أثمن حطام السّفن التي تم البحث عنها على الإطلاق.. إليكم القصة المذهلة وراء حطام سفينة عُثر عليها أخيرًا بعد 100 عام
يمكن القول إن حطام سفينة “HMS Endurance”، التي تم تحديد موقعها أخيرًا في أعماق البحار الجليدية في القارة القطبية الجنوبية بعد فقدانها قبل 107 عام، عبارة عن أثمن حطام السّفن التي تم البحث عنها على الإطلاق.
وتم الحفاظ على السفينة بشكلٍ لا يصدق في عمق وصل إلى ميلين تقريبًا، ولم تتغير كثيرًا منذ نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1914، عندما غرقت أخيرًا تحت الجليد.
ويُظهر مقطع فيديو تم تصويره بواسطة “Endurance22″، وهي مهمة أطلقها “Falklands Maritime Heritage Trust” لتعقّب السفينة، الأخشاب المطلية والحواجز غير التالفة واسم “Endurance” المكتوب فوق رمز خماسي للنجم القطبي.
وتحدّث أولئك الذين كانوا في البعثة الاستكشافية عن التجربة العاطفية لتعقّب السفينة المفقودة، وإعادة الاتصال بالسفينة التي حملت المستكشف القطبي، إرنست شاكلتون، في الرحلة المصيرية التي خرج منها مع طاقمه باعتبارهم من أعظم أبطال القرن الـ20، وعكس جميع التوقعات.
طموحات كبيرة
وقبل رحلة سفينة “Endurance”، كان شاكلتون قد أثبت نفسه كمستكشف قطبي بعد مهنة في مجال البحرية التجارية.
واضطر شاكلتون إلى مغادرة رحلة استكشافية في القطب الجنوبي في عام 1906 بسبب سوء حالته الصحية، لكنه قاد رحلة أخرى ناجحة في عام 1908.
وأكسبته جهوده لقب “فارس”، ليتحوّل إلى السير إرنست شاكلتون في عام 1909.
وبدأت مهمة شاكلتون الأخيرة في القطب الجنوبي بطموحات كبيرة.
وبعد تجنيد 27 رجلاً، كان يأمل أن يقود بعضهم في أول عبور كامل للقارة القطبية الجنوبية برّاً، وذلك بعد عامين فقط من كون النرويجي رولد أموندسن أول شخص يصل إلى القطب الجنوبي.
وبحلول ديسمبر/كانون الأول من عام 1914، كان الطاقم على متن “Endurance”.
وكان الجليد أسوأ من المعتاد في ذلك العام، ورغم أنه كان موسم الصيف في القطب الجنوبي، إلا أن بحر “ويديل” كان لا يزال متجمدًا منذ الشتاء، وكافحت السفينة للعثور على مياه يمكنها عبورها إلى النقطة التي كان شاكلتون يأمل في بدء رحلته فيها.
وبعد اختيار المضي قدماً، وبشكلٍ غير حكيم، أصبحوا عالقين.
وفي 24 فبراير/شباط من عام 1915، ومع تقدّم الشتاء، قررت البعثة الاستكشافية البقاء في مكان واحد على أمل التحرّر عندما حلول الصيف مرة أخرى.
سجن جليدي
وتم إنشاء “محطة أرضية” على الجليد، ونقل كلاب الزلاجات من السفينة إلى أكواخ مبنية من الثلوج، كما تم اصطياد الفقمات والبطاريق لإطعام الطاقم والحيوانات.
وتعرّضت معنويات الطاقم للتحدّي، ولكن أبقى شاكلتون رجاله منشغلين بالرحلات المنتظمة إلى المساحات البيضاء، ومباريات كرة القدم، والهوكي، وغيرها من الأعمال العلمية والبحرية.
وتم توثيق هذه الأيام في مذكّرات العديد من أفراد الطاقم، ولاحقًا بواسطة شاكلتون في كتابه بعنوان “South!”، وكذلك عبر شرائط وصور بواسطة المصور الرسمي للبعثة فرانك هيرلي.
ولعبت صور هيرلي للسفينة المحاصرة، والمناظر الطبيعية الجليدية، دورها في بناء أسطورة شاكلتون على مرّ الأعوام.
ورغم المحاولات المختلفة لتحريرها، ظلت السفينة محاصرة طوال أشهر الشتاء المظلمة والعاصفة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، استسلمت السفينة للضغوط الهائلة حولها نتيجة حركة الجليد، وأُرغمت لتقف على جانبها، وتضرر بدن السفينة، ودخل الماء إليها، وصدر أمر بالتخلي عنها.
وهنا، وفقًا لأولئك الذين درسوا إنجازات شاكلتون، فقد أظهر المستكشف قوته الحقيقية كقائد، إذ أنه قام بتغيير أهدافه من المشي عبر القارة القطبية الجنوبية إلى الخروج مع رجاله وهم أحياء.
وعلى بعد آلاف الأميال من الحضارة، ومع عدم وجود وسيلة للتواصل مع العالم الخارجي، لم يتمكّن شاكلتون وطاقمه إلا من مشاهدة الجليد الذي سحق السفينة ببطء، وجعلها تغرق بعد عدّة أسابيع.
واستخدم قبطان السفينة، فرانك ورسلي، مهاراته الملاحية لتسجيل مكان غرق السفينة، وساعدت تلك الإحداثيات مهمة عام 2022 في تحديد موقعها.
كعكة ثلجية عائمة
وكان الفريق ينجرف على قطعة متقلصة من الطوف الجليدي، وكان معهم 3 قوارب نجاة خشبية صغيرة من “Endurance”، لكنهم كانوا بحاجة إلى الانتظار حتّى تصبح الأرض قريبة بما يكفي لإطلاقها.
وفي كتابه، قال شاكلتون: “كان هناك 28 رجلاً على كعكتنا الجليدية العائمة، والتي كانت تتضاءل بشكلٍ مستمر بسبب تأثير الرياح، والطقس، وكتل الجليد المندفعة”.
وبحلول 11 أبريل/نيسان من عام 1916، عندما تحطم طوفهم الجليدي، انتقل شاكلتون وطاقم السفينة إلى قوارب النجاة، وقضوا عدّة أيام معًا، وهم يحاربون دوّار البحر.
وكان التقدّم بطيئًا، ولكن في 15 أبريل/نيسان، احتفل الطاقم بسعادة بعد أن وصلوا إلى اليابسة لأول مرة منذ 18 شهرًا في جزيرة “إليفانت” غير المأهولة.
وبعد أيام قليلة، ومع تدهور الصحة الجسدية، والعقلية لرجاله، شرع شاكلتون و4 رجال آخرين، بما في ذلك قائد السفينة، ورسلي، والنجار هاري مكنيش، في الجزء الأكثر خطورة من رحلتهم، أي عبور 800 ميل من المياه العنيفة إلى جزيرة جورجيا الجنوبية، حيث تواجدت محطّة لصيد الحيتان مثّلت أملاً في الإنقاذ.
وأمضى الرجال 16 يومًا بالبحر في قارب النجاة الذي يبلغ طوله 22 قدمًا، ولكن عندما وصلوا في النهاية إلى الشاطئ، تضرّرت سفينتهم الصغيرة للغاية بحيث لم تتمكّن من الإبحار لأبعد من ذلك، وكانوا على الجانب الخطأ من الجزيرة، مع وقوف سلسلة جبلية هائلة بينهم وبين محطة صيد الحيتان.
وتسلّق الفريق تلالاً وصل ارتفاعها لـ 3 آلاف قدم، وعبروا الأنهار الجليدية، وواجهوا تحديات مختلفة قبل الوصول لمحطة صيد الحيتان في خليج “سترومنيس” وهم يشعرون بالإرهاق.
وهناك قدّم لهم المدير ثورلاف سورلي على الفور الطعام، والمأوى، والمساعدة.
وبينما تم إنقاذ زملاء شاكلتون في الجانب الآخر من جورجيا الجنوبية بسرعة، إلا أن البحار الهائجة والجليد حول جزيرة “إليفانت”، أحبطت محاولات متكررة لإنقاذ 22 رجلاً.
ورفض شاكلتون الاستسلام. وفي 30 أغسطس/آب، نجح المستكشف في الوصول إليهم عندما تبقّت لديهم آخر حصصهم الغذائية، ولم يفقد أي شخص حياته.
ورغم أن مهمة شاكلتون كانت فاشلة، إلا أن نجاحه في إبقاء طاقمه على قيد الحياة، وضمان إنقاذهم شكّل انتصارًا يتجاوز أي مجد قد ينتج عن حملة استكشافية.
المصادر: CNN