نجاح خطط قبيلة “ماراكار” و كسرهم لإرادة البرتغاليين أغضب ملك “كوتشي” فقرر الانتقام منهم غدرا.. تعرف على القصة العجيبة لاسد بحر العرب

يسرد الفيلم الروائي الهندي “ماراكار.. أسد بحر العرب” (Marakkar: Lion of the Arabian Sea) جوانب من حياة القائد البحري والمحارب المسلم الشجاع “محمد علي ماراكار” المُلقب تحببا باسم “كونجالي”، وكفاحه ضد الاستعمار البرتغالي.

أراد البرتغاليون أن يحققوا الهيمنة الكاملة على شبه القارة الهندية من خلال السيطرة على أهم طرقها البحرية وأنشط موانئها البحرية، وبشكل خاص تلك التي شهدت في القرنين الخامس والسادس عشر نشاطا تجاريا كبيرا مع التجار العرب، وبفضلها ازدهرت موانئ ومدن بحرية كثيرة في الهند.

ومن بين المدن البحرية تلك المدينة التي أقامت فيها قبلية “ماراكار” المسلمة، ومنها انحدر القائد “كونجالي”، وحصل على لقب “ماراكار الرابع”، ويُعد تاريخيا أول المكافحين من أجل تحرير بلاده من الاستعمار البرتغالي.

تجار المسلمين.. خطة لكسر التعاون بين الغزاة والملك

يقدم المخرج وكاتب السيناريو “بريادارشان” كتمهيد ابتدائي للتعرف على “كونجالي” وحياته مشهدا عاما يعرض من خلاله حالة المناطق الساحلية الهندية وصراعاتها.

يبرز خلال القرن السادس عشر في مدينة مالابار الساحلية في إقليم كيرالا الهندية اسم مملكة “كوتشي” المتحاربة مع “الزاموريين” وملكهم “ساموتيري”، ويتذكر كبار السن من أبناء قبيلة “ماراكار” تفاصيل تلك الحروب بألم، وذلك لكثرة ما قدموا خلالها من تضحيات جسيمة حفاظا على مكانة القبيلة المسلمة وعلاقاتها القوية مع التجار العرب الممتدة لعقود طويلة، قبل أن يتخذ زعيم مملكة “كوتشي” قرار تعاونه مع البرتغاليين ضد الزاموريين مقابل منحهم امتيازات وأفضليات تؤدي عمليا إلى حصر التجارة بهم وحدهم، وحرمان العرب والمسلمين منها.

من مسار الفيلم الدرامي المُشبع بنَفَس ملحمي يظهر دور البرتغاليين في محاربة التجار المسلمين، من خلال فرض ضرائب إضافية على البضائع المُصدرة إلى العالم العربي، وعلى السفن التجارية القادمة منه إلى الهند، وهي ممارسات أغضبت التجار المحليين في مالابار، ودفعتهم للاحتجاج على هذه الخطوة التي تحرمهم من أي مكسب.

لم تنفع محاولات التجار في إقناع الملك بإلغاء الامتيازات الممنوحة للبرتغاليين، لهذا قرروا العمل بأنفسهم لكسر سيطرتهم على السفن الكبيرة، وذلك من خلال دعوة التجار المحليين لنقل بضائعهم وسط البحر بواسطة قوارب صغيرة تنقل حمولتها إلى السفن العربية الكبيرة، وتحمل منها البضائع المستوردة.

ليلة العرس.. خطة خبيثة لمحو قبيلة مسلمة في الغابة

نجاح خطط قبيلة “ماراكار” وكسرهم لإرادة البرتغاليين أغضب ملك “كوتشي”، فقرر الانتقام منهم غدرا.

قبل الوصول إلى النقطة الدراماتيكية يُعبّد السيناريو الطريق أمام المُشاهد للتعرف على “مامالي” (الاسم المتداول للماراكار الرابع بين أفراد عائلته)، حيث يظهر “مامالي” (الممثل براناف موهانلال) مُحاطا برعاية والدته التي تعامله بدلال وتحرص على راحته، وفي تلك الأثناء ترتب لزواجه من فتاة جميلة.

في الطريق إلى بيت أهل العروس ينفذ البرتغاليون خطة وضعوها لمحو قبيلة ماراكار العنيدة من الوجود، ففي الليل وداخل الغابة التي مكث فيها العريس وعائلته للاستراحة، يدهمهم الجنود البرتغاليون ويشرعون بقتلهم. لقد شهد “مامالي” بأم عينيه كيف قتل الضابط البرتغالي والدته ذبحا، ولم ينج من المذبحة إلا اثنين، هو وعمه “باتو ماراكار” (الممثل صدّيق).

“ماراكار”.. نصير الفقراء وقاهر الأساطيل البحرية

بنجاتهما من الموت ووصولهما إلى ساحل بوناني، ينتقل الفيلم إلى مرحلة جديدة تشهد نضوج القائد “ماراكار” الرابع، ليصبح رجلا ودّع بعد مذبحة أهله ونجاته منها مرحلة الشباب، ليدخل مرحلة يتحول فيها إلى محارب عنيد ضد كل أشكال الاضطهاد والظلم (يلعب دوره في سن النضج الممثل موهانلال).

حياتهما كغريبين في منطقة بوناني جعلتهما يعلنان عصيانا ضد ممثلي مُلك الزاموريين فيها، إذ يتسم سلوكهم بالجشع واستغلال الفقراء، ومع إعلان “ماراكار” موقفه الرافض لسلوكهم الجشع تنضم إليه قطاعات كبيرة من عامة الناس، وتمنحه تأييدها الكامل، بعد أن تيقنت من صدقه وشجاعته.

اتخذ “ماراكار” من الغابات مركزا له ولجماعته، منها يُغِير على قوافل التجار وأصحاب المصالح الفاسدين، ويوزع ما ينال من مؤن على الفلاحين الفقراء، حتى شاع اسمه بينهم كمنقذ، ثم أضيفت إليه صفة المقدام بعد عدة عمليات قام بها مع رجاله ضد أساطيل البحرية البرتغالية، فمقاومته كشفت عن قدرته ومهارته العسكرية.

وإلى جانب بسالته كانت لديه موهبة وضع الخطط العسكرية المحكمة مع ابتكار أساليب قتال جديدة لم يتعرف القادة البحريون في ذلك العصر عليها، لدرجة أنهم أطلقوا عليه لقب “الساحر”، وذلك لقدرته العجيبة على إغراق سفن حربية كبيرة بأدوات مبتكرة بسيطة، لكنها شديدة الفعالية.

محمد علي.. تحالفات الأعداء ضد البرتغاليين

خلال تحرك “ماراكار” في المنطقة التابعة لخصومه، يظهر في الطرف الآخر اسم القائد العسكري “مانجتشان” وولديه “نانث” و”آتشو”، ويطلب الملك من “آتشو” القبض على “كونجالي” وإنهاء تمرده، وقد استخدم لتحقيق هدفه أساليب قذرة للإيقاع به، لكنه فشل، مما أثار غضب والده عليه.

شهدت تلك الفترة تزايدا للنفوذ البرتغالي داخل المملكة التي أراد ملكها “ساموتيري” التخلص من أعبائه، لذا لم يكن أمامه لتحقيق ذلك الهدف إلا الاستعانة بمحمد علي، ورغم العداء بينهما قبِل القائد المسلم عرض الملك ما دام يُريد مثله التخلص من البرتغاليين.

تطلّب ذلك التعاون التخلي عن القائد “آتشو”، ونقل الصلاحيات الممنوحة له إلى الزعيم القادم من قلب المعارك. لكن “آتشو” اعتبر هذا القرار طعنا بشخصه ومكانته، فقرر الانتقام منه.

“تشيانغ جوفان”.. محارب آسيوي يقع في حُب فتاة هندية

في مسار الأحداث يقدم الفيلم المليء بالمشاهد البانورامية والمصحوبة بموسيقى وأغان هندية جميلة شخصية ثانوية لها دور مهم في الأحداث، تتمثل بالمحارب الآسيوي “تشيانغ جوفان” (الممثل جاي جاكريت) صديق القائد المسلم، ومن بين أكثر المخلصين له.

سيرتبط هذا المحارب البارع في فنون القتال الآسيوية بفتاة هندية اسمها “أرتشا” (الممثلة كيرتي سوريش)، لكن من سوء حظه أراد “آتشو” الزواج بها. وهذا الحدث الدرامي سيكون لاحقا سببا في ظهور خلافات كبيرة بين الأطراف التي تعاونت لمحاربة الأسطول البرتغالي وقائده “ألفونسو دي غاما”.

يعطي الفيلم مساحة جيدة لتبيان عمق العلاقة العاطفية وتطورها اللاحق، ومعها يعرض النجاحات التي يحققها “كونجالي” في البحر ضد الأساطيل البرتغالية، ومن خلال تفاصيل حياتية صغيرة يعرض النص السينمائي القيم والأخلاق التي يتمتع بها الزعيم المسلم.

اغتيال المحارب العاشق.. مؤامرات ودسائس ضد مملكة الحصن

من بين ما طلبه “كونجالي” من الملك بعد انتصاره في واحدة من أكبر المعارك البحرية ضد البرتغاليين منحه قطعة أرض ليُقيِم فوقها حصنه الخاص به وبرفاقه.

وبعد إتمام تشييد الحصن بأيدهم ظهرت مشكلة المحارب الآسيوي الذي هربت حبيبته الهندية معه قبل أيام من زواجها، وقد أراد “آتشو” استردادها بالقوة، لكن رفضهما لطلبه أدى إلى قتل المحارب الآسيوي غدرا، إلى جانب انتحار الفتاة لتنهي بموتها علاقة حُب أثارت الأحقاد ودفعت الكارهين لـ”كونجالي” إلى الاصطفاف مع العدو، وحياكة المؤامرات ضده.

استغل أعداء “كونجالي” الحدث، وراحوا يؤلبون الملك ضده وضد جماعته، وقد صدّق الزاموريون الإشاعة البرتغالية التي تروّج لكذبة مفادها أن “كونجالي” يريد الاستيلاء على مملكتهم وإقامة حكم إسلامي فيها، فتناسوا كل ما قدمه لهم من انتصارات، كما تخلوا عن كرامتهم بعد أن سلموا مقاليد الحكم لممثل الملك الإسباني، وتنازلوا له عن كل حقوقهم مقابل التخلص من وجود المحارب العنيد الذي لا يقبل بالهوان.

“كونجالي اسمك سيبقى إلى الأبد”.. نهاية الجسد وخلود الروح

اكتملت السيطرة للجيش البرتغالي على مقاليد الحكم في المملكة، عبر تنصيبه صوريا “آتشو” الحقاد ملكا عليها، ومن بين غبار معركة حاسمة ضد الجيش البرتغالي ظهرت الخيانة بأفظع أشكالها، فرغم الانتصار الوشيك فيها، جاء الغدر من الأطراف التي ادعت انضمامها إلى القائد المسلم والمحاربة إلى جانبه.

وبدلا من التمسك بوعودهم فتحوا أبواب الحصن أمام جيش العدو، لكنهم فشلوا في الإمساك به رغم إصابته بجروح بليغة، ولم يكتفوا بذلك، بل ظلوا يلاحقونه وينصبون له الكمائن، حتى سقط في واحدة منها بسبب نبل أخلاقه وصدق نواياه، ثم نُقل بعدها إلى إسبانيا أسيرا ليحاكم هناك، وقد أصدرت المحكمة قرار الحكم عليه بالإعدام، لكن ممثل الملك الإسباني طلب منه الاعتراف بجرمه مقابل تخفيف الحكم الذي اتخذ بحقه ظلما.

رفض القائد الأبي ذلك العرض المذل وسط استغراب الحشود التي جاءت لمشاهدة عملية تنفيذ الحكم. ومع نزول المقصلة التي وضعت نهاية لحياة محارب هندي شجاع أذل البرتغاليين وأقام في حصنه حكما سادت فيه العدالة والمساواة؛ تظهر على الشاشة السوداء عبارة ختامية توجز دوره التاريخي وعمق حب الناس له: “كونجالي اسمك سيبقى إلى الأبد”.

 

المصدر: الجزيرة الوثائقية

Exit mobile version