الحاجة أم الاختراع قد تكون الاختراعات شيئاً مبهراً، لكن الابتكارات هي اليوم تلبي «الحاجات» أكثر، لأنها مرتبطة بالإبداع الذي يطوع كل شيء لصالحك.
هذه المرة من افريقيا فالبنية التحتية الأرضية للنقل البري والجوي الضعيفة كانت المحفز الأساسي لشركة Phractyl الناشئة لإنتاج الطائرات الكهربائية أن تستثمر في هذه القارة حيث وجدت فيها منطقة فريدة لتطوير تكنولوجيا الطيران الحديثة.
فعدم وجود مدرجات كافية للإقلاع والهبوط وكذلك ساحات للإقلاع والهبوط العمودي جعل الخبراء يفكرون في حل أمثل لتغيير هذه الأوضاع نحو الأفضل فكانت الطائرات التي أطلقوا عليها اسم VTOL (طائرات الإقلاع والهبوط العمودي) هي وليدة الحاجة والحل الأنسب.
وقد قررت شركة Phractyl الناشئة حل هذه المشكلة الإفريقية، وأعدت نماذج خشبية لهذا النوع من الطائرات، حيث أطلق على هذا الحل Macrobat، وهو نظام “إقلاع وهبوط عمودي تقريبا”، Near Vertical Take-Off and Landing ( NVTOL).
ولم تذكر الشركة أي معلومات عن تصميم الطائرات لأنها لم تحصل على براءة اختراع.
ولكن مع ذلك فإن شيئًا ما عن تصميم “الطائرة ذات أقدام الطيور” ومعدات الهبوط معروف بالفعل ويثير عددًا من الأسئلة.
آلية عمل الطائرة
يبدو أن أرجل “الطائر” مزودة بمحركات قوية في مفاصل الورك والركبة والكاحل، لذلك يمكنها بسهولة رفع وإنزال وموازنة وإمالة هيكل الطائرة الغريب.
واتضح، أن الطائرة قبل الإقلاع ترفع “أقدامها” إلى اقصى حد ومن ثم تميل نحو الخلف (على الأرجح بدرجة 45) وتدفع الجناحين، اللذين عليهما مراوح تميل 20 درجة عن الخط الرأسي، إلى الخلف.
وبعد ذلك تتقدم بسرعة مسافة قصيرة إلى الأمام قبل إقلاعها. وفي الجو تسحب “الأقدام” لتقليل مقاومة الهواء، كما تفعل الطائرات التقليدية. وأما عند الهبوط، فإن الطيار كما يبدو سيتحكم بالعملية بواسطة كاميرات مثبتة في كابينة القيادة.
ويمكن لهذه “الأقدام” نظريا، تخفيف هبوط الطائرة، ولكن بشرط أن تخفض سرعتها إلى الحد الأدنى. لأنها لن تتمكن من تحمل الصدمة إذا كانت سرعة الطائرة عالية.
ويتسع النموذج الحالي لشخص واحد فقط، ويمكنه قطع مسافة 150 كيلومترا وحمولة قصوى 150 كيلوغراما وسرعته القصوى 180 كيلومتر في الساعة. ووفقا لخبراء الشركة يمكن التحكم بالنموذج يدويا أو عن بعد، وعند الضرورة يمكنه حمل شخص واحد أو حمولة ما.
ومع أن هذا المشروع لا يزال غير مكتمل، وتصميم الطائرة يثير شكوكًا جدية حول موثوقيتها، إلا أنه لا يمكن إنكار أنها فكرة مبتكرة وأساسية للغاية.
اقرأ أيضاً: طائرات بلا نوافذ.. قد تصبح مستقبل النقل الجوي
عندما بدأ السفر الجوّي التجاري ينتشر في ثلاثينيات القرن المنصرم، كان أحد أكبر عوامل الجذب لاستخدام خطوط الطيران فرصة رؤيةِ التضاريس من منظورٍ جديد تمامًا، من أعلى. كتب دانييل رست في كتابه «الطيران عبر أمريكا» -كتاب عن تاريخ رحلات الطيران عام 2012: «إن رؤية الأنهار والصحاري والمزارع وآفاق المدينة كان ترفيهًا رائعًا غير محدود».
ما زال بعضنا حتى اليوم يتأمل العالم بدهشة من تلك النوافذ الصغيرة. وجدت دراسة لمؤسسة كوارتز الإخبارية سنة 2014 أن نصف الأمريكيين يفضلون الجلوس بجانب النوافذ في الطائرات، وأن من يسافرون أكثر من مرة في السنة ينقسمون حول هذا الأمر بالتساوي.
لهذا ربما ليس غريبًا أن يفكر مصممو الطائرات في وضع شاشات فيديو بدلًا من نوافذ الركاب. سنة 2014 مثلًا، كشف المركز البريطاني للتكنولوجيا والابتكار عن تصميم لطائرة بلا نوافذ، إذ يغطى الجانب الداخلي لقمرة الطائرة بشاشات عرض فيديو رفيعةً ومرنة ذات جودة عرض عالية، ستوفر هذه الشاشات الإضاءة والترفيه، إضافةً إلى رؤية أوسع لخارج الطائرة.
نوافذ دبي الافتراضية
في أبريل الماضي، أطلق طيران الإمارات من مقره في دبي طائرات طراز بوينغ 777 التي تحتوي على أجنحة (غُرف) خاصة معدة بنوافذ افتراضية لتوفر إطلالةً على الخارج من منتصف الطائرة.
يقول مسؤول العلاقات العامة لشركة طيران الإمارات جيروم ديمير: «رُكبت النوافذ الافتراضية لأجنحة الدرجة الأولى الموجودة في منتصف الطائرة، إذ إنها أجنحة مغلقة تمامًا بأبواب من الأرضية إلى السقف، ولن يتمكن الركاب من رؤية النوافذ في جوانب الطائرة.
وتنقل تلك النوافذ الافتراضية المشهد خارج الطائرة بواسطة تقنية كاميرات آنية تنقل لحظيًا ما يحدث بالخارج، وضعت الكاميرات في أماكن استراتيجية لتوفر للركاب مشهدًا آنيًا من خارج الطائرة، ويتوقف مكان المشهد على أي جانب يقع مدخل الجناح في الطائرة، يمينًا أم يسارًا، وهو المشهد الذي سيظهر عند الأجنحة المركزية.
إن الكاميرات ذات جودة عالية وبؤرة واسعة تنقل رؤيةً شاملة لخارج الطائرة، فتوفر النوافذ الافتراضية منظورًا واقعيًا واضحًا لما يحدث خارج الطائرة، ومع ذلك علّق الركاب عن تجربتهم الشخصية بأنهم يفضلون النظر من نوافذ حقيقية».
وفي مقال بي بي سي، علق رئيس طيران الإمارات السير تيم كلارك على إمكانية إنتاج طائرات بلا نوافذ، على عكس تصريح ديمار الذي قال: «لا توجد خطط حالية لطائرة بلا نوافذ».
تخطط الشركة المصنعة للطائرات لأن تصبح بلا نوافذ على نطاق محدود، إذ طوّرت شركة سبايك إيروسبيس الخاصة من مقرها في بوسطن طائرة سبايك إس-512، وهي طائرة رجال أعمال أسرع من الصوت تتسع لـ 18 راكبًا، تحتوي أحدث التقنيات التي ستمكنّها من اختصار وقت السفر، دون استهلاك مفرط للوقود، ودون الدوي العالي لاختراق حاجز الصوت، إضافةً إلى عدم وجود نوافذ للركاب.
صرح فيك كاتشوريا، الرئيس التنفيذي لسبايك إيروسبيس، إن تصميم الطائرة سيشمل «مقصورة رقمية متعددة ومعقدة» بدلًا عن النوافذ الصغيرة المعتادة، وسيتمكن الركاب من مشاهدة زوجين من شاشات الفيديو الرقمية بطول ستة أمتار، تمتد بطول المقصورة على جانبي الطائرة. إذ إن عدة كاميرات فائقة الدقة مثبتة على السطح الخارجي للطائرة ستزودها بفيديو بدقة 4K، يجمع باستخدام برنامج خاص طورته الشركة.
يقول كاتشوريا إن النظام «سيزود الطائرة بصورة جميلة ممتدة من مختلف الزوايا، ويمكن بذلك رؤية الصورة التي تريد من اليمين أو اليسار، أمام الطائرة أو خلفها، ويمكنك النظر إلى أسفل أو إلى أعلى نحو السماء، وهي رؤية بانورامية تفوق الرؤية المحدودة التي توفرها النافذة المعتادة».
مميزات الطائرات دون نوافذ
يقول كاتشوريا إن إزالة النوافذ الزجاجية التقليدية المصنوعة من الأكريليك من الطائرة لها مزايا أخرى، إذ يقلل عزل جسم الطائرة الضوضاء الصادرة عن المحركات، ويعزز حماية الطائرة ويجعلها أكثر أمانًا، وأضاف: «أينما وجدت فجوة يوجد ضعف هيكلي، وبإزالة النوافذ ستحد من نقاط الضعف».
(تصمم نوافذ الطائرات لتكون متينة بما يكفي لتحمل ضغوط الطيران، كما هو مفصل في نشرة إدارة الطيران الفيدرالية لعام 2003).
إضافةً إلى توفير رؤية أشمل، سيمكِّن النظام الركاب من اختيار محتوى آخر، وسيكونون قادرين على الاستفادة من تحديد الموقع الجغرافي وعرض بيانات الواقع المعزز حول المعالم التي تحلق فوقها الطائرة. يقول كاتشوريا: «لدينا شركاء يعملون على محتوى الشاشات».
إن لم يكونوا مهتمين بالمنظر، فسيتاح للركاب أيضًا استخدام الشاشات لأغراض أخرى، يقول كاتشوريا: «يمكنك مشاهدة مقاطع الفيديو أو وضع فيلم إذا أردت، أو مشاهدة عرض تقديمي (PowerPoint)، أو خفض الأضواء».
وفقًا لـكاتشوريا، سيظل لدى الطيارين نافذة تقليدية في قمرة القيادة، إضافةً إلى تقنية الرؤية الاصطناعية.
يقول كاتشوريا أن شركة سبايك إيروسبيس ما زال أمامها عدة سنوات أخرى من الهندسة لإتمام رؤيتها على متن الطائرة، ومن ثم تخضع الطائرة لعمليتي الاختبار والاعتماد، ويتوقع تسليم أول طائرة بلا نوافذ تقليدية للركاب عام 2025.
لن يستمتع بتجربة الطيران دون نوافذ في سبايك إيروسبيس مبدئيًا سوى المديرون التنفيذيون للشركات والأشخاص الأثرياء بما يكفي لشراء طائرة خاصة، لكن كاتشوريا يتوقع أن تجد التكنولوجيا المبتكرة طريقها في النهاية إلى الطائرات العامة أيضًا.
ترجمة: ibelieveinsci