تُعتبر اللآلئ الطبيعية واحدة من أكثر الأحجار الكريمة استدامة، وصداقة للمناخ. وتتطلع مملكة البحرين، إلى إحياء صناعة اللؤلؤ التقليدية، التي كانت ذات يوم العمود الفقري لاقتصاد البلاد.
ولمدة قرون، كان يغوص البحرينيون بحرية لجمع محار اللؤلؤ من قاع البحر.
وقالت فاتن إبراهيم مطر، تاجرة اللؤلؤ من الجيل السادس من عائلة مطر: “قبل اكتشاف النفط في البحرين، كانت معظم العائلات مرتبطة بتجارة اللؤلؤ، بدءًا من التجار إلى الغواصين والحفارين”.
وفي العام 2012، تم إدراج مسار اللؤلؤ ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وذلك كشاهد تاريخي على تراث اللؤلؤ الذي يعود إلى آلاف السنين، ولأهميته كمورد اقتصادي ومؤثر في النظام الاجتماعي.
وأوضحت مطر: “تُعتبر البحرين سوقًا مهمًا لهذه الأعمال بسبب موقعنا الجغرافي كجزيرة في منتصف طريق التجارة من العراق إلى الهند”، لافتة إلى أن بعض علماء الأحياء البحرية يعتقدون أن تقارب المياه المالحة مع الينابيع الطبيعية العذبة في وسط الخليج يخلق بيئة فريدة لتنمو اللآلئ بدرجة عالية من اللمعان.
ورغم انخفاض قيمة اللؤلؤ الطبيعي بعد ظهور اللؤلؤ المستنبت في اليابان في أوائل القرن العشرين، إلا أن الأحجار الكريمة تشهد نهضة في الوقت الذي يبحث فيه المستهلكون عن مجوهرات ذات قطع فريدة من نوعها.
اللآلئ الطبيعية “فائقة الفخامة”
وفي بداية القرن العشرين، كان امتلاك لؤلؤة ذات شكل مثالي دليل على الثروة الباهظة.
واليوم، يمكن أن تجلب مجوهرات اللؤلؤ الطبيعي ما يزيد عن 300 ألف دولار في المزاد، مع بيع بعض القطع التاريخية بما يصل إلى 32 مليون دولار.
وتحدث اللآلئ الطبيعية عندما يجد جسم غريب، مثل حبة رمل أو طفيلي، طريقه داخل محار اللؤلؤ. ولحماية نفسه، ينتج المحار مادة معدنية قزحية لابتلاع الجسم.
ومع وجود اللآلئ الطبيعية في 1 فقط من 10 آلاف محار، وكل واحدة تنمو بشكل عضوي على مدى عدة سنوات في شكل فريد، فإن كل لؤلؤة طبيعية هي في الواقع نادرة ولا تُضاهى.
وعلى عكس اللآلئ المستزرعة، والتي غالبًا ما تتضمن إدخال جسم غريب في المحار، الأمر الذي يمكن أن يكون ضارًا بالبيئة، تتطور لآلئ البحرين الطبيعية دون أي تدخل بشري.
وقالت نورة جمشير، الرئيسة التنفيذية لمعهد البحرين للؤلؤ والأحجار الكريمة “دانات”، الذي تأسس في عام 2017 لدعم خطة وطنية لإحياء قطاع اللؤلؤ، إن عملية الجمع تحصل من خلال غواصين مرخصين يجمعون المحار يدويًا وبعناية.
وبالتعاون مع المجلس الأعلى للبيئة وخفر السواحل، تعمل “دانات” على مراقبة وحماية أحواض اللؤلؤ، كما توقف الغوص بشكل دوري في مناطق معينة للسماح لها بالنمو.
ويقوم المعهد أيضًا باختبار اللؤلؤ واعتماده، مع تقديم تدريب عملي على تصنيف اللؤلؤ.
ورغم تأثره في الوباء، إلا أن سوق اللؤلؤ الطبيعي يشهد نموًا مطردًا.
وبحسب ما ذكره معهد “دانات”، نمت جميع أجزاء الصناعة في البحرين خلال العام الماضي، وشهد عام 2021 نموًا كبيرًا في عدد تراخيص الغوص بحثًا عن اللؤلؤ، إضافة إلى التراخيص الممنوحة لغواصات اللؤلؤ.
وقال كينيث سكارات، رئيس لجنة اللؤلؤ في الاتحاد الدولي للمجوهرات (CIBJO)، إن التحدي الأكبر لسوق اللؤلؤ الطبيعي اليوم هو اللؤلؤ المستزرع.
وأوضح سكارات، الخبير المشهور عالميًا والذي عمل في قطاع اللؤلؤ لمدة 50 عامًا وساعد في إدارة “دانات” عندما تم إطلاق المعهد لأول مرة، أن الانهيار في قيمة اللؤلؤ الطبيعي نتج عن ظهور اللؤلؤ المستزرع في اليابان، تلاه الكساد الكبير في فترة الثلاثينيات، لافتًا إلى أنه “بمجرد انتهاء الكساد الكبير، نمت تجارة اللؤلؤ المستزرع بشكل كبير.. ولم يعد الأثرياء يشترون اللؤلؤ، لكن اللؤلؤ المستزرع كان خيارًا ميسورًا للأشخاص العاديين”.
وبالنسبة إلى العين غير المدربة، فلا يمكن تمييز اللؤلؤ المستزرع عن اللآلئ الطبيعية.
ومع وجود اللآلئ الطبيعية التي تجني الملايين في المزادات ونظيرتها المستزرعة مقابل أقل من 50 دولارًا، من السهل معرفة سبب اختيار المستهلكين للتقليد المثالي.
ولكن، رأى سكارات أن الاهتمام باللآلئ الطبيعية تجسد مجددًا خلال العقد الماضي، موضحًا: “هناك شريحة متنامية من السوق تبحث عن ما هو نادر.. هذه الشريحة من السوق تبحث عن لآلئ طبيعية”.
وأضاف أن غالبية اللآلئ الموجودة في البحرين هي “لآلئ البذور”، وهي عبارة عن لآلئ صغيرة تُستخدم في تصاميم المجوهرات المعقدة والأزياء الراقية، موضحًا: “لديها مظهر جميل بشكل خاص”.
وعاد الطلب على هذه اللآلئ البحرينية من البذور. وبالتالي، بدأ صائغو المجوهرات المتميزين في إعادة تصور اللآلئ الطبيعية بالتصاميم المعاصرة.
وقالت مطر: “الأجيال التي جاءت بعد ولادة اللؤلؤ المستزرع، والتي لم تشهد لآلئ طبيعية، لن تعرف بالضرورة الفرق بين اللؤلؤ المستزرع والطبيعي”، مؤكدة: “هدفنا الأكبر هو تثقيف العالم حول الجمال الجذاب للؤلؤ الطبيعي، وخاصة اللؤلؤ البحريني، من خلال تقديم مفاهيم جديدة وابتكار مجوهرات عالمية المستوى تغرس حب هذه الأحجار الكريمة”.
اقرأ أيضاً: مسار اللؤلؤ بالبحرين.. كيف سيسافر بك إلى ماضي تراث اللؤلؤ الذي يعود لآلاف الأعوام؟
قديماً، كانت جزيرة المحرّق البحرينية تُعتبر عاصمة تجارة اللؤلؤ في الخليج العربي، حتى أدت مختلف العوامل إلى تراجع اقتصاد اللؤلؤ. ومع أن أزقة المحرّق الضيقة، لم تعد تضج بتجار اللؤلؤ مثلما كانت في الماضي، إلا أن حكايات تجارة اللؤلؤ لا تزال متجذرة في مشروع مسار اللؤلؤ في البحرين!
وتتمحور فكرة مشروع مسار اللؤلؤ حول الربط بين اسم البحرين وثقافة صيد اللؤلؤ، التي تُعتبر “من أهم جوانب الهوية الوطنية البحرينية”، وفقاً لما قالته مديرة مشروع مسار اللؤلؤ، ورئيسة الشؤون الهندسية في هيئة الثقافة والآثار في البحرين، نورة السايح، في مقابلة مع موقع CNN بالعربية.
ويقع المسار في جزيرة المحرّق البحرينية، التي كانت تُعتبر عاصمة صيد اللؤلؤ في الخليج العربي في الماضي، وفقاً لما ذكرته السايح.
ويمتد طوله إلى 3 كيلومترات ونصف، ويمر بجميع أنحاء الجزيرة.
ويعود الإرث المبني المتعلق بتجارة اللؤلؤ في الجزيرة، والمُدرج ضمن قائمة التراث العالمي في اليونيسكو، إلى عام 1890.
واستمرت الهياكل في التطور إلى عام 1930، وهو العام الذي شهد نهاية صيد اللؤلؤ من ناحية اقتصادية.
وأشارت السايح إلى تراجع تجارة اللؤلؤ لـ3 أسباب، وهي اكتشاف النفط في البحرين، وحدوث الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1929التي خفضت الطلب على اللؤلؤ، إضافةً إلى اختراع اللؤلؤ الصناعي في اليابان.
ويتضمن المسار 17 منزلاً تنتمي إلى مختلف الأشخاص من مجتمع تجارة اللؤلؤ قديماً، مثل الغواصين، وتجار اللؤلؤ.
ويعد مجلس سيادي من أبرز المنازل في مسار اللؤلؤ من ناحية معمارية.
وكانت عائلة سيادي من أهم تجار اللؤلؤ في البحرين، واستضاف المجلس العديد من التجار العالميين مثل جاك كارتييه.
ولا يزال المسار في قيد البناء حتى الآن، ومن المقرر إنجاز المشروع بكامله في نهاية عام 2020.
المصدر: CNN