يقاوم سكان قرية صغيرة في السنغال كوارثَ تغير المناخ والاحتباس الحراري، وما سبّبه من جفاف حادّ، بمشروع لزراعة الخضروات وتشغيل السكان، بعد حفر بئر لتوفير مياه الري، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، ونظم عمل بيئية.
بدأ المشروع في قرية ميسيراه، شابان كانا قد فشلا في الهجرة إلى أوروبا عبر ليبيا، ما اضطرهما إلى البحث عن وسيلة تمكّنهما من العيش في منطقة تعاني تبعات تغير المناخ، حسبما ذكر موقع “ريلايف ويب”.
وتقوم مزرعة ميسيراه على أكتاف النساء بصورة رئيسة، إذ يزرعن خضروات، مثل الطماطم، والبصل، والباذنجان، إضافة إلى السمسم والكركديه.
فشل الهجرة
في 2018، عاد شابان سنغاليان إلى موطنهما في قرية ميسيراه شمال العاصمة داكار، بعد أن فشلا في الهجرة إلى أوروبا عبر ساحل البحر الأبيض المتوسط في ليبيا، وشرعا بتنفيذ مشروع زراعة الخضروات وبعض المحاصيل، بعد حفر بئر في القرية، بمساعدة منظمة الأمم المتحدة للهجرة، والتي وفرت لهما تدريبًا في هذا المجال.
ورغم أن القرية تقع على ضفاف نهر، فإن منطقة كازامانس، وهو اسم النهر، والمعروفة بنباتاتها الاستوائية، لم تكن بمعزل عن مشكلات تغير المناخ.
وتعاني منطقة كولدا حول قرية ميسيراه من تعرّضها للجفاف، وعدم انتظام هطول الأمطار، إضافة إلى زيادة ملوحة أراضيها، خاصة بالقرب من المناطق الساحلية؛ بسبب تآكل الشواطئ، وارتفاع مستوى سطح البحر.
كما لا تسقط الأمطار بصورة منتظمة، ما يؤثّر سلبًا في المياه الجوفية، وتنوّع المحاصيل الزراعية.
تدريب فني
وفّرت منظمة الأمم المتحدة للهجرة، للمواطنَين السنغاليَين، ساليف بادجي وماندينغ تاكي، تدريبًا فنيًا، وأدوات؛ لإقامة مشروع زراعي، يعتمد على استخدام الطاقة الشمسية في ريّ النباتات والعمل في المزرعة.
واستطاع المواطنان حشد عدد كبير من النساء وكبار السن للعمل في المزرعة، التي تعتمد على نظام بيئي سليم، ما منحهم فرص عمل مستدامة، ومقاومة آثار تغير المناخ والاحتباس الحراري.
وترتفع معدلات البطالة في منطقة كولدا التي تضم قرية ميسيراه وتصل نسبتها إلى 38.8%، تتبعها ماتام في الشمال الشرقي للبلاد بنسبة بطالة 54.2%، وهما تفوقان متوسط البلاد بكثير، إذ يقف معدلها عند 25.7%، وهو ما يجعل مشكلات تغير المناخ ضغوطًا إضافية.
النساء الأكثر تضررًا
يؤثّر تغير المناخ في نساء القرية السنغالية بنسبة أكبر من غيرها، وهن الأكثر تضررًا؛ لأنهن عادة ما يعملن في الزراعة، وهو ما ينعكس سلبًا على أسرهنّ أيضًا.
وقالت إحدى العاملات بالمشروع الزراعي للقرية، في مجال زراعة البصل والكركديه، وتدعى فاتوماتا، وهي أمّ لـ5 أطفال، هاجر زوجها إلى إسبانيا قبل 3 سنوات، ولم يعد قادرًا على دعمهم: “أصبحتُ قادرة على شراء مستلزمات أطفالي لمدة طويلة”.
لم يساعد المشروع سكان القرية للحصول على فرصة عمل، وتوفير دخل فقط، بل أسهمَ في تحسُّن العلاقات الاجتماعية، وأبدل شعور الخزي عند العائدين من فشل تجربة الهجرة إلى إحساس بالفخر.
اقرأ أيضاً: التغير المناخي.. أفريقيا تدفع فاتورة انبعاثات الدول المتقدمة (تقرير)
يبدو أن قارّة أفريقيا ستتحمل أكثر من غيرها تبعات أزمة التغير المناخي، على الرغم من عدم مساهمتها بشكل كبير فيها مقارنة بالدول المتقدمة، التي ترفض حاليًا دعم البلدان النامية.
وتواجه أفريقيا معدلات ارتفاع درجات الحرارة أسرع من باقي دول العالم، على الرغم من أنها مسؤولة عن أقلّ نسبة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، وهي 3.8% فقط.
ومع الجهود المبذولة في قمة المناخ كوب 26، التي انعقدت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، للفت انتباه العالم إلى الحاجة الملحّة لمعالجة تغير المناخ واختُتمت بموافقة 197 دولة على ميثاق القمة، تفاوتت الآراء بشأن نجاحها.
ويعود الفضل في التوصل إلى اتفاق في قمة المناخ كوب 26 للدول النامية، ومنها الأفريقية، التي اختارت عدم الإصرار على أن تدفع الدول الغنية، التي تسببت في الانبعاثات القياسية لغازات الاحتباس الحراري، تعويضات عن الأضرار المناخية، وفقًا لما نشرته مجلة “إي إس آيأفريكا”.
تأثير التغير المناخي في أفريقيا
يتوقع المحللون أن تواجه أفريقيا زيادات كارثية في درجات الحرارة تصل إلى 3 درجات مئوية بحلول عام 2050، إذا لم يتحقق هدف الحدّ من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
ويزداد تهديد أزمة التغير المناخي في أفريقيا ليطال الناتج المحلي الإجمالي للدول الأفريقية الأكثر عرضة لتداعيات الأزمة.
ومن المتوقع أن ترتفع خسائر النشاط الاقتصادي من 660 مليار جنيه إسترليني (899481 مليار دولار) في 2018 إلى أكثر من 1 تريليون جنيه إسترليني (136.285 تريليون دولار) في عام 2023، وهو ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لأفريقيا.
ولم تشهد أجزاء من شرق أفريقيا مطرًا منذ سنوات، وهي تكافح الجفاف، بينما سجلت منطقة الساحل في غرب أفريقيا ارتفاعًا حادًا في النزاعات بين المزارعين والرعاة بسبب فقدان الغطاء النباتي، حسبما نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
وفي جنوب مدغشقر، تغلي العائلات أوراق الصبار للحصول على الطعام فيما تسميه الأمم المتحدة واحدة من أولى المجاعات في العالم الناجمة عن التغير المناخي.
وتنعكس أزمة التغير المناخي على مشروعات التنمية في قارّة أفريقيا، التي تضم نحو 1.2 مليار شخص، نصفهم لا يحصلون على الكهرباء، وهي مجموعة تعادل مجموع سكان الاتحاد الأوروبي.
ورغم توجّه الاتحاد الأفريقي لزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2050، يُلاحَظ أن عددًا قليلًا من البلدان، مثل جنوب أفريقيا ومصر وإثيوبيا والمغرب، لديه قدرات عالية في مجال الطاقة المتجددة حاليًا.
سُبُل مواجهة التغير المناخي
يمكن للدول الأفريقية الاستفادة من البند الفرعي من المادة 6 من اتفاقية باريس للمناخ الذي يسمح للبلدان ذات الانبعاثات العالية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بتعويضها من خلال الاستثمار في مبادرات مستدامة.
وتشمل تلك المبادرات إعادة التحريج في البلدان منخفضة الانبعاثات، ومنها البلدان الأفريقية، ويمكن أن تتخذ المبادرات نمط شراكات لتحفيز مشروعات الطاقة منخفضة الكربون، مثل الطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية وطاقة الرياح.
وتمثّل إعادة توجيه أموال الحكومات المحلية نحو خطط مستدامة أحد الخيارات لمواجهة أزمة التغير المناخي.
وقد ارتفع المبلغ الإجمالي الذي قدّمته الحكومات الوطنية الأفريقية في دعم الوقود الأحفوري إلى 55 مليار جنيه إسترليني (74,9 مليار دولار) في عام 2015 وحده، مما تسبّب في دعوات “للتخفيض التدريجي” لهذه الإعانات من أجل تكريسها في ميثاق غلاسكو للمناخ.
محطة نور للطاقة الشمسية المركزة قرب ورزازات في المغرب
الدعم المالي
نظرًا لأن أموال الدعم كانت تتدفق إلى قطاع الوقود الأحفوري الذي يوظف أقلّ من 1% من القوى العاملة في أفريقيا، يمكن الاستعاضة عن ذلك بإعادة استثمارها في الاقتصادات الأفريقية، وخلق فرص عمل شاملة وصديقة للبيئة.
ومن الممكن استخدام تلك الأموال لتمويل شركات ناشئة، مثل شركة “إغجينيه ميكرز” الكينية التي تصنع قوالب الأرصفة والبلاط من البلاستيك المعاد تدويره.
في المقابل، تخطو العديد من الدول الأفريقية خطوات واسعة أيضًا للانتقال إلى الطاقة المتجددة، على الرغم من مسؤوليتها المحدودة في التغير المناخي.
ومن الأمثلة على مشروعات الطاقة المتجددة محطة نور للكهرباء في المغرب، أكبر منشأة في العالم للطاقة الشمسية المركزة (سي إس بي)، التي تحوّل طاقة الشمس إلى كهرباء لنحو مليوني أسرة.
وتولد المنشأة أكثر من ثلث كهرباء المغرب، إلى جانب تقليل انبعاثات الكربون بنحو 690 ألف طن سنويًا.
تجدر الإشارة إلى أن الطاقة الشمسية المركزة، على عكس الألواح الكهروضوئية المستخدمة على نطاق واسع، تتيح تخزين الطاقة الشمسية في الليالي والأيام الملبدة بالغيوم.
ولا تقتصر فوائد هذه المشروعات على خلق فرص عمل كثيرة، بل تتعدى ذلك إلى تحقيق عائدات كبيرة، ويمكن إضافة ما يصل إلى 236 مليار جنيه إسترليني (321 مليار دولار أميركي) من فرص الأعمال الجديدة التي تهدف إلى حماية النظم الغذائية والأراضي للمناخ.
يضاف إلى تلك الفوائد الحفاظ على النظم البيئية للغابات المحلية وإنعاش المساحات الطبيعية المتضررة ودعم اقتصادات أفريقيا من الآن وحتى عام 2030.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية