجيريا ببعض دول أفريقيا، حتى يصل إلى أوروبا عند اكتماله.
يبلغ طول خط أنابيب نقل الغاز 614 كيلومترًا مربعًا، ومن المتوقع أن يربط شرق نيجيريا بغربها، وشمالها بجنوبها، ومن المقرر ربطه بمشروعات خطوط أنابيب الغاز المقرر التي ستُنَفَّذ مع كل من المغرب والجزائر.
في التقرير التالي، نستعرض أبزر المعلومات عن مشروعات خط أنابيب الغاز النيجيري، التي من المقرر أن ترتبط مع كل من المغرب والجزائر؛ تمهيدًا للتصدير إلى أوروبا.
خط الغاز الجزائري-النيجيري
تعوّل الجزائر على مشروع خط أنابيب الغاز العابر لأفريقيا، الذي ينطلق من نيجيريا ويمرّ عبر أراضي النيجر، في زيادة قدارات الجزائر إلى الأسواق الأوربية، وفيما يلي أبزر المعلومات عن خط أنابيب الغاز الجزائري-النيجيري:
- جرى الاتفاق على المشروع منذ أكثر من 13 عامًا، وتحديدًا عام 2009، عندما وُقِّعَ اتفاق رسمي بين الجزائر ونيجيريا بمشاركة النيجر.
- في 2018، اتفقت الجزائر ونيجيريا على ضرورة أن يدخل المشروع-الذي اتُّفِق على إنشائه منذ الثمانينات- حيز التنفيذ.
- المشروع تطلق عليه الجزائر ونيجيريا خط أنابيب الغاز العابر لأفريقيا.
- من المتوقع أن يمتد بطول 4128 كيلومترًا.
- يستهدف نقل 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنويًا نحو أوروبا.
- يحظى المشروع بدعم برنامج الاتحاد الأفريقي لتطوير البنية التحتية في أفريقيا.
- رئيس نيجيريا الأسبق جوناثان غودلاك قدَّر تكلفة المشروع بـ 20 مليار دولار أميركي.
خط الغاز المغربي النيجيري
من جانبه، يعمل المغرب على أن يكون الغاز النيجيري بديلًا للغاز الجزائري، المارّ بأراضيه، وصولًا إلى أوروبا، فضلًا على تأمين احتياجاته من الوقود الذي صنّفته أوروبا بأنه وقود انتقالي مستدام ضمن خطط تحول الطاقة.
وفقًا لخبراء، يمكن أن تتكون المراحل الأولية من خط الغاز المغربي النيجيري من تمديد خط أنابيب غاز غرب أفريقيا -غير المستغل حاليًا- إلى ساحل العاج.
- بدأت مباحثات المشروع بين المغرب ونيجيريا، في عام 2016.
- يمتدّ خط الغاز المغربي النيجيري على طول 5660 كيلو مترًا.
- يمر المشروع بـ 13 دولة أفريقية تشمل (نيجيريا وبينين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، والمغرب).
- تفوّق تكلفة المشروع 25 مليار دولار.
- يستهدف نقل ما بين 30 و40 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنويًا.
- البنك الإسلامي للتنمية خصّص 15.5 مليون دولار لدراسات التصميم الهندسي الأولية في منتصف عام 2021.
اقرأ أيضاً: المغرب والجزائر يتنافسان على الغاز النيجيري.. هل يصبح بديلًا عن إمدادات روسيا؟
هل يُمكن أن يصبح الغاز النيجيري -الذي يتنافس عليه المغرب والجزائر- بديلًا لأوروبا عن مثيله الروسي؟ حلم طرحته نيجيريا يسمح بدخولها لاعبًا رئيسًا في معادلة الطاقة العالمية، بعد أن ظلت دول القارة السمراء في أعين العالم -لأعوام طويلة- في خانة الدول النامية المُتلقية للمنح.
وعرضت أبوجا إمكان تصدير الغاز النيجيري لأوروبا، بعد أن شهدت أوروبا اضطرابًا في إمدادات الطاقة -وخاصة الغاز- منذ شتاء العام الماضي وامتد عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وسجلت أسعار الطاقة والغاز مستويات جنونية عقب الغزو، بعدما سارعت دول وجهات لفرض عقوبات على موسكو، من ضمنها إعلان الرئيس الأميركي، جو بايدن، حظر واردات الطاقة الروسية في الموانئ الأميركية، وكذلك إعلان بريطانيا الاستغناء عن تلك الواردات بحلول نهاية العام.
وأعلنت شركات نفط وغاز كبرى انسحابها من الاستثمارات مع شركات روسية، وتكدست شحنات الطاقة بموانئ موسكو بعدما عزف المتعاملون عن شرائها خوفًا من الوقوع تحت طائلة العقوبات.
بديل الإمدادات الروسية
أبدى وزير النفط في نيجيريا، تيمبري سيلفا، استعداد بلاده لتصدير الغاز النيجيري لأوروبا، بديلًا للغاز الروسي بعدما هددت الحرب على أوكرانيا أمن الطاقة الأوروبي.
وفي الوقت ذاته، أكد أن تحقيق تلك الخطوة يتطلب التوسع في قطاع الطاقة بالبلاد؛ ما دفعه لتجديد الدعوة للمستثمرين لتخصيص نيجيريا بمزيد من الاستثمارات، حتى يتمكن الغاز النيجيري من غزو الأسواق الأوروبية.
ولقي عرض سيلفا ترحيبًا من سفراء الاتحاد الأوروبي في نيجيريا، بقيادة صامويلا إيزوبي، مشيرين إلى أن الحكومة يجب أن تتحين الفرصة الحالية لتعزز واردات الغاز النيجيري لأوروبا.
وقالت إيزوبي إن أبوجا يجب عليها بحث سُبل ضمان توافر إمدادات الغاز النيجيري للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، ومن بينها ضمان أمن الإمدادات بمنطقة دلتا النيجر.
وأضافت أن التطورات الأخيرة بمنطقة دلتا النيجر تثير قلق الاتحاد الأوروبي، لافتة إلى أن شركات عالمية مثل شل وإينو وتوتال إنرجي سبق أن تعرضت لسلسلة هجمات أثرت في البنية التحتية للغاز وهددت أمن الإمدادات.
المغرب.. أم الجزائر؟
تصطدم طموحات تصدير الغاز النيجيري لأوروبا بمعضلة خطوط النقل وشبكاته، ولم تستقر الحكومة بعد على “وجهة” تعمل باعتبارها منفذ تصدير.
وفيما تُعَد أولى خطوات الاستعداد للتصدير تهيئة البنية التحتية للنقل، لم تستقر نيجيريا بعد إذا ما كانت ستلجأ للمغرب أو الجزائر.
ونظرًا لوجود خلافات دبلوماسية بين البلدين، يشكل اختيار أبوجا لأيهما باعتبارها نقطة مرور لتصدير الغاز النيجيري قرارًا مهمًا تترتب عليه تبعات دبلوماسية وتغير في السياسة الخارجية.
وتحتاج البلدتان لتصبحا شريكًا خلال رحلة تصدير الغاز النيجيري؛ فمن جهة يعول المغرب على ربط خطوط النقل من أبوجا بخط أنابيب المغرب العربي الذي توقف بعدما أعلنت الجزائر توقف تصدير إمداداتها لأوروبا من خلاله، قبل أشهر.
ومن جهة أخرى، يشكل تصدير الغاز النيجيري عبر خط الغاز العابر للصحراء الممتد بطول 4128 كيلومترًا استثمارًا مهمًا يسعى مسؤولو الجزائر لإتمامه بنجاح؛ إذ بدأ الاتفاق حوله -رسميًا- بين البلدين منذ عام 2009.
ولم تحسم أبوجا -حتى الآن- وجهتها لتصدير الغاز النيجيري لأوروبا، حسبما أكد المدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية النيجيرية، ميلي كياري، مشيرًا إلى أن بلاده تعكف على تطوير البنية التحتية لنقل الغاز سواء لتوفيره محليًا أو للتصدير لأوروبا عبر المغرب أو الجزائر.
استثمارات الغاز النيجيري
تتطلع الدولة الواقعة غرب أفريقيا لتصدير إمدادات الغاز النيجيري لأوروبا؛ إذ إنها واحدة ضمن أكبر دول العالم التي تملك احتياطيات الغاز، لكنها في الوقت ذاته تفتقر للاستثمار الأجنبي الذي يدعم تطور الصناعة.
وأكد وزير النفط، تيمبري سيلفا، خلال لقائه عددًا من سفراء الاتحاد الأوروبي، أن الاستثمار الأجنبي في قطاع الغاز النيجيري خلال السنوات الـ10 الماضية بلغ 5% فقط من استثمارات الغاز في أفريقيا.
وأضاف سيلفا أن القارة الأفريقية بأكملها حصلت على استثمارات بقيمة 70 مليار دولار، خلال المدة من عام 2012 حتى عام 2022 الجاري؛ من بينها 3.5 مليار دولار فقط تمكنت نيجيريا من جذبها.
ووفق بيانات استثمارية؛ حصدت تنزانيا الواقعة شرق أفريقيا النصيب الأكبر من استثمارات الغاز بالقارة السمراء، بما يقارب 30 مليار دولار أميركي، في مشروع الغاز الطبيعي المسال بمدينة ليندي.
بينما حظيت موزمبيق باستثمارات بلغت 4.7 مليار دولار، خُصصت لتطوير مشروع الغاز البحري بحوض روفوما، وفق صحيفة فان غارد.
وذهبت 4 مليارات دولار من استثمارات الغاز الأفريقي لصالح خط أنابيب حوض أوغادين الواقع بين إثيوبيا وجيبوتي، والذي بدأ عام 2020.
ورغم أن احتياطيات تلك الدول من الغاز جاءت أقل من نيجيريا المُقدرة بـ33% من احتياطيات قارة أفريقيا؛ فإن أبوجا لم تنجح في جذب استثمارات أجنبية تدعم الصناعة.
لماذا لا يُفَضّل المستثمرون نيجيريا؟
أكد وزير النفط، تيمبري سيلفا، أن نقص الاستثمارات يُعَد أكبر تحديات قطاع الغاز النيجيري، مشيرًا إلى حصد بلاده أقل من 4 مليارات دولار ضمن استثمارات الغاز بالقارة خلال السنوات الـ10 الماضية.
وأضاف أن نيجيريا تضم احتياطيات غاز مؤكدة تُقدر بما يقارب 206 تريليونات قدم مكعبة، يمكن رفعها إلى 600 تريليون قدم مكعبة في حالة التوسع في استثمارات الغاز وتطوير القطاع.
من جانبه، أوضح الرئيس التنفيذي لمجموعة أوليديت إنرجي، إميكا إيني، أن هناك 3 عوامل تجذب الاستثمارات في أي قطاع؛ هي: حقوق الملكية، والبيئة الملائمة، وتكلفة الفرص.
وشدد على أن نيجيريا عانت تحديات أمنية سابقة هددت إنتاج المنتجات النفطية، وأسهمت في جعل البيئة غير مهيأة للاستثمار.
وأشاد بطرح تصدير الغاز النيجيري لأوروبا، لكنه استدرك لافتًا إلى أن غياب القوانين المنظمة وحقوق الملكية يثير قلق المستثمر الأجنبي، خاصة في ظل غياب الرؤى حول مدى ربحية الاستثمار في قطاع الغاز.
بينما أرجع الخبير الإداري بقطاع الطاقة، مايكل أوزويغوي، نقص الاستثمارات إلى عدم تفعيل قانون صناعة النفط حتى الآن رغم إقراره منذ أغسطس/آب الماضي، لافتًا إلى أن القانون يُعَد أداة طمأنة للمستثمر الذي يُفضّل إطارًا قانونيًا يدر له الأرباح بأمان.
ودعا أوزويغوي للإسراع بتفعيل قانون صناعة النفط، بما يشكل تطورًا في تصدير الغاز النيجيري وجذب الاستثمارات، خاصة أن مناخ الاستثمار الحالي غير جاذب للمطورين الأجانب.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية