في بلد ككوريا الشمالية يحب ادّعاء أن كل من يقبع خارج حدوده من بشر ما هم إلا مجموعة من الهمج مغسولي الدماغ يعيشون في بلدان أشبه بجحيم من القمامة المحترقة، قد يتاح أحيانًا لبعض سكانه في حالات قليلة الحصول على رفاهية السفر خارج حدوده، ذلك من خلال تصريح خاص. وبالمثل قد يزور هذه البلاد بعض الغرباء، رغبة منهم بتجربة العيش في أرض الديكتاتور الخيالية.
يوجد حالياً قطار يصل كوريا الشمالية بالصين وروسيا، وعلى الرغم من أن التنقل عبر القطارات له عدة ميزات –كالتكلفة المنخفضة للتنقلات البعيدة، وفعالية وقت السفر، بالإضافة إلى المساهمة في انتعاش الاقتصاد والحد من انبعاثات الكربون وتأمين مواصلات اجتماعية، والحد من الوفيات الناتجة عن وسائل النقل– إلا أن القطار ليس الخيار الأمثل للسفر دائماً كونه لا يملك أجنحة.
بداية حركة الملاحة الجوية في كوريا الشمالية
في الخمسينيات من القرن الماضي، كانت كوريا الشمالية بمثابة الطفل المدلل لدى الاتحاد السوفياتي، هكذا تم تأسيس أول شركة طيران بغرض الوصول إلى الجزء الشرقي من الاتحاد السوفييتي مما يتيح للناس السفر الى موسكو عبر الخطوط الجوية الروسية (إيروفلوت).
في البداية، جرت الرحلات بشكل حصري على متن طائرات سوفييتية باتجاه الإتحاد السوفييتي ثم في وقت لاحق إلى الصين. وفيما بعد حصلت كوريا على طائرات من طراز (إليوشن إيل 62) و(توبوليف تو -154) القادرة على الطيران إلى مناطق أوروبا الشرقية، مما يعني طريقاً جوياً يصل بيونغ يانغ بموسكو دون توقف.
ثم أدرجت بعض الرحلات الجوية ذهابًا وإيابًا إلى بعض المناطق السوفيتية الأخرى مثل ألمانيا الشرقية وبلغاريا، غير أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتراجع العلاقات القائمة بين كوريا الشمالية وروسيا، بدأت شركة الطيران الكورية الشمالية (ايركوريو) بتسيير بعض الرحلات إلى عدة أماكن غير السوفيتية.
مشكلات كبيرة للخطوط الجوية الكورية
في عام 2010، بدأت كوريا الشمالية بتسيير رحلات إلى وجهات أبعد كزيوريخ وبودابست وبراغ. وعند ذلك واجهت الطائرات الكورية الشمالية مشكلتين كبيرتين، إحداهما إدراجها في قائمة الخطوط الجوية المحظورة في الاتحاد الأوروبي، مما يعني عدم إمكانية الطيران من وإلى معظم دول أوروبا.
فيما تكمن المشكلة الثانية أنه خلال العقد الماضي تم فرض مجموعة واسعة من العقوبات على كوريا الشمالية من قبل الأمم المتحدة وحتى الدول غير الأعضاء فيها، هذه العقوبات تمنع جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من إنشاء علاقات تجارية مع كوريا الشمالية، ما يعني أنه بالكاد يوجد أي نشاط اقتصادي مع هذه الدولة، لذلك لا يتوفر أي سبب وجيه يدفع الناس للسفر إليها.
ذلك ما أدى لتدهور شركة الطيران الكورية الشمالية واقتصار رحلاتها على خمس وجهات فقط (فلاديفوستوك، وشنيانغ، وبكين، وشنغهاي) ومؤخرًا في أغسطس 2019 قامت كوريا الشمالية ببرمجة رحلات إلى ماكاو مما يسمح لعدد صغير من النخبة الكورية الشمالية بالوصول إلى هذه المنطقة السياحية والتمتع ببعض الوقت في المقامرة، ونظراً لأن هذه الرحلات قصيرة جعلهم ذلك يتجنبون التعامل مع الكثير من التعقيدات، غير أنه لا مناص من التعقيدات بالنسبة لأكثر بلاد تخضع للعقوبات على وجه الأرض.
منعت هذه العقوبات كوريا الشمالية منذ فترة طويلة من شراء طائرات بوينغ أو إيرباص، لذا اشترت طائرات سوفييتية أو روسية، وفي 28 نوفمبر 2017، حين أطلقت كوريا الشمالية صاروخًا باليستيًا سقط بالقرب من اليابان، فرض قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2397 عقوبات جديدة وشديدة على كوريا الشمالية، شملت حظرًا على الإمداد المباشر أو غير المباشر لبيع أو نقل وسائل المواصلات من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى كوريا الديمقراطية (بما فيها القاطرات والجرارات والدبابات وعربات الأطفال والعوامات والطائرات).. لذلك، بما أن هذا جزاء من الأمم المتحدة، فإن هذا يعني أن كوريا الشمالية لا تستطيع شراء الطائرات إلا من كوسوفو (ليست عضواً في الأمم المتحدة) والتي لا تصنع الطائرات أصلاً.
بلاد الطائرات المتهالكة
ما يعنيه هذا كله هو أن شركة الطيران الكورية الشمالية (ايركوريو) يمكنها فقط العمل بالطائرات التي كانت تملكها قبل عام 2017، والتي كانت جميعها تقريبًا روسية أو أوكرانية أو سوفييتية قديمة.
هذا ويسمح قرار الأمم المتحدة رقم 2397 لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية بشراء قطع غيار لطائرات الركاب الخاصة بها، فقط للتأكد من عدم سقوطها، لكن العديد من طائراتها قديمة جداً، ومع عدم القدرة على شراء الطائرات تحول الأمر الى مشكلة أكثر فأكثر.
كما يحظر قرار الأمم المتحدة رقم 2270 بيع وقود الطائرات إلى كوريا الديمقراطية أيضًا، لكنه يتضمن تجاوزاً بالنسبة الى الوقود المستخدم في رحلات الركاب التجارية، ويشدد المجلس على أن تكون الكمية محددة بقدر ما تحتاجه الطائرة فقط، على سبيل المثال من (فلاديفوستوك) إلى (بيونغ يانغ) وإيابًا، حتى لا يذهب البعض من هذا الوقود للطائرات العسكرية.
الملفت أنه يمكن حجز رحلة في الخطوط الجوية الكورية على موقعها الإلكتروني، تمامًا مثل أي شركة طيران أخرى بمنتهى السهولة، غير أن الرحلة ستكون بالطبع على متن الطائرات الروسية المتهالكة.
المصدر: قناة Half as Interesting