في خطوة قد تكون مطمئنة للدول الأوروبية القلقة بشأن سبل تعويض غياب الغاز الروسي خلال أشهر فصل الشتاء، خاصة مع ضعف قدرات التخزين المتوقعة الصيف المقبل، بدأت ألمانيا خطوات جادة من أجل التحرر من قبضة السيطرة الروسية.
ورغم أن الدولة الواقعة وسط غرب أوروبا كانت من غير الداعمين للتوجه السائد بالاتحاد الأوروبي حاليًا، لحظر النفط الروسي خشية نقص إمدادات الطاقة، إلا أن خطوة إعلان بدء الإعداد لتخزين الغاز المسال قد تُوصف بأنها خطوة جريئة.
وتشمل استعدادات التخزين استئجار منشآت عائمة والتوسع في المرافق الأخرى المخصصة للهدف ذاته، ما قد يضيّق الخناق بصورة أكبر على موسكو في إطار العقوبات المفروضة عليها، إثر غزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي.
وداعًا لسيطرة الغاز الروسي
شكّل الغاز الروسي ثلث الإمدادات الألمانية المقدرة بـ142 مليار متر مكعب، خلال عام 2021 الماضي، في حين تُخطط برلين لإنهاء اعتمادها على إمدادات موسكو بحلول صيف 2024.
وفي سبيل ذلك، استأجرت ألمانيا، اليوم الخميس 5 مايو/أيار، 4 وحدات عائمة لإعادة تغويز الغاز وتخزينه، وهدفت برلين من تلك الخطوة إلى تأمين إمدادات الغاز عن طريق واردات الغاز المسال، بدلًا من بناء محطات دائمة جديدة قد تستغرق وقتًا يعرقل إنهاء اعتمادها على إمدادات موسكو.
ولم تكن ألمانيا وحدها ضمن الدول الأوروبية الحريصة على تأمين وحدات التخزين وإعادة تغويز العائمة، إذ سجل الطلب على تلك الوحدات ارتفاعًا أوروبيًا الآونة الأخيرة.
واعتبر وزير الاقتصاد الألماني، أن حصول ألمانيا على 4 وحدات عائمة للتخزين وإعادة تغويز الغاز يُسهم في تنوع مصادر الطاقة لديها عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، مشيرًا إلى أن المحطات الـ4 هي جزء ضمن خطط استقلال برلين عن الابتزاز الروسي.
وحدات تخزين الغاز
استأجرت ألمانيا، يوم الخميس، وحدتين -ضمن الوحدات الـ4 المعلنة مسبقًا- عبر شركة “يونيبر” الألمانية من مُورد السفن “داينا غاز” اليونانية، كما وقعت اتفاقيتين مدتهما 10 سنوات مع مُشغل السفن النرويجي “هويغ”.
واختارت برلين ميناء فيلهلمسهافن في بحر الشمال بصفته أول مراكز المعالجة، ويستعد ميناء برونسبوتل الواقع بولاية شليسفيغ هولشتاين ليلحق به، وفق رويترز.
ومن المقرر -طبقًا للخطط الألمانية- أن تتسع أولى الوحدات العائمة بميناء فيلهلمسهافن لما يقرب من 7.5 مليار متر مكعب، بما يلبي 8.5% من الطلب المحلي على الغاز.
وأكدت وزارتا الاقتصاد والبيئة أن سعة التخزين بالوحدات الـ3 الأخرى تصل إلى 5 مليارات متر مكعب بحد أدنى لكل وحدة.
وقال بيان مشترك صادر عن وزارة الاقتصاد في برلين ووزارة البيئة في ساكسونيا السفلى إن الثلاثة الأخرى ستبلغ سعة كل منها 5 مليارات متر مكعب على الأقل.
وتسعى ألمانيا لإقرار تشريع يسمح لها بإصدار تصاريح البنية التحتية، بعدما خصصت استثمارات قدرها 2.94 مليار يورو لاستئجار وحدات التخزين الـ4.
(يورو = 1.05 دولارًا أميركيًا)
شبكات النقل
من المقرر أن توفّر شركة ساكسونيا للمواني خطوطًا لنقل الغاز المتوفر بوحدة التخزين المستقرة في ميناء فيلهلمسهافن عقب تسييله وإعادة تغويزه، بالتنسيق مع شركة يونيبر التي تستثمر 68.82 مليون دولار بالمشروع.
وتعكف ألمانيا -حاليًا- على بناء خطوط بين الميناء ومواقع التخزين في باطن الأرض والكهوف، تحت إدارة شركة أوكلاهوما للغاز والكهرباء.
ووفق التقديرات، يمكن لوحدتي التخزين وإعادة التغويز العائمتين -المستأجرتين لصالح شركة يونيبر الألمانية من شركة داينا غاز اليونانية- تعويض حصة قدرها 30% من الغاز الروسي.
وبُنيت الوحدتان “ترانس غاز فورس” و”ترانس غاز باور” العام الماضي، بسعة نقل تصل إلى 7.5 مليار متر مكعب سنويًا، وسعة تخزين تصل إلى 174 ألف متر مكعب سنويًا، وتدخل الوحدتان حيز التشغيل مطلع العام المقبل، وفق بيان لشركة يونيبر.
مرافق غازبروم
لم تكتفِ ألمانيا باستئجار وحدتين عائمتين لتخزين الغاز المسال وإعادة تغويزه والاتفاق على استئجار وحدتين إضافيتين، لكنها سعت للاستفادة من مرافق شركة غازبروم الروسية.
وكانت عملاق الغاز الروسي قد أعلنت -الشهر الماضي- تخارجها من شركة غازبروم جيرمانيا ومرفق التخزين بمدينة ريدين في أوروبا الغربية، عقب تأثر العلاقات الدبلوماسية إثر غزو أوكرانيا.
وبدأت ألمانيا ملء مرفق التخزين في ريدين، اليوم الخميس، وأوضح المسؤول الألماني المُعيّن لإدارة الشركة بموجب قانون تأمين أمن الطاقة المُعدل، إيغبرت لايغ، أن المرفق بدأ في استيعاب كميات صغيرة من الغاز، في حين تواصل الدولة تأمين الصفقات لتخزين المزيد من إمدادات الغاز، ضمن أولى خطوات تخلي برلين عن الغاز الروسي.
وتتسع منشأة ريدين للتخزين لـ4 مليارات متر مكعب، لكنها تضم الآن 0.6% فقط من سعتها، وهو معدل تخزين ينخفض عن متوسط التخزين الألماني للغاز المُقدر بـ36%.
وبموجب قانون أمن الطاقة الألماني المُعدل حديثًا، تُسيطر الجهات الألمانية المعنية على شركة غازبروم جيرمانيا حتى 30 سبتمبر/أيلول المقبل، وتملك صلاحية إجراء تغييرات بالهيكل الوظيفي والإداري.
اقرأ أيضًا: ألمانيا تعلن الطوارئ لإدارة إمدادات الغاز استعدادًا لوقف الصادرات الروسية
أطلقت ألمانيا خطة طارئة لإدارة إمدادات الغاز، في خطوة غير مسبوقة، وسط مخاوف من وقف صادرات الطاقة الروسية، مع عزم موسكو إلزام الدول الغربية الدفع بالروبل مقابل الغاز، وهو ما ترفضه دول الاتحاد الأوروبي.
بموجب الخطة الطارئة، من المتوقع أن تشهد حصص الحكومة الألمانية زيادة حال انقطاع إمدادات الغاز من روسيا أو توقّفها.
ويعدّ إعلان أكبر اقتصاد في أوروبا، أوضح مؤشر على أن الاتحاد الأوروبي يستعدّ لأيّ تحركات من موسكو لقطع إمدادات الغاز عن المنطقة، بعد أن طالب الرئيس فلاديمير بوتين أوروبا والولايات المتحدة بدفع ثمن صادرات الغاز بالروبل.
هذا الطلب الذي رفضته دول مجموعة السبع، جاء ردًا على قيام الغرب بفرض عقوبات معوقة على روسيا لغزوها أوكرانيا.
ولم تذكر موسكو موعد دخول تغيير العملة حيز التنفيذ، لكن من المتوقع أن تكشف عن خططها لدفع الروبل غدًا الخميس، إذ حذّر كبير المشرّعين في روسيا، اليوم الأربعاء، من أن صادرات النفط والحبوب والمعادن والأسمدة والفحم والأخشاب قد تُسَعَّر قريبًا بالطريقة نفسها.
الأزمة المحتملة
مع وجود أزمة محتملة تلوح في الأفق، قام وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك بتنشيط “مرحلة الإنذار المبكر” لخطة طوارئ الغاز الحالية، مما يعني أن فريق الأزمات من وزارة الاقتصاد والجهة التنظيمية والقطاع الخاص سيرصد الواردات والتخزين.
وقال هابيك في مؤتمر صحفي، إن إمدادات الغاز الألمانية مضمونة في الوقت الحالي، لكنه حثّ المستهلكين والشركات على تقليل الاستهلاك، حسبما ذكرت وكالة رويترز.
أضاف: “يجب علينا زيادة الإجراءات الاحترازية، حتى نكون مستعدين للتصعيد من جانب روسيا.. ومع إعلان مستوى الإنذار المبكر، اجتمع فريق الأزمات”.
الدفع بالروبل
شدد وزير الاقتصاد الألماني على أنه إذا أصرّت روسيا على دفع العقود الحالية بالروبل بدلًا من فئتي اليورو والدولار المتفق عليهما، فسيكون ذلك خرقًا للعقد.
وقال في مؤتمر صحفي: “لن نقبل أيّ خرق لعقود التسليم الخاصة، ويسعدني أن توافق الشركات على ذلك”.
وحثّ هابيك المستهلكين على استخدام الغاز باعتدال، مضيفًا أن الأسعار المرتفعة أدت إلى انخفاض الطلب.
الموقف الروسي
من جانبه، قال الكرملين اليوم الأربعاء، إن روسيا لن تطالب على الفور الدول الأخرى بدفع ثمن صادراتها من الغاز بالروبل، ووعد بتحول تدريجي.
وأضاف أن على روسيا العمل على فكرة لتوسيع قائمة صادراتها التي تتطلب مدفوعات بالروبل.
وأكد الكرملين أن المطالبة بدفع الروبل مقابل صادرات النفط والحبوب والأسمدة والفحم والمعادن وسلع أساسية أخرى بالإضافة إلى الغاز الطبيعي فكرة جيدة، وينبغي العمل عليها.
أصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة دفع ثمن الغاز الطبيعي المُصدَّر إلى أوروبا أو الولايات المتحدة بعملة بلاده، ردًا على العقوبات الغربية المشددة على روسيا بسبب غزو أوكرانيا، وهو إجراء قالت الحكومة الروسية، إنه قد يكون مطبّقًا هذا الأسبوع.
طوارئ الإمدادات
ترفض أوروبا حتى الآن دفع ثمن الغاز بالروبل، مما يمهد الطريق لمواجهة أدت بألمانيا إلى إعلان “تحذير مبكر” يوم الأربعاء، بأنها قد تتجه نحو حالة طوارئ في إمدادات الغاز.
وحال نقص الإمدادات، يمكن لمنظم الشبكة في ألمانيا تقنين إمدادات الغاز، مع كون الصناعة في المرتبة الأولى في عمليات التخفيض، إذ ستُعطى معاملة تفضيلية للأسر الخاصة والمستشفيات والمؤسسات الحرجة الأخرى.
نصف سكان ألمانيا البالغ عددهم 41.5 مليون أسرة يعملون بالغاز الطبيعي، بينما تشكّل الصناعة ثلث الطلب الوطني من الغاز في عام 2021 المقدّر بـ 100 مليار متر مكعب.
تعدّ روسيا أكبر مورّد للغاز إلى ألمانيا، إذ استحوذت على 40% من الواردات في الربع الأول من عام 2022.
وتعهدت برلين بإنهاء اعتمادها في مجال الطاقة على موسكو، لكنها لن تحقق الاستقلال الكامل قبل منتصف عام 2024.
أزمة الطاقة الأوروبية
واجهت أوروبا أزمة طاقة حتى قبل غزو روسيا لأوكرانيا، ومع مستويات تخزين الغاز في الاتحاد الأوروبي حاليًا بنحو 26% من إجمالي السعة، إذ تتعرض الحكومات لضغوط لدعم الإمدادات وحماية المستهلكين.
ففي فرنسا، قال رئيس هيئة تنظيم الطاقة، إن البلاد يجب ألّا تواجه أيّ مشكلات في الإمداد، وقال، إنه لا داعي للذعر.
وقال رئيس لجنة مكافحة الإرهاب، جان فرانسوا كارينكو: “كل شيء سيكون على ما يرام، ومنشآت تخزين الغاز ممتلئة جيدًا، وسوف نجتاز الشتاء”.
أسعار الطاقة
تترقب الأسواق الموقف النهائي من الخلاف حول إصرار روسيا على مدفوعات الروبل، في الوقت الذي يصارع فيه المستهلكون في أوروبا مع أسعار الطاقة المتفجرة التي أجبرت الحكومات على إعلان تدابير الإغاثة المالية.
ارتفعت أسعار المستهلك في إسبانيا بنحو 10% على أساس سنوي في مارس/آذار، وهي أسرع وتيرة لها منذ عام 1985.
وقال كبير المحللين في ريستاد إنرجي، فينيسيوس رومانو، في مذكرة: إن “أسواق الغاز لا تزال قلقة في توقّع قواعد واضحة لدفع الروبل بحلول يوم الخميس.”
وأضاف: “لا يزال الجانبان على خلاف حول احتمال تغيير شروط العملة لعقود الدولار واليورو، في انتظار أن يرمش الجانب الآخر أولاً.”
بعد إعلان هابيك، سجّل قطاع الكهرباء بالجملة في ألمانيا أعلى مستوى له في 3 أسابيع، عند 185 يورو (206.08 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة، بزيادة 6.3%.
قالت رئيسة الاتحاد الفيدرالي لصناعة الطاقة والمياه، كرستين أندريا، إنه يجب أن يكون لدى ألمانيا خطط ملموسة توضح كيفية تعامل الحكومة مع وقف إمدادات الغاز الذي يفرض إجراءات التقنين.
وأضافت أندريا: “يجب علينا الآن اتخاذ إجراءات ملموسة للاستعداد لمستوى الطوارئ، لأنه في حالة التوقف، يجب أن تتحرك الأشياء بسرعة”.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية