رغم مرور أكثر من شهرين على بداية الحرب في أوكرانيا، والعقوبات المشددة التي فرضتها الولايات المتحدة، والعديد من الدول الغربية على روسيا، بهدف الضغط على موسكو لوقف الحرب، إلا أنه من اللافت أن الاقتصاد الروسي ما زال صامداً ولم ينهر، وهو الأمر الذي يجعل الجهود الغربية لوقف الحرب بلا أي نتيجة..
فما سر نجاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منع انهيار اقتصاد بلاده رغم حزم العقوبات الغربية؟مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية نشرت تقريراً حول كيفية عدم انهيار الاقتصاد الروسي حتى الآن، موضحة أن كل التكهنات كانت تشير إلى أن الاقتصاد الروسي سينهار، بعد فرض العقوبات الغربية المشددة عليه.
وأوضح التقرير أنه وبعد مرور شهرين على بدء الحرب في أوكرانيا، من الملاحظ أن الاقتصاد الروسي ما زال متماسكاً، وأهم أسباب ذلك أن الصادرات الروسية من النفط والغاز، إلى الدول الأوروبية وغيرها من الدول، مثل الهند وتركيا، ما زالت قائمة، بل وتزايدت، كما أنه استفاد من زيادة أسعار النفط خلال شهر أبريل الجاري.
عقوبات شديدة
ومنذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، تعرضت موسكو لعقوبات اقتصادية قاسية، شملت تجميد الحسابات الخارجية للرئيس الروسي، وشخصيات في دائرته المقربة، وأيضاً حظر تصدير منتجات عالية التقنية إلى روسيا، وعزل عدد من البنوك الروسية عن نظام الدفع الدولي «سويفت».
وشملت العقوبات أيضاً إغلاق موانئ أوروبية، والمجال الجوي الأوروبي أمام السفن والطائرات الروسي، ولكن برغم كل تلك العقوبات، فإن النظام المالي الروسي استطاع أن يتجنب التعرض لأزمة كبيرة في السيولة النقدية.
ومنذ 22 فبراير الماضي، خضع 2778 كياناً روسياً لعقوبات جديدة، ليصل عددها الإجمالي إلى 5530، الأمر الذي جعل مراقبين يشبهون هذه القيود الصارمة بـ«حرب نووية مالية» على موسكو.
ووفقاً لموقع «بلومبيرغ» نقلاً عن منصة «كاستيلوم»، وهي قاعدة بيانات عالمية لتتبع العقوبات، يتجاوز عدد الكيانات أو المؤسسات الروسية الخاضعة للعقوبات الآن 5530 مؤسسة.
وأكد التقرير أن العقوبات الغربية على روسيا قد تكون مجدية، ولكن على المدى البعيد، حسبما يؤكد الخبراء، إلّا أنه في اللحظة الراهنة، فإن هناك العديد من الدول تفعل الشيء وعكسه، حيث تشارك في فرض عقوبات على روسيا، وفي الوقت نفسه تواصل استيراد الطاقة (النفط والغاز) من روسيا، وفي بعض الحالات، فإنها حصلت على كميات أكبر من الطاقة خلال شهر أبريل الجاري، على ما كانت تحصل عليه في شهر مارس الماضي.
مليار دولار يومياً
ونقل التقرير عن الخبير بوزارة الخارجية الأمريكية في الشؤون الأوروبية، إدوارد فيشمان، قوله: «يواصل الرئيس بوتين جني المزيد من الأموال من خلال صادرات الطاقة، فهو يحصل على مليار دولار على الأقل يومياً، من خلال عائدات بيع النفط والغاز، واللافت أن نصيب الأسد من هذه الصادرات يتجه إلى الدول الأوروبية».
وتابع فيشمان: «ترسل الدول الأوروبية، بشكل فردي، مساعدات عسكرية من الأسلحة والذخيرة إلى أوكرانيا، إلّا أنها في الوقت نفسه تقوض ما تساعد به أوكرانيا، من خلال استمرار دفع الأموال والحصول على الطاقة الروسية من الغاز والنفط».
زيادة الصادرات في أبريل
وأوضح التقرير أنه رغم العقوبات الغربية على القطاع المالي الروسي، فإن صادرات النفط الروسية وصلت في شهر أبريل الجاري إلى نحو 3.6 مليون برميل يومياً، بزيادة على حجم الصادرات في شهر مارس الماضي والتي كانت 3.3 مليون برميل يومياً، حسبما أوضح مات سميث في مؤسسة (Kpler) لتعقب ناقلات النفط.
وأضاف سميث: «صادرات النفط الخام الروسي وصلت خلال الشهر الحالي إلى معدلات أكبر من الشهر السابق».ونقل التقرير عن الخبراء في معهد التمويل الدولي، قولهم إن شحنات صادرات النفط الروسي وصلت إلى معدلات قياسية في شهر أبريل الجاري، ورغم بيع النفط الخام الروسي بأسعار أقل مقارنة بالأسعار العالمية، فإن عائدات تصدير النفط الروسي من المرجح أن تتزايد خلال الشهر الجاري، مقارنة بشهر مارس الماضي.
وذكر التقرير أن عائدات تصدير النفط جعلت روسيا، ثالث أكبر مصدر للنفط بعد أمريكا والسعودية، تحصل خلال الربع الأول من العام الجاري على 60 مليار دولار، وهو رقم ضخم، خاصة إذا علمنا أن العائدات طوال العام الماضي بلغت 120 مليار دولار فقط، ما يعطي الكرملين قدرة مالية كبيرة وسيولة، في مواجهة العقوبات الغربية، وذلك رغم أن العقوبات تحرم موسكو من شراء الإمدادات وقطع الغيار من الخارج.
الغاز الطبيعي
وبالنسبة للغاز الطبيعي الروسي، أوضح التقرير أن العديد من الدول الأوروبية تجد أنه من الصعب عليها وقف استيراد الغاز الطبيعي الروسي، أكثر من النفط، حيث يتم الحصول على الغاز وفقاً لعقود طويلة الأجل، ومن خلال خطوط الأنابيب، مما يجعله غير قابل للاستبدال مثل النفط.
فبينما أعلنت ألمانيا بعد فترة قصيرة من بدء الحرب في أوكرانيا، عن وقف خط أنابيب (نورد ستريم 2) الجديد من روسيا، إلا أن معظم الغاز الروسي يستمر في التدفق إلى أوروبا، كما كان من قبل، وفي الوقت الحالي، لا تزال إمدادات الغاز الطبيعي المسال، والتي يمكن نقلها عن طريق البحر، إلى أوروبا محدودة، خاصة في وسط وشرق أوروبا، وقد يستغرق التحول إلى منتجين رئيسيين بدلاً من روسيا عدة سنوات، مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، وتأتي روسيا خلفها أو قطر أو كندا.
المصدر: الرؤية