تقارير

أرخبيل لا مثيل له في الوطن العربي والعالم.. ما لا تعرفه عن جزيرة سقطرى اليمنية نادرة المعالم وأجمل بقاع الأرض؟

جنة عربية فوق الأرض يحف بها المحيط الهندي. هكذا هي جزيرة “سقطرى” اليمنية المتصدرة للأنباء العالمية في الشهور الأولى من 2020، بعدما قفزت “عاصفة الحزم” من ساحة معركتها الأصلية المفترضة -أي جبهات القتال ضد الحوثيين في شمال اليمن- إلى قلب هذه البقعة الهادئة والساحرة من العالم.

أصبح هذا الأرخبيل اليمني القريب من الساحل الشرقي لإفريقيا محورا للصراع الدموي الدائر في اليمن، أو بالأحرى التنافس بين قوات التحالف العربي وقوات المجلس الانتقالي، فموقعه الجغرافي الاستراتيجي وتاريخه العريق يمنحانه مكانة خاصة، ويفسران تحوله إلى نقطة ارتكاز في الصراع الإقليمي والدولي الذي تشهده اليمن منذ سنوات.

يرتبط اسم الأرخبيل بالعصور القديمة، حين كانت سقطرى مصدرا للأحجار المقدسة، بينما منحه موقعه المعزول عن القارتين الإفريقية والآسيوية، أنماط عيش اجتماعي وثقافي وحضاري مميزة وفريدة، كما تتميز بثروة طبيعية لا نظير لها في العالم.

يقول الكاتب والباحث السياسي اليمني محمد المقبلي: تمتلك سقطرى مجالا حيويا مهما لتموضعها في قلب المحيط الهندي (في جزئه المعروف باسم بحر العرب) على مقربة من الممرّات الدولية وهو العنصر الذي أكسبها أهمية متزايدة.

ثلاثة آلاف عام من التاريخ.. فرع من دوحة اليمن السعيد

تنسب بعض المصادر اسم “سقطرى” إلى اللغة السنسكريتية، وهو يعني “جزيرة النعيم”. بينما تزعم مصادر أخرى أن اسم الجزيرة ينحدر من أصل عربي، بدليل ورود هذا الاسم في بعض المعاجم العربية القديمة[2].

وقد مثلت جزيرة سقطرى منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد أحد المصادر الرئيسية للبضائع التي كانت تستخدم في طقوس العبادة لديانات العالم القديم، ويمكن أن توصف تلك البضائع بأنها “سلع مقدسة”، ونتيجة لذلك ساد الاعتقاد بأن الأرض التي تنتج السلع المقدسة هي أرض مباركة من الآلهة، وهو ما يفسّر الحضور القوي لسقطرى في كتب الرحالة الجغرافيين القدماء.

خلال فترات التوسع التاريخي للدولة اليمنية، كانت سقطرى تستقبل موجات كبيرة من الهجرة، خاصة في القرن الأول للميلاد، حيث استقر الكثير من العشائر في هذه الجزيرة، واختلطت مع هجرات أخرى قادمة من الهند وإفريقيا، وهو ما أنتج خصائص ديمغرافية مميزة لهذا الأرخبيل.

عند الغوص بشكل أعمق في التاريخ، نجد أن المعطيات العلمية تعيد تشكّل جزيرة سقطرى إلى نحو عشرين مليون عام، حين انفصلت عن قارة “غوندوانا” الكبرى التي يعتقد أنها كانت تضم الشطر الجنوبي من اليابسة، قبل تشكل القارات على شكلها الحالي. ويصف البعض أرخبيل سقطرى بـ”جزر غالاباغوس المحيط الهندي”، بسبب التشابه الجغرافي الكبير بينها وبين أرخبيل موجود بالقرب من الإكوادور في أمريكا اللاتينية.

وبينما تقول مصادر أخرى إن الجزيرة انفصلت عن القارة الافريقية قبل نحو ستة ملايين سنة؛ قال علماء آثار روس سنة 2008، إن دلائل علمية أكدت وجود آثار تدل على وجود بشري في الجزيرة يعود إلى 1.7 مليون سنة.

بعض التنقيبات الأثرية الأكثر وثوقا قالت إن الحياة البرية في الجزيرة تعود إلى نحو ألف عام قبل الميلاد، وحسب كتاب لسان العرب للهمداني، فإن أصول سكان سقطرى تعود إلى مهرة بن حيدان وقبائل حِمْيَرية، وبعض العشائر يعود أصلها إلى حضرموت وسلطنة عمان.

فرض السيادة.. تجاذبات الحضارات منذ القدم على الجزيرة

بالنظر إلى موقعها الجغرافي، فقد تعاقبت على سقطرى حضارات مختلفة، كما شكلت هدفا للحملات الاستعمارية، منذ العهد الروماني إلى الاستعمار الحديث مع جيوش البرتغال وبريطانيا.

وكانت الجزيرة تحت حكم سلاطين المهرة في جنوب شرق اليمن لمدة طويلة، إلى أن انتزعها منهم الاحتلال البرتغالي ثم البريطاني منذ بداية القرن 16 للميلاد. وبعد فشل محاولات البريطانيين شراء الجزيرة بالكامل، قبل السلطان بنظام الحماية فيها أواخر القرن 19 للميلاد، لينتهي نظام حكم السلطنة في الجزيرة عام 1967 مع انضمامها إلى اليمن الجنوبي المستقل ثم اليمن الموحد.

وكانت سقطرى تعتبر جزءا من محافظة عدن، قبل أن تضمّ إلى محافظة حضرموت في عام 2004، بسبب قربها منها مقارنة بمحافظة عدن، وفي عام 2013 أصبحت محافظة مستقلة، وأُطلق عليها اسم محافظة سقطرى.

شجرة “دم الأخوين”.. إحدى آخر حدائق الأرض الغناء

يرتبط اسم سقطرى في العصر الحديث بوفرة النباتات النادرة، خاصة تلك التي تستخدم في تحضير منتوجات عطرية ودوائية، حيث يكاد القائمون على تلك الصناعات لا يعثرون على بعض الفصائل من النباتات إلا في هذه الجزيرة، فشجرة مثل “دم الأخوين” تعتبر من بين الذخائر النفيسة لسقطرى، وتستعمل لأغراض علاجية وصناعية بالغة الأهمية.

ويعود أصل إطلاق هذا الاسم على الشجرة، إلى واحدة من الأساطير التي تحكى بخصوص أصل نشأتها، إذ تقول هذه الأسطورة إن نبتة كبرت فوق أرض مبتلة بدماء أخوين اقتتلا حتى الموت. بينما تقول أساطير أخرى إن الشجرة نمت فوق تربة مبتلة بدماء تنين تعرض لجروح خلال معركة خاضها ضد فيل[8].

وتتسم جزيرة سقطرى بمناخ استوائي، حيث تصل درجة الحرارة صيفا إلى 38 في السهول والسواحل، وتستقر دون 28 درجة في الأعالي والجبال، بينما تتساقط الأمطار الموسمية في الخريف والربيع، أما فصل الشتاء فهو يتسم بالعواصف القوية.

وتعتبر سقطرى من أكبر المحميات الطبيعية في العالم، وتوصف بكونها أوسع متحف مفتوح للثروة النباتية والأعشاب الطبية والأشجار المعمرة، حيث يصل تعداد ثروتها النباتية إلى أكثر من 850 نوعا، أكثر من ثلثها يعتبر فريدا وغير موجود في أي بقعة أخرى من العالم، وهو ما يفسّر قرار منظمة “يونسكو” للأمم المتحدة، تصنيفها عام 2008 تراثا عالميا للإنسانية، قبل أن تعود بعد نحو تسع سنوات، لتسجّل الأرخبيل كأحد المواقع البحرية العالمية ذات الأهمية البيولوجية.

تلك خصائص إلى جانب أخرى جعلت قمة الأرض المنعقدة بمدينة “ريو دي جانيرو” البرازيلية عام 1992 تعلن هذه الجزيرة اليمنية ضمن المناطق “البكر” النادرة في العالم[9].

كما تستأثر سقطرى بعدة أصناف من النباتات والأشجار التي لا توجد في مكان آخر، مثل شجرة “دم الأخوين” التي تُستخدم في مجالات الكيمياء، ونبتة غريبة يُطلق عليها “الوردة الصحراوية”، وهي عبارة عن نبات ذات لون بني فاتح، وأزهار زهرية اللون، كما يمكن وصفها بأنها شجرة عملاقة تشبه اللفت السويدي.

وتتميّز سقطرى بالعديد من الحشرات التي لا توجد إلا فيها، كفراشات النهار وفراشات الليل، بالإضافة إلى ثمانين نوعا من الحشرات الطائرة على اختلاف أنواعها. بينما تتوافد على شواطئ الجزيرة الدلافين التي تسبح باستعراضات رائعة تلفت الأنظار. وأما مياه سقطرى فتزخر بأنواع عديدة من الأسماك بديعة الأشكال والألوان، والأحياء المائية كالقشريات والسرطانات والإسفنج، وكذلك الأصداف والشعب المرجانية التي يوجد منها 352 نوعا، بالإضافة إلى السلاحف الخضراء الضخمة المنتشرة على شواطئها[11].

ويحصي المتخصصون 25 نوعا من شجر اللبان في العالم بأسره، 9 منها موجودة في جزيرة سقطرى، وهو ما يجعل اسمها يرتبط بهذه المنتوجات لكونها كانت ترقى إلى درجة التقديس في أزمان قديمة، وهو ما جعل الرومان يطلقون عليها لقب “جزيرة السعادة” (دو سكريدس)، لما كانت تزخر به من لبان وبخور وصبّار.

أرخبيل سقطرى.. نقطة التقاء التاريخ بالجغرافيا

جغرافيا تقع جزيرة سقطرى في الساحل الجنوبي للجزيرة العربية، وتبعد عن السواحل الجنوبية لليمن بنحو 350 كيلومترا، وذلك قبالة مدينة المكلّا شرق خليج عدن حيث نقطة التقاء المحيط الهندي ببحر العرب وكذلك إلى الشرق من القرن الأفريقي.

وإذا كان هذا الاسم يرتبط بكبرى الجزر، فإن الأرخبيل يضم ثلاث جزر أساسية أخرى، وهي إلى جانب سقطرى جزيرة درسة وسمحة وعبد الكوري، إلى جانب عدد من الجزر الصخرية الأخرى. وتبلغ مساحة “الجزيرة الأم” حوالي 3650 كيلومترا (135 كيلومترا طولا و45 كيلومترا عرضا)، أما عدد سكانها فيقدر بأكثر من 100 ألف نسمة.

يدقّق البعض أكثر في هذا المعطى، ويقول إن عدد سكان سقطرى لا يكاد يبلغ 90 ألف نسمة، لكنه سجّل زيادة كبيرة في الأعوام الخمسة الماضية مع مقدم عدد من الأشخاص إلى الجزيرة بداية تصاعد المواجهات المسلحة في الداخل اليمني.

وتُشير بعض الإحصاءات إلى أن عدد سكانها وصل الآن إلى 150 ألف نسمة، يُقيم معظمهم في العاصمة حديبو، ويتكلّم أبناؤها، إلى جانب العربيّة، لغتهم الساميّة الخاصة غير المدوَّنة، والمعروفة باللغة السقطريّة، وهي لغة قريبة من اللغة المهريّة التي يتكلّمها أبناء محافظة المهرة شرق اليمن.

ويشكّل البدو الغالبية الساحقة من سكان سقطرى، وهم سكان يعيشون على الرعي وصيد الأسماك، إلى جانب مراكز حضرية يتعايش فيها سكان البادية مع أهل السواحل، بينما يمثل سكان الكهوف فئة ثالثة من سكان هذه الجزيرة، حيث يقيمون داخل كهوف حفرت في أجواف الجبال، محافظين على نمط عيش بدائي بعيدا عن تعقيدات الحياة العصرية.

عائدات السياحة والتجارة.. أكبر مغارة مأهولة في العالم

اقتصاديا تعتبر عائدات السياحة المصدر الأول لدخل سكان الجزيرة، إلى جانب تجارة اللبان والصبر والمر والبخور، إضافة إلى أنواع مختلفة من عسل النحل بعضها نادر جدا ولا ينتج في أي مكان آخر من العالم.

وتعتبر الجزيرة واحدا من المواطن المفضلة لأصناف نادرة من الطيور، سواء منها الداجنة أو المهاجرة مثل صقر الحوام السقطري وطائر الحشنة وطائر الهازجة المعروف بصوته الجميل.

كما تتميز طبيعتها بشلالات تغذيها المياه المتدفقة من أعالي الجبال، وعدد كبير من الكهوف والمغارات من بينها أكبر مغارة مأهولة في العالم، تقيم بها عدة أسر رفقة مواشيها.

تقول بعض التقديرات إن حوالي 25 ألف سفينة شحن تعبر مضيق عدن سنويا، حاملة زهاء 12% من الإنتاج العالمي من النفط، ويعتبر هذا المضيق القناة التجارية الأساسية التي تربط شرق العالم بأوروبا عبر قناة السويس، وتربط غرب العالم بالهند والصين عبر المحيط الهندي.

مطار سقطرى.. مرحبا بكم في المملكة العربية السعودية

منذ أصبحت تحت السيطرة الإماراتية، لم يعد السفر إلى سقطرى أمرا سهلا لليمنييّن، فالسبيل الوحيد للوصول إلى الجزيرة هو على متن الرحلات التابعة لشركة “اليمنيّة” الناقل الوطني اليمني، وهي تُسيِّر رحلات إلى هناك مرة واحدة فقط في الأسبوع، مما يستوجب الحجز قبل وقت طويل. ويمكن التوجّه أيضا إلى الجزيرة بحرا انطلاقا من حضرموت والمهرة، لكن وحدهم سكّان الجزيرة يُسمَح لهم باستخدام هذه الوسيلة.

فرغم بقائها آمنة لفترة طويلة بفضل موقعها الجغرافي الذي ينأى بها عن الاضطرابات، فإن شظايا الحرب -التي أعلنها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات- وصلتها في السنوات الأخيرة، حيث باتت تخضع للسيطرة غير المباشرة للإمارات.

طلائع الحرب هذه لم تتأخر في الانعكاس على الحياة الطبيعية والاجتماعية للجزيرة، حيث توافد عشرات الآلاف من المقاتلين الغرباء، كما تضرر اقتصاد الجزيرة واضطر سكانها إلى قطع الأشجار واستعمالها في الطهي والتدفئة بعد انقطاع إمدادات الغاز.

وقد برز الحضور العسكري المباشر في الجزيرة بقوة في مايو/أيار 2018، حين أقدمت الإمارات على إرسال قواتها بشكل مفاجئ إلى مطار سقطرى بلا تنسيق مع الجانب اليمني، وذلك بالتزامن مع زيارة للجزيرة من قبل رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر ومجموعة من الوزراء، وهي الخطوة التي رفضتها الحكومة الشرعية واعتبرتها غير مبررة.

ومنذ بداية إشراف الإمارات على تشغيل المطار في العام 2016 ونشر السعودية قواتها في الجزيرة في العام 2018، تفرض السلطات الأمنيّة غرامة مرتفعة على مالكي المراكب والسفن الذين ينقلون ركّابا من غير أبناء سقطرى.

من ناحية أخرى، تنطلق رحلتان في الأسبوع وأحيانا أكثر من مطار أبو ظبي إلى الجزيرة، وهذا ما يجعل الوصول إلى سقطرى عبر الإمارات العربية المتحدة أسهل من الوصول إليها من مطارات الداخل اليمني.

وعندما تحط بك الطائرة في مطار سقطرى تستقبلك رسائل نصية هاتفية بعبارات الترحيب في “المملكة العربية السعودية”، حيث تهيمن شبكة الهواتف السعودية على المنطقة منذ قامت قوات سعودية بالعسكرة غير بعيد عن المطار، في أبريل/نيسان 2018. ويروي السكان المحليون أن السعوديين أحضروا معهم معدات اتصال خاصة بهم لتجنّب استخدام خدمات شركة الاتصالات الإماراتية الموجودة في سقطرى.

منظمات الإغاثة.. حصان طروادة الذي احتل سقطرى

يعود الوجود الإماراتي السعودي في جزيرة سقطرى إلى تشرين الأول/أكتوبر 2015، حين ضرب إعصار “شابالا” أرخبيل سقطرى مخلّفا أضرارا جسيمة، فبادرت بلدان الخليج إلى تقديم المساعدة إلى سكّان الجزيرة، وهو الدعم الذي تحوّل إلى حصان طروادة حسب بعض المعلقين، حيث تحوّلت المنظمات الإغاثية الإماراتية إلى طلائع للوجود العسكري والسياسي المباشر في الجزيرة، من خلال شراء ولاءات محلية وبسط السيطرة على الأجهزة الأمنية المحلية واستثمار القوة الناعمة عبر تشييد وترميم المساجد والمستشفيات وتمويل بعض الأنشطة الاجتماعية مثل حفلات الزفاف.

وسرعان ما استفز هذا النفوذ الإماراتي المتزايد المملكة العربية السعودية، فبدأت تبحث لها عن موطئ قدم بواسطة البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، لتتحول الجزيرة إلى ساحة جديدة للتنافس والصراع الإقليمي.

بعد نحو عامين من إعصار “شابالا”، أرسلت الإمارات قوة عسكرية من نحو 300 عنصر إلى سقطرى، وقد فرضت هذه القوة سيطرتها على المطار والميناء البحري وعلى مرافق حيوية فيها.

ويربط البعض هذا التحرك العسكري الإماراتي بالتطورات التي وقعت في محافظة المهرة، حيث نشرت السعودية قواتها في تشرين الثاني/نوفمبر 201٧، ويبدو أن الإمارات فسّرت هذه الخطوة بأنها محاولة سعودية للهيمنة على حصاد معركة التحالف في اليمن بصورة مبكرة.

تنظيم القاعدة والحوثيين.. الإعصار الذي سبق “عاصفة الحزم”

إذا كانت المملكة العربية السعودية دخلت الحرب اليمنية في 2015 على رأس تحالف عربي واسع، مدفوعة بمخاوفها المشروعة من سيطرة الحوثيين الموالين لإيران على اليمن، فإن الإمارات العربية المتحدة شاركت في العملية بدوافع مختلفة.

فقد كانت الغاية الأولى هي سحق ما يعرف بتنظيم القاعدة في اليمن الذي يحمل اسم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ليس فقط لأنه تنظيم يوصف بالإرهابي، بل لأنه يتموقع في مجالات يمنية حيوية، تطل على السواحل بالخصوص، وهو ما يفسّر مسارعة الإمارات إلى السيطرة على المدن الساحلية بشكل فوري.

امتد هذا التوجّه الإماراتي ليشمل القرن الأفريقي المقابل للسواحل الجنوبية لليمن، وذلك على الخصوص في إرتيريا، وهنا وقع تماس مباشر بين الإمارات التي تركت حليفتها السعودية في مواجهة مباشرة مع الحوثيين في الشمال، وبين محور قطر وتركيا الذي لديه علاقات متقدمة مع دول القرن الأفريقي، خاصة السودان والصومال، وهذا التماس هو الذي يفسّر تبرير الإمارات سيطرتها على سقطرى بمواجهة “الإخوان” ومحور قطر-تركيا في المنطقة، بما أن الجزيرة لا تعرف أي أثر للحوثيين، وهذا هو السبب المعلن لحرب التحالف العربي في اليمن.

ورغم كل ما حاولت الإمارات توظيفه من أدوات القوة الناعمة واستمالة الساكنة المحلية عبر برامج الدعم في التعليم والصحة والشغل، فإن كثيرا من اليمنيين لا يرون في الدخول الإماراتي إلى سقطرى إلا محاولة اعتداء على سيادتهم، ومحاولة لإخضاع جزء من أراضيهم للوصاية، خاصة أن الأمر يتعلق ببقعة استراتيجية وسط المحيط الهندي، فالسيطرة على هذه الجزيرة تعني السيطرة على واحد من أهم المعابر الدولية التي تمر منها كمية كبيرة من النفط[23].

منافسة الاحتلال والانفصال.. أمران أحلاهما مرّ

جاء صعود اسم الجزيرة إلى واجهة الأحداث في سياق تصعيد المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات والساعي للانفصال في جنوب اليمن، وبحجة قطع الطريق أمام الأطماع التركية الساعية للسيطرة على سقطرى، وقد عمد المجلس أواخر يونيو/حزيران 2020 إلى إعلان بسط سيطرته الكاملة على الجزيرة، وإقالة محافظها المعين من الرئيس عبد ربه منصور هادي[24].

برّر “الانتقالي” خطوته التصعيدية هذه بإفشال مشروع تمكين محور قطر وتركيا من السيطرة على الجزيرة في إطار التوسّع التركي في مناطق عدّة من العالم وسعيه للسيطرة على ممرّات الملاحة الدولية المهمة في المنطقة، لكن ردّ الفعل السعودي سرعان ما أعاد الخطوة إلى سياق التنافس الجاري بين الإمارات والسعودية، حيث أوردت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن التحالف العربي يأسف للتطورات الأخيرة في عدد من المحافظات الجنوبية في اليمن[25].

سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو” محمد جميح قال بدوره إن السيطرة على جزيرة سقطرى بحجة قطع الطريق على تركيا، أمر باعث على السخرية. وأضاف في حديث لـ”اندبندنت عربية” أن “سيطرة الانتقالي على الجزيرة مخالف لاتفاق الرياض الذي يدعي الانتقالي أنه سينفذه، ونحن نعلم أن مَن يريد تنفيذ الاتفاق الذي يقضي بعودة الحكومة إلى عدن، لا يسيطر على سقطرى”. وشدد جميح على أن “عسكرة الجزيرة مخالف لقانون المحميّات الطبيعية، علما أنها مسجّلة على لائحة اليونسكو للمحميّات الطبيعية”.

الاتفاق الذي يشير إليه السفير اليمني يعود إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حين وقّعت الحكومة والمجلس الانتقالي، عقب شهر من الاقتتال على “اتفاق الرياض” الذي يتضمّن 29 بندا لمعالجة الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية في جنوب اليمن.

وتنصّ أبرز بنود الاتفاق على عودة الحكومة اليمنية إلى عدن، وتشكيل حكومة وحدة وطنية مناصفة بين الشمال والجنوب ودمج الوحدات المسلحة في إطار وزارتي الدفاع والداخلية، وهو الاتفاق الذي عطّلته خطوات المجلس الانتقالي التصعيدية، حيث أعلن في أبريل/نيسان 2020، قيام حكم ذاتي في الشطر الجنوبي من اليمن.

استراحة الغزاة والتجار.. أطماع قديمة تتجدد

يفسّر الموقع الجيوستراتيجي للجزيرة وقوعها في قلب الصراع السياسي، حيث يؤكد الصحافي في الرئاسة اليمنية ثابت الأحمدي، أن الجزيرة كانت دائما محلّ أطماع دول عظمى “لا لقيمتها الجمالية أو السياحية، بل أيضا لقيمتها الجيوسياسية، وقد تعود إليها اليوم عن طريق الوكلاء في المنطقة الذين يعيدون ترتيب أوراق الجنوب كاملا، بما في ذلك سقطرى، وإسقاطها تحت مبرّر أنها تحت سلطة الإخوان المسلمين أمرٌ أقرب إلى السخافة الساذجة منه إلى الحقيقة، وهو خطاب يشبه خطاب الحوثيين تماما حين غزوا عدن عام 2014”. ومن دلائل هذه “السخافة”، أن المحافظ الذي عزله المجلس الانتقالي، ينتمي إلى الحزب الاشتراكي اليمني، ولا علاقة تربطه بـالإخوان.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019 كتب المؤرخ “جون بول بوردي” الأستاذ بجامعة “سيونس بو غروبنوبل” الفرنسية مقالة علمية بعنوان “سقطرى، المركز في عقد لؤلؤ الامبريالية الإماراتية”.

وأوضح هذا المؤرخ الفرنسي أن الموقع الجغرافي لسقطرى بالقرب من خليج عدن والقرن الأفريقي والبحر الأحمر، جعلها تستقبل زوارا كثر عبر التاريخ، فقد كانت الجزيرة دائما ممرا حتميا لسفن تجارة العبيد والتوابل والحرير، كما كانت معبرا للسفن العمانية التي كانت تربط بين مسقط ومنطقة زنجبار الأفريقية التي كانت تابعة للسلطنة في زمن سابق، كما كانت معبرا حيويا للبرتغاليين والبريطانيين في طريقهم نحو الهند.

يثير المؤرخ الفرنسي قصة الشائعة التي انتشرت عام 2017، وتقول إن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قد أبرم مع الإمارات العربية المتحدة عقد تأجير لهذه الجزيرة مدته 99 عاما. وفي السياق ذاته عمدت الإمارات إلى تنفيذ إحصاء عام للسكان، تمهيدا لتنفيذ استفتاء ينقل السيادة على الجزيرة من اليمن إلى الإمارات بتأييد “شعبي”. وبعد تذكيره بالتحركات المتسارعة التي قامت بها الإمارات في القرن الأفريقي، خاصة تموقعها عسكريا وتجاريا في جيبوتي مثيرة لحفيظة الصومال.

ويخلص المؤرخ الفرنسي إلى نتيجة مفادها أن سقطرى تمثل جوهر المطامح التوسعية للإمارات، وهو ما جعلها في مواجهة مع جيرانها وفيهم سلطنة عمان.

المصدر: الجزيرة الوثائقية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى