أخبرهم أنّه سيقوم بهز جناحي طائرته كي يعلموا أنّه هو من يقود الطائرة.. ماذا تعرف عن القصة العجيبة للطائرات الأمريكية القاذفة للحلوى؟
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تم تقسيم ألمانيا من قبل الحلفاء المنتصرين كغنيمة حربٍ مشتركة، حيث تم احتلال القسم الغربي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا، بينما تحصل الاتحاد السوفييتي على القسم الشرقي، أما العاصمة برلين فتم تقسيمها إلى أربع مناطق، لكن ولأن برلين محاطة بالكامل بالقسم الشرقي الواقع تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي سمح هذا للسوفييت بالسيطرة بطريقةٍ غير مباشرة على العاصمة، حيث كانوا قادرين على التحكم بمن يستطيع دخول ومغادرة العاصمة، وبالبضائع والمواد التي يُمكن إدخالها وإخراجها من برلين.
في يونيو من عام 1948، قام السوفييت بإغلاق مداخل العاصمة برلين مانعين بذلك دخول البضائع والطعام في محاولةٍ لتجويع سكان برلين الغربية، وذلك بهدف دفع الحلفاء الثلاث لمغادرة برلين والتخلي عنها، لكن عوضاً عن التخلي عن برلين الغربية قررت الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة المملكة المتحدة وفرنسا تزويد برلين الغربية بالغذاء عبر الجو، حيث استمرت هذه العملية قرابة العام وأصبحت تُعرف باسم جسر برلين الجوي.
كان الملازم (غايل هالفورسن) واحداً من العديد من الطيارين الذين ساهموا في هذا الجسر الجوي عبر الإلقاء بالإمدادات على المدينة الجائعة، وبالإضافة لعمله كطيار كان (غايل) مصوراً هاوياً، لذا خارج أيام عمله كان يقوم بالتجول في برلين لرؤية معالمها السياحية حاملاً كاميرته بيده.
في أحد أيام شهر يوليو، كان (غايل) في مطار (تمبلهوف) يلتقط الصور للطائرات الموجودة هناك حين لمح مجموعة من الأطفال متجمعين خلف سياجٍ شائك وذلك في نهاية المدرج، لذا اقترب (غايل) من هؤلاء الأطفال وتكلم معهم لمدة ساعة من خلال السياج، لكن بعد انتهاء الحديث ما لفت نظر (غايل) أنّ لا أحد من هؤلاء الأطفال طلب منه إعطائه الحلويات، وهو ما كان أمراً غريباً للغاية، فبسبب الحرب كان جميع الأطفال في الشوارع يلاحقون (غايل) طالبين منه بعض حلوى الشوكولا أو العلكة، لكن هؤلاء الأطفال لم يقوموا بذلك.
يتذكر (غايل) هذه الحادثة قائلاً: ”لقد كنت واقفاً معهم لمدة ساعة ولم يقم حتى طفلٌ واحد بمد يده طالباً الحلوى، فقد كانوا ممتنين للغاية للطحين، ولكونهم أحراراً لذا لم يتسولوا طالبين شيئاً باهظاً، هذا كان أقوى من الامتنان المُعلن، هذا كان امتناناً صامتا، لذا فكرت كيف بإمكاني أن أكافئ هؤلاء الأطفال؟“.
لذا وضع (غايل) يده في جيبه وأخرج قطعتان من علكة (ريغلي) وقام بتقسيم هاتين القطعتين إلى أربع قطع ووزعها بين هؤلاء الأطفال، ووعدهم بانه سيرمي المزيد من الحلوى في رحلته القادمة، حيث أخبرهم أنّه سيقوم بهز جناحي طائرته كي يعلموا أنّه هو من يقود الطائرة.
حين عاد إلى القاعدة الجوية، قام (غايل) بجمع الحلوى من زملائه الطيارين والمهندسين، وقام بتعليق هذه الحلوى بمظلاتٍ قام بصنعها من المناديل وربطها بالإمدادات التي سيقوم برميها، ثم طار في اليوم التالي إلى مطار (تمبلهوف) وقام برمي الحمولة فوق الأطفال الذين كانوا ينتظرون بشوق.
قام (غايل) بإتمام ثلاث رحل مشابهة خلال مدة 3 أسابيع بمعدل رحلة كل أسبوع، وفي كل أسبوع كان عدد الأطفال يزداد بشكلٍ كبير، ولحسن حظ (غايل) قام قائد عملية الجسر الجوي بدعم جهوده، وهكذا تحولت هذه الرحلات إلى عمليةٍ رسمية سُميت باسم Operation Little Vittles أي عملية الطعام الصغير.
بعد ذلك بدأت كميات الحلوى بالازدياد بشكلٍ مستمر، حيث بدأ باقي الطيارون بالتبرع بحصصهم من الغذاء، وعندما وصلت أخبار هذه العملية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بدأت كميات كبيرة من الحلوى والشوكولا تتدفق من جميع أنحاء البلاد، وقد ازدادت هذه الكميات بشكلٍ كبير حتى أنّ (غايل) لم يعد يستطيع التعامل معها، لذا قام طالبٌ من ولاية (ماساتشوستس) بعرض تحمل مسؤولية هذا المشروع الوطني الجديد، حيث عمل بالتعاون مع مؤسسة صانعي الحلوى الوطنية من أجل تحضير الحلوى وربط المناديل.
عند انتهاء مشروع جسر برلين الجوي في شهر سبتمبر من عام 1949، كان (غايل) وباقي زملائه من الطيارين الأمريكيين قد قاموا برمي أكثر من 250 ألف مظلة وأكثر من 23 طن من الحلوى، وقد أصبحت هذه الطائرات أو قاذفات الحلوى الأمريكية تُعرف باسم Rosinenbomber أي «قاذفات الزبيب»، كما أنّ (غايل) أصبح يُعرف بين أطفال برلين الغربية بأسماءٍ وألقابٍ عديدة: كالعم ذو الأجنحة المهتزة، وعم الشوكولا، وطيار الشوكولا، والطفل الرامي للعلكة.
نال (غايل) بعد انتهاء العملية العديد من الجوائز تقديراً لجهوده الإنسانية التي أثرت على حياة الكثير من البشر والأطفال في ألمانيا وفي الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً.
المصدر: موقع Amusing Planet