كانت أستراليا يوماً ما منزل أول فندق عائم في العالم، لكن خلال الثلاثين سنة الماضية خاض هذا الفندق رحلةً عجيبة انتهت بكوريا الشمالية حيث يستقر الآن، في هذا المقال سنتعرف على هذا الفندق الفريد من نوعه، كما سنتعرف على رحلته العجيبة والقصة خلفها.
منذ بداية عام 1988 أصبح بإمكان السياح حجز غرفة في هذا الفندق ذو تقييم 5 نجوم بينما يعوم فوق حيد (جون برور) المرجاني، أي على بعد 70 كيلومتر من شاطئ مدينة تاونسفيل الواقعة على الشاطئ الشمالي الشرقي لأستراليا، وقد كان هذا الفندق مؤلفاً من 7 طوابق، حيث كان يضم قرابة 200 غرفة، كما كان يضم أيضاً نادي ليلي يشع بالأضواء، بالإضافة إلى العديد من الحانات والمطاعم، كما كان يضم مهبطاً لطائرات الهليكوبتر وملعباً للتنس، حيث كان مناسباً لأجواء الثمانينيات من القرن الماضي.
السيد (روبرت دي يونع) أحد العاملين في متحف تاونسفيل البحري يجهز عرضاً حول هذا الفندق لذا يُمكن اعتباره مختصاً في شؤون هذ الفندق العائم، حيث يقول: ”لقد كان هذ الفندق المحاولة الأولى من نوعها في العالم لجعل البشر ينامون فوق الحيد المرجاني ضمن فندق عائم، عائم حرفياً“.
وقد كان هذا الفندق وليد أفكار متعهد البناء الذي يعمل في مدينة تاونسفيل (دوغ تاركا)، لكن للأسف فقد فارق (دوغ) الحياة في منتصف التسعينيات، لكن ابنه (بيتر) الذي ساعده بالمشروع قال: ”لقد كان مدهشاً وجميلاً بحق رؤية الفندق وهو يعوم فوق الحيد المرجاني، خاصةً مع المياه الزرقاء خلفه مباشرةً التي تشكل خلفية ساحرة، من بعيد يبدو هذا الفندق كأي سفينة أخرى، لكن عندما تقترب أكثر فأكثر ترى بوضوح أنّ البناء الذي تراه مختلف عن أي سفينة أخرى، لقد قام هذا الفندق بجعل مدينة تاونسفيل مشهورة وذلك لأنّه شيء مميز جداً في هذه المنطقة، بل مميز حتى في العالم بأسره“.
الخطة الأساسية
لقد حلم (دوغ) دائماً ببناء سكنٍ دائم في هذا الحيد المرجاني، فبحسب قول ابنه (بيتر) كان (دوغ): ”مسحوراً بجمال الحيد المرجاني وعجائبه، فقد أراد أن يشارك الناس تجربة الغطس تحت الماء أو العوم بقمة الحيد المرجاني“.
حيث قال (روبرت دي يونغ) أنّ الخطة الرئيسية كانت تشييد مرفأ آمِن على الحيد المرجاني عبر إرساء ثلاث سفن مخصصة للرحلات السياحية بشكلٍ دائم هناك، لكن هذه الخطة كانت غير عملية، لذا قامت الشركة التي كانت تدعم المشروع والمسماة Barrier Reef Holdings Limited بالاستقرار على فكرة بناء فندق عائم عوضاً عن الخطة السابقة، وقد كان أكثر ما جذب الشركة بشكلٍ رئيسي هو أنّ فكرة بناء أول فندق عائم بالعالم فكرة مبتكرة بحق.
حيث كانت الفكرة أن يؤمن هذا الفندق وصولاً دائماً إلى الحيد المرجاني، وأن يضم مرافق مستقرة لا تحتاج أن يتم إصلاحها كل فترة، ويقول (روبرت دي يونغ): ”في عام 1986 وبعد أن أصبحت كافة التصاميم والخطط جاهزة ومكتملة تم إعطائها إلى شركة بناء مركزها في سنغافورة من أجل البدء بتشييد الفندق“.
بعض قصاصات الأخبار والقصص المؤرشفة أوضحت وجود بعض التأخير في تشييد الفندق بالإضافة إلى تضخم في التكاليف، وعلى الرغم من أنّ التفاصيل غامضة بعض الشيء، إلا أنّ كلفة هذا الفندق على ما يبدو قاربت 40 مليون دولار أمريكي.
في صيف عام 1987/1988 تم إرساء هذا الفندق الذي سُمي باسم منتجع الحيد المرجاني العائم Barrier Reef Floating Resort على بعد 5000 كيلومتر من شواطئ سنغافورة، وذلك بقرب الحيد المرجاني العظيم، وبحسب (روبرت): ”جُلب الفندق إلى الحيد المرجاني بواسطة سفينة مخصصة لحمل ورفع الأغراض الثقيلة“.
وأخيراً في شهر أذار من عام 1988 تم افتتاح هذا الفندق للزوار، حيث تتذكر (بيليندا أو كونور) التي كانت تعمل حينها على تكسي مائي يحمل الزوار والضيوف إلى الفندق أول مرة رأت بها هذا الفندق قائلةً: ”لقد كان منظراً مدهشاً، وأنا أتذكر العديد من الأيام المدهشة التي عشتها على الفندق، ورحل الصيد، وحفلات الطاقم، والغوص أسفل الفندق، وأكل البيتزا التي تم جلبها بواسطة المروحية“.
عمل (لوك ستاين) أيضاً في الفندق، ويتذكر تجربته هذه قائلاً: ”لقد كانت فرصة العمل هناك ومازالت أفضل عمل عملته في حياتي، لقد كنت أقبض راتباً لقاء المشي والسباحة تحت الشمس، أنا أتذكر تلك الأيام وأفكر هل حصلت حقاً؟ هل أنا أحلم؟“. لكن مثل كافة المشاريع التجريبية الضخمة عانى هذا الفندق من مشاكل.
مياه هائجة
قبل أن يتم افتتاح هذا الفندق العائم أصابه إعصار، حيث تتحدث (لاريسا كيلكولن) التي بدأت العمل كنادلة في الفندق العائم عندما كانت تبلغ من العمر 19 عاماً فقط عن هذه الحادثة قائلةً: ”تحضير الفندق للتعامل مع الإعصار لم يكن تجربةً جيدة، فقد وصل إلينا كمية كبيرة من الزوار الذين يعانون من دوار البحر نتيجة البحر الهائج، وتوجب علينا إعادتهم إلى تاونسفيل، كما توجب علينا نحن أيضاً العودة، وقد كان البحر هائجاً جداً حتى أنك كنت مضطراً للمشي على أطرافك الأربعة في حال كنت تريد الذهاب من أحد أطراف القارب إلى الآخر، لقد كنت أعاني من دوار البحر في كل رحلة ذهاب وعودة، لكنني كنت أُصبح على ما يُرام عندما أعود إلى الفندق“.
من المثير للدهشة أنّ بناء الفندق الرئيسي لم يتضرر بالمرة، فقط المسبح تضرر بشكلٍ ملحوظ، وبحسب (بيتر تاركا) فإن الطقس القاسي غالباً ما عطل الوصول إلى اليابسة، وقد قال: ”إن الطقس منذ ذلك الحين كان قاسياً بشكلٍ ملحوظ“.
بعد فترةٍ قصيرة بدء عدد زوار الفندق ينخفض، وقد أرجع بعض الصحفيون السبب إلى التسويق السيء والإدارة السيئة، كما أنّ حريق أصاب أحد تكاسي المياه عزز المشاكل المالية التي كان الفندق العائم يُعاني منها، حيث قال (روبرت):
“أنا أظن فقط أنّ هذا الفندق كان سابقاً لأوانه على الأرجح، وأنّ تشغيله أصبح مكلفاً جداً“.
«العائم» إلى كوريا الشمالية عبر فيتنام
أحد فوائد امتلاكك لفندق عائم هي استطاعتك نقله إلى مكانٍ آخر إن صادفت أي مشاكل، وهذا تحديداً ما قام به ملاك الفندق بعد أن نفذ منهم المال، فبحسب (روبرت): ”من أجل تغطية الخسائر المادية قامت الشركة ببيع الفندق إلى شركة أخرى مركزها في مدينة هو تشي منه الفيتنامية“.
إذاً وبعد أكثر من عام بقليل من افتتاحه بدء الفندق رحلة لقطع مسافة 5000 كيلومتر إلى فيتنام، حيث قال (روبرت) أنّ الفيتناميين رأوا أنّ الفندق العائم فرصة مثالية لتأمين إقامة فخمة بشكلٍ سريع وذلك بعد الانفجار والتضخم الذي شهده قطاع السياحة في فيتنام بعد الحرب.
بحسب التقارير فقد تمت إعادة تسمية الفندق باسم فندق (سايجون) العائم Saigon Floating Hotel، وذلك بسبب إرسائه في نهر (سايجون) وذلك قرب تمثال (تران هونج داوو) الشهير، حيث بقي هناك منذ عام 1989 حتى عام 1997، وأصبح هذا الفندق معروفاً ما بين السكان المحليين باسم العائم The Floater، وقد أصبح مكان إقامة محبوباً ومعروفاً، كما كان يضم ناديين ليليين.، لكن رحلة هذا الفندق لم تنتهي هنا.
مجدداً عانى هذا الفندق العائم من مشاكل مالية وتم بيعه إلى مشترٍ جديد، حيث قال (روبرت): ”على ما يبدو تم نقله إلى كوريا الشمالية في فترةٍ من التاريخ كانت العلاقات بها ما بين الكورتين هادئة، حيث تم الاعتقاد أنّ وجود هذا الفندق في كوريا الشمالية مناسب لجذب السياح لكن لا أظن أنّ هذا حصل، لكن الفندق ما زال على أي حال مستقراً في كوريا الشمالية، وذلك في ميناء (كومغانغ)، حيث بإمكانك رؤيته بشكلٍ مبهم باستخدام صور الأقمار الصناعية“.
زار المصور (إريك لافورغ) في عام 2009 بلدة جبل (كومغانغ) السياحية واستطاع التقاط صورة للفندق من مسافة بعيدة، حيث قال: ”يبدو أنّ لا أحد قد زار الفندق منذ سنين، إنّه مغلق ويبدو صدئاً من مسافة بعيدة“.
عند البحث عن الفندق باستخدام خرائط (غوغل) يمكن رؤية عدة صور قام مستخدمون برفعها، كما أنّ الفندق يملك متوسط تقييم 2.8 من قبل الزوار.
التأثير على مدينة تاونسفيل
خلال الثلاثين سنة الماضية سافر الفندق العائم مسافةً تُقارب 14,000 كيلومتر على الأقل، وعلى الرغم من أنّ فترة بقائه القصيرة ضمن ولاية كوينزلاند الأسترالية إلا أنّ العديد من سكان مدينة تاونسفيل مازالوا يتذكرون هذا المنتجع العائم بحسب (روبرت دي يونغ) حيث قال: ”العديد من سكان تاونسفيل مازالوا يتذكرون الفندق، ربما كان ليملك تأثيراً لكن حتى (دوغ تاركا) قال أنّ هذا الفندق كان سابق لأوانه بعض الشيء، لقد التقيت بالقليل من الأشخاص الذين عملوا بالفندق أو أقاموا ضمنه وما يتذكرونه هو أنّهم عانوا من دوار البحر من آنٍ لأخر“.
أما (بيتر تاركا) قد قال أنّ هذا الفندق يُعتبر شهادة على امتلاك الشخص لحلمٍ ما والركض خلف شغفه، حيث قال: ”لقد كان ليكون مثيراً للاهتمام ومثيراً للحماس إن قام شخصٌ آخر بمحاولة القيام بشيءٍ مماثل، أنا اعتقد أنّ الإقامة العائمة مثل الفندق العائم هي فكرة من الممكن تطبيقها في أماكن مختلفة حول العالم“.
ما رأيكم؟ هل تجدون فكرة الإقامة في فندقٍ عائم مثيرة للاهتمام وترغبون في تجربتها؟ أم تجدون هذه الفكرة غير مثيرة للاهتمام ومستحيلة النجاح؟ شاركونا أراءكم في التعليقات.
المصدر: موقع ABC