تمتلك احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي.. هل يصبح الغاز حلًا سحريًا لأزمتي أفريقيا وأوروبا؟

تمتلك أفريقيا احتياطيات هائلة غير مستغلة من الغاز الطبيعي، يمكنها أن تلبي احتياجات القارة الأوروبية من الطاقة، وتُسهم في انتشال دول القارة من براثن الفقر والظلام وتحقيق التنمية الاقتصادية بها، حال توافر التمويلات اللازمة لاستخراج الوقود من أراضي القارة السمراء.

ويرى مستشارا الطاقة والمناخ في معهد توني بلير للتغير العالمي، عماد الدين أحمد، وغاريث والش، أن الدول الغربية يجب أن تعيد التفكير في سياستها بشأن حظر تمويل عمليات تطوير حقول الغاز في أفريقيا، بعد تعرُّض إمداداتها من الطاقة للخطر، جرّاء انهيار العلاقات الأوروبية مع روسيا، بعد هجومها على أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي.

وفي العام الماضي، استورد الاتحاد الأوروبي 155 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الروسي، تمثّل نحو 45% من وارادات أوروبا من الغاز، وما يقرب من 40% من إجمالي استهلاكها.

تطوير حقول الغاز الأفريقية

“يجب أن يتقلص اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، وهو ما يمكن تحقيقه عبر تطوير حقول الغاز الأفريقية، الأمر الذي سينعكس إيجابًا على التنمية الاقتصادية والأمن الغذائي في واحدة من أفقر مناطق العالم”، بحسب مقال لأحمد ووالش على موقع أفريكان بيزنس.

ولتحقيق ذلك يجب على الدول الأوروبية إعادة النظر في سياستها التمويلية لاكتشافات الغاز.

وكانت المملكة المتحدة وأميركا قد أعلنتا قبيل فعاليات مؤتمر المناخ كوب 26 -الذي استضافته مدينة غلاسكو الإسكتلندية، العام الماضي- أنهما لن تقدما تمويلات بشروط ميسرة لتطوير حقول الغاز، وقد كانت هذه أخبار صادمة للحكومات في أفريقيا جنوب الصحراء، إذ اكتُشف ثلث احتياطيات الغاز الجديدة في العالم خلال العقد الماضي.

ويوجد نحو 60% من الاحتياطيات القابلة للاستخراج في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في مناطق المياه العميقة.

 

ويمكن أن يُسهم الغاز المستخرج من هذه الحقول في زيادة معدلات التصنيع والإنتاجية الزراعية بدعم من استخدام الأسمدة، وبالتالي تحقيق الأمن الغذائي والنمو الاقتصادي في المنطقة.

ومن المتوقع، ارتفاع إنتاج الغاز الطبيعي في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بأكثر من الضعف هذا العقد من 1.3 مليون برميل نفط مكافئ يوميًا في العام الماضي، إلى 2.7 مليونًا بحلول 2030.

وفي الوقت ذاته، يمكن أن يُسهم الغاز الأفريقي في تقليل اعتماد أوروبا على الإمدادات الروسية، دون الحاجة إلى اللجوء إلى الفحم، أو الاستمرار في دفع 200 إلى 800 مليون يورو يوميًا لروسيا.

وتجوب أوروبا دول العالم شرقًا وغربًا بحثًا عن إمدادات بديلة للغاز الروسي، كما تسعى لتنويع إمداداتها من الطاقة، عبر إطالة عمر محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم، والتوسع في محطات الطاقة النووية والمصادر المتجددة.

وتمتلك دولًا -مثل موزمبيق وتنزانيا والسنغال وموريتانيا- احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي.

وتسيطر موزمبيق على 52% من إجمالي موارد الغاز القابلة للاستخراج في أفريقيا جنوب الصحراء، تليها المنطقة البحرية السنغالية-الموريتانية بنسبة مجمعة 20%، ثم تنزانيا 12%.

دعم التصنيع والأمن الغذائي في أفريقيا

إلى جانب دوره المهم في مساعدة أوروبا على تجنُّب اللجوء إلى استخدام الفحم المدمر، يؤدي الغاز الطبيعي دورًا حيويًا في دعم التصنيع والأمن الغذائي في أفريقيا جنوب الصحراء، إذ يعاني واحد من كل 5 سوء التغذية، ويتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 35 مرة أقل مما هو عليه في الاتحاد الأوروبي، كما يعيش الأغلبية في الظلام.

وتُعد المتطلبات الأساسية للتصنيع، الطريق الوحيد المؤكد للتنمية الاقتصادية للملاذات غير الضريبية، هي الطاقة منخفضة التكلفة والموثوقة، إذ يتقلص نطاق الطاقة الكهرومائية مع تزايد حالات الجفاف وشدتها.

ويرى كاتبا المقال أنه إذا ضاعفت 48 دولة في أفريقيا جنوب الصحراء استهلاكها للكهرباء 3 مرات بين عشية وضحاها، اعتمادًا بنسبة 100% على الغاز الطبيعي، فإن هذا السيناريو غير الواقعي سيُسهم فقط في 0.6% من الانبعاثات العالمية لغاز الاحتباس الحراري.

ومن المتطلبات الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي، استخدام الأسمدة، التي يعتبر الغاز أحد مكوناتها الحيوية.

ويقلُّ استخدام الأسمدة في أفريقيا جنوب الصحراء لكل هكتار عن سُبع المعدل المستخدم في الدول ذات الدخل المرتفع.

ويجب أن يزداد معدل استخدام الأسمدة في الدول الأفريقية، للتخفيف من مشكلات الأمن الغذائي، التي تسببت فيها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الدول المتقدمة خلال القرن الماضي.

ويمكن أن يساعد تمويل تطوير حقول الغاز، بأموال المساعدات الغربية، في ضمان نشر أحدث تقنيات احتجاز غاز الميثان والكربون وأكثرها فاعلية، وفي الوقت ذاته دعم مسار مجرب ومختبر للتنمية الاقتصادية.

ويجب أن تصاحب عملية التمويل عقودًا لتقاسم الإنتاج، تتضمن مستويات عادلة من العائدات إلى البلدان الأفريقية، وتضمن حسن الإدارة والشفافية في حسابات شركات الغاز، لتجنّب الاحتيال في أرباح الحكومات المنتجة.

اقرأ أيضًا: الغاز في أفريقيا.. هل يستطيع تعويض أوروبا عن الإمدادات الروسية؟


مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، واتخاذ العديد من الدول خطوة لتقليل اعتمادها على النفط والغاز الروسي، ظهرت فرصة ذهبية أمام الغاز في أفريقيا لترسيخ مكانة القارة السمراء بصفتها سوقًا للتصدير.

وترى مؤسسة التمويل الأفريقية (إيه إف سي) أن أزمة أمن الطاقة في أوروبا تمثل فرصة سانحة أمام إمدادات الغاز في أفريقيا، رغم ما تواجهه من تحديات البنية التحتية.

وتعتقد المؤسسة أن أفريقيا يمكن أن تحل محل النفط والغاز الروسي وسط اتجاه أوروبا لخفض اعتمادها على الإمدادات الروسية، ولا سيما أنها تمتلك بعضًا من أضخم الاحتياطيات في العالم.

وبالإضافة إلى تغيير بوصلة سوق التصدير، يتعين على أفريقيا استغلال مواردها من الغاز لدعم التصنيع المحلي، حسب موقع إنرجي فويس.

وتُعَد مؤسسة التمويل الأفريقية مؤسسة مالية متعددة الأطراف، تأسست في عام 2007 لتحفيز استثمارات القطاع الخاص في البنية التحتية بقارة أفريقيا.

الوقود الانتقالي

أشارت مؤسسة التمويل الأفريقية إلى قرار المفوضية الأوروبية للاعتراف بأن الغاز وقود انتقالي أثناء تحول الطاقة نحو تحقيق الحياد الكربوني.

وقالت إنها تعطي الأولوية لتطوير الغاز في أفريقيا، بالنظر إلى المصادر الهائلة في القارة وفرص الحصول على كهرباء رخيصة.

وأضاف الممول الأفريقي أنه يمكن للشراكات أن تمهد الطريق لتحقيق ذلك، بما يتماشى مع اتجاه أوروبا لتصنيف الغاز بصفته وقودًا أخضر.

ومن أجل اغتنام القارة هذه الفرصة، ستحتاج إلى استثمارات في البنية التحتية تتجاوز عمليات التنقيب والإنتاج.

ويرى أن البنية التحتية شرط ضروري حاسم للقارة للاستفادة من الفرص الحالية والمستقبلية، وستحتاج إلى الكهرباء والطرق والسكك الحديدية والموانئ لتوفير الموارد.

المتطلبات المحلية

في عام 2021، ارتفعت أعداد الأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على الكهرباء في القارة السمراء؛ لذا يمثل الغاز في أفريقيا فرصة لتلبية الطلب المحلي.

وقالت مؤسسة التمويل الأفريقية إنه بالنظر إلى أن أجزاء كبيرة من القارة وصلت لهدف الحياد الكربوني، يمكن تحقيق التنمية الصناعية باستغلال الغاز الطبيعي دون مساهمة كبيرة في انبعاثات الكربون العالمية.

وتابعت: “سيترتب على ذلك خلق فرص العمل والنمو الاقتصادي، وسيُمكن ذلك الدول الأفريقية من زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة لتحقيق الانتقال النهائي”.

وأوضحت أن الغاز في أفريقيا سيُسهم في توفير حاجة بلدان القارة فيما يتعلق بكهرباء الحمل الأساسي.

واستطردت قائلة إن الخطط المستقبلية لن تعتمد على إيقاف تشغيل مصادر الطاقة الحالية، وإنما إضافة مصادر بديلة لرفع حصة إمدادات الكهرباء، موضحة أنها ستواصل تمويل مشروعات الكهرباء باستخدام الغاز.

وترى المؤسسة أن استخدام الغاز سيساعد في الحفاظ على الغطاء الحرجي في أفريقيا بدلًا من حرق الأخشاب، وبقاء هذه الأشجار سيضمن امتصاص ثاني أكسيد الكربون.

الهروب من أفريقيا

رغم التزايد المستمر في الطلب الأوروبي؛ فإن مشروعات التنقيب والإنتاج في أفريقيا لم تعد مغرية كما كانت من قبل.

وأشار الممول الأفريقي في هذه النقطة إلى أن شركات النفط العالمية وشركات النفط الوطنية تُصَفي استثماراتها.

فعلى سبيل المثال، بدأت شركة إكسون موبيل الأميركية وشركة شل الأنجلو-هولندية بيع الأصول في نيجيريا، بينما شركة النفط الأنغولية سونانغول تبيع الأصول في أنغولا.

ومن ثَم يحمل هذا العام فرصة لزيادة مشاركة المستثمرين الأفارقة المستقلين في قطاع النفط والغاز.

ومع ذلك، سيتعيّن على الشركات في هذا القطاع إيلاء اهتمام متزايد لمتطلبات الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات؛ نظرًا لضرورة تأمين الدعم المالي العالمي.

وبالنظر إلى الضغوطات المتعلقة بانتقال الطاقة، ستحتاج شركات النفط والغاز إلى التركيز على القدرة التنافسية، مشيرًا إلى أن المصادر القوية ستكون في المقدمة، بجانب مصادر ذات انبعاثات كربونية أقل، وعائدات أفضل، ومردود أسرع.

ماذا عن كهربة أوروبا؟

بالتطلع إلى أفق أبعد في المستقبل، يمكن أن تؤدي الإمدادات الأفريقية -أيضًا- دورًا في كهربة أوروبا.

فالاعتماد المتزايد على السيارات الكهربائية سيتطلب سعة بطارية أكبر، ويمكن لأفريقيا أن تؤدي دورًا محوريًا في تحول أوروبا.

ووفقًا لرؤية مؤسسة التمويل الأفريقية، ستُصدر عملية تصنيع السلائف اللازمة للبطاريات في الكونغو انبعاثات أقل من نظيرتها في بولندا أو الصين.

وفي ظل الاضطرابات المتزايدة في سلاسل التوريد العالمية، قد يرى المصنعون الأوروبيون في القدرات الصناعية الأفريقية وسيلة لتحقيق التوازن الحالي المعتمد على الإمدادات الآسيوية.

يذكر أن مؤسسة التمويل الأفريقية أعلنت سابقًا أرباحًا بقيمة 209.7 مليون دولار في عام 2021، بزيادة قرابة 27% عن العام السابق، في حين ارتفع إجمالي الأصول إلى 8.56 مليار دولار.

كما أطلقت، العام الماضي، صندوقًا جديدًا يهدف لجمع 500 مليون دولار في البداية، وصولًا إلى ملياري دولار في السنوات الـ3 المقبلة، وستؤدي استثمارات الطاقة دورًا رئيسًا في خطط إدارة الأصول.

اقرأ أيضًا: إنتاج الغاز.. طفرة متوقعة في دول أفريقيا جنوب الصحراء بحلول 2030 (تقرير)


من المرجح أن يشهد إنتاج الغاز الطبيعي في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى طفرة قوية في السنوات المقبلة، مع تطوير مشروعات المياه العميقة.

وتتوقع شركة أبحاث الطاقة، ريستاد إنرجي، في تقرير حديث، ارتفاع إنتاج الغاز الطبيعي في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بأكثر من الضعف هذا العقد من 1.3 مليون برميل نفط مكافئ يوميًا في العام الماضي، إلى 2.7 مليونًا بحلول 2030.

وتاريخيًا، كان إنتاج الغاز الطبيعي في دول أفريقيا جنوب الصحراء منخفضًا، لكن تعوّل المنطقة على الاكتشافات الكبيرة غير المطورة في المياه العميقة، رغم أنها عرضة للتأخير جراء تحديات التمويل والتكلفة، واتجاه الشركات إلى خفض الانبعاثات.

إنتاج الغاز في المياه العميقة

من المتوقع ارتفاع إنتاج الغاز الطبيعي من مشروعات المياه العميقة في الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى في السنوات المقبلة من 120 ألف برميل نفط مكافئ يوميًا العام الماضي ما يعادل 9% من إجمالي الإنتاج، ليصل إلى مليون برميل نفط مكافئ يوميًا بحلول نهاية العقد الجاري، ويمثّل 38% من إجمالي الإنتاج بما ذلك الجرف واليابسة، بحسب التقرير.

وتتوقع ريستاد إنرجي استمرار زيادة إنتاج الغاز من المياه العميقة في دول أفريقيا جنوب الصحراء بأكثر من الضعف، ليصل إلى 2.1 مليون برميل من مكافئ النفط يوميًا بحلول عام 2035، ليُسهم بنحو 46% من إجمالي الإنتاج المتوقع عند 4 ملايين برميل نفط مكافئ يوميًا.

على الجانب الآخر، من المتوقع أن ينخفض ​​إنتاج السوائل في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لأقلّ من 4 ملايين برميل يوميًا للمرة الأولى فيما يزيد عن 20 عامًا، قبل أن يتعافى بحلول عام 2028، ويعود إلى مستويات عام 2020، والبالغة 4.4 مليون برميل يوميًا بحلول نهاية العقد.

وتتزايد الاستثمارات في الحقول الجديدة؛ إذ استحوذت مشروعات المياه العميقة على 8 مليارات دولار من إجمالي الاستثمارات في مجال الغاز والسوائل لدى دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والبالغة 12 مليار دولار.

وبحلول نهاية العقد، من المرجح أن تستحوذ مشروعات المياه العميقة على 24 مليار دولار من إجمالي الاستثمارات الجديدة البالغة 40 مليار دولار تقريبًا.

احتياطيات كبيرة

تأتي توقعات الإنتاج المتفائلة بناءً على الاحتياطيات القابلة للاستخراج والجداول الزمنية للتطوير والخطط المتعلقة بالمشروعات الجديدة.

وعلى سبيل المثال، يوجد 2.3 مليار برميل نفط مكافئ من احتياطيات الغاز في المياه العميقة الخاصة بمشروع الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق، والمتوقع أن تبدأ توتال إنرجي الإنتاج بحلول عام 2028.

ويوجد نحو 60% من الاحتياطيات القابلة للاستخراج في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في مناطق المياه العميقة، ومنها ما يقرب من 60% من الغاز، بحسب التقرير.

وتهيمن موزمبيق على 52% من إجمالي موارد الغاز القابلة للاستخراج في المنطقة، تليها المنطقة البحرية السنغالية-الموريتانية بنسبة مجمعة 20%، ثم تنزانيا 12%.

وفيما يتعلق باحتياطيات السوائل النفطية القابلة للاستخراج، والتي تمثّل 40% من إجمالي موارد المياه العميقة في المنطقة، تمثّل نيجيريا وأنغولا الحصة الأكبر بنحو 33% و31% على التوالي.

المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية

Exit mobile version