كانت المياه الجوفية -وما زالت- مفيدة للغاية لكوكب الأرض بسبب استخدامها في الزراعة أو للشرب.
وتشير التقديرات إلى وجود ما يقرب من تريليوني حوض سباحة أولمبي من المياه المخزنة في الجزء العلوي من القشرة القارية البالغ 10 كيلومترات، كما أن الأرض الجافة ليست جافة تمامًا؛ لأنها مشبّعة بكميات هائلة من المياه الجوفية، مخبأة في مساحات الأرض التي نسير عليها.
ونظرًا لارتفاع درجة حرارة الأرض وجفاف الممرات المائية؛ سيزداد استخراج المياه الجوفية الذي ينطوي على مشكلة خفية؛ حسبما نشر موقع شبكة “ذا كونفرسيشن” الإعلامية الأسترالية.
وساد اعتقاد لدى الخبراء بأن المادة العضوية في المياه الجوفية لا تتفاعل عند طرحها، لكن العكس هو الصحيح.
المادة العضوية في المياه الجوفية
توصل بحث جديد نشرته مجلة نيتشر كوميونيكيشنز البريطانية إلى أنه عندما تُضَخ المياه الجوفية –خصوصًا من الأعماق- إلى السطح؛ فإنها تجلب معها مادة عضوية مذابة محفوظة منذ مدة طويلة.
وعند تعرض هذه المادة العضوية لضوء الشمس والأكسجين، يمكن أن تتحول بسهولة إلى ثاني أكسيد الكربون.
وهذا يعني أن المياه الجوفية من المحتمل أن تكون مصدرًا آخر للغازات المسببة للاحتباس الحراري على كوكب الأرض، وهي مصدر غير مدرج في حسابات كميات الكربون الحالية.
ويقدر المحللون أن حجم هذه المادة العضوية يصل إلى الكمية نفسها من الكربون العضوي المذاب التي يطلقها نهر الكونغو سنويًا، وهي ثاني أكبر كمية في العالم من حيث الحجم.
ومن المرتقب أن تتفاقم هذه المشكلة؛ لأن الإفراط في استخراج المياه الجوفية التي يمكن الوصول إليها يحفز البحث عن المياه العميقة، التي تحتوي على الكثير من هذه المواد العضوية المنتجة للغازات المسببة للاحتباس الحراري.
لذلك، يجب تضمين هذا المصدر غير المتوقع لغازات الاحتباس الحراري في حسابات الكربون.
تجدر الإشارة إلى أن الزراعة في أستراليا تعتمد بشكل كبير على المياه الجوفية التي تُضَخ في بعض المناطق.
كيف يمكن أن تكون المياه الجوفية مصدرًا لغازات الاحتباس الحراري؟
يمكن أن تظل المياه الجوفية تحت الأرض لملايين السنين؛ حيث يعتمد تركيبها الكيميائي على الصخور أو الأرض التي تحيط بها.
خلال هذا الوقت، تتحلل المادة العضوية المذابة ببطء شديد بسبب الظلام، ولا توجد طريقة لتجديد الأكسجين الذي عادة ما يذوب في الماء من الغلاف الجوي، وتمثل الآبار والمضخات إحدى طرق وصول المياه الجوفية إلى ضوء النهار والهواء.
علاوة على ذلك، تتسرب المياه الجوفية يوميًا من سواحل العالم بمعدل 13 ضعف المياه في ميناء سيدني، وعلى النقيض من ذلك، تضخ كل آبار العالم نحو 5 موانئ سيدني يوميًا.
ولمعرفة ما يحدث عند ظهور هذه المياه القديمة؛ فإنّ فريقًا من الباحثين لدى مؤسسة نيتشر كوميونيكيشنز جمّعوا بعض أقدم المواد العضوية الذائبة في المياه الجوفية العميقة التي حُلِّلَت حتى الآن؛ حيث أُذِيبَت هذه المادة العضوية في المياه الجوفية لأكثر من 25 ألف عام.
ووجد الباحثون أن التعرض طويل الأمد لبيئات المياه الجوفية العميقة المظلمة والمستنفدة للأكسجين يعني أن الجزيئات قد جرى الحفاظ عليها والتي عادة ما تتحلل بفعل أشعة الشمس أو الميكروبات المنتجة لغازات الاحتباس الحراري عند تعرضها للأكسجين.
من ناحيتها، تشكل الجزيئات المحتوية على الكربون والأكسجين والهيدروجين المادة العضوية المذابة في المياه الجوفية.
ويمكن للكائنات الحية الدقيقة تكسير بعض هذه الجزيئات، ويتولى ضوء الشمس تحول الجزيئات المتبقية إلى جزيئات جديدة أو إلى ثاني أكسيد الكربون.
واعتمادًا على التقديرات العالمية للمادة الذائبة في المياه الجوفية، قدّر الباحثون كمية المادة العضوية التي أُحضِرَت إلى السطح عن طريق الآبار أو التدفق إلى البحر، بما يقرب من 12.8 مليون طن سنويًا.
التعامل مع التغير المناخي
بما أن المياه الجوفية هي مصدر الكربون، ينبغي أخذها في الحسبان بالطريقة التي يجري التعامل بها مع التغير المناخي.
ومن أجل التنبؤ بدقة بسيناريوهات التغير المناخي المستقبلية والسرعة اللازمة للمعالجة، تصبح معرفة جميع مصادر ومسارات إزالة الكربون من وإلى الغلاف الجوي أمرًا ضروريًا.
ونظرًا للتوقعات بأن يصل عدد سكان أستراليا إلى ما يقرب من 40 مليونًا في غضون الأعوام الـ40 المقبلة؛ فإن استمرار نمط حياة هذا العدد المتزايد من السكان يعني المزيد من المياه الجوفية للزراعة والصناعة والاستخدام المنزلي.
وعلى الرغم من الكميات الهائلة من المياه الجوفية في القشرة الأرضية؛ فإنه من الصعب جدًا استخراج معظمها، وفقًا لما نشره موقع شبكة “ذا كونفرسيشن” الإعلامية الأسترالية.
ويُستَغل حاليًا العديد من الأحواض الارتوازية القريبة من السطح، وفي العديد من الأماكن، يمثل الاستخراج المفرط للمياه الجوفية مشكلة حقيقية، بسبب جفاف الآبار في بعض المناطق الزراعية.
ونتيجة نفاد المياه القريبة من سطح الأرض، يضطر الناس إلى الاستمرار في استخراج المياه العميقة والقديمة التي تحتوي على المزيد من الجزيئات العضوية التي يمكن أن تتحول إلى ثاني أكسيد الكربون بمجرد استخراجها.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية