لأكثر من عقد من الزمان، كان المجال الأمني السيبراني في موسكو، محاطا بهالة كبيرة ويخشى القراصنة استهدافه، خوفا من أن يأتي الأمر بنتيجة عكسية، لكن الحرب على أوكرانيا شجعت العديد من المخترقين، ما جعل روسيا تعاني من موجة اختراقات وتسريبات غير مسبوقة، بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.
فقد نهب المهاجمون الرقميون بيانات مالية خاصة بالحكومة الروسية، وشوهوا مواقع الويب وسلموا آلاف رسائل البريد الإلكتروني الحكومية إلى نشطاء مناهضين للسرية.
وأظهرت إحصائيات حديثة لشركة الأمن “سيرف شارك” أن كلمات المرور والبيانات الحساسة الأخرى التي تم نشرها من روسيا في مارس على شبكة الويب المفتوحة أكثر مما تم نشره من أي دولة أخرى، ويمثل 50 في المئة مما تم نشره على مستوى العالم، وذلك للمرة الأولى، بعد أن كانت الولايات المتحدة في المقدمة في العادة.
وتتضمن الوثائق الروسية المنشورة ذاكرة تخزين مؤقت من مكتب إقليمي للهيئة الحكومية المنظمة لوسائل الإعلام، والتي كشفت عن الموضوعات التي كان النظام الروسي يهتم بمتابعتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن الهيئة كانت تقدم تقاريرها إلى جهاز الأمن الفدرالي الروسي، والذي اعتقل الأشخاص الذين يشتكون من سياسات الحكومة على مواقع التواصل.
كما كشف تسريب ضخم آخر من شركة البث الإذاعي والتليفزيوني الحكومية لعموم روسيا، عن 20 عاما من رسائل البريد الإلكتروني من السلسلة الإعلامية المملوكة للدولة.
بعض هذه التسريبات، حدثت من قبل مجموعة صغيرة من الناشطين في القرصنة تسمى “كتيبة الشبكة 65″، تشكلت عندما كانت بوادر الحرب تلوح في الأفق، وبالتحديد في أكتوبر الماضي.
وقال مسؤولون في هذه المجموعة لـ”واشنطن بوست” إنهم لا يحصلون على توجيه أو مساعدة من المسؤولين الحكوميين في أوكرانيا أو في أي مكان آخر.
وقال متحدث باسم المجموعة باللغة الإنجليزية: “نحن نعمل من خلال بنيتنا التحتية الخاصة، ونوفر وقتا خارج وظائفنا والتزاماتنا العائلية من أجل هذا الجهد، ولا نطلب شيئا في المقابل، لأننا نعتقد أن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله”.
وتشير الصحيفة إلى أنه “ربما كانت الضحية الأكثر أهمية لموجة الهجمات هي انهيار أسطورة التفوق الإلكتروني الروسي، والتي ساعدت لعقود من الزمن في تخويف المتسللين في البلدان الأخرى، وحتى المجرمين داخل حدودها”.
وقالت إيما بيست، المؤسسة المشاركة لـ”دي دي أو سيكريتس”، وهو موقع غير هادف للربح يعمل على نشر التسريبات بدأ في 2018، “إن الشعور بأن روسيا محظورة إلى حد ما، أمر انتهى، وأن اختراق مصالح النظام الروسي وبنيته التحتية الداعمة له، يعد أحد أشكال الاحتجاج على نظام غير عادل”، مشيرة إلى أن الهدف الرئيسي من هذه العمليات هو فضح الدور الروسي في مجالات عديد من بينها الدعاية والطاقة، فضلا عن “التنكيل الرمزي ببوتين وبعض الأوليغارشية”.
وتشير الصحيفة إلى أن المخترقين المتطوعين حصلوا على دفعة هي الأولى من نوعها من حكومة أوكرانيا، التي أيدت جهود المتسللين، واقترحت أهدافا من خلال قناة “IT Army” الخاصة بها على تطبيق “تليغرام”، حيث قام الحساب، بتوزيع بيانات تم اختراقها بما في ذلك أسماء القوات ومئات من عملاء جهاز الأمن الروسي الفدرالي.
ونقلت الصحيفة عن محلل في شركة “فلاش بوينت” الأمنية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن “هناك مؤسسات حكومية في أوكرانيا مهتمة ببعض البيانات وتساعد بنشاط في بعض هذه العمليات”.
وقال باحثون إن المجرمين العاديين الذين ليس لديهم مصلحة أيديولوجية في الصراع دخلوا أيضا في هذه الجهود من أجل الحصول على المال، مستغلين انشغال الفرق الأمنية الروسية ضد هذا الكم الكبير والجهد غير العادي من القرصنة.
بعد فترة وجيزة من الغزو، أعلنت إحدى أكثر عصابات برامج الفدية الروسية شراسة “كونتي” أنها ستتصدى لعمليات القرصنة وستعمل على حماية المصالح الروسية في الفضاء الإلكتروني.
لكن هذا التعهد جاء بنتائج عكسية بطريقة مذهلة، لأن هذه المجموعة كان لها ممثلين في أوكرانيا، ما جعل أحدهم يقوم بعد ذلك بنشر أكثر من مئة ألف محادثة جماعية داخلية، وشفرة مصدر برنامجها الأساسي، مما يسهل على برامج الأمان اكتشاف الهجمات ومنعها.
ولأنه “لابد لساقي السم أن يتذوقه، فقد استغلت “كتيبة الشبكة 65″، النسخة المسربة من شفرة العصابة الروسية “كونتي”، وقامت بتعديلها وتحسينها، للتهرب من الاكتشافات الجديدة، ثم استخدامها لقفل الملفات داخل الشركات الروسية المرتبطة بالحكومة.
وقالت مجموعة “كتيبة الشبكة 65”: “أردنا أن نذيق روسيا بعضا مما تسببه من الألم للشركات في جميع أنحاء العالم”، مشيرة إلى أنه “بمجرد أن تنهي روسيا هذا الغباء في أوكرانيا، سنوقف هجماتنا تماما”.
وحصلت هذه المجموعة على رسائل البريد الإلكتروني للحكومة وغيرها من الكنوز وسلمتها إلى “دي دي أو سيكريتس”.
وبعد أن كانت الولايات المتحدة تعاني من عمليات القرصنة الروسية التي تزايدت في الفترة الأخيرة على يد عصابات إجرامية ذات دوافع مالية جعلهم يستهدفون مستشفيات وخطوط أنابيب للوقود وأكبر شركة للحوم، أصبحت روسيا، في الشهر الثالث من الحرب، هي التي تعاني من موجة قرصنة غير مسبوقة تجمع بين نشاط الحكومة والتطوع السياسي والعمل الإجرامي.
المصدر: واشنطن بوست – الحرة