توقع مقال بصحيفة “واشنطن بوست” (The Washington Post) الأميركية أن تسبب هزيمة روسيا لأوكرانيا تغيرات جيوسياسية واسعة في أوروبا وفي أهداف حلف الناتو والنظام العالمي القائم وبداية حقبة تسيطر فيها الصين على تايوان وجنوب شرق آسيا وخلق 3 كتل في العالم (أميركية، وروسية، وصينية)، وأن تعم الفوضى والصراع العالميين؛ حيث تتكيف كل منطقة في العالم بشكل متزعزع مع التكوين الجديد للقوة.
وأوضح كاتب المقال روبرت كاغان أنه عندما يكمل الروس عمليتهم، سيكونون قادرين على نشر قوات برية وجوية وصاروخية في قواعد بغرب أوكرانيا وكذلك في بيلاروسيا، التي أصبحت فعليا وكيلا لروسيا.
وبالتالي سيتم تجميع القوات الروسية على طول الحدود الشرقية لبولندا التي يبلغ طولها 650 ميلا، وكذلك على طول الحدود الشرقية لسلوفاكيا والمجر والحدود الشمالية لرومانيا، ومن المحتمل أن يتم وضع مولدوفا تحت السيطرة الروسية أيضا. وسيكون التهديد الأكثر إلحاحا على دول البلطيق، إذ تقع روسيا بالفعل على حدود إستونيا ولاتفيا مباشرة وتلامس ليتوانيا عبر بيلاروسيا ومن خلال موقعها الأمامي في منطقة كالينينغراد.
فك ارتباط دول البلطيق بالغرب
وأشار الكاتب إلى أن الإستراتيجية الجديدة لروسيا هي فك ارتباط دول البلطيق بحلف شمال الأطلسي من خلال إثبات أن الحلف لا يمكنه بعد الآن أن يأمل في تقديم الحماية لتلك البلدان.
وأضاف بأنه مع وجود بولندا والمجر و5 أعضاء آخرين في الناتو يتشاركون الحدود مع روسيا الجديدة الموسعة، فإن قدرة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على الدفاع عن الجناح الشرقي للحلف سوف تتضاءل بشكل خطير.
واستمر كاغان في توقعاته، وقال إن الوضع الجديد قد يفرض تعديلا كبيرا في معنى وهدف حلف الناتو. فالرئيس بوتين يريد إعادة تأسيس مجال نفوذ روسيا التقليدي في شرق ووسط أوروبا، ويسعى حاليا، على الأقل، إلى تشكيل حلف الناتو من مستويين، حيث لا تنتشر قوات التحالف على أراضي حلف وارسو السابقة؛ أي جميع دول شرق أوروبا التي على حدود روسيا، ويسعى أيضا إلى إنشاء “بنية” أمنية أوروبية جديدة مع وجود القوات الروسية على طول الحدود الشرقية للناتو.
حيوان إستراتيجي مختلف
ولخص كاغان سيطرة روسيا على أوكرانيا بما قاله وزير الخارجية الأميركية الأسبق دين أتشيسون “روسيا مع أوكرانيا حيوان إستراتيجي مختلف تماما”.
ويتوقع الكاتب أيضا أن يشجع انتصار روسيا على أوكرانيا وعدم مجابهة الولايات المتحدة والغرب عموما روسيا عسكريا، الصينَ على اجتياح تايوان والسيطرة عليها لتهيمن في شرق آسيا وغرب المحيط الهادي.
وقال إنه حان الوقت للبدء في تخيل عالم تسيطر فيه روسيا بشكل فعال على جزء كبير من أوروبا الشرقية، وتسيطر الصين على جزء كبير من شرق آسيا وغرب المحيط الهادي. وسيتعين على الأميركيين وحلفائهم الديمقراطيين في أوروبا وآسيا أن يقرروا، مرة أخرى، ما إذا كان هذا العالم مقبولا.
واختتم كاغان مقاله بأن خريطة أوروبا شهدت العديد من التغييرات على مر القرون. ويعكس شكلها قبل الغزو الروسي لأوكرانيا توسع القوة الأميركية وانهيار القوة الروسية من الثمانينيات حتى الآن، لكن من المرجح أن تعكس مرحلة ما بعد الغزو إحياء القوة العسكرية الروسية وتراجع نفوذ أميركا. وإذا اقترنت هذه التغيّرات بمكاسب للصين في شرق آسيا وغرب المحيط الهادي، فسوف يبشر ذلك بنهاية النظام العالمي الحالي و”بداية حقبة من الفوضى والصراع العالميين؛ حيث تتكيف كل منطقة في العالم بشكل متزعزع مع التكوين الجديد للقوة”.
المصدر : واشنطن بوست – الجزيرة