باتت العقوبات الغربية على موسكو هاجسًا مخيفًا للكثير من الدول، ودفع ذلك الصين للجوء إلى طريقة غير مألوفة لنقل النفط الروسي إلى أراضيها.
فقد بدأ التجار في استخدام ناقلات مكلفة صغيرة لشحن الخام الروسي إلى الصين بعدما تخلى الكثير من العملاء الأوروبيين عن شحناتهم.
ووفقًا لتقارير الشحن التي أجرتها شركة البيانات المالية ريفينيتيف وشركة تتبع الشحنات فورتكسا، من المقرر تحميل قرابة 5 ملايين برميل من خام الأورال الروسي خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار لإرسالها إلى الصين، وذلك عبر 4 ناقلات من نوع أفراماكس تحمل كل منها 730 ألف برميل، وناقلتين من نوع سويس ماكس تحمل كل منهما نحو مليون برميل.
وكان السائد استخدام ناقلات نفط ضخمة جدًا قادرة على استيعاب مليوني برميل، لشحن خام الأورال إلى الصين قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.
الناقلات الصغيرة
يسلط الطلب على الناقلات الصغرى الضوء على التغييرات في التدفقات التجارية، في ظل ما تتعرض له صادرات الخام الروسي من الموانئ في بحر البلطيق والبحر الأسود -الموجهة سابقًا لعملائها الأوروبيين- لضغوطات بعدما توقفت شركات النفط العالمية والتجارية عن الشراء، وتكافح للعثور على مشترٍ، حسب وكالة رويترز.
وقال تاجر نفط صيني إنه كان من النادر نقل خام الأورال بواسطة ناقلات صغيرة؛ نظرًا لأنها غير مجهزة للقيام برحلات طويلة، إلى جانب تكلفتها الباهظة على أساس البرميل الواحد، مشيرًا إلى ضرورة عرض النفط الروسي بسعر زهيد لتحقيق ذلك.
ويبلغ السعر الفوري لخام الأورال في شمال غرب أوروبا أدنى مستوياته بنحو 34.85 دولارًا للبرميل مقارنة بسعر خام برنت.
ووفقًا للتجار، سيساعد ذلك في تغطية تكلفة الشحن التي تتراوح بين 16 و17 دولارًا للبرميل على ناقلة أفراماكس، وهو ما يعادل 4 أضعاف تكلفة ناقلات النفط الخام الكبيرة جدًا (في إل سي سي).
ومن المتوقع أن تستفيد مصافي التكرير في الهند والصين من الانخفاض الهائل في الأسعار، رغم أنهما لم يعتادا على شراء خام الأورال بانتظام في السابق.
كيف يُنقل النفط الروسي؟
تُظهر بيانات ريفينيتيف أن الكميات المنقولة من خام الأورال إلى الصين خلال شهر أبريل/نيسان، والبالغة 5 ملايين برميل، تعد الأكبر منذ عام 2020.
وخلال الشهر الجاري، نُقل نحو 19 مليون برميل إلى الهند، مقارنة بلا شيء في يناير/كانون الثاني الماضي، قبل أن تبدأ روسيا غزوها لأوكرانيا، أو ما تطلق عليه “عملياتها الخاصة”.
وجرت العادة بتحميل نفط الأورال من موانئ البلطيق الروسية في بريمورسك وأوست لوغا، وميناء نوفوروسيسك بالبحر الأسود، والتي لا يمكنهما استيعاب سوى ناقلات بحجم أفراماكس أو سويس ماكس.
بعد ذلك، يُعاد شحن حمولتين أو أكثر إلى ناقلات نفط عملاقة بالقرب من ميناء سكاو الدنماركي، وميناء أوغوستا الإيطالي قبل إرسال النفط إلى الصين، ويسهم ذلك في خفض تكلفة الشحن، لكن بعد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا، أصبحت هذه الطريقة الصعبة.
وأوضح تاجر صيني أن مع رفض الموانئ الأوروبية ومفتشي الجودة رسو الناقلات الروسية، لم يعد هناك خيار سوى نقل الناقلات الصغيرة مباشرة إلى الصين.
كما أصبح من الصعب على المستأجرين العثور على سفن أكبر، حيث يتجنب أصحابها حمل النفط الروسي.
اقرأ أيضًا: النفط الروسي يشق طريقه إلى أوروبا بحيلة ماكرة
شق النفط الروسي طريقه مرة أخرى إلى أوروبا في الأسابيع الأخيرة من خلال حيلة ماكرة، إذ تشكّلت سوق مبهمة لإخفاء مصدره.
فحتى مع تزايد التهديدات والعقوبات والدعاية السلبية، يغادر النفط روسيا في ناقلات متجهة إلى وجهة غير معروفة، ويشتريه التجار الأوروبيون تحت الأنظار.
ووفقًا لموقع “تانكر تراكرز”، ارتفعت صادرات النفط الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي -التي كانت أكبر مشترٍ للخام الروسي- إلى 1.6 مليون برميل يوميًا في المتوسط خلال الشهر الجاري.
ويأتي ذلك بعد انخفاض الصادرات إلى 1.3 مليون برميل يوميًا في مارس/آذار عقب غزو روسيا لأوكرانيا.
كما أظهرت بيانات مماثلة من شركة أبحاث السوق كبلر، أن التدفقات ارتفعت إلى 1.3 مليون برميل يوميًا في أبريل/نيسان من مليون برميل في منتصف مارس/آذار.
وجهة غير معروفة
على الرغم من عدم وجود عقوبات رسمية من الاتحاد الأوروبي تحظر استيراد النفط الروسي، فقد فرض التجار الأوروبيون عقوبات على أنفسهم لوقف استيراد مصادر الطاقة الروسية، خوفًا من الإشارة إليهم بتمويل حكومة متهمة بارتكاب جرائم حرب.
لكن بدأت سوق مبهمة تتشكل لإخفاء مصدر النفط الروسي، إذ يُجرى شحن النفط من المواني الروسية على نحو متزايد إلى وجهات غير معروفة، حسبما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال.
ووفقًا لبيانات موقع تانكر تراكرز، هذه الممارسات آخذة في الازدياد، فهناك ناقلات محملة بأكثر من 11.1 مليون برميل غير معروف مسارها حتى الآن خلال الشهر الجاري، ارتفاعًا من لا شيء تقريبًا قبل الغزو.
ويرجع أحد أسباب التعتيم على أصول النفط الروسي هو أن البلدان بحاجة ماسة إلى النفط الخام اللازم لحماية الاقتصادات من خطر الانهيار ومنع أي زيادات أخرى في أسعار الوقود.
لكن الشركات ووسطاء النفط يريدون تداوله بسرية تامة، وتجنّب أي رد فعل سلبي لتسهيل المعاملات التي توفر في النهاية الأموال لموسكو وتغذي حروبها.
ويرى المحللون والتجار أن استخدام علامة “الوجهة غير المعروفة” يعني أن النفط يُنقل إلى سفن أكبر في البحر ويُجرى تفريغه، ثم يُخلط الخام الروسي بنفط من وجهات أخرى، وبذلك لا يُعرف مصدره.
وأشاروا إلى أن هذه الممارسات قديمة واستخدمتها -لأول مرة- دول أخرى خاضعة للعقوبات؛ من بينها إيران وفنزويلا.
ووفقًا لمشغلي السفن، كانت سفينة “إيلاندرا دينالي” ترسو قبالة ساحل جبل طارق الأسبوع الماضي، عندما تلقت 3 شحنات نفط من ناقلات أبحرت من مواني أوست لوغا، وبريمورسك في روسيا.
كما تُظهر سجلات السفينة أنها غادرت ميناء إنتشون في كوريا الجنوبية، وتخطط للوصول إلى روتردام، وهو ميناء تكرير رئيس في هولندا.
وقال التجار إن النفط المعروف بـ”مزيج لاتفيا” و”مزيج تركمانستان”، سيُعرض في السوق علمًا بأنه يحتوي على كميات كبيرة من النفط الروسي.
حظر النفط الروسي
تُعد صناعة النفط شريان الحياة للاقتصاد والإنفاق الحكومي في روسيا، وكافحت لبيعه بالكميات والأسعار نفسها كما كانت قبل الحرب، ما أسفر عن تراكم صناعتها النفطية المحلية.
وكانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا حظرت استيراد النفط الروسي، لكن الاتحاد الأوروبي لم يحسم موقفه بعد، إذ يستورد نحو 27% من احتياجاته النفطية من روسيا، محاولًا التوازن بين رغبته في عزل روسيا دون إلحاق الضرر بالاقتصاد في ظل ارتفاع أسعار الطاقة.
وعلى الرغم من عدم وجود عقوبات، فرضت العديد من شركات الطاقة الأوروبية قيودًا على نفسها في الأسابيع التي أعقبت الغزو، إذ جف التمويل المصرفي للتجارة وارتفعت تكاليف التأمين.
بينما تراجعت صادرات النفط من روسيا في مارس/آذار، ما أدى إلى ارتفاع مستويات التخزين المحلية وانخفاض الإنتاج في بعض المصافي.
ويشير الارتفاع في الشحنات إلى أوروبا خلال أبريل/نيسان، والشحنات دون وجهة، إلى أن بعض الشركات تجد حلولاً بديلة.
وفي هذا الشأن، قال محلل السلع الأساسية في شركة “يو بي إس” للخدمات المالية، جيوفاني ستونوفو، “إنه حال فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات كاملة على النفط الروسي سيكون بمثابة القول إن راتبك سينخفض بنسبة 40% غدًا، ويتعين عليك مواصلة العيش وكأن شيئًا لم يحدث”.
أسعار مغرية
في غضون ذلك، يُباع النفط الروسي في الأسواق بأسعار منخفضة يجدها الكثير من الشركات والتجار مغرية.
ووفقًا للمتداولين، يُسعّر خام الأورال الروسي الشهير أقل بنحو 20 إلى 30 دولارًا أميركيًا من سعر خام برنت مقارنة بأقل من دولار أو دولارين قبل الغزو.
لذا أبرمت روسيا بعض الصفقات لبيع النفط للمشترين في الهند، وتضاعف عدد البراميل المتجهة إلى رومانيا وإستونيا واليونان وبلغاريا هذا الشهر مقارنة بشهر مارس/آذار، كما ارتفعت الكميات المتجهة إلى هولندا، أكبر مشترٍ أوروبي للغاز الروسي، وفنلندا.
بالإضافة إلى ذلك، يسارع بعض المشترين لإنجاز صفقاتهم تحسبًا لفرض قيود جديدة محتملة، في حين ينفذ آخرون صفقات مبرمة قبل الغزو، إذ ستجبرهم العقوبات على فسخ العقود.
وقال أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، سايمون جونسون، إن حقيقة شرائهم كميات أكبر مقارنة بالسابق قبل الغزو تشير إلى أن ذلك لا يرجع إلى العقود طويلة الأجل فقط، وإنما يتعلق -أيضًا- بالأسعار الرخيصة، ويمكن أن يستمر ذلك حتى اتخاذ قرار فرض حظر بالكامل.
انتقادات حادة
وفقًا لمنظمة غلوبال ويتنس، استأجرت شركات النفط الكبرى ومؤسسات السلع الأساسية -ومن بينها شل وريبسول وإكسون موبيل وإيني وترافيجورا وفيتول- سفنًا لنقل الخام من محطات النفط الروسية على البحر الأسود وبحر البطليق إلى موانٍ في الاتحاد الأوروبي.
وأظهرت البيانات أن الشحنات وصلت إلى إيطاليا وإسبانيا وهولندا هذا الشهر.
وقال متحدث باسم ريبسول إن الإمدادات الأخيرة مرتبطة بالتزامات طويلة الأجل تعهدت بها الشركة قبل الغزو.
بينما علقت شركات شل وإكسون موبيل وإيني على ذلك بأنها نقلت النفط من كازاخستان عبر ميناء روسي، أما ترافيجورا فقالت إنها تتداول النفط الروسي لكن بكميات أقل مقارنة مما كانت عليه قبل الغزو، في حين لم تعلق فيتول.
وعلى الجانب الآخر، أعلنت شركة شل في مطلع هذا الشهر أنها ستتوقف عن شراء النفط الروسي في السوق الفورية، لكن بموجب العقود الموقعة قبل الغزو، فهي ملزمة بتسلم الخام.
وتُعرّف الشركة الأنجلو هولندية المشتقات المكررة بأن منشأها روسي إذا كانت تحتوي على 50% أو أكثر من النفط الروسي، ما يفتح المجال لتداول منتجات، مثل الديزل، إذا كان تحتوي على 49.9% أو أقل من الخام الروسي.
وفي هذا الصدد، أرسلت الحكومة الروسية خطابًا إلى الرئيس التنفيذي للشركة، بن فان بيردن، في منتصف هذا الشهر، تنتقد فيه نهج شل، وقالت في رسالتها “إن مواصلة أي شركة بتمويل حرب بوتين عن طريق الحيل المحاسبية أمر مؤسف”.
ووصف المستشار الاقتصادي للرئيس الأوكراني أوليغ أوستينكو، تمويل العديد من الحكومات والمؤسسات للاعتداءات ضد شعبه بأنها وصمة عار.
بينما عقّب المتحدث باسم شل بأن “القيود التي تفرضها الشركة على نفسها تتجاوز أي إجراءات سارية داخل الاتحاد الأوروبي حاليًا”.
وعلى صعيد متصل، يصيغ الاتحاد الأوروبي خطة لحظر محتمل للنفط الروسي، لكن ما يزال التوقيت قيد الدراسة بسبب الانتخابات الفرنسية المقبلة والضغط من ألمانيا.
وردًا على ذلك، قال أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، سايمون جونسون: “حتى لو فرض الاتحاد الأوروبي بعض الحظر على النفط، فهل سيفكرون في فرض عقوبات على الناقلات؟ لا سيما مع توقع أن أغلب عمليات النقل من سفينة إلى أخرى تُجرى بعيدًا عن الساحل”.
اقرأ أيضًا: النفط الروسي يتعرض لأكبر نكسة عقب الحرب الأوكرانية
يواجه النفط الروسي -محور الاقتصاد في البلاد- ضربة قوية بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية؛ إذ تخفض المصافي والآبار الإنتاج، كما تمتلئ مرافق التخزين والأنابيب.
وتعتمد الدرجة التي يتأثر بها إنتاج النفط في روسيا على قدرة موسكو نحو إيجاد مشترين جدد في آسيا، مع ابتعاد العملاء الأميركيين وبحث الكثيرين في أوروبا عن أماكن بديلة للإمدادات، حسبما أفاد تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وصرّحت وكالة الطاقة الدولية بأنه لا توجد بادرة حتى الآن على أن الصين تتسابق لاستيراد البراميل التي طالما تجنّبها مشترو النفط الروسي.
ومن شأن الانخفاض المستمر أن يقوض المحرك الرئيس للنمو الروسي تمامًا، إذ تُفرض العقوبات لدفع الاقتصاد إلى ركود عميق.
“نكسة” النفط الروسي
شدد التقرير على أن الخسائر حتى الآن متواضعة، وتواصل الصناعة عمومًا توليد كميات كبيرة من الإيرادات إلى موسكو.
إلا أن تجارًا ومحللين يقولون إن مشكلات نقل الخام من الأرض إلى المستخدمين النهائيين من المرجح أن تزداد في الأشهر المقبلة.
وفي أحدث مؤشر على وجود مشكلات في المستقبل، توقعت وكالة الطاقة الدولية يوم الأربعاء أنه سيجري إغلاق ما يقرب من 3 ملايين برميل يوميًا من الإنتاج الروسي بدءًا من مايو/أيار.
وسيؤدي ذلك إلى خفض الإنتاج إلى أقل من 9 ملايين برميل يوميًا، وهي نكسة أكبر مما توقعه محللون آخرون، بحسب التقرير.
فمع وجود عدد أقل من الأماكن التي يذهبون إليها لبيع نفطهم الخام، يخفّض المنتجون الروس إنتاجهم.
إذ صرّحت المؤسسة المشاركة لشركة إنرجي أسبكتس، أمريتا سين، بأن إنتاج الخام والمكثفات انخفض إلى 10.5 مليون برميل يوميًا.
وهذا أقل من 11.1 مليون برميل يوميًا قبل غزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط، ومقارنةً بالطلب العالمي على النفط البالغ نحو 100 مليون برميل يوميًا.
وفي حالة استمرارها حتى أبريل/نيسان، فإن الخسائر الحالية ستعيد إنتاج النفط الروسي إلى مستويات يوليو/تموز 2021، قبل سلسلة من زيادات الإنتاج من قبل تحالف أوبك+ المصممة لتلبية الطلب مع تعافيه من جائحة كورونا، وفقًا لـ لامبرت إنرجي أدفايزوري.
أزمة مصافي التكرير الروسية
أشار تقرير وول ستريت جورنال إلى أن تشغيل المصافي في روسيا أصبح بوتيرة أبطأ، لأنها غير قادرة على العثور على عدد كافٍ من المشترين للديزل والبنزين وغيرهما من المنتجات.
وقال رئيس أبحاث النفط في إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس، ريتشارد جوسويك، إن نحو 1.7 مليون برميل يوميًا من إنتاج المصافي كانت خارج نطاق العمل في الأسبوع المنتهي في 8 أبريل/نيسان.
هذه سعة أكبر بنسبة 70% في وضع عدم الاتصال مقارنةً بمستويات فترات التوقف المعتادة خلال موسم الصيانة في الربيع.
وكتب الرئيس التنفيذي لشركة لوك أويل، فاغيت ألكبيروف، إلى نائب رئيس الوزراء، ألكسندر نوفاك، في أواخر مارس/آذار، لإخباره أن المخزونات كانت تفيض بالنفط، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة كوميرسانت الروسية.
وطالب رئيس ثاني أكبر شركة نفط روسية بإعادة توجيه زيت الوقود لمحطات الكهرباء لتجنب إغلاق المصافي، بحسب التقرير.
انخفاض الطلب ليس التحدي الوحيد!
يقول محللون إنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت صناعة الطاقة الروسية ستعاني أضرارًا دائمة.
إذ أوضح التقرير أن هناك مؤشرات على أن البلاد تتكيّف بسرعة مع الطلب المفقود في الغرب، بإرسال المزيد من شحنات النفط الخام إلى تركيا والهند، من بين دول أخرى.
ومع ذلك، فإن انخفاض الطلب على النفط الروسي من الشركات الغربية يُضاف إلى تحدٍ منفصل للشركات العملاقة روسنفط وغازبروم ومنافساتهما الصغريات: الوصول إلى التمويل والآلات وقطع الغيار.
إلا أن التقرير أشار إلى أنه يُمكن تصنيع أبسط المكونات محليًا أو الحصول عليها من الصين.
وقال شخص مطلع على صناعة النفط الروسية، إن بعض المحفزات وأجهزة الاستشعار المستخدمة في المصافي تصنعها -إلى حد كبير- شركات أميركية وأوروبية، ما يثير مخاوف بشأن عدم القدرة على الوصول إليها لمواصلة تشغيل المصافي.
نفاد المساحات في مرافق التخزين
شدد التقرير -أيضًا- على أن الصعوبات في صناعة التكرير تنعكس من خلال صناعة الطاقة، وتؤثر في قدرة روسيا على إنتاج النفط الخام الأسود الكثيف الذي لم تجرِ معالجته ليصبح وقودًا صالحًا للاستخدام، حسبما أكد التقرير.
يقول تجار ومحللون إن مساحة تخزين النفط تتقلص على ما يبدو في شبكة خطوط أنابيب ترانسنفط المملوكة للدولة مع انخفاض تدفقات الخام إلى المصافي، إلا أنه من الصعب قياس كمية النفط الخام المتبقية في الشبكة.
قال جوسويك إن العديد من صهاريج التخزين في روسيا لها أسقف ثابتة أو مغطاة أو تحت الأرض، لذا لا تستطيع الأقمار الصناعية تقدير النفط بداخلها من خلال تتبع ارتفاع السقف.
التداعيات على سوق النفط العالمية
سيكون لانخفاض صناعة التكرير الروسية تداعيات كبيرة على سوق النفط العالمية، إذ كانت روسيا -قبل الحرب- ثالث أكبر منتج للنفط بعد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
كما كانت أكبر مصدر في العالم، إذ تشحن 5 ملايين برميل من النفط الخام والمكثفات يوميًا، إلى جانب 2.9 مليون يوميًا من المنتجات المكررة، خاصةً الديزل.
وتعتمد أوروبا خصوصًا على الديزل الروسي الذي ارتفعت أسعاره بعد الحرب، وهو ما دفع الحكومات في المملكة المتحدة وفرنسا وأماكن أخرى إلى خفض ضرائب المبيعات على وقود الطرق، تجنبًا لزيادة الضغوط الحالية على المستهلكين والشركات.
ومن جانبها، وافقت الولايات المتحدة وحلفاؤها على الإفراج عن أكثر من 100 مليون برميل من الاحتياطيات الحكومية، لخفض أسعار الطاقة المتزايدة.
وجرى تداول خام برنت عند 105.09 دولارًا للبرميل يوم الأربعاء، بانخفاض 6.7% عن الشهر السابق.
اقرأ أيضًا: خدعة موسكو لتصدير النفط الروسي وتجنب العقوبات.. نصفه يمر عبر قناة السويس
رغم العقوبات الغربية وحظر النفط الروسي، لا تزال صادرات موسكو متماسكة بشكل كبير، إلّا أن شحنات الخام بات يتعين عليها السير لمسافات أطول للعثور على مشترين.
وتعافت صادرات النفط من موسكو في الأسبوعين المنتهيين يوم 8 أبريل/نيسان، عقب تراجعها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط، بحسب بيانات وكالة بلومبرغ، التي تتتبّع الصادرات الروسية على متن ناقلات عابرة للمحيطات.
وبينما تتجاهل أحجام الصادرات الإجمالية قرارات حظر الاستيراد والعقوبات الأحادية، فإن المسافات التي تقطعها الشحنات للعثور على مشترين هي المتضرر الوحيد، بحسب التقرير.
شحنات النفط الروسي
بلغت الصادرات الروسية من النفط ما يقرب من 4 ملايين برميل يوميًا في أول أسبوع من أبريل/نيسان الجاري، لتكون أعلى مستوى أسبوعي هذا العام، بعد ارتفاعها بمقدار الربع تقريبًا عن الأسبوع السابق له.
والأمر نفسه ينطبق على عائدات رسوم التصدير التي تتلقّاها روسيا، إذ ارتفعت خلال الأسبوع المنتهي في 8 أبريل/نيسان لأعلى مستوى هذا العام، بعد انخفاضها في الأسبوعين السابقين، بحسب التقرير.
وحصل الكرملين على نحو 230 مليون دولار من صادرات النفط المنقولة بحرًا في الأسبوع المنتهي في 8 أبريل/نيسان، بدعم مزيج من أحجام الصادرات المرتفعة وزيادة الرسوم واجبة الدفع لكل برميل خلال هذا الشهر.
وقبل الحرب الروسية الأوكرانية، كانت موسكو -ثاني أكبر مصدّر للنفط عالميًا بعد السعودية- تصدّر تقريبًا 5 ملايين برميل يوميًا بقيمة سوقية فورية تزيد عن 500 مليون دولار، بعضها عن طريق خطوط الأنابيب مباشرة إلى مصافي التكرير في أوروبا والصين، في حين يُنقل 60% من النفط الروسي عن طريق البحر.
وجهات النفط الروسي
توقفت الولايات المتحدة عن شراء النفط الروسي، وستحذو المملكة المتحدة حذوها بحلول نهاية العام الجاري، فضلًا عن دول أخرى مثل أستراليا وكندا.
كما أعلنت شركات نفط كبرى، بما في ذلك شل وتوتال إنرجي وبي بي، التوقف عن شراء النفط من روسيا، ردًا على الحرب في أوكرانيا.
وتختفي الأسواق التقليدية شمال غرب أوروبا فيما يتعلق بصادرات روسيا من بحر البلطيق، مع العقوبات المفروضة على موسكو.
ونتيجة لذلك، فإن نصف السفن المحملة من موانئ شمال غرب روسيا في بريمورسك وأوست لوغا، الأسبوع الماضي -إمّا متجهة إلى آسيا، أو غير محددة الوجهات-، قد تتجه إلى آسيا عبر قناة السويس أو لإجراء عمليات نقل من سفينة إلى أخرى في البحر المتوسط.
بينما معظم الشحنات من نوفوروسيسك تبقى داخل منطقة البحر المتوسط، والتي تشمل موانئ البحر الأسود في بلغاريا ورومانيا، إّ جرى تفريغ 3 من إجمالي 7 شحنات.
ومن بين 21 شحنة من خام الأورال، شُحنت من موانئ بريمورسك وأوست لوغا ونوفوروسيسك في الأسبوع المنتهي يوم 8 أبريل/نيسان، تتجه 6 شحنات إلى الهند، و4 إلى وجهات غير معروفة، والباقي داخل أوروبا، وفقًا للتقرير.
بينما تتجه معظم شحنات النفط من موانئ روسيا الـ3 في المحيط الهادئ -والتي تهيمن عليها صادرات خام إسبو- إلى الصين، بحسب تقرير بلومبرغ.
تأثير العقوبات في رحلات نقل النفط
مع حظر عدّة دول وشركات حول العالم شراء النفط الروسي، أصبحت السفن المُحمّلة من روسيا تقطع مسافات أطول للعثور على مشترين.
ورغم أن البيانات الأولية تشير إلى أن تأثير العقوبات يكمن في المسافات التي تقطعها السفن، فإن هناك مؤشرات على أن التجّار بدؤوا العمل على طرق لجلب المزيد من الخام إلى آسيا، إذ يرغب المشترون في الاستفادة من الخصومات الكبيرة على النفط الروسي.
وبحسب بلومبرغ، فإن هناك أعدادًا متزايدة من ناقلات النفط العملاقة، بعضها قادر على حمل مليوني برميل، تقوم بتحميل الخام الروسي من سفن أصغر في البحر المتوسط وأماكن أخرى.
ربما يكون التأثير الأولي الأكبر لحظر استيراد الخام الروسي هو الرحلات الطويلة وغير العادية التي بدأت بعض الشحنات في القيام بها.
وعلى سبيل المثال، عبرت سفينة (بكين سبيريت) المحيط الأطلسي بشحنة من نفط فاراندي الخام من شركة لوك أويل، شُحنت من ميناء مورمانسك، وتوجهت في البداية إلى فيلادلفيا.
وفي منتصف الطريق، عادت السفينة مرة أخرى متجهة إلى البحر المتوسط ، لتُفرّغ النفط بنهاية المطاف في مصفاة آي إس إيه بي التابعة لشركة لوك أويل في جزيرة صقلية الإيطالية.
وفي الغالب، تُنقل الشحنات من السفن التي تحمل النفط من الموانئ الروسية إلى سفن أكبر بكثير؛ من أجل الاستفادة من وفورات الحجم في الرحلات الطويلة إلى الصين والهند.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية