بعد السّيارات والطّائرات المسيّرة.. شركات عالمية تطوّر قوارب ذكية ذاتية القيادة ستحدث ثورة في مستقبل النقل البحري

أصبح من الشائع الآن ومن الطبيعي جداً اليوم أن نسمع عبارة السيارات ذاتية القيادة، أو الطائرات بدون طيار، فقد نالت اهتماماً واسعاً جداً، ويتم اختبار الأدوات اللازمة لجعلها حقيقة واقعة بشكل مكثف من قِبل بعض أكبر شركات التكنولوجيا. في المقابل، نادراً ما نسمع عن القوارب ذاتية القيادة، إذ لم يُتبع هذا المسار في الصناعة البحرية كثيراً، لكنه موجود، وأصبحت له العديد من التطبيقات.

خصائص المراكب ذاتية القيادة

المراكب ذاتية القيادة لها أشكال وأحجام متنوعة. من الخارج، يشبه بعضها المراكب العادية. تختلف الغاية من استخدامها، فبعضها يُستخدم في الأرصاد الجوية وعلم المحيطات وبعضها الآخر للشحن أو المراقبة أو الدفاع، أو حتى جمع النفايات من المجاري المائية.

صُممت لتكون صديقة للبيئة، وذات بصمة كربونية منخفضة أو منعدمة، أو لها تأثير بيئي بسيط جداً بالمقارنة مع المراكب التقليدية. تحصل على الطاقة اللازمة لحركتها والقيام بمهامها من ألواح الطاقة الشمسية المثبتة عليها، أو من طاقة الرياح، ويحصل بعض منها على الطاقة من الأمواج.

تُزوّد بأنظمة ذكاء اصطناعي، إذ تعتمد تقنيات التعلم الآلي أو التعلم العميق. تحمل المعدات اللازمة للقيام بالمهام المختلفة التي صُنعت من أجلها، بالإضافة إلى أجهزة الملاحة والرسم البياني والاتصالات السلكية واللاسلكية، وأجهزة الاستشعار والرادارات وأنظمة تحديد الموقع.

تطبيقات القوارب ذاتية القيادة

تُجري الشركات ومراكز الأبحاث المَعنية الكثير من الاختبارات على مراكبها ذاتية القيادة، بهدف تمكين تطبيقها على نطاق واسع، وفيما يلي بعض من هذه التطبيقات.

1- نقل البضائع

تعمل شركات خاصة على تطوير مراكب تجارية ذاتية القيادة بغرض نقل البضائع، كشركة “أرتميس تكنولوجي” (Artemis Technologies)، الهادفة للمساعدة في تحقيق مستقبل بحري مستدام، وهي تطور مراكبها باستمرار، فقد طورت مركباً تبلغ سرعته القصوى 50 عقدة، وطوله 45 متراً، ويتكون من شراعين بجناحين ثابتين، ومراوح، ومزود ببطارية كبيرة السعة على متنه.

يسلط الحجم الهائل والسرعة المذهلة لقوارب أرتميس الضوء على الحاجة إلى الملاحة الآمنة، حيث تحمل هذه السفن عدداً كبيراً من أنظمة تجنب الاصطدام.

2- نقل الركاب

في مشروع آخر، يعمل باحثون من معهد إم آي تي على تطوير أسطول من القوارب ذاتية القيادة. من بين قوارب هذا الأسطول قارب آلي يسمى “روبوت 2” (Roboat II)، بطول مترين ووزن 50 كيلوغراماً تقريباً، وهو قادر على نقل الركاب.

يزوّد الأسطول بخوارزميات ووسائل اتصال تتيح إمكانية التعاون بين القوارب، فالقارب القائد هو فقط من يعرف الوجهة، ويبدأ بالتحرك نحوها، ومن ثم يمكن للأخرى تقدير نية القائد، ومواءمة تحركاتها وفقاً لذلك. يمكن للقائد أيضاً توجيه بقية المراكب عن طريق تعديل مدخلاته، دون أي اتصال بين أي مركبين.

3- جمع البيانات من البحار والمحيطات

يتم تطوير المراكب ذاتية القيادة من أجل جمع البيانات من البحار والمحيطات، إذ تُزوّد بأجهزة استشعار على متنها تجمع معلومات عن الثدييات البحرية، والمواد البلاستيكية الملوّثة للمحيطات، ورسم الخرائط على مستوى سطح البحر والأمن السيبراني البحري.

من هذه المراكب المطورة من أجل هذا الغرض، مركب “ماي فلاور” (Mayflower)، وهو مركب كهربائي بطول 30 متراً، مزود بألواح شمسية، ومن المتوقع أن يكون قادراً على العمل ذاتياً لعدة أشهر في كل مرة في مياه الأطلسي.

تبلغ سرعته القصوى 10 عقدة بفضل محرك كهربائي يستمد الطاقة من البطاريات التي تعلوها ألواح الطاقة الشمسية.

يمكن تركيب مجموعة متنوعة من المعدات عليها لدعم مهام بحثية مختلفة. كما من المخطط أن يُستخدم المركب لإجراء أبحاث حول الطاقة المتجددة وأنظمة الدفع للسفن البحرية، وتطوير البرامج للعمليات الآلية والمستقلة لفترات طويلة، واتصالات الأقمار الصناعية المتقدمة والسلوك التعاوني بين المركبات الآلية المتداخلة والمستقلة التي تعمل تحت الماء وفوقه في وقت واحد.

أيضاً، ينظر المطورون في مشكلات جمع البيانات، وكيفية معرفة متى يكون هناك شيء مهم بدرجة كافية لتنبيه العلماء في مركز التحكم في المهمة، لإنشاء خطط تخدم الأهداف العلمية لمهمة محددة دون تدخل بشري كبير من خلال التشغيل المباشر لمركب الأبحاث ذاتي القيادة “ماي فلاور”.

بالإضافة إلى ذلك، تم تزويد المركب بتقنية ذكاء اصطناعي لتحليل المدخلات من الكاميرات الموجودة على متنه والتي تستخدم الضوء العادي والأشعة تحت الحمراء. وتعمل تقنية التعلم العميق على تمكين المركب من تحديد المخاطر الملاحية كالعوامات أو الحطام العائم وتجنبها، فهو يستخدم الرادار والليزر للمساعدة بذلك.

4- أغراض عسكرية

على الصعيد العسكري، قد تتمكن الجيوش من استخدام التكنولوجيا لإبعاد البشر المعرضين للخطر في خطوط المواجهة الأمامية أو الخطيرة، أو لغرض المراقبة.

على سبيل المثال، أكملت البحرية الأميركية بالفعل تجربة لتحقيق هذا الهدف، فقد أبحر مركب “غوست فلييت أوفرلورد” (Ghost Fleet Overlord) عبر قناة بنما دون وقوع حوادث.

خلال هذه الرحلة، قطعت السفينة أكثر من 7500 كيلومتراً، 97% منها كانت في وضع ذاتي القيادة، وهو رقم قياسي للبرنامج. أُجري أثناء الرحلة اختباراً موسعاً لتحمل المركب والعمليات المستقلة وقابلية التشغيل البيني للقيادة الحكومية والتحكم والاتصالات وأجهزة الحاسوب وأنظمة الاستخبارات وأنظمة الهيكل الميكانيكية والكهربائية.

5- جمع البيانات من أعماق البحار

يجمع أسطول من المراكب الصغيرة مجموعة واسعة من البيانات، وخاصة حركة الأمواج. سُميت هذه المراكب “ويف غلايدر”(Wave Glider) المطورة من قِبل “ليكويد روبوتيك” (Liquid Robotics)، وهي مركبة بطول 3 متراً تقريباً، تولد الطاقة للعمل من الألواح الشمسية وحركة الأمواج.

تتميز هذه المراكب بأنها خفيفة الوزن (155 كيلوغراماً) وتتحرك بسرعة 1.3 عقدة، لذلك لا خطورة في تنقلها، يمكنها اكتشاف السفن وتجنبها بأمان عن طريق أجهزة الاستشعار. ويمكنها الإبحار في ظروف المحيط الصعبة مثل الأمواج العالية والأعاصير.

تُستخدم لجمع البيانات من أعماق المحيط، مثل الأصوات تحت سطح البحر، وأخذ عينات المياه، وتتبع الأسماك.

6- تجنب الاصطدامات

صممت شركة “أوف شور سينسينغ” (Offshore Sensing) مركب “سيل بوي” (Sailbuoy) لتنفيذ المهام دون حدوث اصطدامات. ويمكن أن يبقى لعدة أشهر في المحيط.

يبلغ طوله 2 متراً ووزنه 60 كيلوغراماً فقط. ما يميزه هو الشراع المتوازن الذي يدفعه، فلا يشكل أي خطر على حركة المرور البحري.

صُمم هذا المركب لدراسة البيئة التي تحيط به، وقياس بارامترات المحيطات والغلاف الجوي وتتبع انسكابات النفط. ويمكنه حمل عوامة من عوامات الطقس، أو السفر ببطء على طول طريق محدد مسبقاً.

كما يمكن متابعة المركب وتحديث المسارات في الوقت الفعلي من الحاسوب أو الجهاز اللوحي أو الهاتف الذكي.

7- جمع بيانات عن الطقس

يعتبر تحديد حالة الطقس في وقت محدد من أهم البيانات بالنسبة للبحارة، وهذا ما أصبح بإمكان القوارب ذاتية القيادة توفيره لهم، مثل قوارب “سيل درون” (Saildrone) التي تجمع بيانات عن حالة المناخ ورسم الخرائط والأمن البحري بدقة عالية تصل إلى 200 متراً.

في إحدى التجارب، قضى المركب أكثر من 15 ألف يوم في البحر وقطع مسافة 926 ألف كيلومتر من القطب الشمالي إلى المحيط الجنوبي.

8- مميزات مختلفة وتطبيقات متعددة

للعرب أيضاً دورهم في تطوير هذا النوع من المراكب. على سبيل المثال؛ طوّرت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية السعودية (كاكست)، قارباً يعتمد على تقنية التحكم الذاتي التي تمكنه من الإبحار بشكل ذاتي، وتلافي الاصطدام بالعوائق حيث تم تزويد القارب بأنظمة استشعار تساعد في رسم خريطة ثلاثية الأبعاد للبيئة المحيطة به.

بالإضافة إلى ذلك، القارب مزود بحاسوب له القدرة على تحمل الصدمات، والحرارة العالية عن درجات حرارة أكثر من 70 درجة مئوية، ويستطيع الاتصال بنطاقات متعددة من خلال غرفة عمليات تسمح بالاتصال اللاسلكي والتحكم عن بعد، ويزن القارب نحو 1600 كجم وبطول 8 أمتار. ويحتوي القارب على كاميرا رقمية تعمل بالتقنية الكهرو بصرية، والأشعة تحت الحمراء التي تنتج مقاطع فيديو بجودة عالية، ولها القدرة على التصوير الليلي. ويمكن تجهيز القارب بقاعدة السلاح المرنة وهي منصة سلاح ناري مزودة بتقنية التوازن (الجايروسكوب).

يتوقع الخبراء أنه سيكون للقوارب ذاتية القيادة تطبيقات أكثر مما ورد بكثير، لكن يتعين على المطورين التركيز بشكل أكبر على تجنب المخاطر التي قد تنجم عن استخدام هذه التقنية، وما يجب فعله الآن كي تنتشر بشكل أكبر، ويُستفاد منها، هو سنُّ التشريعات والقوانين اللازمة قبل بدء الاستثمار فيها على نحو أوسع.

المصدر: إم آي تي تكنولوجي ريفيو

Exit mobile version