هل يستطيع العالم إطعام نفسه؟.. أزمة أسمدة تاريخية تهدد الأمن الغذائي على كوكب الأرض

لأول مرة على الإطلاق، يختبر المزارعون في جميع أنحاء العالم – في نفس الوقت – مدى قلة الأسمدة الكيماوية التي يمكنهم استخدامها دون تدمير محاصيلهم في وقت الحصاد، لكن التوقعات المبكرة قاتمة.

في البرازيل، أكبر منتج لفول الصويا في العالم، قد يؤدي خفض استخدام البوتاس بنسبة 20% إلى انخفاض بنسبة 14% في المحصول، وفقاً لشركة الاستشارات الزراعية “إم بي أرغو”، وفي كوستاريكا، ترى جمعية تعاونية للبن تمثل 1200 منتج صغير انخفاضاً في الإنتاج بنسبة تصل إلى 15% العام المقبل إذا فقد المزارعون ثلث الاستخدام العادي، أما في غرب أفريقيا، فسيؤدي انخفاض استخدام الأسمدة إلى تقليص محصول الأرز والذرة العام الجاري بمقدار الثلث، وفقاً للمركز الدولي لتطوير الأسمدة، وهو مجموعة غير ربحية للأمن الغذائي.

قال باتريس أنيكوين، الخبير في سوق الأسمدة في المركز الدولي لتطوير الأسمدة ومقره كوت ديفوار، إن المزارعين قد يزرعون ما يكفي لإطعام أنفسهم، لكن السؤال هو ما الذي سيكون لديهم لإطعام المدن، وعندما تضيف الجوع المتزايد عبر غرب أفريقيا إلى المخاطر الحالية مثل الإرهاب، “فهذا أمر خطير للغاية بالنسبة للعديد من الحكومات في منطقتنا”.

أما بالنسبة لمليارات الأشخاص حول العالم الذين لا يعملون في الزراعة، فإن النقص العالمي في الأسمدة ذات الأسعار المعقولة يبدو وكأنه مشكلة بعيدة، لكنها في الحقيقة مشكلة ستمس كل أسرة.

حتى في السيناريو الأقل اضطراباً، سيؤدي ارتفاع أسعار المغذيات الاصطناعية إلى انخفاض غلة المحاصيل وارتفاع أسعار متاجر البقالة لكل شيء بدءاً من الحليب إلى اللحم البقري إلى الأطعمة المعلبة لشهور أو حتى سنوات قادمة في جميع أنحاء العالم المتقدم، فماذا عن الاقتصادات النامية التي تواجه بالفعل مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي؟ يهدد انخفاض استخدام الأسمدة بسوء التغذية، والاضطرابات السياسية، وفي نهاية المطاف خسائر في الأرواح البشرية كان من الممكن تجنبها.

قال مارسيلو كوديا، 61 عاماً، مزارع في منطقة إنتاج الأرز في وسط لوزون في الفلبين، واقفاً خارج رقعة الأرض التي كان يزرعها منذ 13 عاماً: “أقلل استخدام الأسمدة في دورة المحاصيل الحالية لأني لا أستطيع تحمل مثل هذه الأسعار العالية، وعلى بعد حوالي 12 ألف ميل، يواجه مزارع فول الصويا البرازيلي نابولاو روتيلي نفس الخيارات الصعبة، وقال المزارع من الجيل الثاني، البالغ من العمر 33 عاماً: “إذا كانت الأسمدة باهظة الثمن، فسنستخدم كمية أقل من الأسمدة.. وإذا استخدمنا كميات أقل، فسننتج محاصيل أقل.. وسترتفع أسعار المواد الغذائية وسيعاني الجميع”.

لماذا ترتفع أسعار الأسمدة؟

يعتمد المزارعون التجاريون على مزيج من ثلاثة مغذيات رئيسية – النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم – لتغذية محاصيلهم، ولطالما كانت هذه المدخلات أساسية، ولكن لم تتعلم البشرية سوى قبل قرن من الزمان كيفية تصنيع المغذيات القائمة على الأمونيا بأحجام ضخمة، وسمح اكتشاف طريقة هابر بوش في أوائل القرن العشرين، والتي لا تزال تُستخدم في صناعة الأسمدة حتى يومنا هذا، للمزارعين بزيادة محاصيلهم بشكل كبير، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الصناعة الزراعية تعتمد على – بل تتوقف على – الأسمدة من صنع الإنسان، ورغم اختلاف احتياجات التربة من منطقة إلى أخرى، إلا أن الاتجاه العام لا جدال فيه: زيادة استخدام الأسمدة يؤدي إلى زيادة إنتاج الغذاء.

ولكن مع ارتفاع تكاليف المغذيات الاصطناعية – في أمريكا الشمالية، تضاعف أحد مقاييس الأسعار ثلاثة أضعاف تقريباً عما كان في بداية الوباء – كان على المزارعين البدء في تقليص استخدامها، وأحياناً بقدر كبير، وهو ما يضع العالم في منطقة مجهولة.

كيف سيضر الاستخدام الأقل للأسمدة بالناتج؟

قال توني ويل، الرئيس التنفيذي لأكبر شركة أسمدة نيتروجينية “سي إف اندستريز هولدينغز”، في مقابلة في مارس: “أكبر مخاوفي هي أن ينتهي بنا الأمر بنقص حاد في الغذاء في أجزاء من العالم”.

في الفلبين، يبلغ سعر اليوريا – وهو سماد نيتروجيني رئيسي – حوالي 3000 بيزو (57 دولاراً) للكيس الواحد، وحتى أكثر من ذلك عند نقله إلى الحقول. وقال روجر نافارو، رئيس شركة اتحاد الذرة الفلبيني، إن هذا يزيد عن ثلاثة أضعاف السعر في نفس الوقت من العام الماضي، و”سيميل المزارعون إلى تقليل جرعة الأسمدة المعتادة لمحاصيلهم وسيؤدي ذلك إلى تقليل الإنتاج”، كما توقع 10% انخفاض في المحاصيل، وأضاف: “إنه لأمر محزن، لكن هذا هو الواقع”.

توقعات المحاصيل أسوأ حتى في الأماكن الأخرى، يواجه القطاع الزراعي في بيرو عجزاً قدره 180 ألف طن متري من اليوريا، وقد ينخفض إنتاج المواد الأساسية مثل الأرز والبطاطس والذرة بنسبة تصل إلى 40% ما لم تتوفر المزيد من الأسمدة، وتوقع المعهد الدولي لبحوث الأرز أن غلة المحاصيل قد تنخفض بنسبة 10% في الموسم المقبل، ما يعني أنه سيكون هناك 36 مليون طن أقل من الأرز – وهو ما يكفي لإطعام 500 مليون شخص، وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، قد ينخفض إنتاج الغذاء بنحو 30 مليون طن في عام 2022، أي ما يعادل الاحتياجات الغذائية لـ100 مليون شخص، حسبما قال الاتحاد الدولي لتنمية الصادرات في ديسمبر، وصدرت هذه التوقعات قبل الحرب في أوكرانيا والتي دفعت الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة الربيع الجاري.

أيضاً هناك قلق متزايد من أن الاستخدام الأقل للأسمدة سيخفض جودة المحاصيل، وما عليك إلا أن تسأل غاري ميلرشاسكي، الذي يزرع ما يقرب من 4000 فدان من القمح وحوالي 3000 فدان من الذرة والذرة الرفيعة في جنوب غرب كانساس، وقال ميلرشاسكي، الذي هو كذلك رئيس لجنة كنساس للقمح، إن “أكبر مخاوف” اللجنة الربيع الجاري هو أن المزارعين ربما تخطوا استخدام النيتروجين مع خروج القمح من سبات الشتاء قبل عدة أسابيع، وإذا فعلوا ذلك، فقد يضر ذلك بمحتوى البروتين في الحبوب وينتج “فئة أقل من القمح”.

مع تصدير ما يقرب من نصف القمح الأمريكي إلى بلدان أخرى، فإن هذه مشكلة ستؤثر على المستهلكين في جميع أنحاء العالم، وسيبدأ حصاد القمح الشتوي الأحمر القاسي، وهو الفئة الأكثر زراعة في الولايات المتحدة والحبوب المستخدمة في صناعة الدقيق لجميع الأغراض، في شهر يونيو.

كيف يغذي الاستخدام الأقل للأسمدة التضخم؟

بدون شك، سيكون الطعام الناتج أكثر تكلفة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية بأسرع وتيرة على الإطلاق مع تضرر إمدادات المحاصيل بسبب الحرب في أوكرانيا، وصعد مؤشر الأمم المتحدة لتكاليف الغذاء العالمية بنسبة 13% أخرى في مارس.

وقال ويليام دار، وزير الزراعة الفلبيني، في رسالة نصية إلى “بلومبرغ نيوز”: “الأمن الغذائي في خطر”.

ولدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، دون زيادة مقابلة في الدخل، تاريخ طويل في إثارة الاضطرابات الاجتماعية، وفي عامي 2008 و2011، أثار ارتفاع التضخم أعمال شغب بسبب الغذاء في أكثر من 30 دولة عبر آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، ما أشعل فتيل انتفاضات الربيع العربي.

قال جدعون نيجيدو، السكرتير التنفيذي لجمعية منتجي وموردي الأسمدة في نيجيريا وعضو في مبادرة الأسمدة الرئاسية: “هذا هو مصدر القلق الكبير: هل سيكون لارتفاع أسعار المواد الغذائية رد فعل مرتد؟.. وقد تبدأ أسواق المواد الغذائية في الاستجابة لهذه الأسعار لأنه لا توجد زيادة مكافئة في متوسط دخل الأسرة”.


ما الذي يمكن للمزارعين عمله؟

لا يجلس المزارعون مكتوفي الأيدي، فأولئك الذين تمكنوا من تأمين الأسمدة قبل آخر صعود، أصبحوا يفكرون باستراتيجية حول كمية استخدامهم، بما في ذلك الميل إلى “الزراعة الدقيقة”، وهذا يعني جمع المزيد من البيانات عن حقولهم، ومراقبة المحاصيل لزيادة الكفاءة وتطبيق أدوات تحليل البيانات الأخرى. يختبر المزارعون التربة بشكل متزايد بحثاً عن العناصر الغذائية العالقة ويستخدمون نفس القدر المطلوب من الأسمدة، بدلاً من وضع كميات مبالغ فيها وتقديرية – وهي ممارسة مستخدمة في بعض الأماكن مثل الولايات المتحدة وأجزاء من البرازيل منذ عقود ولكنها ليست شائعة في أجزاء أخرى من العالم.

قالت كاري لابوسكي، الأستاذة وعالمة التربة في جامعة ويسكونسن- ماديسون، إذا كانت التربة تتمتع بنسبة عالية من الفوسفور أو البوتاسيوم، “غالباً ما تكون بحاجة إلى القليل من الأسمدة أو عدم وجودها على الإطلاق”، وبالنسبة لبعض المحاصيل مثل الذرة، قد يستخدم المزارعون القليل من “الأسمدة الأولية” أثناء الزراعة، وهو ما يشبه التأمين إذا كانت التربة تختبر نسبة عالية من مغذيات المحاصيل، وقالت عندما يتعلق الأمر بالنيتروجين، “لا ينبغي عليهم التخلي عنه، بل تقليصه”.

تستكشف بعض المزارع أيضاً تركيبات مصممة خصيصاً، مثل كبسولات صغيرة من العناصر الغذائية التي تذوب ببطء بمرور الوقت، ورغم أنه ليس حلاً للعديد من المزارع التجارية نظراً لحجمها الكبير، إلا أن البعض الآخر يستكشف بدائل للأسمدة الكيماوية، بما في ذلك فضلات الحيوانات.

قال مارك توبليف، المحلل الرئيسي لاقتصاديات المزارع في مجلس تنمية الزراعة والبستنة في بريطانيا: “أصبح السماد العضوي وحمأة الصرف الصحي والمواد الصلبة الحيوية أو المغذيات العضوية أكثر قيمة”.

حتى أن بعض المزارعين يبتعدون تماماً عن المحاصيل عالية الاحتياج للأسمدة، مثل الذرة، لصالح المحاصيل منخفضة الاحتياج مثل الفاصوليا.

وجد تريغ كرونين، وهو مزارع أمريكي في وسط ولاية ساوث داكوتا، الذي يختار بين زراعة القمح والذرة وعباد الشمس والشوفان وفول الصويا، نفسه في وضع يحسد عليه: تسبب جفاف العام الماضي في زيادة نسبة النيتروجين في تربة كرونين، لذلك اختار زراعة 10% أكثر من الفدادين بعباد الشمس – والتي تحتاج إلى النيتروجين أكثر من فول الصويا، ولكن إذا ظلت أسعار الأسمدة مرتفعة في الأشهر المقبلة، فسيركز العام المقبل على المزيد من فول الصويا، ويجري الآخرون حسابات مماثلة، ويأملون أن يراهنوا في الاتجاه الصحيح.

قال: “إذا كنت تريد حقاً لعب الشطرنج ثلاثي الأبعاد، فربما يمكنك بدلاً من ذلك التفكير فيما ستزرعه العام المقبل أكثر من العام الجاري”.

المصدر: اقتصاد الشرق – مواقع إلكترونية

Exit mobile version