أعلنت شركتا شل، ودلتيك إنرجي، المضي قدمًا بحفر بئر بينساكولا للتنقيب عن الغاز في بحر الشمال، خلال الربع الثالث من العام الجاري، دعمًا لأمن الطاقة في المملكة المتحدة، عقب غزو روسيا لأوكرانيا.
وأكدت دلتيك -التي تمتلك 30% من بينساكولا مع امتلاك شل الـ70% المتبقية- أن البئر لديها موارد محتملة قابلة للاستخراج تبلغ 309 مليارات قدم مكعّبة من الغاز، ما يجعلها “واحدة من أعلى أهداف الاستكشاف الأثرية التي يجري حفرها” في جنوب بحر الشمال، السنوات الأخيرة، حسبما أفادت منصة “إنرجي فويس”.
أمن الطاقة في المملكة المتحدة
علّق الرئيس التنفيذي لـ”دلتيك”، غراهام سوينديلز، على قضية استمرار استغلال موارد بحر الشمال بمواجهة الأحداث في روسيا وأوكرانيا، قائلًا: “لم نشعر أن أمن الطاقة أكثر أهمية من أيّ وقت مضى”.
وأضاف أن ارتفاع أسعار الطاقة مع تأثيره في الصناعة كثيفة الاستخدام للطاقة والأسر على حدّ سواء، قد سلّط الضوء بشدة على عواقب وجود إنتاج محلي.
وقال: “لا يقترب الإنتاج المحلي في المملكة المتحدة من تلبية حتى نصف الطلب الوطني، هناك اعتماد كبير على الواردات من الدول الأجنبية، بما في ذلك روسيا”.
وأشار إلى أن تأثير هذا الاعتماد يتضاعف عند النظر في الانبعاثات المرتفعة بشكل ملحوظ، التي ترتبط بالغاز المستورد في شكل غاز طبيعي مسال، إذ يتضح أن الإمداد الآمن للنفط والغاز المنتج محليًا أفضل بكثير للوظائف والاقتصاد والبيئة في المملكة المتحدة.
واختتم تصريحاته قائلًا: “بناءً على ذلك، من الضروري أن تواصل المملكة المتحدة تشجيع المزيد من الاستكشاف”.
أعمال حفر في بحر الشمال
مع ذلك، فقد أخّرت دلتيك وشل حفر بئر “سيليني”، التي قدّرت أفضل التوقعات بأنها تحتوي على 318 مليار قدم مكعّبة من الغاز، وقرر المشروع المشترك تحسين عمله الفني والتجاري لدعم قرار الاستثمار.
لا يزال المشروع يستهدف هذا القرار في الأشهر المقبلة، ولكن مع انتهاء المرحلة الأولى من الترخيص في سبتمبر/أيلول، تقدّمت شل ودلتيك بطلب إلى هيئة بحر الشمال الانتقالية للحصول على تمديد.
في مكان آخر، تخطط دلتيك لاتخاذ قرار حفر في منطقة بليموث -التي تحتوي على احتمالات ضخمة- بحلول نهاية الربع الثالث من هذا العام، مع شركتها كابريكورن إنرجي.
كما تخطط لتقديم “طلبات ترخيص متعددة” إلى هيئة بحر الشمال الانتقالية بجولة الترخيص البحرية المقبلة في الخريف.
وقال سوينديلز، إن عام 2021 “كان مدّة إنجازات كبيرة وتقدم لشركتنا”، وذلك بفضل العمل مع شركتي شل وكابريكورن.
اقرأ أيضاً: النفط والغاز.. المملكة المتحدة تتجاهل دعوات إلغاء التنقيب في بحر الشمال
تتصاعد حدة الخلاف بين الحكومة البريطانية ولجنة تغير المناخ في المملكة المتحدة حول جدوى استمرار عمليات التنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال، إذ ترى الأولى أن استمرار عمليات التنقيب في بحر الشمال أمرًا ضروريًا للحفاظ على أمن الطاقة في الثانية.
وفي المقابل، ترى اللجنة وخبراء مناخ أن استمرار عمليات التنقيب يُقوِّض جهود الحكومة في تحقيق الحياد الكربوني، فضلًا عن تأثيرها في أسعار الكهرباء بالبلاد، لذلك طالبت بفرض قيود وضوابط صارمة عليها، لكنها لم تذهب إلى المطالبة بإلغائها.
ومن المتوقع أن تشهد أسعار الطاقة في بريطانيا زيادة جديدة في أبريل/نيسان المقبل، تُقدر بنحو 54% مع زيادة أسعار النفط والغاز عالميًا، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وانخفاض إنتاج النفط.
وأبدى رئيس لجنة تغير المناخ، وزير البيئة البريطاني السابق اللورد ديبين، رغبته في وقف عمليات التنقيب في بحر الشمال، معتبرًا أن رفض الحكومة البريطانية منح تراخيص جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال يُعد إشارة واضحة للمستثمرين والمستهلكين إلى مدى التزام البلاد بأهدافها المناخية، وفقًا لصحيفة الغارديان البريطانية.
وتستهدف المملكة المتحدة تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 78% بحلول عام 2035، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
تأثير هامشي
لم تستطع لجنة تعير المناخ -وهي لجنة استشارية للحكومة البريطانية لتحقيق الحياد الكربوني- تحديد تأثير الاستكشافات الجديدة في بحر الشمال في زيادة انبعاثات غاز الاحتباس الحراري عالميًا.
وأوضحت اللجنة أن أمن الطاقة في المملكة المتحدة يتجاوز اختصاصها، لذلك فإن اتخاذ أي قرار بشأن التراخيص الجديدة يجب أن يصدر من مجلس الوزراء.
وقال رئيس اللجنة إن إنتاج المزيد من النفط والغاز في بحر الشمال لن يكون له تأثير يُذكر في ارتفاع أسعار الطاقة في المملكة المتحدة، فأي زيادة في اكتشافات النفط والغاز سيكون لها تأثير هامشي في أسعار الطاقة ببريطانيا في المستقبل.
تجاهل حكومي
من المتوقع أن تتجاهل الحكومة البريطانية تحذيرات لجنة تغير المناخ، وتمنح مزيدًا من التراخيص لعمليات التنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال.
وحذر نشطاء بيئيون من أن أي عمليات استكشاف جديدة لإنعاش إنتاج بحر الشمال من النفط والغاز ستكون لها عواقب كارثية على المناخ.
وقالت مديرة مؤسسة أب ليفت -وهي مؤسسة تناضل من أجل إنهاء عمليات استكشاف الوقود الأحفوري- إن عمليات التنقيب في بحر الشمال لن تُسهم في خفض الفواتير أو الحفاظ على أمن الطاقة في المملكة المتحدة، لكنها تُسهم في زيادة ربحية الشركات العاملة في قطاع النفط.
واعتبر رئيس لجنة المناخ أن إصرار بريطانيا على المضي قدمًا في عمليات الحفر في بحر الشمال، يضعف موقفها في تشجيع البلدان الأخرى على تبني سياسات مناخية طموحة.
واستضافت المملكة المتحدة قمة المناخ “كوب 26” نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وستواصل توجيه جهود المناخ الدولية هذا العام بصفتها رئيسة لمفاوضات الأمم المتحدة.
ورغم ذلك، جرى الترحيب بتوصيات لجنة المناخ، بضرورة إجراء اختبارات مناخية على التراخيص التي أُصدرت.
اختبارات مناخية
تتشاور الحكومة البريطانية بشأن “اختبارات مناخية” سيتعين على أي تراخيص جديدة للنفط والغاز إجراؤها لتحديد تأثيرها في البيئة.
ومن المتوقع أن يراجع وزير الأعمال كواسي كوارتنغ 6 طلبات على الأقل، للحصول على تراخيص حفر جديدة في بحر الشمال هذا العام، بعد الموافقة على عدد مماثل العام الماضي.
وقال متحدث باسم وزارة الأعمال، إن الطلب على النفط والغاز سيستمر خلال العقود المقبلة، تزامنًا مع الانتقال إلى مصادر أنظف وأقل سعرًا لتوليد الكهرباء.
وأضاف أن وقف التنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال بين عشية وضحاها يمثل خطرًا على أمن الطاقة والوظائف والصناعات البريطانية، ويزيد من الاعتماد على الواردات الأجنبية.
مطالب بزيادة الاستثمار
في العام الماضي، دعت هيئة تجارية تمثل قطاع النفط والغاز في المملكة المتحدة الحكومة إلى زيادة الاستثمار في النفط والغاز الجديد، من أجل تقليل الكمية التي تضطر إلى استيرادها من دول أخرى.
ودفعت صناعة النفط والغاز في المملكة المتحدة نحو 375 مليار جنيه إسترليني (487.5 مليار دولار أميركي) ضرائب إنتاج حتى الآن.
النفط والغاز
لكن برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة حذّر -لاحقًا- من أن أي خطط لتوسيع مشروعات الوقود الأحفوري خلال العقد المقبل ستكون بعيدة تمامًا عن طموحات خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
وقالت رئيسة نقل النفط والغاز في منظمة السلام الأخضر بالمملكة المتحدة، روزي روجرز، إن خفض فواتير الكهرباء يرتبط بالعزل المنزلي، والمضخات الحرارية، والمركبات الكهربائية والطاقة المتجددة.
وأضافت: “مستقبل بحر الشمال في مصادر الطاقة المتجددة. يعتمد اقتصادنا وأمن طاقتنا ومناخنا على ذلك”.
إهدار الملايين في التنقيب
حذّر مركز الأبحاث البريطاني غرين أليانز من أن المملكة المتحدة تهدر ملايين الجنيهات الإسترلينية في دعم صناعة النفط والغاز المحتضرة في بحر الشمال، مؤكدًا أن استخراج المزيد من الوقود الأحفوري من بحر الشمال، عملية غير مجدية مع انخفاض الموارد وارتفاع تكلفة الاستخراج.
وتلقت شركات الوقود الأحفوري إعفاءات ضريبية بقيمة 10 مليارات جنيه إسترليني، للتنقيب الجديد في بحر الشمال بين عامي 2016 و2020.
وقالت الباحثة في المركز هيذر بلامبتون، إن استخراج النفط والغاز في بحر الشمال “لم يعد مجديًا اقتصاديًا للخزانة العامة للدولة أو دافعي الضرائب أو المستهلكين”.
وأضافت: “المملكة المتحدة في حاجة إلى التوقف عن تقديم الحوافز المالية للوقود الأحفوري، ودعم الانتقال إلى بحر شمال خالٍ من الكربون”، وفقا لصحيفة إندبندنت البريطانية.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية