منذ أيام عدة والعراقيون يترحمون على بحيرة ساوة، القابعة في عمق صحراء قاحلة، والتي كانت تلقب بلؤلؤة العراق.
فتلك البحيرة التي انتشرت صورها في الفترة الأخيرة على مواقع التواصل، جافة، أضحت أثراً بعد عين، ما أثار حفيظة أبناء محافظة المثنى جنوب البلاد، إذ تعتبر أهم معالمها الجغرافية والسياحية.
نسبة ملوحة عالية
وتتميز ساوة بارتفاع نسبة الملوحة فيها مقارنة بباقي البحيرات والأنهار في البلاد، حيث تبلغ هذه النسبة 1500 بالمليون، وهي أعلى ملوحة من مياه الخليج العربي بمرة ونصف.
كما كان عمق مياهها يتراوح بين أربعة إلى خمسة أمتار، فيما يتباين لون الماء بين الأخضر الداكن (قرب الضفاف) إلى الأزرق.
ورغم تقلب مستواها حسب مواسم الجفاف والرطوبة، إلا أنها لم تكن يوماً تنضب أو تجف، بسبب التوازن بين كمية المياه الجوفية المضافة والأمطار، وتلك المتبخرة.
إلى ذلك، كان شكلها المتميز (على شكل الكمثرى عند النظر إليها من الأعلى) يجعلها معلما سياحيا ومركزاً للاصطياف في البلاد.
مياه علاجية وأسماك عمياء
كذلك اشتهرت تلك البحيرة منذ زمن بعيد بأنها تداوي الأمراض الجلدية بسبب تركيبة مياهها الكيميائية التي يكثر فيها عنصر الكبريت.
وكما مياهها الغريبة، وأحجار سياجها الأغرب، ثمة ما لا يقل غرابة عنهما.
ففي كل مياه العالم تعيش أسماك صالحة للصيد أو الأكل إلا في بحيرة ساوة، فأسماكها عمياء، ويمكن للناظر إليها أن يرى هيكلها العظمي من خلال جلدها الشفاف.
ولعل الأغرب أنها فور خروجها من الماء وتعرضها للشمس تذوب في الكف، لأنها تحتوي على كميات عالية من الشحوم.
جفاف البحيرة
وتعليقا على جفاق البحيرة، أوضح مدير بيئة محافظة المثنى المهندس يوسف سوادي للعربية نت، أن هناك 3 عوامل رئيسية وراء ذلك، منها طبيعي وبشري.
وأضاف أن التغير المناخي الذي أصاب العالم أثر على العراق بشكل كبير، يضاف إلى ذلك تغير الصفائح الزلزالية التي غيرت المجرى الطبيعي للمياه تحت الأرض.
شح دجلة والفرات
أما الأسباب البشرية فتكمن بحسب سوادي في إنشاء الفلاحين وأصحاب المصانع والمعامل عشرات الآبار الارتوازية التي أسرفت في استخدام المياه الجوفية، ما أسهم في انخفاض الكميات الواصلة إليها بشكل كبير جدا.
بدوره، أشار الخبير في الحدود والمياه الدولية جمال الحلبوسي للعربية نت إلى أن أحد الأسباب يعود لشح المياه في حوضي نهري دجلة والفرات بسبب قطع تركيا لها، حيث تمتلك ستة أحواض فيما العراق لديه حوضان فقط.
لكل تلك الأسباب إذاً، انطفأت جوهرة العراق هذه، فلم تعد تلك البحيرة تحظى في الوقت الحاضر بما تستحقه من زيارات، رغم أنها تعد من أقدم البحيرات المذكورة في كتب التاريخ.
يذكر أن كلمة ساوة تعني العجوز، وهي مأخوذة من الكلمة الآرامية سورث.
اقرأ أيضاً: بحيرة “ساوة”.. كسر قوانين الطبيعة والتفسيرات الفيزيائية
منذ أزمان سحيقة وهي تربض مثل كائن خرافي وسط صحراء مدينة السماوة في أقصى الجنوب الغربي من مركز محافظة المثنى في الجنوب من بغداد، وتبعد عنها 282 كلم.
ذكرها المؤرخون والرواة كثيراً، كرهها الفرس باعتبارها كانت نذير انهيار إمبراطوريتهم، إذ يربطون بين فيضانها يوم ولادة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وبين اهتزاز عرش كسرى.
وأحبها العرب المسلمون باعتبارها بشارة الولادة المباركة، لكن بعيداً عن التاريخ، تعاند البحيرة – اللغز قوانين الطبيعة والتفسيرات الفيزيائية.
فعلى الرغم من أنها تعيش ظروفاً مناخية شديدة الحرارة والتبخر، هي ظروف الصحراء الممتدة بين السعودية والعراق، المناخ الذي يبقى جافاً إلى شبه جاف، إلا أن مستوى مياهها بقي ثابتاً منذ أن عرفتها الجغرافيا.
وجزء من غرائبيتها أن مياهها إذا ما سحبت خارج البحيرة، تتحول إلى أحجار كلسية وكأنها ترفض مغادرة رحم البحيرة الأم، تماماً مثل بعض الحيوانات الحية التي تعوض ما يقتطع من أجسادها، فإن ساوه تعوض الأماكن التي تتهدم من سياجها الكلسي بتكلسات جديدة، ومن دون أن يتدخل الإنسان في ذلك، وهو ما لا يمكن لأي بحيرة أو نهر أو لكثير من الكائنات الحية القيام به كما تفعل (ساوه)، ومن هنا تجيء قناعة من يطالب بإضافتها كأعجوبة ثامنة تضاف إلى أعاجيب العالم السبع.
ظاهرة جيولوجية فريدة
حين فحص العلماء ماء ساوه مختبرياً، وجدوا شبهاً كبيراً بينه وبين مياه بحر قزوين الذي يبعد عنها آلاف الكيلومترات، فما الذي شابه مياه البحيرة بمياهه؟
هذا السؤال هو الذي حرّض بعثة علمية من الاتحاد السوفياتي على محاولة اكتشاف المشتركات منتصف سبعينيات القرن الماضي، غير أن ارتفاعها عن سطح الأرض وارتفاعها عن سطح بحر قزوين نفسه، ألغى فكرة التشارك هذه.
وأخذت عينات من ماء ساوه وأخضعت مختبرياً، لتضاف دهشة جديدة لدهشة العلماء السابقة، فقد اكتشفوا أن كثافة الماء تفوق كثافة مياه الخليج العربي وكثافة البحار عموماً، أما نسبة الملوحة فقد بلغت حوالي 1600 جزء بالمليون، وهو رقم غير معقول بالنسبة لمياه البحيرات، ولم يجد التفسير طريقاً للفرق البحثية.
كبريت.. وأسماك عمياء
مياهها لا تشبه مياه البحيرات ولا المياه العذبة، ومنذ أزمان عرف أنها تداوي الأمراض الجلدية لوجود تركيبة كيميائية يكثر الكبريت فيها، مثلما يروي الأهالي عنها شائعات، كتلك التي نقرأها في قصص الخيال العلمي أو نشاهدها في أفلام الرعب، تفيد بوجود الجن والأرواح في مناطقها، ولذلك ينصحون بتجنب زيارتها ليلاً.
وكما مياهها الغريبة، وأحجار سياجها الأغرب، فثمة ما لا يقل غرابة أم لم يفق الاثنين معاً، ففي كل مياه العالم – باستثناء البحر الميت طبعا ً- توجد أسماك صالحة للصيد والأكل إلا في بحيرة ساوه، فأسماكها المكتشفة وجدت عمياء، ويمكنك أن ترى هيكلها العظمي من خلال جلدها الشفاف جداً، وفور خروجها من الماء تذوب في الكف مباشرة مثل قطعة سمن نباتي.
كهوف وخفايا
على جوانب البحيرة العديد من الكهوف التي لم تكشف خفاياها، وفي فترة من الفترات أقامت دوائر السياحة في العراق منشآت وبيوتاً وكازينوهات لهواة المناطق الطبيعية البعيدة عن تدخل التكنلوجيا أو يد الإنسان، للتمتع بسحرها الفطري.
لكن الحصار وغياب حركة السياحة والإهمال أعادها إلى بدائيتها وإن بقيت شهرتها كما هي، ومن هنا كان اهتمام الأمريكيين واليابانيين بها بعد عام 2003، والذين تناوبوا على اتخاذها مقرات لهم، ولم يعرف أحد ما وصلوا إليه من معايشتهم لها طوال سنوات ما قبل الانسحاب من العراق.
المصدر: العربية – مواقع إلكترونية