تتجه أنظار العالم -حاليًا- إلى المملكة العربية السعودية بوصفها بديلًا لإمدادات النفط الروسي، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات الناتجة عن ذلك على الواردات من موسكو.
وعلى الرغم من امتلاك فنزويلا أكبر احتياطيات نفطية عالمية، فإنه منذ غزو أوكرانيا سُلطت الأضواء العالمية على السعودية -بوصفها أكبر مُصدّر عالمي للنفط- فيما يتعلق بالدور الذي يمكن أن تؤديه في مستقبل إستراتيجية أمن الطاقة في الغرب.
إذ أوضح تقرير -نشرته منصة “إنفستمنت مونيتور”- أن القادة الغربيين يفكرون في أمن الطاقة الخاص بهم، ويتعيّن عليهم التفكير في موقفهم من السعودية ونفطها.
وشدد على أن المملكة جعلت نفسها قوة عالمية، من خلال السياسات الطموحة التي اشتملت عليها إستراتيجية رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان “2030” لتنويع اقتصاد المملكة بعيدًا عن النفط.
السياسة أم النفط؟
أشار التقرير إلى أن العلاقات بين أميركا والسعودية تشهد توترات مع وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2021، الذي اتبع سياسة أكثر حدة من سلفه، دونالد ترمب.
وحتى الآن، لا يبدو أن السعودية تُسهم في حل أزمة ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة، التي يواجه بسببها الرئيس بايدن ضغوطًا شديدة، في ظل اقتراب الانتخابات النصفية في وقت لاحق من هذا العام.
وعلاوةً على ذلك، صرّحت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس البريطاني، سنام وكيل، بأن “السعودية لديها اتفاق أوبك+.. وهو يشمل روسيا، وكان الحفاظ على هذا الاتفاق مهمًا من الناحية الإستراتيجية للمملكة”.
وأضافت أن رفض السعودية زيادة إنتاج النفط في محاولة لخفض الأسعار -وهو موقف انضمت إليه الإمارات- يؤدي إلى تفاقم التوترات بين الدولة وأوروبا والولايات المتحدة.
وعلى الرغم من هذه التوترات في العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة على وجه الخصوص، فإن سنام وكيل متفائلة بأنها ستتحسن.
الموقف من وكالة الطاقة والصين
إلى جانب ذلك، كان قرار حذف أرقام وكالة الطاقة الدولية من تقييمات أوبك+ لسوق النفط مدفوعًا إلى حد كبير بالسعودية، بحسب التقرير.
إذ جاء القرار بسبب قلق السعودية من أن الولايات المتحدة كان لها تأثير كبير في أرقام وكالة الطاقة الدولية، وهو ما يظهر مدى ارتفاع مستوى عدم الثقة بين الولايات المتحدة والسعودية.
عامل آخر يجب أخذه في الحسبان هو أن السعودية تميل أكثر نحو الصين في السنوات الأخيرة عندما يتعلق الأمر بالاستثمار؛ ما تسبب في إثارة الغضب والذعر في الولايات المتحدة.
وعلاوة على ذلك، تفوقت السعودية على روسيا بوصفها أكبر مصدّر للنفط الخام إلى الصين في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2022؛ ما أدى إلى زيادة تعزيز العلاقات التجارية القوية بين البلدين.
أوروبا والنفط الروسي
لدى أوروبا نقاط ضعف مختلفة عن الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بمسألة أمن الطاقة، حسبما أكد التقرير.
ففي 11 أبريل/نيسان، خلال محادثات في فيينا، حذرت أوبك الاتحاد الأوروبي من أن استمرار العقوبات على النفط الروسي يمكن أن يُحدث صدمة قياسية في إمدادات النفط للقارة، التي قد يكون من المستحيل استبدالها.
ويبدو أن العديد من القادة الأوروبيين يعيدون تقييم أمن الطاقة لديهم. إذ أجرى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون محادثات مع ولي العهد محمد بن سلمان في السعودية خلال مارس/آذار، لكنه عاد دون تعهد من المملكة بزيادة إمدادات النفط.
وتستعد المملكة المتحدة لتعزيز الإنتاج من شواطئها، كما يتضح من البيع المثير للجدل مؤخرًا لحقل كامبو النفطي.
عمومًا، يبدو أن الاتحاد الأوروبي منقسم بشأن مستوى القيود على شراء النفط الروسي.
وخلال اجتماع لجميع دول الاتحاد الأوروبي الـ27 في لوكسمبورغ في 12 أبريل/نيسان، كانت هناك تقارير عن تصاعد الخلاف بين الدول الأعضاء حول ما إذا كان سيجري إصدار المزيد من العقوبات ضد روسيا، على الرغم من أن الاتحاد يحافظ على جبهة موحدة في الوقت الحالي.
ومع استمرار الاتحاد الأوروبي في اتخاذ خطوات من شأنها التقليل من اعتماده على الغاز الروسي، ما يزال البحث جاريًا عن إمدادات بديلة، مع ردود فعل عنيفة حول أي توسع في إنتاج النفط بسبب مخاوف المناخ.
اقرأ أيضاً: تاريخ اكتشاف النفط في السعودية.. رحلة المملكة لتحتل موقع الصدارة عالميًا
مع دخول عام 1933، بدأت رحلة تاريخ اكتشاف النفط في السعودية، حتى أصبحت المملكة تحتلّ موقع الصدارة عالميًا في إنتاج واحتياطيات ذاك الوقود الأحفوري، وتؤدي دورًا رئيسًا في دعم سوق الطاقة.
ووقّعت السعودية أول اتفاقية امتياز للتنقيب عن النفط في رمالها عام 1933 مع الشركة الأميركية ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا “سوكال”، تقرَّر على إثرها إنشاء شركة تابعة لها سُمّيت بكاليفورنيا أرابيان ستاندرد أويل كومباني “كاسوك” – أرامكو حاليًا- للعمل على تنفيذ الاتفاقية.
ولم تكن بدايات المملكة -اللاعب الرئيس في سوق الطاقة حاليًا- سهلة في الوصول إلى الذهب الأسود بباطن صحرائها، إذ كانت مخيّبة للآمال، فقد استغرق العثور على الخام منذ توقيع أول اتفاقية للبحث والاستكشاف سنوات عديدة.
اكتشاف بئر الخير
بدأت أولى عمليات حفر الآبار للوصول إلى النفط عام 1935، ولكن لم تتوصل الشركة الأميركية إلى أيّ نتائج إيجابية، ما دفعها إلى الاستعانة عام 1937 بكبير الجيولوجيين ماكس ستاينكي لأخذ مشورته، والذي رأى استمرار أعمال البحث.
ويأتي عام 1938، ليُثبت رؤية ماكس ستاينكي حول استمرار الحفر، لتتوصل السعودية إلى كميات تحارية من النفط في بئر الدمام رقم 7، والتي سبقها محاولات حفر 6 آبار لم تحْوِ مكمنًا للخام.
وبعد تدفّق النفط في السعودية بكميات تجارية من بئر الدمام رقم 7، والتي يطلق عليها بئر الخير، صدّرت البلاد أول شحنة من الخام عام 1939، على متن الناقلة “د. جي. سكوفيلد”، والتي أدار الملك عبدالعزيز الصمام بيده لتعبئتها.
ومن ثم، توالت اكتشافات السعودية لحقول جديدة، إذ عثرت على حقل بقيق عام 1940، والذي يقع في المنطقة الشرقية للمملكة، كما يضم حاليًا أكبر مرفق لمعالجة النفط، وأكبر معمل لتركيز النفط الخام في العالم.
وفي عام 1944، تقرَّر تغيير اسم شركة كاليفورنيا أرابيان ستاندرد أويل كومباني “كاسوك” إلى شركة الزيت العربية الأميركية – أرامكو حاليًا-، ومن ثم نُقِل مقرّ إدارتها من نيويورك إلى مدينة الظهران في السعودية عام 1952.
وخلال تلك المدة، ومع توالي الاكتشافات، نجحت الشركة بتحقيق رقم قياسي -حينذاك- بإنتاج النفط بلغ 500 ألف برميل يوميًا بحلول عام 1949.
ومع النمو السريع لإنتاج النفط في السعودية، دفع ذلك البلاد إلى تأسيس خط أنابيب “تابلاين” عام 1950، بطول 1.212 ألف كيلومتر لنقل الخام من الحقول، إذ كان يربط الخط بين المنطقة الشرقية عاصمة النفط في المملكة والبحر الأبيض المتوسط، وهو ما ساعد على تقليل تكلفة التصدير.
ويشار إلى أنه توقّف العمل بخط “تابلاين”، وتحوّل إلى أول موقع تراث صناعي في السعودية.
كما تقرَّر استبعاد الإنتاج من بئر 7 لأسباب تشغيلية، إذ استمرت البئر في العمل حتّى عام 1982، وبلغت الكمية التي أنتجتها البئر حتى استبعادها نحو 32 مليون برميل، وبمعدل إنتاج يومي 1600 برميل.
أكبر حقل بحري في العالم
في عام 1951، عثرت المملكة على حقل السفانية في مياه الخليج العربي الضحلة، بعد عامين من البحث في تلك المنطقة، والذي يعدّ أكبر حقل بحري في العالم، ليتجاوز إنتاج النفط في السعودية مليون برميل من الخام يوميًا، بحلول عام 1958.
وسجلت البلاد رقمًا قياسيًا جديدًا -حينذاك-، إذ بلغ إنتاج النفط في السعودية، بحلول عام 1962، نحو 5 مليارات برميل.
وشهدت السبعينيات أولى خطوات الحكومة السعودية نحو تأميم شركة أرامكو، إذ قامت في عام 1973 بشراء 25% من رأسمال أرامكو، قبل أن ترتفع هذه النسبة عام 1974 إلى 60%.
وبحلول عام 1980، نجحت الحكومة في الاستحواذ على كامل رأسمال شركة أرامكو، وتغيير اسمها إلى شركة الزيت العربية السعودية “أرامكو السعودية”، وتعيين علي النعيمي أول رئيس سعودي للشركة عام 1984.
السعودية لاعب رئيس
على مدار السنوات منذ تاريخ اكتشاف النفط في السعودية وحتى الوقت الراهن، تؤدي المملكة دورًا محوريًا ومهمًا في سوق الطاقة العالمية، فهي أكبر مصدّر للنفط عالميًا، وكذلك أكبر عضو منتج للخام في منظمة أوبك، والثانية بعد الولايات المتحدة على المستوى العالمي.
وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن مجلة أويل آند غاز، ارتفعت احتياطيات النفط المؤكدة للسعودية خلال العام الماضي إلى 261.6 مليار برميل خلال 2021، مقابل 258.6 مليار برميل في 2020.
ووفقًا لرصد أويل آند غاز، بلغ إنتاج النفط في السعودية خلال العام الماضي نحو 10.6 مليون برميل يوميًا.
وتجدر الإشارة إلى أن السعودية سجلت أعلى مستوى على الإطلاق من حيث إنتاج النفط في أبريل/نيسان 2020، عندما بلغ 11.6 مليون برميل يوميًا.
ومع ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري منذ بدايات العام الماضي، قفزت إيرادات السعودية من بيع النفط الخام خلال العام الماضي -بحسب رصد وحدة أبحاث الطاقة للبيانات الرسمية- إلى 205.97 مليار دولار، مقابل 119.3 مليار دولار في 2020.
الفمصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية