بات الغاز الجزائري مصدرًا بديلاً للغاز الروسي بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وحرصت العديد من شركات الطاقة الأوروبية على الاستفادة من الإمكانات الهائلة في البلاد، وكان آخرها شركة وينترشال ديا الألمانية.
وفي هذا الإطار، تعمل الشركة الألمانية على زيادة حصتها في مشروع رقان نورد الجزائري بالاستحواذ على حصة شركة إديسون الأميركية البالغة 11.25%.
وقدرت شركة إديسون الصفقة بقرابة 100 مليون دولار، حسب ما نشره موقع إنرجي فويس.
وبذلك، ستمتلك شركة سوناطراك حصة بنسبة 40% بصفتها مشغلًا لمشروع “جروبمنت رقان نورد”، وستبلغ حصة وينترشال ديا 30.75%، أما حصة ريسبول الإسبانية فستكون 29.25%.
مشروع رقان نورد
تُعد شركة وينترشال ديا من الشركاء المهمين في الجزائر، إذ دخلت السوق الجزائرية لأول مرة في عام 2002، ثم أصبحت شريكًا في مشروع رقان نورد، الذي يضم 6 حقول غاز على مساحة تصل إلى 1800 كيلومتر مربع في جنوب غرب البلاد.
وينتج المشروع 2.8 مليار متر مكعب سنويًا من 19 بئرًا، ويبيع مشغل المشروع الغاز إلى شركة سوناطراك بموجب عقد طويل الأجل.
ومن المتوقع أن يستمر المشروع قيد الإنتاج حتى عام 2041 على الأقل، وتشمل البنية التحتية للتصدير خطي أنابيب للغاز تحت سطح البحر، ومحطتين للغاز الطبيعي المسال.
وستنهي عملية البيع أنشطة التنقيب والإنتاج لشركة إديسون في الجزائر، إذ أطلقت خطة في عام 2019 لإعادة تنظيم خدماتها لتصبح أكثر مراعاة للبيئة.
وفي وقت سابق، حاولت الشركة الأميركية بيع الأصول الجزائرية لشركة إنرجين الإسرائيلية، لكن السلطات الجزائرية أوقفت عملية البيع.
فرص جديدة
وصفت الشركة الألمانية الجزائر بأنها تمتلك إمكانات هائلة في مجال الطاقة، إذ تمثّل أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا بعد روسيا والنرويج، وأكبر منتج للغاز الطبيعي في أفريقيا، مشيرة إلى أنها مرشح رئيس لتعزيز الشراكة في قطاع الطاقة.
وقال نائب الرئيس الأول للشركة الألمانية، المدير التنفيذي في الجزائر، توماس رتمان: “لطالما كانت الشركة شريكًا فاعلًا في مشروع رقان نورد، ويسعدنا تعزيز دورنا”.
كما صرّحت مديرة العمليات في شركة وينترشال ديا، دون سمرز، أن الجزائر تحظى بإمكانات ضخمة لإنتاج الغاز الطبيعي وتطوير مشروعات الطاقة المستقبلية، قائلة: “هذا هو السبب في رغبتنا لتعزيز وجودنا في الجزائر، والإسهام في تطوير قطاع الطاقة بالبلاد”.
وتابعت: “زيادة اهتمامنا بمشروع رقان نورد تمثل الخطوة الأولى لتحقيق ذلك”.
وعلاوة على ذلك، يمكن للجزائر أن تؤدي دورًا في تطوير مشروعات الهيدروجين والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى جانب مشروعات احتجاز الكربون وتخزينه.
الغاز الجزائري
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، برزت الجزائر بصفتها مصدرًا بديلاً للغاز الروسي، واتجهت بوصلة الكثير من الدول، خاصة الأوروبية، إلى الجزائر لتوفير الغاز.
وسرعان ما أعربت ألمانيا، مثل غيرها من الدول، عن رغبتها في توقيع اتفاقيات مع السلطات للحصول على الغاز الجزائري.
وكشفت تقارير إعلامية عن أن ألمانيا تسعى لاستبدال الغاز الجزائري بالغاز الروسي.
وفي وقت سابق، صرّح وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، بأن برلين تنوي تقليل اعتمادها على موسكو، وتخطط لإبرام صفقات جديدة لاستيراد الغاز من دول أخرى، مقترحًا أن تصبح الجزائر في صدارة هذه الدول، إلى جانب الولايات المتحدة وقطر، بحسب ما نشرته جريدة الشروق الجزائرية.
بينما أشار الباحث فرانسيس بيرين -مؤخرًا- إلى أن الجزائر في وسعها أن تصبح بديلًا قويًا لتعويض الغاز الروسي في أوروبا، إذ يمكن أن تتأثر الإمدادات بالحرب الروسية الأوكرانية.
كما أن الدولة الواقعة في شمال أفريقيا تمتلك اثنين من أكبر خطوط أنابيب الغاز، إلى جانب خط أنابيب الغاز العابر للصحراء الذي يمتد من نيجيريا إلى الجزائر، بهدف توفير الإمدادات إلى أوروبا، حسب ما ذكرته غرفة الطاقة الأفريقية.
اقرأ أيضًا: تطورات أوروبية بشأن الغاز الجزائري في ظل أزمة روسيا وأوكرانيا
منذ تصاعد التوترات السياسية بين روسيا وأوكرانيا، برز الغاز الجزائري لتأدية دور رئيس، لتعويض الإمدادات الروسية إلى أوروبا، خاصة لدى الدول المرتبطة باتفاقيات شراكة مع الجزائر وفي مقدمتها إسبانيا وإيطاليا.
ومع اندلاع الحرب -التي دخلت يومها السادس، الثلاثاء- بين روسيا وأوكرانيا، تزايدت الدعوات الأوروبية إلى البحث عن بدائل للغاز الروسي، من أجل التحرر من اعتماد العديد من دول القارة العجوز على موسكو في تأمين احتياجاتها من الوقود.
وخلال الساعات الأخيرة الماضية، كشفت إيطاليا وإسبانيا عن محادثات مع الجزائر، ومسؤولي شركة النفط والغاز الحكومية سوناطراك، من أجل زيادة إمدادات الغاز الطبيعي والغاز المسال نحو أوروبا.
تعطُّل الإمدادات الروسية
قالت وزيرة الانتقال البيئي الإسبانية تيريزا ريبيرا إن الجزائر مستعدة لإرسال المزيد من الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي إذا تعطلت الإمدادات الروسية من الوقود بسبب الحرب مع أوكرانيا.
وأحدث الغزو الروسي لأوكرانيا الأسبوع الماضي موجات من الصدمات في أسواق الطاقة، التي تعاني توترًا بسبب انخفاض مخزونات الغاز لعدة سنوات في أوروبا وعدم اليقين بشأن كميات الغاز الروسية التي تُرسل إلى القارة.
وتبحث الدول الأوروبية عن سيناريوهات لتوقف الإمدادات الروسية، ردًا على العقوبات التي تفرضها الحكومات الغربية على موسكو، وهو ما جعل الأنظار تتجه نحو الغاز الجزائري، لتأدية دور رئيس في تأمين جزء من احتياجات القارة العجوز.
إمدادات الغاز الجزائرية
قالت تيريزا ريبيرا، المسؤولة عن سياسة الطاقة في إسبانيا، لتلفزيون تي في إي الحكومي، اليوم الثلاثاء، إن الحكومة الجزائرية أكدت لها أنه “إذا احتجنا نحن أو شركاؤنا الأوروبيون إلى المزيد من الغاز عبر إسبانيا أو إيطاليا أو عبر السفن فهم على استعداد لتقديمها”.
وكانت شركة النفط والغاز الجزائرية “سوناطراك” قد أكدت أمس أنها ستظل موردًا موثوقًا للغاز إلى أوروبا، وأعلن الرئيس التنفيذي توفيق حكار أن شركته مستعدة لدعم شركائها الأوروبيين، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية.
وربط حكار الإمداد الإضافي إلى أوروبا، بشرط توفر كميات فائضة، خاصة أن استهلاك الغاز المحلي في الجزائر ارتفع خلال العقد الماضي، وهي الآن تحرق الوقود أكثر مما تصدره، وترتبط شحنات الغاز في البلاد باتفاقيات طويلة الأمد مع المشترين، وكثير منها في أوروبا.
تنويع التوريد
قالت ريبيرا إن الحرب مع أوكرانيا سلطت الضوء على مدى اعتماد أوروبا على إمدادات الغاز الروسية، وأنه يتعين على القارة تنويع مصادر طاقتها، مشيرة إلى أن المفوضية الأوروبية بصدد الانتهاء من حزمة ثانية من الإجراءات لتخفيف تأثير ارتفاع الأسعار في المستهلكين والشركات.
وفي الأسبوع الماضي، قالت شركة إنغاز الإسبانية المشغلة لشبكة الغاز إنها تعمل مع الجزائر على التوسيع المخطط لسعة خط أنابيب ميدغاز، مع إجراء الاختبارات في الوقت الحالي.
ويستحوذ الغاز الجزائري على نحو 43% من الغاز المرسل إلى إسبانيا في عام 2021، وجاء معظمها عبر ميدغاز وخط أنابيب المغرب العربي وأوروبا الذي توقف عن العمل مع نهاية أكتوبر/تشرين الأول.
وكانت الولايات المتحدة ونيجيريا الموردتين الرئيستين الأخريين إلى إسبانيا من الوقود، بحصص بلغت 14% و11% على التوالي.
إجراءات جديدة في إسبانيا
اقترحت ريبيرا ووزيرة الاقتصاد الإسبانية نادية كالفينو أن يتخذ الاتحاد الأوروبي إجراءات لفصل الغاز في البلاد عن تكاليف الكهرباء، بما في ذلك وضع حد أقصى لسعر الكهرباء المولدة من الوقود.
وقال كالفينو الأسبوع الماضي إن الاتحاد الأوروبي يستعد لمقترحه، لمنع الغزو الروسي لأوكرانيا من دفع تكاليف الكهرباء القياسية إلى أعلى، ويخطط الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي لتكثيف الجهود لتقليل اعتماد الكتلة على الغاز الروسي في أعقاب غزو أوكرانيا.
وقالت المفوضية الأوروبية، في مسودة منقحة للإستراتيجية، إن سيطرة روسيا على أكثر من 40% من شحنات الوقود إلى القارة أدت إلى تفاقم أسعار الطاقة المرتفعة.
صفقات غاز مع إيطاليا
من جهة أخرى، كشف وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، عن أن زيارته إلى الجزائر، أمس الإثنين، جاءت سعيًا لزيادة إمدادات الغاز الجزائري، مشيرًا إلى أنها أسفرت عن نتائج طيبة في الوقت الذي تكثف فيه أوروبا جهودها للاستفادة من التدفقات البديلة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتأتي زيارة دي مايو ضمن مساعي الحكومة الإيطالية لتأمين احتياجاتها من الغاز، وتجاوز انهيار كامل في إمدادات الغاز من روسيا على المدى القصير.
وقال رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، اليوم الثلاثاء، إنه حتى إذا خفضت روسيا الإمدادات الأسبوع المقبل، فإن مستويات تخزين الغاز وتدفقات الواردات البديلة ستكون كافية لتغطية ذروة الطلب، خاصة مع انخفاض الطلب في الطقس المعتدل.
وأكد رئيس الوزراء الإيطالي أمام البرلمان أن بلاده تعمل على زيادة الإمدادات من دول أخرى منتجة للغاز مثل الجزائر وأذربيجان، فضلًا عن زيادة الاستفادة من محطات الغاز الطبيعي المسال.
وأشار إلى أن الحكومة مستعدة -إذا لزم الأمر- للتحكم في إمدادات الغاز للصناعة وقطاع توليد الكهرباء واستخدام محطات الكهرباء الحالية التي تعمل بالفحم والنفط على أساس مؤقت.
إمدادات جديدة
قال وزير الخارجية الإيطالي، في تصريحات تلفزيونية، إن زيارته للجزائر كانت إيجابية، مشيرًا إلى أن الجزائر ستدعم إيطاليا في إمدادها بالغاز، وستصبح شراكتنا أقوى على المدى القصير والمتوسط والطويل.
ورافق دي مايو، خلال زيارته إلى الجزائر، رئيس مجموعة الطاقة الإيطالية إيني التي أبرمت عدة عقود غاز طويلة الأمد مع شركة النفط والغاز الجزائري سوناطراك.
وقال دي مايو إنه سيتوجه إلى دول أخرى في الأيام المقبلة للبحث عن صفقات طاقة يمكن أن تساعد إيطاليا “في مواجهة التهديد المرتبط بهذا الصراع الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.
وتتطلع إيطاليا، التي طبّقت الأسبوع الماضي إجراءات لتعزيز إنتاج الغاز المحلي وتخزينه، إلى تنويع إمداداتها، لكن في ظل شح إمدادات الغاز العالمية وتناقص منتجي الغاز المسال قدر المستطاع، لا يوجد الكثير لتعويض الكميات الكبيرة من روسيا.
إنتاج الغاز الجزائري
عزّزت الجزائر، التي لديها خطوط أنابيب إلى إسبانيا وإيطاليا ومحطة كبيرة للغاز الطبيعي المسال في سكيكدة، إنتاج النفط والغاز العام الماضي بنسبة 5% رغم أن ارتفاع الاستهلاك المحلي.
ويُجرى مد إيطاليا بالغاز من خلال خط الأنابيب ترانس ميد، الذي ينقل الآن نحو 60 مليون متر مكعب من الغاز الجزائري إلى إيطاليا يوميًا، وتبلغ طاقته اليومية المحتملة أكثر من 110 ملايين متر مكعب.
ويشكّل الغاز نحو 40% لتوليد الكهرباء في إيطاليا، وتستورد أكثر من 90% من غازها، معظمه من روسيا والجزائر، وأدخلت أمس الإثنين إجراءات للحد من استخدام الغاز في محطات الكهرباء في حالة الطوارئ وتجديد احتياطيات الغاز لموسم الشتاء المقبل.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية