مفاجئة صادمة.. صادرات النفط الروسي إلى أوروبا تسجل 22 مليار دولار منذ بدء غزو أوكرانيا.. كيف تسللت شحنات النفط والغاز الروسي العملاقة إلى الأسواق العالمية؟
بلغت قيمة صادرات النفط الروسي إلى أوروبا منذ بداية غزو موسكو لكييف نحو 22 مليار دولار، وهو ما يمثّل مفاجأة في وقت تتجه فيه دول الاتحاد إلى اتخاذ قرار بحظر تلك الواردات واستثناء المجر وسلوفاكيا منه.
وقال مسؤولان في الاتحاد الأوروبي إن المفوضية قد تُعفي كل من المجر وسلوفاكيا من فرض حظر على واردات النفط الروسى، حسبما ذكرت وكالة رويترز، أمس الإثنين الموافق 2 مايو/أيار.
وتعتمد الدولتان الأوروبيتان بصورة كبيرة على واردات النفط الروسي، لذلك أعلن مسؤولان بهما أنهما لن يصوتا على قرار متوقع اتخاذه اليوم الثلاثاء بهذا الشأن.
ويرجح مسؤولون أن يُنفذ الاتحاد الأوروبي حظر واردات النفط الروسي على مراحل، على أن تصل مرحلة التطبيق الكامل مع بداية العام المقبل.
العقوبات السادسة
من المتوقع أن ينهي الاتحاد الأوروبي، اليوم الثلاثاء، بنود الحزمة السادسة من العقوبات على موسكو، بسبب غزوها لأوكرانيا، وتتضمن فرض حظر على واردات النفط الروسي، التي تُعد المصدر الأكبر لإيرادات روسيا.
غير أن المجر -التي تعتمد بصورة كبيرة على النفط الروسي- أعلنت أنها لن توقع على اتفاق عقوبات جديد على موسكو يتضمن الطاقة، وفق وكالة رويترز أيضًا.
ولا يختلف الأمر كثيرًا في سلوفاكيا، إذ إنها من بين أكبر الدول الأوروبية اعتمادًا على واردات النفط الروسي.
وقال مسؤول أوروبي: “إنه حفاظًا على وحدة الاتحاد الأوروبي بأعضائه الـ27، قد تتجه المفوضية إلى منح استثناء لكل من المجر وسلوفاكيا دائم أو لمدة مؤقتة لكنها طويلة”.
تفهّم أوكراني
وجه وزير خارجية أوكرانيا ديمترو كوليبا، الشكر إلى دولة سلوفاكيا، بسبب دعمها الدائم لبلاده، فيما يبدو إشارة إلى تفهم كييف موقفها بشأن رفضها حظر واردات النفط الروسي.
وكتب الوزير تغريدة على موقع تويتر قائلًا: “إن أوكرانيا تتذكر دائمًا ما يفعله أصدقاؤنا السلوفاك، بدءًا بالاستقبال الدافئ لمواطنينا الفارين من الحرب، ومرورًا بالمساعدات الإنسانية والعسكرية، إلى دعم انضمام كييف إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.. نحن محظوظون بأن تكون سلوفاكيا جارتنا”.
وقال المسؤول الأوروبي إن حظر واردات النفط الروسية سيحدث في كل الأحوال، “لكنه غالبا سيطبق كاملًا مع بداية العام المقبل”.
نصف الصادرات
تستقبل أوروبا نصف صادرات روسيا من النفط والمنتجات النفطية، ما يعزّز موسكو بإيرادات ضخمة، وتؤيد كل من بولندا ولاتفيا -عضوين في الاتحاد الأوروبي- حظر واردات النفط الروسية، بهدف وقف تمويل عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
وحصلت روسيا على نحو 20 مليار يورو (22 مليار دولار أميركي) من دول الاتحاد، منذ بداية غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، وفق بيانات مركز أبحاث “إنرجي آند كلين أير”.
ووفق الوكالة الدولية للطاقة، حصلت كل من سلوفاكيا والمجر على 96% و58% من احتياجاتهما من النفط والمنتجات النفطية الروسية على التوالي العام الماضي، عبر خط أنابيب دروزابا.
أكبر مشترٍ
تُعدٍ ألمانيا -وهي أكبر اقتصاد أوروبي، ومشتر للنفط الروسي- من الدول التي قاومت حظر واردات النفط الروسي المدة الماضية، خوفًا من ارتفاع تكلفة الوقود وزيادة الأسعار.
لكنها أعلنت الأحد الماضي عزمها اتخاذ هذه الخطوة. وقال بيان لوزارة الاقتصاد، إن واردات برلين من النفط الروسي هبطت من 555 ألف برميل يوميًا العام الماضي -وهي تمثل نسبة 35% من احتياجاتها- إلى 12% فقط خلال الأسابيع الأخيرة.
اقرأ أيضًا: المفوضية الأوروبية تتطلع إلى تقليل الاعتماد على واردات الطاقة من روسيا
في تحول كبير في سياسة الطاقة، تتطلع المفوضية الأوروبية إلى الحد بشكل كبير من واردات أوروبا من الوقود الأحفوري من روسيا في أعقاب العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وترى خدمة التصنيف “إس آند بي غلوبال ريتينغز” أنه من غير المرجح أن ينتهي هذا الأمر لصالح شركات الغاز الأوروبية، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن مصادر الغاز الأخرى لا يمكن أن تحل محل الكميات الكبيرة الواردة من روسيا.
علاوة على ذلك، نعتقد أن بعض القطاعات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الأسمدة والصلب والورق قد تواجه إغلاقًا مؤقتًا للمصانع؛ ما يعوق نمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو، مع تأثير محتمل في المرافق، حسبما نشرت منصة إس آند بي غلوبال بلاتس.
وكشفت المفوضية الأوروبية النقاب عن الخطوط العريضة لخطتها لجعل أوروبا مستقلة عن النفط والغاز الروسيين في 8 مارس/آذار.
وستسعى خطة الكهرباء المتجددة “ريباور إي يو” إلى تنويع إمدادات الغاز، وتسريع طرح الغازات المتجددة، واستبدال الغاز في التدفئة وتوليد الكهرباء، ومن ثَم تقليل طلب الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي في أقرب وقت ممكن، مع تحديد الهدف مبدئيًا عند نسبة الثلثين قبل نهاية العام.
وعلى الرغم من أن مثل هذه الخطة ضرورية لأمن الطاقة في أوروبا؛ فقد لا يكون من السهل تنفيذها؛ حيث شهد إنتاج الغاز في أوروبا تدهورًا هيكليًا منذ سنوات.
علاوة على ذلك، توجد مصادر محدودة للغاز على مستوى العالم وتأخر العرض بسبب نقص الاستثمار، في حين أن توسيع سعة إعادة التغويز سيستغرق وقتًا.
ويُعَد معظم إنتاج الغاز الطبيعي المسال في العالم مقيدًا حاليًا بعقود طويلة الأجل غير مخصصة لأوروبا، ومن غير المرجح حدوث زيادات كبيرة في العرض قبل 2025-2026.
مدى اعتماد أوروبا على الغاز الروسي
يستورد الاتحاد الأوروبي 90% من الغاز الذي يستهلكه، ويأتي نحو 40% منه من روسيا وفي المتوسط، (45% في عام 2021) وهذا يمثل نحو 140 مليار متر مكعب سنويًا. أما في بريطانيا؛ فالوضع مختلف تمامًا؛ لأنها تستورد 5% فقط من إجمالي احتياجاتها من الغاز من روسيا.
وترى منصة التحليلات إس آند بي بلاتس أناليتيكس أنه يمكن أن تجد أوروبا نحو 50 مليار متر مكعب من الغاز لدى مصدر بديل؛ ما يترك عجزًا يبلغ نحو 90 مليار متر مكعب.
المصادر البديلة المحتملة
ستكون المصادر الأكثر ترجيحًا هذا العام، حسب ترتيب الاحتمالية: الواردات الدولية من الغاز الطبيعي المسال (25 مليار متر مكعب)، الاحتياطي الإستراتيجي لإيطاليا (4.6 مليار متر مكعب)، زيادة محتملة في الإنتاج النرويجي (10 مليارات متر مكعب).
تضاف إلى ذلك تدفقات إضافية إلى إيطاليا من الجزائر وليبيا (10 مليارات متر مكعب و4 مليارات متر مكعب على التوالي)، وزيادة الإنتاج في هولندا من خلال توسيع تصريح غرونينجن (2 مليار متر مكعب).
وستخفض أوروبا وارداتها من الغاز الروسي من 155 مليار متر مكعب إلى 100 مليار متر مكعب سنويًا بهدف تعويض نقص الإمدادات من مزودي الغاز الطبيعي المسال، مثل الولايات المتحدة وقطر، وفقًا لما ذكر موقع يورو نيوز في 8 مارس/آذار الماضي.
وستلجأ أوروبا إلى توسعة مصادر الطاقة المستدامة مثل الميثان الحيوي والهيدروجين النظيف والطاقة المتجددة.
وقال نائب رئيس المفوضية الأوروبية، رئيس لجنة المناخ، فرانس تيمرمانز، إن الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري سينتهي وسيمنح ذلك أوروبا مجالًا للمناورة.
وصرحت المفوضية الأوروبية مؤخرًا بأن الطاقة هي السلعة التي تغذي الاقتصاد. وينطبق هذا بالتأكيد على الاتحاد الأوروبي، الذي يعتمد على إمدادات طاقة مستقرة وبأسعار معقولة لدعم أمن الطاقة والنمو الاقتصادي، بحسب موقع إنرجي كونكتس، المعني بشؤون الطاقة العالمية.
ويرى المحللون أنه ليس من السهل العثور على خيارات الاستبدال بسرعة؛ حيث أدى الارتفاع المفاجئ في أسعار الطاقة العالمية وزيادة تقلبات السوق مؤخرًا إلى إحكام إمدادات الغاز العالمية. ونظرًا لزيادة إنتاجه من الطاقة المتجددة؛ فقد خفض الاتحاد الأوروبي بشكل كبير إنتاجه من الغاز واستبعد حدوث انتعاش كبير حتى في هولندا؛ ما زاد من الاعتماد على الواردات.
ونتيجة لذلك، نشرت المفوضية خطة الكهرباء المتجددة “ريباور يو إي”، الهادفة إلى وقف الواردات من جميع أنواع الوقود الأحفوري (الغاز والنفط والمنتجات النفطية والفحم) بحلول عام 2027.
ونظرًا لأن الغاز يظل عامل تحديد أسعار الكهرباء الأوروبية؛ فإن النتيجة المباشرة ستكون زيادة أسعار الكهرباء الفورية واللاحقة التي تتجاوز بكثير افتراضات الحالة الأساسية الحالية.
بينما لا يزال من الصعب تحديد كمية الغاز في البيئة الحالية غير المستقرة والمتقلبة للغاية، ومن المتوقع أن تكون أسعار الغاز مرتفعة في العامين المقبلين على الأقل.
بينما تشير أحدث مؤشرات السوق إلى أن أسعار الكهرباء في عام 2023 ستكون أعلى بمقدار 2-3 أضعاف ما كانت عليه في الحالة الأساسية، إلا أن هذا الأمر غير مستدام بالنسبة للاقتصاد الأوروبي.
ويتوقع المحللون زيادة التدخل السياسي، ربما من خلال مساعدات الدولة، واسترداد الأرباح، والحد الأقصى للأسعار؛ حيث تسعى الحكومات إلى حماية القدرة على تحمل تكاليف الطاقة للأسر والشركات الأوروبية.
انعكاس أزمة الطاقة على المرافق
ستدرس المفوضية الأوروبية جميع الخيارات الممكنة لخطة طوارئ للحد من تأثير ارتفاع أسعار الغاز على أسعار الكهرباء، بما في ذلك -على سبيل المثال- فرض حدود أسعار مؤقتة.
وحددت المفوضية الخطوات المحتملة التي يمكن أن تتخذها الدول الأعضاء، مثل تقديم دعم الطاقة، والقسائم، والتخفيضات الضريبية.
وينعكس هذا على جودة ائتمان المرافق في أنه على الرغم من التحوط لمعظم عمليات المرافق لعام 2022 وغياب أي فائدة من الأسعار المرتفعة؛ فإنها قد لا تتمتع بأرباح مرتفعة في العام المقبل؛ لأن الحكومات قد تفرض ضرائب خاصة.
ويستفيد بعض اللاعبين -مثل محطات الطاقة الكهرومائية- من الوضع الحالي أكثر من غيرهم، إلى الحد الذي يكون فيه الإنتاج قابلًا للتجريب (وهو ما لا يحدث حاليًا في إسبانيا).
ومن المتوقع أن يأتي تطور مهم آخر طويل الأجل انطلاقًا من حرص المفوضية الأوروبية على تحسين تصميم سوق الكهرباء.
وتبدو المفوضية الأوروبية مستعدة للحفاظ على أسعار الكهرباء ميسورة التكلفة دون تعطيل الإمداد؛ من خلال تسريع توليد الطاقة المتجددة بتكلفة هامشية منخفضة والاستغناء عن الغاز والفحم مع تعزيز الاستثمارات الخضراء، حسبما أشار موقع إنرجي كونكتس، المعني بشؤون الطاقة العالمية.
التداعيات الاقتصادية للمرافق
في ضوء الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وانكشاف أوروبا على الواردات الروسية وارتفاع أسعار الطاقة، يتوقع المحللون أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو وبريطانيا في عام 2022 بمقدار 2-4 نقاط إلى 3.3-3.5%.
وسيظل نمو الناتج المحلي الإجمالي دون تغيير إلى حد كبير في عامي 2023 و2024 بالنسبة للتوقعات السابقة ويقف ضمن نطاق 2.1-2.6%.
وسيرتفع التضخم إلى 5% (في منطقة اليورو) و 6.3% (في بريطانيا) في عام 2022 قبل أن يتراجع إلى نحو 2% في كل من 2023 و2024.
بناء على ذلك، من المتوقع أن تعمل مرافق الغاز والكهرباء على مواصلة تنفيذ جداول أعمالها المتعلقة بمصادر الطاقة المتجددة.
وستجد هذه المرافق صعوبة في تحقيق التوازن بين الحاجة إلى المزيد من مصادر الطاقة المتجددة، والمزيد من الوقود الحيوي، وزيادة الاستثمار مع واقع تقليل الغاز.
زيادة جهود إزالة الكربون
يشكل الجدول الزمني المتسارع للاتحاد الأوروبي لتوسيع سعة الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، إلى جانب التنويع إلى طرق إمداد الغاز الجديدة، أساس قرار المفوضية الأوروبية لتقليل تبعية أوروبا.
وتواجه طموحات الطاقة المتجددة في أوروبا عدة عقبات؛ بما في ذلك العمليات الطويلة والمرهقة للحصول على التصاريح، وتوافر الأراضي، واضطرابات سلسلة التوريد؛ نظرًا لأن نسبة كبيرة من المكونات تأتي من الصين.
وقد يستمر اختلال التوازن بين العرض والطلب في دفع أسعار الكهرباء إلى ما بعد عام 2025. من جهة ثانية، ستعطي أوروبا الأولوية على الأرجح لأمن الإمداد على إزالة الكربون.
وهذا يعني زيادة استخدام محطات توليد الكهرباء بالفحم والليغنيت؛ لتعويض النقص في إمدادات الغاز في الوقت الحالي.
مستقبل البنية التحتية للغاز في أوروبا
يعني الاستغناء عن الغاز الروسي، في غياب واردات الغاز البديل، انخفاضًا حادًا في استخدام الغاز خلال العقد المقبل.
ونظرًا لانخفاض كميات الغاز واستعداد الاتحاد الأوروبي لتسريع التحول إلى التدفئة الكهربائية، يرى المحللون أن نماذج الأعمال لبعض شبكات البنية التحتية للغاز قد تحتاج إلى التطوير، وفقًا لموقع إنرجي كونكتس، المعني بشؤون الطاقة العالمية.
وعند توقف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا؛ فمن المرجح أن يتراجع استخدام بعض البنية التحتية للغاز لطرق العبور، بما في ذلك أقسامها داخل الاتحاد الأوروبي.
من أجل التخفيف جزئيًا من هذه المخاطر، من المتوقع أن يواصل الاتحاد الأوروبي تنفيذ مشروعات تتعلق بالغاز منزوع الكربون، مثل الهيدروجين والميثان الحيوي؛ ما قد يحفز الاستثمارات في البنية التحتية الجديدة بشكل أسرع مما هو متوقع حاليًا.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية