منوعات

يستهلك العالم قرابة 7 مليارات منها سنويا وتتجاوز مبيعاتها 14 مليار دولار.. ما قصة الشوكولاتة التي يحبها سكان العالم على اختلاف أعمارهم وبلدانهم وثقافاتهم

يستهلك العالم قرابة 7 مليارات منها سنويا، وتتجاوز مبيعاتها 14 مليار دولار، تتخذ جميع الأشكال والأحجام والنكهات. إنها ألواح الشوكولاتة التي يحبها الجميع على اختلاف أعمارهم وبلدانهم وثقافاتهم.

ويتناول فيلم “حُمّى الشوكولاتة” الذي بثته الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “أطعمة غيّرت العالم” تاريخ صناعة الشوكولاتة في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن تغزو بيوت العالم بأسره لاحقا.

لم يشهد أحد من قبل مثيلا لعملية إطلاقها في الأسواق، لكن في أوائل العقد الأول من القرن العشرين هيمنت شركة واحدة على باقي الشركات، وهي شركة “هيرشي”.

تسببت موجة تهافت الناس على الشوكولاتة بظهور منافسين شرسين جدد، وأنتج رائد عبقري بعض أشهر أنواع الشوكولاتة في أمريكا، واستخدمها لتهديد عرش “هيرشي”، بينما سطع نجم موظف سابق في “هيرشي” وفرض نفسه ليصنع أحد أشهر ألواح الشوكولاتة على الكوكب. هذه هي حمّى الشوكولاتة.

حظر الكحول.. بحث الشعب المرفه عن مصدر آخر للذة

في عام 1919، وبعد انتصار صعب في الحرب العالمية الأولى، أصبح الاقتصاد الأمريكي أقوى اقتصاد في العالم. ويُوضّح بروفيسور التاريخ بجامعة ترينيتي في تكساس “كاري لاتيمور” أن الحقبة الصناعية الجديدة التي دخلتها الولايات المتحدة جعلت مستوى عيشة المواطنين مرتفعا جدا مقارنة بالدول الأخرى، وامتلك المستهلكون مالا يمكنهم إنفاقه. حيث لم يسبق أن امتلك الأمريكيون دخلا ينفقونه بهذه الدرجة من قبل، كما أخذ الجنود العائدون من أوروبا يبحثون عن الطعام الذي واساهم وهم في الخنادق، مثل الشوكولاتة.

هيمن على السوق الأمريكية قرابة عقدين من الزمن رائد الشوكولاتة بالحليب “ميلتون هيرشي” بألواح الشوكولاتة “هيرشي” و”هيرشي كيس”، إذ بلغت مبيعاته حوالي 325 مليون دولار، وظل عدد المنافسين قليلا لسنوات بسبب التقنين في زمن الحرب، فقد ارتفع سعر السكر ثلاثة أضعاف، وبلغ 22 سنتا لكل رطل، لكنه انخفض بعد رفع القيود التنظيمية إلى 5 سنتات لكل رطل.

وهنا تُوضّح “بيث كيميرل” مؤلفة كتاب “تاريخ الحلوى” أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى صار السكر متوفرا بسهولة وأرخص من أي وقت مضى، وبدأ الناس يستخدمونه بجنون، فهو الذي افتتح سوق صناعة الحلوى في الولايات المتحدة، وقد صار الناس يصنعون الحلوى في كل مكان؛ في القبو والمطبخ وفي المصانع الكبيرة.

صار هناك أكثر من 40 ألف نوع من الحلوى بحلول عشرينيات القرن الماضي، وامتلأت رفوف المتاجر بمنتجات أخرى متعددة سعت لسلب شركة “هيرشي” تاجها، في وضع يصفه المؤرخ المختص في الحلوى “جايسون ليبيغ” بـ”حمّى ذهب أخرى، أو حمّى الشوكولاتة” بعد أن حاول الكل الحصول على هذه الفرص، فصار الوضع أشبه بالغرب المتوحش.

زاد الأمر بتمرير التعديل الـ18 للدستور الأمريكي الذي جعل حظر الخمور قانون البلاد. وهنا تُشير الأستاذة بجامعة جورج تاون “ميريا لوزا” إلى أنه عندما لم يستطع الناس شرب الكحول انتقلوا لثاني أفضل شيء، وهو نوع آخر من الملذات ويمكن أن يكون وجبة خفيفة؛ كقطعة شوكولاتة. أما “يوهورو ويليامز” بروفيسور التاريخ بجامعة سانت توماس، فيرى أن الخيارات أصبحت هائلة، مما زاد المنافسة التي تؤدي بدورها للتشجيع على ابتكار ما هو جديد، لذا صارت هناك شركات حلوى جديدة تتحدى “ميلتون هيرشي”.

دلال الأبقار.. سر المذاق في إمبراطورية الشوكولاتة

على بعد 1640 كيلومترا كان “ميلتون هيرشي” رائد ألواح الشوكولاتة بالحليب يُشرف على إمبراطورية أمريكية حقيقية. وترى “جويل غلين برينر” مؤلفة كتاب “إمبراطورية الشوكولاتة” أنه كان مشهورا جدا حينها، وكان أغنى رجل في ولاية بنسلفانيا، وهو الذي جعل الحلوى شائعة في أمريكا، وأدرك أنها يجب أن تكون متاحة للجميع.

على الرغم من اكتساح “هيرشي كسيسز” للسوق ازدادت المنافسة، وليبقى في الطليعة فقد استثمر هو ورئيس شركته “وليام موراي” في معمل ألبان محلي لزيادة الموارد المحلية، كان اسمه “المزرعة المستديرة”، وصُمم لتحسين ظروف معيشة الأبقار وزيادة إنتاج الحليب.

وتصف مؤلفة كتاب “تاريخ الحلوى” المشروع بالضخم؛ فقد ضم 250 بقرة، أراد “هيرشي” إيجاد أفضل طريقة لجعل أبقاره تُدرّ أفضل الحليب مذاقا، فدلل الأبقار التي عرف أن حليبها سر مذاق “هيرشي”، وتُضيف “بيث كيميرل” أنه بحلول عام 1919، كانت هذه الحظيرة المستديرة الإبداعية تُكلّف “هيرشي” أموالا طائلة.

“أوتو شنرينج”.. رائد التغيير في عالم الشوكولاتة

في مدينة شيكاغو دخل سباق صنع الحلوى رجل طموح كان يبيع البيانو فيما مضى، فاشترى معدات مستعملة لينشئ شركة خاصة به يُدعى “أوتو شنرينج”. وعلى الرغم من أن اسمه طواه النسيان، فسيدوم ما أنشأه وسيستمتع به ملايين الناس لعقود لاحقة، وستنافس إمبراطوريته إمبراطورية “هيرشي”، وستصبح جزءا من تكتل عالمي يساوي أكثر من 25 مليار دولار.

ويرى الكاتب والمذيع “آدم ريتشمان” أن “أوتو شنرينج” كان رجل أعمال يتمتع بدهاء كبير، حتى فيما يتعلق باسمه، فقد أدرك أن استخدام اسم “شنرينج” الألماني سينفّر زبائنه، لذا فإن قراره تسمية شركته على اسم أمه “كيرتس” يُنبّئ عن فكره التقدمي، وقد باعت شركته منتجات فريدة، وأخذ قروضا ليحاول توسيعها، لكنه كان يخسر أموالا طائلة بسبب المنافسة الشرسة في شيكاغو.

استمات “شنرينج” للخروج بمنتج يتميز عن البقية، لذا أجرى بحثا في السوق ودرس منافسيه، وفي ذلك الوقت كانت هناك في كل مدينة وولاية أنواع مختلفة من الحلوى، وفي كثير من الأحيان كانت أسماؤها مختلفة لكن مكوناتها متشابهة، وقد احتوت كثيرا من أنواع الحلوى المتوفرة على أشهر المكونات حينها كالنوغا التي ظهرت منذ بداية القرن، والفول السوداني الذي استخدم في ألواح الحلوى منذ بداية صنعها، والكراميل الذي أُدخل إلى شمال أمريكا في العقد الأول من القرن الـ19، والشوكولاتة بالطبع.

أدرك “شنرينج” أنه مع وجود كثير من أنواع الحلوى التي تحتوي على كثير من المكونات المتشابهة يحتاج إلى طريقة أخرى للتفرد. وترى الكاتبة والمؤرخة “سوزان بنجامين” أنه تمتع بكل ما يجب أن يتمتع به من يريد بناء علامة تجارية ساحقة، فقد عرف “كيف يبيع الماء في حارة السقاة” كما يقولون. كان يستطيع التسويق لكل شيء بما في ذلك التسويق لنفسه ولعلامته التجارية.

وتُشير “سوزان” إلى أن “شنرينج” عرف السلوك الإنساني وما يفكر به الناس حتى عندما لا يعلمون هم أنفسهم أنهم يفكرون، وكان قادرا على جعلهم يخوضون تجربة عميقة، فهو لا يكتفي بإخبارهم عن الشيء، بل يجعلهم يعيشونه.

مكونات الشوكولاتة المختلفة على لوح واحد.. ثورة في فنون الترويج

كان “شنرينج” حكيما، وعرف أن تحقيق النجاح ليس منوطا بالمنتج فقط وما نضعه في فمنا، بل وبكل فنون الترويج والبيع اللازمة لبيع المنتج، فقرر بجرأة أنه بدلا من صُنع منتج متفرد، فإنه سيصنع منتجا مألوفا قدر الإمكان، وسيجد طريقة جديدة لبيعه. وكانت الفكرة أن يأخذ المكونات الموجودة في جميع أنواع الشوكولاتة الشائعة حينها ويضعها جميعا في لوح واحد، ليصنع أعظم لوح شوكولاتة يحتوي على كل شيء.

كانت فكرة جديدة وجعلت المرء يفكر ويقول لمَ لا؟ واستمر بالتعديل حتى خرج بأفضل خليط، كان الطعم مالحا وحلوا ومرّا وأوماميا وحامضا، هذه هي المذاقات الخمسة الأساسية التي شكّلت أساس لوح الشوكولاتة الذي أنتجه.

اقتنع “شنرينج” أنه يستطيع إنجاح منتجه الجديد لدرجة أنه أنتجه بكثافة، فقد استثمر في عام 1921 في إنشاء مصنع يحتوي على أحدث التقنيات التي لم تكون لدى أي شركة أخرى للحلوى، وهي التكيف الهوائي. ومن العادات في ذلك الوقت إغلاق المصانع عندما يشتد الحر في الصيف، لكن هذا لم يعد يحدث، وكان “شنرينج” رائد هذا التغيير.

بمجرد أن يصبح منتج “شنرينج” جاهزا ليُصدّر في الأسواق سيكون قادرا على إنتاجه على مدار العام، لكنه لمواجهة عمالقة هذا المجال مثل “هيرشي” احتاج إلى اسم سيتذكره الأمريكيون طويلا.

“بيبي روث”.. تسويق مجاني لأفضل لاعب بيسبول في التاريخ

بحلول عام 1921 كان “بيب روث” أشهر لاعب بيسبول على الكوكب. ويقول “كاري لاتيمور” بروفيسور التاريخ بجامعة ترينيتي بتكساس إن “روث” كان نجما، ومع ذلك فقد جاء من خلفية متواضعة، وكان يفعل ما يفعله الأمريكيون، كان يحب النقانق ويحتسي الكحول ويرقص، وكان “بيب روث” قابلا للتسويق، لأنه يجسد قصة أمريكية حقيقية.

وفي أجرأ حركة له قرر “أوتو شنرينج” استخدام أشهر اسم في البلاد سواء حصل على إذن منه أو لا، وضخّ كل احتياطاته النقدية لإنتاج ألواح الشوكولاتة الجديدة بكميات كبيرة، واعتمد على الاسم المثالي لجذب انتباه الأمريكيين. طلب “شنرينج” من “روث” الموافقة على استخدام اسمه، لكنه طلب مبلغا هائلا، فرفض “شنرينج” واستخدم اسم أشهر رياضي في زمانه دون إذنه أو رضاه، مع اختلاف في حرف واحد فقط.

في غضون أشهر أطلق “شنرينج” ألواح شكولاتة “بيبي روث”، وكانت تظهر على الملصقات وألواح الإعلان، واستثمر مئات الآلاف من الدولات ليُطلق أقوى حملة تسويقية في تاريخ الحلوى.

يقول الكاتب “آدم ريتشمان” إن أحدا لم يشهد من قبل مثيلا لعملية إطلاقها في الأسواق، فقد عيّن “شنرينج” طيارا جريئا مشهورا ليرمي ألوح “بيبي روث” بالمظلة على مدينة شيكاغو كحيلة تسويقية، وهنا يُشير مقدم البرامج “كارل براون” إلى أنه رغم استخدام آلاف ألواح الشكولاتة في الحملة، فإن “شنرينج” نجح في استخدام اسم أفضل لاعب بيسبول في التاريخ مجانا.

كان سعر ألواح “بيبي روث” 5 سنتات فقط (أي نصف سعر معظم ألواح الشوكولاتة المنافسة)، لذا حقق نجاحا ساحقا على الفور، ووضع “أوتو شنرينج” منافسه “هيرشي” نصب عينيه.

وهناك منافس آخر لـ”هيرشي”، يُدعى “هاري برنت ريس”، وهو أحد المدراء في شركة “هيرشي”، قبل أن يُغادر الشركة ليصنع سريعا ألواح الشوكولاتة الأفضل مبيعا في العالم، بمبيعات سنوية بلغت 500 مليون دولار، وهذا تقريبا ضعف مبيعات ألواح “هيرشي”. وهكذا غادر شركة “هيرشي” أكثر رجل سيشكل خطرا على إمبراطورية صاحبها.

في المدينة التي تحمل اسمه أدرك “ميلتون هيرشي” ازدياد الخطر الذي تشكله شوكولاتة “بيبي روث”، لكنه لم يدرك وجود خطر آخر يقبع مباشرة في باحته الخلفية، فقد اجتهد موظفه السابق “إتش. بي. ريس” في العمل في المطبخ ليصنع ألواح شوكولاتة جديدة، ويبدأ ببيعها للمتاجر المحلية.

باع “ريس” عشرات المنتجات، لكن هذا لم يكف ليصنع لنفسه اسما، ثم بدأ بتجريب طعم ليس جديدا فحسب، بل كان على الأرجح أرخص أنواع المكسرات في أمريكا. طعام جديد مغمور لم يسبق لمعظم الأمريكيين تذوقه؛ زبدة الفول السوداني التي لم تكن شائعة في العشرينيات بقدر شيوعها اليوم، فقد كانت تُطحن يدويا وتُنتج بكميات قليلة، وتُستخدم كطعام صحي لمن لا يستطيعون هضم اللحم، ولم تكن هناك أي علامات تجارية وطنية تقدمها.

“هاري برنت ريس” أحد المدراء في شركة “هيرشي” مع زوجته بلانشي

بدأ “ريس” بإجراء التجارب على هذا المنتج المغمور على أمل أن ينجح في استخدامه كمكّون في ألواح الشوكولاتة. وترى الصحفية “جوانا سالتز” أننا نعتبر الشوكولاتة مع زبدة الفول السوداني من المسلّمات، لكن عندما بدأ الأمر لم يكن أحد يستخدمهما معا. صانعو الشوكولاتة أشبه بالعلماء المجانين، فهم يريدون حل المشكلات، وإن تغير المقدار درجة واحدة يمكن أن يفسد الأمر كله.

عمل “ريس” على مدار الساعة لجعل وصفته مثالية، فقد جرب مقادير مختلفة من المكونات، لكن الشكل الدائري للحجم الملائم للقضم تسبب بتجمع الشوكولاتة عندما تجف، فتصبح الطبقة غير متساوية. وتُرجع الكاتبة سوزان بنجامين ذلك إلى أن “ريس” كان يعمل بنهج قديم، فقد كان يصنع الحلوى يدويا، لكن شكلها لم يكن متقنا، فأصبح يضع الحلوى في قالب حلويات عادي منبسط، ثم يضيف إليها زبدة الفول السوداني، ثم طبقة أخرى من الشوكولاتة في الأعلى.

“ريس”.. شوكولاتة فريدة تضع اسم صاحبها على الخريطة

بعد أشهر من التجارب المضنية أُنتجت شوكولاتة “ريس” بزبدة الفول السوداني في ظلال مصنع “ميلتون هيرشي”. ويرى الكاتب “آدم ريتشمان” أن 9 من بين كل 10 أشخاص يفضلون الشوكولاتة بزبدة الفول السوداني، وأما العاشر فهو يعاني من حساسية منه.

ستبلغ المبيعات السنوية لهذه الحلوى المميزة ملياري دولار بعد حين، ويصبح خليط الشوكولاتة وزبدة الفول السوداني شائعا في أنحاء العالم. نكهتان لذيذتان نتج عن اتحادهما معا مذاق لذيذ، فقد ظهرت شوكولاتة “ريس” بنكهة الفول السوداني، وصارت لدى “إتش. بي. ريس” حينها الشوكولاتة الفريدة التي وضعت اسمه أخيرا على الخريطة.

في مدينة هيرشي في بنسلفانيا كانت مبيعات الشوكولاتة “ريس” بزبدة الفول السوداني ممتازة، لدرجة إلغاء إنتاج أي شيء آخر. وبحسب “بيث كيميرل” فقد كان له جمهور منذ البداية، لأن كثيرا من الذين عمل معهم في منطقة هيرشي وما حولها كانوا يقفون في صفّه. وليواكب “ريس” الطلب المرتفع على الشوكولاتة أخذ قروضا ليخرج من الإنتاج من منزله، ويفتتح مصنعا محليا صغيرا، وأكمل الأمر بجلب آلات جديدة لتحميص الفول السوداني لصنع المكوّن الذي يُميّزه.

يقول الكاتب “آدم ريتشمان” إنه عبر المبالغة في تحميص الفول السوداني مرة واحدة نشأ ذلك الطعم الفريد، فهو حُبيبي أكثر، وفيه طعم تحميص مدخّن. وبامتلاك “ريس” هذه الوصفة الجديدة استعد لتكثيف الإنتاج على أمل أن يجني منه ثروة.

“بيبي روث”.. شوكولاتة باسم أعظم نجوم العصر

كان الطلب على شوكولاتة “بيبي روث” في شيكاغو هائلا، وبعد 6 سنوات فقط اقتربت من المرتبة الأولى التي احتلتها شوكولاتة “هيرشي”، لكن “بيب روث” سعى لاستعادة اسمه الشهير.

مع أواخر عشرينيات القرن الماضي أوشكت إمبراطورية “أوتو شنرينج” على منافسة إمبراطورية “ميلتون هيرشي” باستخدام اسم “بيبي روث” الذي يستحضر اسم أعظم نجم في ذلك الزمان. إذ تقول “بيث كيميرل” مؤلفة كتاب “تاريخ الحلوى” إن “شنرينج” أدرك جيدا ما يفعله، حيث حرّف اسم “بيب روث” قليلا ليصبح اسم ألواح الشوكولاتة التي يصنعها، لكن “بيب روث” ردّ على ذلك، وجاء بشوكولاتة خاصة به اسمها “هوم رن بار.”

كان يمكن لألواح شوكولاتة “بيب روث” أن تدمر كل شيء بناه “شنرينج”، لكنه بدل أن يلعب دور الدفاع شنّ هجوما مذهلا، ففي خطوة جريئة للغاية رفع “شنرينج” دعوى على “بيب روث”، فوصلت لنجم البيسبول المشهور المحبوب دعوى كف وتوقف، ليوقف إنتاج لوح الشوكولاتة الذي يحمل اسمه، وهو فعل جعل الناس يعتقدون أن “شنرينج” مجنون، فكيف له أن يُقاضي “بيب روث” وهو الأعظم في العالم، وأشهر لاعب بيسبول على مر العصور.

معارك القضاء.. حفل انتصار أفسده الكساد الكبير

انشغل “أوتو شنرينج” في معركة قانونية مع “بيب روث” لشهور، حيث كان مستقبل الشركة على المحك، ثم صدر الحكم أخيرا لصالحه.

يرى الكاتب “آدم ريتشمان” أن الفكرة السائدة في ذلك الوقت تقول إن أشهر رياضي هو “بيب روث”، لذا فلا بد أن شكولاتة “بيبي روث” مرتبطة به مباشرة. قال “شنرينج” إنه أسماها على اسم ابنة الرئيس السابق “جروفر كليفلاند روث” التي تُوفيت بعمر الـ12 لإصابتها بالدفتيريا، على الرغم من أن كل من عرفوا “شنرينج” وعملوا معه قالوا إنها كانت مجرد قصة لطيفة يرويها للناس.

مع انتهاء “شنرينج” من أمر الدعوى، استثمر كل ما يملكه لإجراء توسعة سريعة على أمل أن تُصبح شركته أكبر شركة حلوى في البلاد. لكن في الـ28 من أكتوبر/تشرين الأول عام 1929 انهار كل شيء، ففي خريف هذا العام هبط سوق الأسهم بقرابة 25% خلال 3 أيام فقط، وبدأ الكساد الكبير، وأصبح رُبع سكان أمريكا من الفئة العاملة عاطلين عن العمل، وبلغت هذه النسبة في بعض المجتمعات النصف، وواجه قطاع الحلوى كثيرا من التحديات، وأفلست آلاف الشركات.

وفي شيكاغو توقفت مبيعات “شنرينج”، وتراكمت عليه الديون بسبب التوسع العنيف، وعانى من مشكلة ائتمانية، ولم يكن مستعدا لهذا، فلم يكن لديه احتياطي. واجه “شنرينج” في مرحلة ما طرد مجلس شركته له لأنهم كانوا متشككين من أنه الرجل المناسب، وبدا أنه قد يخسر كل شيء بناه، لكن “شنرينج” لا يستسلم بسهولة حتى وإن كانت شركته على وشك أن تنهار ماليا.

“أصبع الزبدة”.. مخاطرة السنت الأخير في السينما

لم يكن “شنرينج” صانع الحلوى الوحيد الذي يُعاني، ففي بنسلفانيا انخفضت مبيعات عملاق الحلويات “ميلتون هيرشي” إلى النصف، وأُجبرت شركات كثيرة صغيرة على الإغلاق، وشهدت مبيعات “إتش. بي. ريس” سقوطا هائلا، وبعد أخذه قروضا لافتتاح المصنع تأخر كثيرا عن سدادها، ومع تراكم الفواتير غير المدفوعة صدرت مذكرة لاعتقال “ريس”، ولم يكن أمامه خيار سوى مغادرة المدينة.

في غضون ذلك، وفي محاولة أخيرة لإنقاذ شركة “كيرتس كاندي” خاطر “أوتو شنرينج” بكل سنت معه لصنع شوكولاتة جديدة هي “زبدة الفول السوداني المقرمشة” التي تتمتع بطعم ممتع وفريد، وأطلق عليها “شنرينج” اسم “باتر فينغر” (Finger Butter) أو “أصبع الزبدة”.

وكان “شنرينج” يحتاج لأن تُحدث ضجة كالتي أحدثتها “بيبي روث”، لذا وضعها رجل المبيعات المتبصر هذا في فيلم “حبيبي.. خذ القوس” (Baby, Take A Bow) الذي حقق نجاحا باهرا، وشاركت فيه نجمة كانت تُحقق أكبر قدر من المداخيل في العالم وهي “شارلي تمبل”، على غرار “بيب روث” النجمة العالمية الكبيرة، لذا فكر بربط “باتر فينغر” بشخص يُحبه الناس بالفعل.

تحالف الغريمين.. خطة قلبت تاريخ التسويق إلى الأبد

آتت حركة “شنرينج” الجريئة أُكلها، وحتى في خضم الكساد الكبير ارتفعت المبيعات لتصل لمليونين ونصف، أي ما يُعادل اليوم أكثر من 48 مليون دولار.

يقول المؤرخ المختص في الحلوى “جايسون ليبيغ” إن “شنرينج” فعل شيئا لم يفعله أحد قبله، فقد جعلهم يظهرون “باتر فينغر” في فيلم مشهور، لم يبتكر طرقا لتسويق الحلوى فقط، بل لتسويق المنتجات الاستهلاكية عموما، لقد كان عبقريا.

مع عودة شركة “كيرتس كاندي” للحياة أصبح “أوتو شنرينج” مستعدا للإطاحة بعلامة “ميلتون هيرشي” التجارية.

وفي مدينة هيرشي في بنسلفانيا أمّن “ريس” قرضا جديدا لتسديد ديونه ثم عاد لبيته، ومع انخفاض الأرباح، أراد عزل مدينته عن هذا، ولم يُسرّح أحدا من عماله، بل على العكس أصبح يبيع لهم الشوكولاتة، لكن لم يمر تخطيطه مرور الكرام، فقد عاد “هيرشي” إليه من جديد عارضا أن يدعمه مقابل أن يشتري الشوكولاتة من “هيرشي” فقط.

بدعم من “هيرشي” ازدهرت مبيعات شوكولاتة “ريس” بزبدة الفول السوداني، وبفضل شراكتهما صار يحصل على حصة من كل دولار، وسرعان ما تجاوزت مبيعاتها مبيعات “بيبي روث” و”باتر فينغر”، لكن إستراتيجية “أوتو شنرينج” التسويقية الرائدة غيّرت للأبد طريقة بيع المنتجات كلها من قطع الحلوى إلى الملابس والسيارات.

زبدة الفول السوداني.. أرباح هائلة لأيقونة تاريخ الشوكولاتة

بحلول الستينيات من القرن الماضي بلغت مبيعات شركة “شنرينج”؛ -شركة “كيرتس كاندي”- 60 مليون دولار سنويا، (أي ما يُعادل 520 مليونا اليوم). وقبل وفاة “إتش. بي. ريس” عام 1956 كانت قيمة شركته -التي كانت تُعاني فيما مضى- قد بلغت 13 مليون دولار، (أي ما يُعادل 125 مليونا اليوم).

تقول عنه “بيث كيميرل” مؤلفة كتاب “تاريخ الحلوى” إنه رجل تلقى ضربات مُوجعة، وخسر وظائف وكاد أن يخسر تجارته، لكنه صمد وعاند واستمر بتصنيع منتجه وآمن به، لأنه عرف أنه جديد وإبداعي، وعرف في النهاية أن لديه شيئا يريده الناس.

انبثق عن شوكولاتة “ريس” الأصلية بزبدة الفول السوداني أكثر من 20 نوعا آخر، وعدد كبير من المنتجات الثانوية، فأصبحت شركة “ريس” تُدرّ أرباحا سنوية بقيمة مليارين ونصف المليار دولار.

ومن المذهل أن مزيج الشوكولاتة مع زبدة الفول السوداني لا يزال مرغوبا على الرغم من تغيّر أذواق الناس، لم تُصبح شكولاتة محبوبة أو طعاما عالميا فقط، بل أصبحت إحدى أقوى أيقونات الطعام المرغوب فيها عالميا.

المصدر: الجزيرة الوثائقية – مواقع إلكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى